الدماء التي سقطت من السماء لم تتوقف. كانت الأرض في مدينة "الخيط المكسور" تتنفس كأنها جسد يحتضر. آرا وقف هناك، السيف في يده ما يزال ينبض، كأنه كائن حي، كأنه لا يشبع من الظلام.

لكن الذي أمامه الآن لم يكن من هذا العالم.

نورفيس.

كائن النور، بأجنحته المصنوعة من وهج لا يُحتمل، ووجهه الذي لا يحمل ملامح البشر، بل كأن النور نفسه تَجسّد. لم يتحرك، فقط وقف هناك… وراقب.

آرا شعر بشيء يتحرك في داخله. لم يكن خوفًا، بل شيء آخر… كأن جسده يريد أن يهرب، بينما روحه تتقدم إلى الأمام. همسات الظلال لم تتوقف، لكنها كانت خافتة الآن، وكأنها تخاف من القادم.

تكلم نورفيس بصوت لم يكن صوتًا… بل نبضًا يخترق العظام:

"أنت لست منّا… ولا منهم. وجودك خطيئة لا تقبل الغفران."

آرا ابتسم بسخرية مكسورة، "والنور… منذ متى صار القاضي؟"

ردّ نورفيس: "منذ أن أصبح الظلام يتكاثر داخل الأرواح الضعيفة."

ثم… تحرك.

لم يكن تحركًا، بل اختفاءً وظهورًا في لحظة. ظهر أمام آرا، ووجهه المضيء صار قريبًا من عينيه.

وكل شيء انفجر.

ضوء. ظلال. زمن.

استفاق آرا في مكان مختلف.

لم تكن المدينة.

كان داخله.

مكان يشبه الفراغ، ولا يشبه أي شيء آخر.

وكان هناك… شبح طفل.

الطفل جلس أمامه، عارٍ من الظلال ومن النور، وجهه مألوف.

"هل نسيتني؟" قال.

"من أنت؟"

"أنا أنت… قبل أن تلمسك الظلال."

آرا شعر بجسده يرتجف. الطفل رفع يده، وأشار إلى قلب آرا.

"أنت لم تقتل إيثار فقط… أنت قتلت نفسك معه."

فجأة ظهر نورفيس خلف الطفل، لكنّه لم يكن عملاقًا… بل رجلًا عاديًا. ملامحه حزينة.

"هذا ما أتيت لأريه لك،" قال. "الظلال تأكلك من الداخل، لكنك لا تزال تملك الخيار."

"أي خيار؟"

"أن تختار من تكون… لا ما صرت إليه."

آرا صرخ: "أنا لم أختر شيئًا! أنتم من تركني في الظلام، أنتم من تركني أموت!"

فتح عينيه.

المعركة عادت.

نورفيس فوقه، والسماء تمطر نورًا.

آرا صرخ، واندفعت الظلال من جسده، لكن للمرة الأولى… لم تكن سوداء تمامًا.

كانت رمادية.

كأنها بدأت تذوب.

كأن الظلال نفسها بدأت تتساءل إن كان هذا الجسد يستحقها.

إلينور صرخت من بعيد: "آرا! لا تدعه يأخذك!"

لكن الصوت تلاشى وسط الانفجار.

نورفيس أنزل ضربة من الضوء، وآرا تصدى بسيفه. التصادم أحدث دوامة في السماء.

وفي لحظة…

سقط الاثنان.

على الأرض، تمدد آرا، والنورفيس يقف بصعوبة.

لكن هناك شيء تغير.

عين آرا كانت تلمع بلون جديد.

مزيج من الرماد… والنار.

همس بصوت مبحوح:

"أنا… من سيحطم الاثنين."

ثم أُغمي عليه.

والسماء توقفت عن المطر.

لكن الأرض… بدأت تبكي.

2025/04/18 · 5 مشاهدة · 390 كلمة
عباس 🐌
نادي الروايات - 2025