سبعة أيام مرّت، والجروح على جسد آرا كانت تبدأ بالشفاء، لكن الألم كان ينهشها كما لو أنها لا تلتئم أبدًا. الظلال كانت تتسلل إلى أعماق عقله، تغزو أفكاره، وتهمس له بصوت خافت، وكأنها جزء منه الآن. الذاكرة التي رآها في مرآة الناقل الأخير أصبحت أكثر وضوحًا، وصارت تأخذ شكلًا مرعبًا لا يستطيع الهروب منه.
داخل غرفه القاحلة في القصر الأسود، كان يتحرك كما لو أن الظلال تتسرب منه في كل خطوة. لم يعد يشعر بالراحة داخل جدران القصر أو حتى في عزلته. كان يعاني من أسئلة تتزاحم في عقله، لا يجد لها إجابة. كيف يمكن أن يكون هو ابنًا للنور والظل معًا؟ كيف يمكن للدم أن يكون مُقسّمًا بين النور، هذا العدو الأزلي للظلال، وبين الظلام نفسه الذي يتغذى على الخوف والموت؟
في تلك اللحظة، وجد نفسه في غرفة مظلمة، سقفها منخفض وأشبه بجزء مفقود من الزمن. شعاع واحد من الضوء يتسرب عبر الشقوق في السقف، يكاد يعمي العين. كان يقف هناك، وحيدًا، يتنفس بصعوبة، يحاول أن يفهم نفسه وسط كل هذا الظلام.
ثم… أصبح الصوت في رأسه أعلى:
"أنت لست وحدك، آرا."
كان الصوت عميقًا، عذبًا، ومتوترًا في آنٍ واحد. كأن الظلال نفسها تتحدث إليه.
"من يتحدث؟" همس آرا، صوته كان مرتجفًا وكأن الظلال قد أطبقت على قلبه.
ظهَر الناقل الأخير أمامه فجأة، كما لو أنه خرج من جدران الظلال نفسها. وجهه كان مغطى بأقنعة مكسورة، لكن الآن كانت عيونه مكشوفة، غارقة في أسرار لا يمكن لعقل بشري أن يتحملها.
"لماذا تظهر لي؟" سأل آرا بصوت مرتجف، كان هناك شيء غريب في داخله، شيء يتراقص بين الظلام والنور.
"لأنك جاهز للمعرفة، يا آرا."
لكن قبل أن يستطيع آرا الرد، اهتزت الأرض فجأة، وكان هذا الهزّ كأنما قلب الجحيم نفسه. في اللحظة التي وقعت فيها الهزة، انفتح باب في الجدار، وأضاء شعاع أزرق في الظلام، يكشف عن غرفة مليئة بعظام قديمة ورماد متراكم.
"إنه هنا." قال الناقل الأخير.
وخرج أفراد من الظلال، ضباب أسود ثقيل، يلبسون ملابس عسكرية قديمة، ورؤوسهم مغطاة بتراكيب مظلمة تشبه أجنحة، وكأنهم خرجوا من العصور القديمة، أرسلهم الظلام الأعظم ليبحثوا عن آرا.
"من هم؟" سأل آرا وهو يشعر بالضغط في صدره، كأن الظلام يلتف حوله ويخنقه.
"هم نبلاء الظلال… الذين تجمّعوا في هذا العالم القديم ليخدموا قوة أعظم. لن ترضى الظلال الكبرى حتى تكون أنت التابع الأول."
في اللحظة التي اقترب فيها أحدهم منه، شعر آرا كما لو أن عينيه ستنفجران من الظلام نفسه. كانت الظلال تتسلل في قلبه، ولكن قبل أن يستجمع قوته، شعر بيدٍ تُمسك بمعصمه.
"اتبعني." كان الصوت خافتًا جدًا. نظر آرا إلى الوراء ليجد إيثار، الشاب الذي التقى به في القصر، يقف خلفه، وجهه مغطى ببعض الندوب التي أصبحت أكثر بروزًا مع مرور الوقت.
"هل تعلم ما الذي تفعله؟" قال آرا، ولكن صوته كان مكسورًا، ضائعًا، كما لو أنه أصبح جزءًا من الظلام نفسه.
"نعم." قال إيثار، صوته متحشرج، وكان هناك ألم عميق في عينيه. "لقد جئت لتحمل سيفك… ولكنك أيضًا ستسير على طريق آخر."
وفي تلك اللحظة، ازداد الظلام حولهم، وأصبح الكهف يهتز كما لو أن العالم على وشك الانهيار. كانت أصوات البحث عن آرا تزداد في الخلف، بينما هو نفسه لا يعرف ما الذي يُطارد.
"هل أنت مستعد لاختيار مصيرك؟" قال إيثار، وهو يرفع سيفه المظلم، الذي كان ينبض بالقوة كما لو أن الظلال نفسها تحتويه.
"لم يكن لديَّ خيار منذ البداية." أجاب آرا، وهو يرفع يده، وحين فعل، تسارعت الظلال من حوله، وبدأت في التشكّل.
لكن إيثار لم يتراجع. بل بدأ في الهجوم، موجهًا ضرباته بشراسة.
"الظلال ليست جيوشًا تُقاد." قال إيثار وهو يهاجم.
لكن آرا هز رأسه. كان يعلم الآن أن الظلال ليست مجرد سيف أو درع… هي الدم والروح والموت نفسه.
أصبح الصراع أكثر دمويّة، كل ضربة كانت تترك أثرًا عميقًا في قلب آرا، وكل وميض من الضوء كان يعكس قسوة التحوّل الذي يعيشه. السيوف تتقاطع في الهواء، والظلال تشتعل حولهم في دوامات متشابكة. كان المعركة أكثر من مجرد قتال، إنها معركة الخيارات، معركة التحوّل.
لكن في النهاية… حسم آرا الأمور.
ضربة واحدة كانت كافية. سيفه انغرس في قلب إيثار، ثم خرج ببطء. كان جسد إيثار يتراجع مع الضربة، وتدفقت دماء الظلال من الجرح، بينما كانت السماء حولهم تمتلئ بظلال ضخمة تحجب الضوء، وكأن الظلام نفسه قد أطلق زئيره.
"لم أكن أريد هذا." همس آرا، وكانت عيناه مليئة بالدموع، لكن قلبه كان مليئًا بالفراغ.
لكن إيثار، قبل أن يسقط، ابتسم: "أنت فعلت ما كان يجب عليك فعله. أنت الآن الظل الذي يسعى للنور."
ثم اختفى إيثار في الظلام، تاركًا آرا يقف هناك، جثة باردة ومستقبلًا لا مفرّ منه. كان هناك شيء واحد فقط، يغطي قلب آرا الآن: الظلال.