كان كل شيء ساكنًا.
لا رياح، لا أصوات، لا حركات. فقط سكون أبدي يخنق النفس.
استفاق آرا في سرير من الحجارة السوداء، داخل كهف يضيئه وهجٌ رماديٌّ خافت. يداه مربوطة بشريط من الظلال، لكنه لم يشعر بأنه أسير. كان الضوء ينساب من بين الشقوق كأنه خائف من الاقتراب.
أول ما رآه… وجه إلينور.
كانت جالسة هناك، تُرمّمه بصمت، بينما عيناها لا تزالان مغرقتين بالقلق.
"كم… نمت؟" سأل آرا بصوت مشوش.
"ثلاثة أيام،" ردّت دون أن تنظر إليه، "كنت بين الحياة والموت. بين النور والظل. بين أن تبقى… أو تتحلل."
آرا حاول النهوض، لكن جسده لم يطاوعه.
"أين نورفيس؟" سأل.
"اختفى،" قالت، "لكن ليس هربًا. بل تركك… لأنه رأى ما لم يفهمه."
"ماذا رأى؟"
نظرت إليه أخيرًا. كان في عينيها شيء من الذنب… وشيء من الخوف.
"رأى الرماد،" همست، "رأى أنك لست نورًا… ولا ظلًا. بل شيء بين الاثنين. شيء لا يجب أن يوجد."
آرا أدار وجهه نحو الجدار، شعر بشيء في داخله يتفسخ. كل ذكرى، كل لحظة، كل دم سال… لم يكن كافيًا لتحديد من هو.
"هل أنا لعنة؟" سأل فجأة.
إلينور صمتت، ثم قالت: "لا أعرف."
في الخارج، كانت مدينة "الخيط المكسور" تغرق في صمتها المعتاد. لكن هناك من يراقب من بعيد.
كائن غريب… لا نور فيه ولا ظل. فقط هالة من الهذيان.
كان يهمس: "استيقظ يا من وُلد في الفوضى. الرماد ليس نهاية… بل بداية."
عاد آرا يحلم.
في الحلم، رأى نفسه طفلًا، يقف أمام بوابة النور.
لكن البوابة لم تفتح.
قال له الصوت من خلفها: "أنت لا تنتمي هنا."
ثم رأى نفسه وسط الظلال.
لكنها… طردته.
"أنت لست منّا."
في النهاية، وجد نفسه وحيدًا في أرض رمادية، تسقط فيها الرموز من السماء بدل المطر.
واحدة من تلك الرموز… كانت تحمل اسمه.
"آرا… وريث الخراب."
استيقظ مجددًا، متعرقًا، يلهث.
وجد إلينور تراقبه، في يدها لفافة قديمة.
"ما هذا؟"
"رسالة… من الناقل الأخير."
فتحها ببطء، وقرأ:
> "إن وصلت إلى الرماد، فأنت في منتصف الطريق. النور لن يغفر، والظل لن يحميك. لكن… قد تجد ما بعد الرماد، بدايةً لما لا يجب أن يوجد."
آرا أغمض عينيه.
كل ما مرّ به، كل من فقده، كل الصراعات التي خاضها… لم تكن إلا تمهيدًا لطريق لا يعرف نهايته.
همس: "أنا لن أختار جانبًا."
إلينور سألته: "إذًا، ماذا ستكون؟"
فتح عينيه، وقال: "سأكون النهاية."
لكن في مكان بعيد، تحت أنقاض الزمن، استيقظ نورفيس من تأمله.
وملامحه لم تكن غاضبة… بل حزينة.
"إنه قادم،" قال، "ولن يرحم أحدًا.