' ناقصة بشكل كبير؟ '
أخذت عيناي تجوبان الجدار، لم تكن الخريطة خريطة عالمي السابق بكل تأكيد. لكن هذا لم يمنع تغير هذه الأخيرة في وقت من الأوقات لتصبح بهذا الشكل، مع أن هذا مستبعد في نظري.
' لقد كانت اليابسة بالفعل كتلة واحدة في فترة من الزمن، لكن ذلك كان قبل عشرات الملايين من السنين ' فكرت في نفسي
ما جعلني أدحض افتراضي الأول ببساطة هو شيء واحد غير منطقي.. عمر البشرية! لماذا غير منطقي؟
' لقد عاش البشر جميعا من بداية الخلق حتى لحظة تناسخي في عالم واحد، عالم متكون من القارات المعروفة. لقد كانت تلك بضع آلاف من السنين فحسب.. مع ذلك، أن يستمر العرق البشري في النجاة لوقت يكفي لتصبح اليابسة قارة واحدة لهو ضرب من الخيال! نحن نتحدث عن عشرات بل ربما مئات ملايين السنين! مع ذلك! '
فركت رأسي بلطف بتفكيري في افتراض مغاير تماما ألا و هو احتمالية تغير اليابسة في ظل ظروف غامضة.. مع أن هذا شبه مستبعد هو الآخر بسبب صعوبة وجود حدث كهذا!
لم يتقبل عقلي هذه الفكرة من البداية، افتراض انتقالي لعالم آخر أصبح أكثر تفكير سليم في الوقت الحالي.. و هذا ما يعيدني إلى نقطة الصفر.
في ظل تفكيري نطقت نييلا..
" أخبرني ما هو مكتوب فوق القارة أيها الشاب "
أخذتُ نظرة بسيطة نحوها، لقد بدت مركزة هي الأخرى، ثم عادت عيناي نحو الخريطة تحديدا على الجانب الشمالي الشرقي للهلال. لقد كانت نييلا تتحدث عن إسم القارة، و يبدو أنها لا تستطيع قراءة لغة هذا الزمن ما جعلني أفصح لها..
" أُم "
هذا ما كان مكتوبا، إسم هذه القارة هو أم ببساطة. لقد بدى غريبا كإسم لقارة وحيدة بالفعل، فما الذي تعنيه الأم بلا عائلة؟
' أيفترض أن يكون هنالك أب و أولاد أيضا؟ '
رفعت نييلا ابتسامة مهزومة و ردت على إجابتي..
" لا عجب في ذلك.. لقد حدث الكثير بلا شك "
" ما الذي تعنينه؟ " لم أمسك نفسي عن السؤال، ثم أضفت مباشرة " قلت أن الخريطة ناقصة، كيف ذلك؟ "
لم تبخل علي نييلا بالرد بعد لحظة من الصمت
" أرض الموصل " قالتها بنبرة قوية أضافت عليها " هذه القارة التي تراها أمامك ليست سوى النصف الشرقي من قارة أكبر تدعى أرض الموصل.. ليس هذا فحسب "
توقفت نييلا في لحظة من التفكير، أو ربما لم يكن تفكيرا، أبانت جملتها الأخيرة على انزعاج لم أفهمه، ثم استرسلت
" لقد كانت أرض البشر الأساسية و المنطقة الآمنة.. آه! اللعنة عليك! "
' ماذا بها فجأة؟ '
تجاهلت جملتها الأخيرة و أمسكت ذقني بيدي في تفكير عميق، كانت الحافة المقعرة هي ما أخذت اهتمامي هذه المرة
' النصف الشرقي فحسب؟ يبدو كذلك، القَطع من الجانب المقعر سلس بشكل غريب، غير طبيعي! هذا يعني واحدا من اثنين.. إما أن النصف الغربي موجود لكنه لا يظهر في الخريطة لسبب ما، أو أنه قد اختفى بفعل فاعل! '
كان الإفتراض الأول أكثر منطقية، يمكن أن يرجع سبب إخفاء جزء من الخريطة لعدة احتمالات، مثل محاولة التستر عن شيء غامض من طرف السلطات، أو تناسيا لحرب أو هزيمة هناك.. لكن، ألا يعد هذا تلفيقا؟
وضعت الأفكار في مؤخرة عقلي لوقت لاحق، فبعد كل شيء، أنا لم أجب عن سؤالي الذي جئت به و بدلا من ذلك أضفت العديد من الأسئلة إلى القائمة..
" فوو " تنهدت بضعف، كنت واقفا في مكان واحد لمدة أطول من أن لا يتم الإنتباه لي، رغم أن المكتبة شبه فارغة، و كشخص يحاول تجنب الأنظار انطلقت فورا. ذلك عندما..
فرقعة!
' هاه!؟ '
جفلت متوقفا، كانت تلك كرة نييلا.. لقد
" انفجرت؟ " همست في تكذيب
أخذت نظرة على محيطي و واصلت خطواتي، متجاهلا رد فعلي المشبوه تقدمت نحو رفوف الكتب
' هل اختفت اللعنة؟ بهذه البساطة؟ لا اعتقد ذلك.. لقد بدت مثل شخص يملك خططا لحكم العالم، لكن.. ربما غادرت رغما عنها؟ صحيح.. ألم تبدو منزعجة في آخر كلماتها؟ '
بدأت الأسئلة تملأ عقلي، أنا الذي وضعت كل شيء جانبا لوقت لاحق بينما مشيت و قرأت عناوين بعض الكتب..
" دليلك لعالم الحيوان.. أسرار الوحوش اللطيفة.. كيف تصنع كلبا صيادا.. بلايك روكبيل و الأنواع السبع.. " تمتمت تحت أنفي
' روكبيل.. ' دغدغ هذا الإسم ذاكرتي بخفة.
( روكبيل تنطق Rockbell )
رفعت حاجبي قليلا ثم أخرجت الكتاب في اهتمام، ألقيت نظرة عليه قبل أن أعيده في خيبة أمل. لا أعلم ما كنت أنتظره لكن العنوان بدى واعدا. لقد كان يتحدث عن سبع أنواع من الطيور.. أعني، كان من الواضح أنني في رواق كتب الحيوانات لذلك غيرت موقعي فورا..
استدرت إلى الجانب الآخر من الرفوف و بدأت القراءة..
" هل أصبح المطر بيد الملك؟ .. الحرارة المرتفعة في فرانك بورت، مصدرها و طرق تسخيرها.. جبل أوزموند، وجهة العشاق.. "
ما هذا الهراء؟ بعد قراءتي للعديد من العناوين أصبح لدي حكم واضح على هؤلاء المؤلفين.. نعم إنهم متعاطون. لقد كان كل عنوان أغرب من سابقيه بمراحل.. أعني، من الذي سيكتب كتابا عن ' الرعد المستمر يمنع السحالي من النوم الهنيء ' ؟ ألم يكن هذا رواق المناخ و التضاريس أو شيء كهذا؟
زفرت في قلة حيلة. مع ذلك، تابعت تفقد الكتب في أروقة مختلفة..
قابلت عدة كتب معتبرة، كان بعضها يتحدث عن الجغرافيا المحلية، البشر، تعليم اللغة.. لم يثر ذلك اهتمامي كمتصفح لهذه المكتبة للمرة الأولى، ذلك عندما وقعت على عنوان شد عيني.. تجعد جبيني بلطف
" مدخل ماي هيندلي لتعلم السحر " كاد صوتي يسمع..
' هيندلي؟ ' هذا الإسم مجددا.. حسبما أتذكر فإن عائلة هيندلي لها شأن عظيم داخل الإمبراطورية، لكن لسبب ما فإن ذاكرة فالفارو تأبى إخباري بالمزيد..
' هل يعقل أن ذاكرة فالفارو قد ختمت أيضا؟ '
رفعت الكتاب و أخذت مقعدا عند طاولة فارغة، لم تكن المكتبة وجهة ساخنة و ذلك واضح من الوجود شبه المنعدم للبشر هنا.
" حسنا إذن.."
أخذت نظرة بسيطة على الغلاف الجلدي الخشن ذو اللون الأحمر الداكن قبل أن أفتحه، قابلتني مقدمة قصيرة قرأتها ثم قلبت بضع صفحات فارغة.. بذلك وصلت إلى أول عنوان..
" لوغوس.. "
هذه الكلمة من جديد.. أول مرة سمعتها فيها كانت على لسان المعلمة سيندي، لكنني لم أعطها الإعتبار الكافي وقتها، ربما بسبب محاولة تأقلمي في اليوم الأول.. لكن ها نحن ذا، قرأت الفقرة الأولى قبل الإدلاء بأي حكم.
' لوغوس.. الحكمة المخفية، كلمة الروح للجسد.
لقد عاش البشر لآلاف السنين في هذا العالم الغريب، منخرطين في معارك يائسة ضد الواقع، تتغذى على أجسادهم دورة الحياة و الموت اللانهائية. قلة منهم أولئك الذين أعلنوا تمردهم، معلنين ثورة على البيان الكاذب. أبناء الفلسفة و العلم العميق، المكتشفون الأوائل للوغوس. بحكمتهم ازدهر العرق البشري من جديد، لولاهم لما وصل إليك هذا الكتاب عزيزي القارئ '
كتبت الجملة الأولى بخط عريض تحت العنوان، كما تبدو الفقرة بالكامل مثل مقدمة ثانية للكتاب.. مع ذلك، كلمة لوغوس لم تكن بالغريبة علي و هذا ما أعاد تروس عقلي للدوران.. هذه الكلمة كانت تعني ' المنطق ' في اللغة الإغريقية ببساطة، و قد اتخذها بعض الكتاب المسيحيين في مؤلفاتهم عن فلسفة الدين بمعنى ' كلمة ' أو ' سبب '، على غرار ذكرها في الإنجيل بصريح العبارة..
تجاهلت نداء الأفكار و واصلت القراءة..
' لوغوس بمفهومنا الحالي هو الحبل الوحيد الذي يربط الروح بالجسد، مثل الشرايين و الأوردة الدموية بالنسبة للقلب، مثل الجهاز العصبي بالنسبة للدماغ. لوغوس هو البوابة بين عالمين، الروح تنشئ السحر و لوغوس يظهره للواقع.. الروح مخفية و الجسد ظاهر و بينهما لوغوس. '
" هممم " همهمت بفضول. إن لم أخطئ في استنتاجي، فإن الهالة ليست سوى تجسيدا للروح بعد عبورها هذه البوابة المسمات باللوغوس.. واصلت القراءة لأجد الإجابة مباشرة، حملت الفقرة التالية عنوان ' الهالة '
' الهالة هي اللبنة الأساسية لتشكيل أي نوع من السحر، تنشأ الهالة بعد فتح أول جملة من مسارات لوغوس، ينغمس الجسد في واحد من الحالات السبعة لتشكيل الهالة، حسب جملة المسارات المفتوحة.. أبسطها و الأكثر أمانا هو لوغوس السكون '
نقرت بسبابتي على شفتي في تفهم، لم أكن مخطئا في النهاية. واصلت القراءة، كانت الفقرات الموالية تشرح كيفية فتح لوغوس السكون برسومات توضيحية، لكن الغريب في الأمر أن الخطوات تمثلت في اليوغا و بعض تمارين السكينة فحسب.. قيل في سطر ما أن السلام الداخلي هو المفتاح الأساسي لفتحها، ذكرني ذلك بدجل الشاكرا في عالمي السابق..
أغلقت الكتاب بعد قراءة عدد لا بأس به من صفحاته، كانت المعلومات قيمة حقا لمبتدئ مثلي، لكن بالنسبة لفالفارو؟
' همف.. '
لا يزال الأمر لغزا، كان يفترض بي أن أعرف كل شيء مما قرأت. فتح مسار لوغوس، التحكم في المسار، التلاعب بالهالة.. هذه مجرد بديهيات تافهة لرجل بلغ درجات مجنونة من القوة.. ما الخطأ إذن؟
على غرار ذلك، لاحظت شيئا مهما بعد تفقدي كتبا أخرى من نفس النوع. لقد كانت جميع المعلومات المقدمة مجرد أساسيات لتلقين الأطفال.. لم يكن هنالك أي مستوى متقدم من الشروحات أو حتى كتاب يتحدث عن أنواع سحر الرتب المرتفعة. من جهة أخرى، لم أجد كتبا عن أشياء مهمة مثل الدين و التاريخ و هذا ما أثار تساؤلي حقا.. و كأنما هي معلومات شحيحة لا يجوز للعوام تداولها.
فكرت بالأمر و سرعانما خرجت باستنتاج محتمل..
' أشم رائحة طبقية هنا.. '
نعم طبقية. ببساطة، لتعرف أكثر عن عالمك و محيطك فأثبت نفسك، صر أقوى، اصعد في المناصب، تولى الحكم و اكتشف الخبايا بنفسك! لطالما كان هذا هو الحال في جميع الحضارات و المنظمات البشرية.. هذا ما نطلق عليه مصطلح ' التسلسل الهرمي البشري '.
هذا ما جعلني أصل إلى استنتاج آخر..
' هذه الطبقية هي السبب المباشر لضعف ذاكرة فالفارو، طالما أصبح أضعف فإنه لم يعد مخولا له امتلاك المعرفة السرية.. '
أومأت لنفسي في مصادقة.. ألم يكن هذا هو السبب المنطقي الوحيد؟
......
أخذ إيثان خطواته خارج المكتبة، في ذلك الحين و بين رفوف أحد خزانات الكتب، تموج الفضاء بشكل غريب كمن ألقى صخرة في بركة راكدة.. ذلك عندما انبثقت نقطة سوداء في مركز التموج.
تضخمت النقطة لتكشف عن يد مغلفة بقفاز أسود جلدي ثم ذراع كاملة ثم جسد بشري.. رجل بدى في عشريناته.
وقف الشاب المنبثق من العدم أمام الرف، كان يرتدي معطفا خفيفا، أسودا مطرزا ببضع أزرار ذهبية و قبعة فيدورا صغيرة، و كأنما خرج من حفلة شاي للنبلاء. تدلى شعره الأشقر متوسط الطول خلف القبعة بينما أبانت أعينه الفضية الطويلة عن حنكة محقق، رفع ابتسامة مريحة و نطق بهدوء غريب.
" لن تجرئي على الإخلال بهذه اللحظة.. سيدة ***** "
تقدم الشاب بوقار نحو أحد الكراسي، نزع معطفه و علقه على الكرسي ثم جلس.. رفع قبعته و وضعها على الطاولة ثم نزع قفازاته، حمل ساقا على ساق متمددا في مكانه قبل أن يضيف في النهاية.
" إنه حقا لأمر مزعج، بعد كل هذا الوقت.. دعوني أحضى ببعض الراحة! "
ضحك على نفسه بخفة و أغمض عينيه.
.......
ألقت الشمس بنور ذهبي جميل على سطوح بييك ملقية تحيات الوداع، في تلك اللحظات كانت قدماي تسارعان الظل من أجل الوصول للمنزل.
' لم أعلم أنني قد تأخرت كل هذا الوقت! '
بل لم أعد أشعر بمفهوم يسمى الوقت و أنا في المكتبة، لطالما كان هذا هو الحال في عالمي الأول.. دائما ما كنت أنسى نفسي و أنا أطالع كتابا عن حضارة قديمة أو أساطير القرون.
وضعت قدمي عند الباب، أدخلت نفسا نظفت به رئتي و أخرجته ببطئ، ذلك عندما دفعت الباب مفتوحا..
كانت مارثا واقفة مقابلة لي، عند منضدة المطبخ، أبان وجهها على قلق و حزن و هي تقطع الخضروات.. ذلك قبل أن ترفع عينيها نحوي..
"... "
لم تتكلم، بل منعتها شهقتها المفاجئة من النطق بشيء حقا.. وضعت السكين على الفور و ركضت نحوي، فعلت بالمثل ليعطي بعضنا الآخر عناقا طويلا، عناقا تحدثت مارثا من خلاله
" لقد جعلتني أقلق عليك كثيرا عزيزي.. ما الذي جعلك تأخذ كل هذا الوقت للقدوم! " بدى صوتها منكسرا بحدة غير مألوفة
' هل هي تبكي؟ '
لقد شعرت بدفئها الجميل، لقد كانت زوجة محبة بحق. هذا الحب الذي بدأت أفهمه، أصبحت ممتنا به!
" لا عليك عزيزتي.. المهم أنني هنا " أجبت بلطف
تواصل العناق لفترة قصيرة أخرى مع حديث صغير، ذلك قبل أن يتخذ كل منا موضعا حول مائدة الطعام.. بذلك نطقت مارثا.
" عزيزي.. علينا التحدث بأمر مهم. " لقد بدت جادة.
........
كالعادة، تعليقاتكم تحفزنا! لا تبخلوا علينا رجاءا..
الرواية دخلت التوب لتس غوو!