عندما اختفى إيثار في الظلام، ترك آرا في حالة من الارتباك. الدم كان يغطي يديه، كما لو أن السيف قد صار جزءًا منه. لكنه لم يشعر بالنصر، بل بالفراغ. كان هناك شيء في داخله يتساءل: هل قام بالاختيار الصحيح؟ هل كان قتله حقًا الخيار الوحيد؟ أم أن الظلال كانت تُملي عليه مصيره؟

تراجع آرا خطوة إلى الوراء محاولًا التماسك، لكنه شعر بتلك الهمسات العميقة في عقله. الظلال عادت تتسلل، تحيط به من كل مكان. كانت مثل أمواج بحر غاضب، لا يمكن الهروب منها، ولا قتالها إلى الأبد.

ثم شعر بشيء يتحرك في قلبه. الظلال تتسرب منه، وكان في صراع مستمر معها. كل خطوة صار يشعر بها كأنها تشويه في الزمان والمكان، كأن جسده لم يعد ينتمي إلى هذا العالم.

ورغم كل ذلك، عليه أن يتحرك. أن يذهب إلى العالم الآخر، حيث تنتظره مملكة النور. لكن كيف يذهب، وهو يعلم أن قدره سيكون أكثر دموية من أي وقت مضى؟

في أعماق الجبال الباردة، حيث يلتقي عالم الظلال بعالم النور، كانت هناك بوابة قديمة تُعرف بـ"بوابة الظلال".

قال الناقل الأخير يومًا:

"عندما تعبرها، لا تعود كما كنت. إما أن تكون ملكًا للظلال، أو أن تكون حطامًا لا يُذكر."

آرا كان يعلم أنه سيضطر لعبورها. لكنه قاوم الفكرة. القوى التي كان يواجهها أصبحت تفوق تصوره. وكل ما في ذهنه: هل هو مخلوق فريد… أم لعنة قديمة زُرعت في جسده؟

في طريقه نحو البوابة، وصل آرا إلى مدينة "الخيط المكسور"—مدينة قديمة، مملوءة بالأسرار والخراب. هناك، عاش من اختاروا التخلي عن النور والاحتماء بالظلال.

عندما دخلها، سقط المطر فجأة. لكن لم يكن ماءً… بل دماء.

شعر آرا بشيء يسري في جسده. أرواح تلتصق به، كأن المدينة بأكملها تمتص روحه. كلما سار، سمع همسات الموتى من كل زاوية، أصوات تدعوه للسقوط في الهاوية.

لكنه استمر.

ثم شعر بشخص يراقبه.

توقف، وأدار رأسه، ليجد امرأة تتقدم نحوه. وجهها شاحب، وعيناها تلمعان كالسمّ.

"أنت... آرا؟" همست.

"من أنتِ؟" سأل، وعيناه تضيقان.

"اسمي إلينور… وأنا هنا لأوقفك." رفعت خنجرًا من حجر أسود، ينبض بالظلال.

"توقفيني؟" سخر، "كيف لكِ أن توقفي الظلال التي تحكم جسدي؟"

ردّت ببرود: "لن تهرب إلى الأبد. الظلال ستحاصرك، وأنا هنا لأطردك من هذا الطريق."

آرا شعر بشيء مألوف… ربما كان يعرفها، أو ربما هي الموت يمشي على قدمين.

"هل أنتِ من الماضي؟" سأل، وأدرك أن هذه اللحظة كانت التي ينتظرها الظلام.

انفجرت السماء فوقهما. وميض ساطع شقّ الظلمة.

كائن عظيم من النور ظهر. عملاق من الأشعة المتوهجة، بأجنحة ضخمة.

"إنه نورفيس، أحد خدم النور." همست إلينور.

آرا نظر إلى السماء. لا طريق آخر. رفع سيفه المظلم.

نورفيس هبط من السماء، ارتجت الأرض تحت قدميه. اللقاء بين النور والظل لم يكن معركة… بل صراع وجودي.

كلما ضرب آرا بسيفه، ازدادت الظلال قوة. وكلما اشتد النور، كانت قبضة الظلال تزداد حول قلبه.

المعركة لم تكن بينه وبين نورفيس فقط، بل في داخله أيضًا. ظلاله الخاصة كانت تهاجمه من الداخل.

وفي لحظة مفاجئة، انفجرت الظلال من جسده، شكلت وحشًا لا شبيه له—كائن من العدم، يفترس كل شيء.

لكن النور… بقي أقوى.

ومع كل انفجار، كان شيء ما أعظم ينتظره، شيء لا يستطيع الهرب منه.

في النهاية، وقفت إلينور خلفه. التقت أعينهما للحظة.

آرا كان يعلم أن الظلام يقوده أكثر من النور.

لكن هذا… لم يكن كافيًا.

"لقد انتهى وقت الاختيارات،" قالت، "الآن… يبدأ الرحيل."

2025/04/17 · 6 مشاهدة · 516 كلمة
عباس 🐌
نادي الروايات - 2025