4 - نبوءة الكهف المجروح

مرّت سبعة أيام على طقوس البئر.

آرا لم يعد يرى جدوى من الكلمات. كأن صوته صار غريبًا عليه.

كان يأكل بصمت، ينام بصمت، يتدرّب بصمت. وكل من حوله بدأوا يلاحظون... أن الظلال لم تعد تهمس له سرًا. بل تناديه علنًا، كما يُنادى القَدر.

طقوس الظل لا تُبقي أحدًا كما كان.

لكنها غيّرت آرا ببطء... مرعب.

في اليوم الثامن، جاءه دريوس بنفسه. عيناه كأنها غُرست بمطرقة في وجهه، وصوته محمّل بنذر لا يُسر.

"لقد حان الوقت."

"لأي شيء؟" سأل آرا، وصوته يحمل برودة معدنية.

"أول مهمة خارج الجدران. لاختبارك... ولتقترب من الحقيقة التي لمّحت بها الجمجمة."

الطريق امتد بين غابات ميتة، وأرض تتنفّس غبارًا.

خلفهم، القصر الأسود اختفى في ضباب لا يشبه شيئًا معروفًا.

وأمام آرا، كانت تنتظره عربة مغطاة بجلد مشقوق، تجرّها مخلوقات رمادية بثلاث عيون.

جلس داخلها، وبجانبه جلس الكاهن "نَذام".

رجل طاعن في السن، عاري الرأس، بشرته داكنة تتخللها رموز بيضاء متوهجة، كأن جسده يُصلّي بصمت.

قال نذام بصوت أجش:

"وجهتنا: كهف يُدعى [نِزف الصخر]. هناك، ستلتقي بمن يُدعى الناقل الأخير. وحده يعرف من أنت."

"ولماذا أنا؟"

ابتسم الكاهن بسخرية:

"لأنك اللعنة... التي نحتاجها."

بعد مسيرة ثلاثة أيام، وصلوا.

الكهف بدا كأنه جُرح مفتوح في جسد الأرض.

عند مدخله، تمثالان من عظام بشرية، يحملان لوحًا حجريًا كُتب عليه:

> "من دخل هنا، يُنزف من داخله قبل جلده."

وقف آرا للحظة عند العتبة.

شعر أن الكهف لا يُفتح له... بل يبتلعه.

دخل آرا... ومع خطواته، تغيّر الهواء.

رطوبة لزجة، وروائح تشبه دمًا فاسدًا منذ قرون.

الداخل مظلم... حتى أضاء نور باهت من نار زرقاء، ليُظهر رجلًا جالسًا في الظل.

وجهه مغطى بأقنعة مكسورة، كل واحدة تمثّل ميتة مختلفة.

"أنت هو؟" سأل آرا.

"لا تسأل، بل استمع."

كان صوته كأن ألف شخص يتكلمون معًا.

"أبوك... لم يكن ممن تحسب.

دمك مزيج من الظل والنور، مخلوق غير مقبول عند الطرفين.

كنت المذبوح الذي لم يمت. الطفل الذي وُلد مرتين."

"ومصيري؟" سأل آرا.

"أن تختار من يجب أن يُفنى."

أخرج الرجل مرآة مكسورة، ناولها لآرا.

"انظر."

نظر آرا…

فرأى نفسه واقفًا فوق جبل من جماجم، وفي يده راية نصفها أبيض… ونصفها يتقطّر دمًا.

لكنه لم يُمنح وقتًا ليستوعب.

صرخة غريبة دوّت في الخارج. خرجوا من الكهف...

السماء اسودّت، ومخلوقات من لحم مشوّه وأطراف زائدة تمشي بين الأشجار، تُهاجم كل شيء يتحرك.

"خُلقوا من شق بين الظل والنور… إنهم يبحثون عنك." قال الكاهن.

آرا لم يحمل سيفًا. فقط روحه… التي انقلبت ظلالًا.

رفع يده…

ومن تحت قدميه، خرجت سلاسل مظلمة، تلتف، تنبض، وتخترق أجساد الوحوش.

تمزّقها من الداخل، وتحرقها بنيران سوداء.

"كيف؟" سأل نذام، مذهولًا.

آرا كان واقفًا بثبات.

> "هم بقايا ما رفضه النور... وما لفظه الظل. لا يملكون ملامح، ولا مصير.

وأنا... القاضي الذي يُنهي ما لا يجب أن يوجد."

بعد انتهاء القتال، جلس آرا قرب النار. عينيه تحدّقان في المرآة.

"أنا لست ابن الظلال، ولا ابن النور… أنا شيء ثالث."

ولأول مرة، ابتسم ابتسامة خفيفة:

"وربما... هذا أسوأ كابوس للجميع."

وفي عمق القصر الأسود، وقف دريوس أمام المرآة المقدسة، يتحدث مع أحد سادة الظل:

"بدأ يتحوّل."

"جيد... نريده أن يصل لنقطة اللاعودة."

"وماذا لو قاوم؟"

"إذن سنفتح له الأبواب..

. ليشرب من الدم الذي أنجبه."

2025/04/16 · 7 مشاهدة · 495 كلمة
عباس 🐌
نادي الروايات - 2025