1 - حب خالد ام علاقة ابدية؟

حب خالد ام علاقة ابدية؟

"اقتربنا من غرفة الزعيم، هل تستطيعين الاستمرار؟"

"أجل!! لا أصدق أن حلمنا اقترب من أن يتحقق!"

كان صوتها يحمل كل ما في قلبها من شوق وتعب وانتصار. لم يكن مجرد جواب على سؤالي، بل صدى لسنوات من الأحلام، المعارك، الجراح، والضحكات المشتركة.

المكان مظلم بالكاد تنيره الشعلات التي بأيدينا. جدرانه مرتوية من العرق البارد للموت، وسقفه لا يُرى، كأننا نمشي في فم كائن ضخم يوشك أن يغلق علينا.

الزنزانة المميتة التي اخترنا أن ندخلها سويًا. لا بديل لنا عن النجاة، ولا طريق للوراء.

أخذنا المخاطرة بحياتنا لتحقيق حلمنا الأبدي. وفي هذا الطريق، لم يكن خصومنا مجرد وحوش أو سحرة، بل أنفسنا، ماضينا، خوفنا، وارتجافاتنا في الليالي التي كدنا نفقد فيها بعضنا.

رائحة الدماء تخنق التنفس، دماء سالت من أعدائنا… ومننا أيضًا.

الجثث خلفنا ليست مجرد علامات نصر، بل تذكير مستمر أن كل خطوة تقرّبنا من النهاية، سواء كانت نهاية الحياة أو بداية الخلود.

قتلناهم لكي نصل إلى اختبارنا النهائي…

الاختبار الذي يفصلنا عن أمنيتنا… الخلود الأبدي.

...

في هذا العالم… عالم السحر والسيوف، لا تسير الأمور وفق منطق البشر.

الخالدون موجودون. أجل، أولئك الذين لا يموتون، لا يشيخون، لا تُجرح أجسادهم، ولا تخترق أرواحهم.

منذ قديم الزمان، عُرف أن السياف أو الساحر حين يبلغ ذروة مساره، يُلقّب بـ"البطل".

لكن لقب البطل لا يعني الأبدية.

البطل يمكن أن يُقتل، يُسمم، يُخدع، يُسجن، يُنسى…

البطل ليس إلا رجلًا نجا من معاركه… حتى الآن.

لذلك، حين يصل البطل إلى ذروة ذروته، يُدعى لاجتياز اختبار يُحدده القدر نفسه.

إن نجح، يصبح خالدًا… وإن فشل، تختفي روحه من الوجود. لا بقايا، لا أثر، لا جثة. فقط النسيان.

من بداية الزمن إلى الآن، لم ينجُ من هذا الاختبار سوى عشرة فقط.

عشرة خالدين.

أسماءهم تُنقش في كتب محظورة، ورموزهم تُرسم في المعابد المهجورة، وجودهم أسطورة حية لا تخضع للزمن.

وها أنا الآن، مع صديقة طفولتي وخطيبتي، البطلة الساحرة "أوان".

نقف سويًا على باب اختبارنا المشترك الأخير لنصبح خالدين معًا.

قلبي يضرب كطبول المعركة الأخيرة، والقلق يتمدد داخلي كسيل.

لكن… من أجلها، من أجلنا، من أجل تلك الليالي التي همست فيها: "لن نموت أبدًا، سيز"… سأتقدم.

"إذًا، هل ندخل؟"

"أجل~" أجابت، ويدها ترتجف من الحماس.

صوت صراخ قاهر

الوحش… ذلك المخلوق الذي قيل إنه نُفي من رحمة القدر نفسه… سقط أخيرًا على الأرض جثة هامدة.

"أتذكرين؟"

قلتُ لها مرة بينما كنا في منتصف معركة خاسرة، والدم يغطي وجهي.

"حين كنا نلعب بالسيوف الخشبية خلف بيت جدتك؟ كنتِ دومًا تهزمينني، وتضحكين وكأنك ساحرة من شمطاء…"

ابتسمت وقتها، كما ابتسمت في كل مرة منذ الطفولة…

"ومنذها… قررت أن أحميك، حتى لو أصبحت أقوى مني."

والحق يقال، فهزيمته لم تكن ممكنة لولا وجودها معي…

لم يكن مجرد كائن. كان اختبارًا، وحائطًا بيننا وبين الخلود.

قوته كانت لا توصف، أنفاسه وحدها كانت تذيب الصخور.

كنا اثنين فقط أمامه. أنا السياف… وهي الساحرة.

قاتلنا أيّامًا بلا نوم، بلا أمل واضح. فقط بدافع أننا وعدنا بعضنا ألا نتراجع.

والآن… انتهى.

نظرت إلى أوان. كانت تقف بصعوبة، تتنفس كمن خرج من قاع بحر سحيق. لكنها لم تكن مصابة، وذاك كل ما كنت أحتاج أن أراه.

"هل انتهينا؟"

"أجل… حلمنا سيتحقق… لكن ماذا سيحدث الآن؟"

"سيمر بعض الوقت حتى تتبخر جثة الزعيم، عندها سيظهر عمود ضوء ذهبي من السماء، هو من سيجعلنا خالدين."

"أكان الأمر حقًا بهذه السهولة؟ أنا حقًا متفاجأة!"

ابتسمتُ: "ما زلنا في الزنزانة… لا تخفّضي حذرك. لنغادر، تحسبًا لأي متغير."

"حسنًا~ عزيزي سيز…"

جمعنا ما يمكن جمعه من أحجار المانا من جثث الوحوش. كانت بقايا صامتة لحربنا.

الممر المظلم الذي سرنا فيه بدا أطول من المعتاد… كأن الزنزانة تحاول احتجازنا مرة أخيرة.

لكن أخيرًا… خرجنا.

شعاع الضوء في الخارج بدا كابتسامة القدر بموافقته علينا.

"انتظريني هنا، سأذهب لإحضار حصاني."

جلست أوان على صخرة صغيرة، تبدو متعبة بشدة.

خلافًا لي، أنا كمحارب لدي قدرة تحمل فطرية. أما السحرة… فهم يتغذون على المانا فقط، وأجسادهم أضعف منا و أكثر هشاشة.

لكن أوان لم تكن أي ساحرة.

لقد سارت معي بكل خطواتي، عاشت نفس الألم، بل وحملتني في لحظات لم أكن أستطيع فيها النهوض.

"ألا يمكننا أن نذهب محلقين فقط؟"

"يجب أن نمتنع عن استخدام أي ذرة مانا قبل أن يتم اعتمادنا… وإلا سنفشل في الخلود بعد أن نجحنا في الاختبار."

"تيه… حسنًا."

ابتسمت لي رغم الإرهاق الذي يكسو وجهها.

"لا تتأخر… أريد أن أرى الخلود قبل أن أغفو."

ضحكت قليلًا، تلك الضحكة… لازلت أسمعها.

استدرت.

خطوت خطوتين.

لكنني كنت مترددًا.

كان المكان هادئًا أكثر من اللازم.

لا صوت سوى نبضاتي.

ولا إحساس سوى ثقل غريب في قلبي.

كأن شيئًا ينتظر… شيئًا مجهولًا، لكنه قريب.

تركتها خلفي…

ولأول مرة، تمنّيت أن أكون مخطئًا.

عندما عدت،

كانت الصخرة فارغة.

وأوان… اختفت.

"أوان؟"

ناديت مرة، مرتين…

لا مجيب.

الخوف لم يصرخ بداخلي، بل زحف.

زحف مثل البرد داخل العظام.

ركضت.

الممرات التي خرجنا منها منذ لحظات فقط أصبحت فجأة أضيق… أغمق…

ثم رأيت الدم.

خيط رفيع أولًا، ثم خطوط أخرى متشابكة على الأرض.

رأيت أثر سُحب جسد…

ورأيت الخوف يتجسد أمامي.

"لا…"

ركضت أكثر… أسرع…

ثم سمعت الصوت…

صوتها.

لم تكن صرخة ألم…

بل صرخة شخص يعرف أن النهاية قد كتبت.

لحقتُ بصوتها.

قلبي يسبق قدميّ، وقلبي… لم يكن مستعدًا لما سأراه.

رأيتها.

عند تقاطع الممرات… جسدها مسنود إلى الجدار…

وسيفٌ غريب الشكل مغروس في صدرها.

ركبتاي كادتا أن تنهارا.

"أوان!!!"

اقتربت راكضًا، وركعت أمامها، عينيها نصف مفتوحتين، وابتسامة صغيرة على طرف شفتيها… تلك الابتسامة التي لطالما أخبرتني أن كل شيء سيكون بخير.

"سيز…"

همست اسمي بصوت خافت كنسمة، وصدرها يرتجف من الألم.

"لا تتكلمي… سأعالجك… سأعيدك…"

مددت يدي إلى حقيبتي، بحثت عن أي جرعة، أي ختم سحري…

لكن يدي توقفت…

تذكّرت.

لا يجب استخدام المانا.

أي خرق لقوانين الاختبار… وسنفشل في الخلود.

حتى بعد كل ما حدث، كل ما حققناه، كل تلك الليالي في الزنزانة…

فشلنا…؟

"أنا آسف…" همست، وعيناي امتلأتا بالدموع.

"لا تعتذر…"

قالتها بصوت خافت، وسعلت دمًا على يدي.

"لقد وصلنا… لقد رأيت الضوء… كنتُ سعيدة، سيز… كنتُ… سعيدة…"

"لا… لا تقولي ذلك… لا تودعيني…"

لكن عينيها بدأت تغلقان…

حتى عندما نزعتُ السيف من صدرها، كان جسدها قد بدأ يبرد.

صراخي لم يوقظها.

دموعي لم تُرجعها.

والخلود… الخلود أصبح لعنة دونها.

"سيز…"

صوت ثالث.

استدرتُ.

كان هناك رجل، يرتدي رداءً مموهًا بالسواد، عيناه تلمعان بجنون.

"أعطني الخرزة…"

"ماذا؟"

أمسكت أوان بيدي بقوة مفاجئة — يدها المرتجفة أمسكتني كأنها عادت للحياة للحظة أخيرة.

"سيز… أرجوك… هذه الخرزة… لا تعطيها لأحد…"

فتحت يدها ببطء، وأخرجت خرزة يشم خضراء باهتة، تشع بضوء داخلي كأن فيها روحًا محبوسة.

"ادفنني… معها…"

همست…

"هذه الخرزة… إنها أنا، روحي، ماناي… حلمي القديم بالخلود بجانبك. لا تدعهم يأخذونها، سيز… أرجوك."

لم أكن أعلم إن كانت كلماتها الأخيرة أم أمنية لن تتحقق،

لكنني شعرت بها تنبض في يدي، كأن قلبها انتقل إلى جوف تلك الخرزة.

منذ تلك اللحظة، لم تكن عبئًا… بل كانت جوهر روحها نفسها…

ويدها سقطت بلا حراك.

نظرت إلى الرجل.

هو لم يكن الوحيد.

من خلفه، ثلاثة آخرون ظهروا… جميعهم أعينهم معلقة على الخرزة.

"إنها خرزة القدر… هل تعلم كم تساوي في نظر أولئك الخالدين؟"

"سلمها وسنمنحك موتًا سريعًا…"

"أنت مجرد بطل عادي الآن، بدون تلك المرأة… لست شيئًا."

ضحكت.

ضحكت وأنا أحمل جسد أوان بين ذراعي.

"هل تظنونني سأترككم تلمسونها؟"

"هل تظنون أن خلودي يستحق أن يُداس على جثتها؟"

وضعت الجسد برفق على الأرض…

سحبت سيفي من غمده.

ولأول مرة في حياتي… قررت أن أقاتل لا لأعيش… بل لأموت.

……..

غرس سيز سيفه في صدر أول من اقترب، دون أن يرمش…

الغضب لم يكن نيرانه، بل جليده، باردًا حادًا، لا يعرف الرحمة…

كل من اقترب من جسدها سقط كأنه لمس لعنة، لا مقاتلًا.

كانت الدماء تتناثر حوله، لكن عينيه لا ترى إلا جسدها، ويده لا تقبض إلا على خرزتها.

بين عويل المطاردين وصرخات الهلع، حملها بين ذراعيه، كما تُحمل الأماني في أحلك الأحلام.

لم يعد فارسًا، لم يعد بطلًا… لقد أصبح شيئًا آخر، شيئًا وُلد من فقدان الحب.

وهكذا، وسط مئات المغتالين، هرب… ليس لأنه خائف، بل لأن الجنة الوحيدة التي بقيت له… كانت قبرًا ينتظرهما.

هربتُ.

أحملها بين ذراعيّ، والدماء تقطر من أطراف ثوبي…

لم أكن أرى الطريق، ولم أكن أبحث عنه حتى.

كل شيء بدا ضبابيًا…

الواقع نفسه تهشّم في عينيّ،

صوت خطواتهم خلفي، أنفاسي المتقطعة، هدير قلبي…

كان كل شيء فوق طاقة الاحتمال.

أوان ميتة.

لكنها لا تزال بين ذراعي.

وهذا يعني أن الوقت لم ينفد بعد.

ليس تمامًا.

"تماسكي، أوان… فقط… انتظري قليلًا بعد…"

كنت أكلمها كأنها تسمعني، كأن شيئًا من روحها لا يزال موجودًا.

هل كان ذلك جنونًا؟

ربما.

لكنني لم أعد أفرق بين الحزن والجنون.

كنت أركض ضد الزمن.

ضد قدرٍ تشكّل خلف ظهري، يزحف نحوي في صورة صائدي خلود،

وفي داخلي شعورٌ واحد فقط:

الندم.

ندمت على بطئنا في المغادرة.

ندمت أنني ذهبت لإحضار الحصان بدل أن أبقى معها.

ندمت أنني لم أقاتل كل شيء لأجعلها تخلد…

وليس أنا.

هل الخلود وحدي يعني شيئًا؟

ما جدواه إن لم تكن موجودة لتضحك وتصرخ وتوبخني كل صباح؟

كل خطوة أخذتها وأنا أحملها، كانت تذبحني.

كأن جثتها تهمس لي:

"فات الأوان، سيز… فات الأوان."

لكنني وصلت.

غابة نائية، تغطّيها الثلوج، لا تجرؤ حتى الشمس على دخولها.

هناك… حفرت.

كأن كل حفنة ثلج أحفرها كانت تُخرج نصلًا من قلبي.

كأنني لا أدفن جسدها، بل قلبي معها.

لكن قبل أن أغلق القبر، أخرجت طلسم التواصل.

ضغطت عليه، فتوهّج بالأحمر، وانفتح كحاجز دخاني.

ظهر وجه أمها أولًا…

ثم والدها، وأختها الصغيرة…

الصدمة في عيونهم لم تكن تحتاج كلمات.

لكنني تكلمت.

"سامحوني… لم أستطع حمايتها… لكنني سأنتقم لها."

"أنا لست خالدًا الآن، ولا أريد أن أكون."

"سأجعل الخالدين أنفسهم يعرفون معنى الموت."

"ثم… سأنام هنا، بجانبها. إلى الأبد."

لم اسمع ردهم، بل فقط الصراخ…

هل كان لوما ام حزنا شديد؟

ام انني لم ارغب في سماع ما سيقولونه فقط؟

لم أعلم.

انطفأ الطلسم.

وبقي أنا… والقبر فقط.

وضعت الخرزة في يدها، كما طلبت.

غطّيتها بهدوء، ثم جلست أمامها.

لكني لم أنم بعد.

……….

امتدت سنوات طويلة بعد دفنها.

خالدون كثيرون رأوني — رجل يشبه الشبح، يظهر ويختفي…

يقتل، يختفي، يدمّر، يختفي.

لم يكن قتالي فنًا… بل حداد…

حين سقطت أوان، سقط شيء آخر داخلي، شيء لا يُرمم…

لم أعد أهتم إن كنت بطلًا، أو حتى إن كنت حيًا.

هاجموني مع عشرات من اتباعهم، وكانوا واثقين أنني سأسقط تحت سيوفهم، لكنني لم أكن أقاتل للنجاة… بل للدفن بجانبها، فقط بعد أن أُنهي هذا الجنون.

سيفي لم يعد سيفي، صار صدى صوتها، ألم صمتها، غضب وداعها.

أذكر واحدًا منهم، خالدًا بعينين فضيتين، قال متبجحًا: "هذه الخرزة… للملوك لا للعشاق."

وقبل أن يُكمل كلماته، كان عنقه قد فارق جسده.

وقتها لم ادرك ان الخرزة التي طمع فيها الخالدون كانت تحمل ما هو اعظم من الخلود…

ليس لهم فقط، بل لي ايضا فقد كانت تحمل اثمن ما كنت املك…

لم أستخدم تقنيات، لم أستدعِ مانا، لم أطلب قوةً من أحد — كنت أنا، مجرد رجل مكسور، يُقاتل كأن حبيبته لا تزال تنظر إليه من السماء.

كل ضربة كانت صرخة، كل طعنة كانت دمعة لم أستطع أن أذرفها.

كنت أعلم أنني لن أقتلهم جميعًا… لكنني أقسمت أن أجعلهم يعرفون معنى الخوف من الموت الذي لم يخشوه، كما جعلوني أشعر أنا باليأس…

كنت طاعونًا على أولئك الذين ظنّوا أن الخلود هبة.

كنت أترك وراءي علامة واحدة:

"هذا لأوان."

هل قتلهم أعادها؟

لا.

هل أحسستُ بالرضا؟

لا.

هل شعرتُ أنني غيّرت العالم؟

أبدًا.

كل ما فعلته كان صوتًا أجوفَ داخل روحي…

ثأرٌ بلا فائدة.

صرخةٌ في فراغ.

أحيانًا، أعظم المعارك ليست تلك التي نخوضها ضد الأعداء، بل تلك التي نخسرها ضد الذكريات.

مرّت السنوات، وتوقّف الزمن بالنسبة لي.

وفي النهاية… عدت إلى القبر.

سيفي صدئ، يداي مشققتان، قلبي ميت.

لكنني عدت.

جلست أمام قبرها.

وضعت رأسي على حجرها البارد.

وهمست:

"أوان… أنا هنا."

كان الثلج يتساقط كما لو أن السماء تهمس للذين غادروا أن العالم لم ينساهم بعد.

صمت عميق خيم على المكان، لا يُكسره سوى أنين الريح حين تمرّ بين أغصان الأشجار العارية، وكأنها تبكي معه بصوتٍ لا يُسمع.

سيز جلس أمام القبر الصغير، القبر الذي حفره بيديه، وسقا تربته بدموع لم يجفّ منها شيء حتى الآن.

ظهره محني، ليس من التعب، بل من ثقل الذكرى… الذكرى التي لم تغادره ولو لنبضة.

جسده جامد كتمثال نُحت من الألم، وعيناه مغمضتان، لا عن النعاس، بل عن العالم… كأنهما أنهكتا من ملاحقة حلم لم يكتمل.

وفي كفّه المرتجفة، زهرة يابسة، زهرة احتفظ بها منذ زمن الطفولة — كانت أول ما أعطته له أوان، وآخر ما تبقى له منها.

الزمن لم يرحمه، لكنه لم يحركه أيضًا.

مرّت الفصول عليه كما تمرّ على جبل منسي في طرف خريطة.

ثلج يذوب، شمس تشرق، أوراق تتساقط… وهو لا يتحرك.

بقي هناك، خالدًا… لكن ساكنًا.

نائم أمام قبر الحب، نائم لا لأنه تعب، بل لأنه لم يعد يرى سببًا للاستيقاظ.

سبات لا توقظه معركة، ولا خلود، ولا حتى رغبة في الانتقام.

وإن كان من شيء قد يوقظه…

فهو لقاء.

لقاء أخير، في عالم لاخلود فيه…

ولا وداع.

أحيانًا، الخلود ليس سوى قبرٍ نحمله في قلوبنا.

2025/07/03 · 10 مشاهدة · 2031 كلمة
Souhayl TP
نادي الروايات - 2025