صنع فالفارو وجها جامدا، خاليا من التعابير عندما تقدم بضع خطوات بعيدا عن الباب. في أعماقه، لقد علم أن هذه المرأة أمامه لم تُكن له أو لعائلته الإحترام الكافي.
فتح فمه و أغلقه عدة مرات، في كل مرة كانت تطرق فكرة مختلفة عقله، لكنه أجاب في النهاية
" اعتذاراتي سيدة فيالا، لقد حدث الكثير هذه الأيام و لم أكن في حالة جيدة حقا لاستقبالك" كان صوته صلبا لكن محترما
اهتز أنف سيرين ردا على بخار الشاي الساخن، مثّلت و كأنها لم تسمع كلمات فالفارو عندما أخذت رشفة هادئة مستمتعة، تقدمت نحو غرفة المعيشة بخطى متثاقلة أطلقت طرقات كعبها العالي على الأرض لتجيب بابتسامة خفيفة.
" نعم.. لقد حدث الكثير بالفعل، لا أنكر هذا، سواءا معي أو معك "
توقفت سيرين بجانب الأريكة الوحيدة عندما أخفضت صوتها و قالت بهدوء " إجلس، فالفارو "
امتثل فالفارو لطلبها و جلس دون قول شيء، اتكأت سيرين على ظهر الأريكة خلفه، احتست رشفة أخرى، حدقت في الفراغ بينها و بين النافذة عندما عدلت صوتها من جديد و تحدثت
" سيكون من الفظاظة الدخول في حديثنا مباشرة دون جملة احترام للسيدة. لذلك، تعازيَ على موت مارثا "
ارتعشت شفاه فالفارو للحظة لكنه لم يبدِ شيئا، بعد صمت طفيف ثم تنهُد استرسلت سيرين
" إذن، من أين سنبدأ يا فالفارو؟ من الأحداث الغريبة التي أصبحت تحدث مؤخرا، أم من الإنجازات التي حققتها اشتراكيتنا في النصف عام الأخير، أم من حقيقة ظهور مرشح موهبة استثنائية بيننا.. أتعلم، كان من المفترض أن تكون زيارتي أقرب إلى دعوة بسيطة لكنها تحولت إلى أمر أكثر تعقيدا. مخططاتي التي خرجت بها من 'أغنيس' لم تعد هي نفسها مع وصولي لبييك "
" حسنا، لما لا نبدأ بالأوضاع الحالية. المشاكل الغير متوقعة " أجابت سيرين على نفسها
شبكت يديها خلف ظهرها بينما واصلت، بفعلها لذلك أصبح الكوب الحديدي يطفو في دوائر في الهواء خلفها بينما حافظ على محتوياته بطريقة سحرية.
" لقد بدأ كل هذا قبل يومين، عندما تقاطعت طريق رَكبي مع موكب من مواكب عائلة فيلتش في قرية سوروز. و أي واحد؟ رادولف.. "
تقدمت سيرين بخطاها الثابتة، وقفت عند النافذة معطية ظهرها لفالفارو عندما واصلت
" بعد خوض تحقيق سريع، اكتشف أحد الفرسان وجود طاقة ملوثة تجوب القرية. ليس ذلك فحسب، بل إن أكثر من عشرين قرويا قد مات بسببها، دون أن ننسى ذكر الملوثةِ أجسادهم، و الذين قد تجاوز عددهم الماءة " تنهدت سيرين بضُعف مصطنع لتسترسل
" لقد كانا مجرد يومين، يومين كفيلين لنسج شبكة غريبة من الأحداث، الجيدة و السيئة. "
" جيدة؟ " استفسر فالفارو أخيرا و قد تقطب حاجباه
رفعت سيرين ابتسامة واثقة عندما استدارت مواجهة فالفارو من جديد، هربت ضحكة مكتومة من بين شفتيها بينما أفصحت
" هه. نعم جيدة.. فيلتش أصبحت تملك سمعة سيئة ليس فقط في بييك و أغنيس، و إنما قرية سوروز، مدينة بالكو و مدينة ناف و جميع القرى المجاورة. أتعلم لماذا؟ "
( أغنيس تقرأ agnes )
" لا، لماذا؟ " سأل فالفارو باحترام مكره
تحولت نبرة سيرين إلى سعادة عندما أعلنت بفخر
" لقد قمت بإلقاء التهمة عليهم بنجاح.. الآن، نحن لسنا على بعد خطوة من التخلص من هذه العائلة أخيرا من مقاطعة كاب هايتن فحسب، و إنما، بفضلي، ستستعيد 'روكبيل' الأراضي الجنوبية إذا باءت خطتي بالنجاح.. إنها مسألة وقت، سيكون انتصارا ساحقا "
" هيهيه، ألا يجب أن تشكرني يا فالفارو؟ " أضافت سيرين بثقة
لقد علم فالفارو ما عنته كلمات سيرين، لكن عقله، و لسبب قد جهله، لم يعطه سبب كرهه لعائلة فيلتش قبل تسببهم بقتل مارثا، لقد كانت مثل بقعة مظلمة في صفحات ذاكرته.
أومأ فالفارو على ذلك عندما لوت سيرين شفتيها بسخرية
" أنا أنتظر منك شكرا حقيقيا "
اتسعت عينا فالفارو قليلا عندما بصق في النهاية " شكرا " ، بذلك أضافت سيرين
" ليس هذا ما أعنيه "، صمتت للحظة ثم أضافت
" تعلم، لقد قمتَ بقتل ثلاث فرسان من نظام فيلتش، بالإضافة إلى إسحاق فيلتش نفسه، الإبن الأوسط لبالدوين. هل تعتقد أن هذا سيمر عليهم مرور الكرام؟ "
" أنت لم تنس أن فيلتش تحت جناح عائلة فالارد عندما هممت بفعل ذلك صحيح؟ كذلك، منصبك الحالي لا يخولك لفعل أي شيء بخصوص العائلات الكبرى، ناهيك عن إلحاق الضرر بهم أو حتى المساس بنظامهم. بوضع هذا في الحسبان، فإن خطتي قد تفشل بسببك. حقيقة أن بإمكانهم إلقاء المعركة على طاولة عائلة أكبر لهو أسوء مسار لسير الأحداث. "
( فالارد تنطق Valard )
" لو لم أستطع إلقاء التهمة عليهم لكان مبتغاهم الأساسي الآن هو الإنتقام عن طريق قتلك، و لن يكون هذا بالمشكلة بالنسبة لفيلتش، لكن ها نحن ذا. لذلك، أنا أطلب منك شكرا حقيقيا "
" ما الذي تعنينه بهذا؟ " ضاقت عينا فالفارو قليلا، غير متأكد من الإجابة
لم تقل سيرين شيئا، بقيت صامتة لبضع لحظات و كأنما غرقت في تفكير عميق، توقف الكوب الحديدي عن الدوران أخيرا عندما سمع فالفارو صوتها داخل رأسه.
" سأكلفك بمهمة." بدى صوتها مهيبا و أثيريا بعدما رفعت رأسها بثقة
غرق فالفارو في تفكير هو الآخر، متسائلا عن السبب الذي جعلها تحدثه عن طريق التواصل بشكل مفاجئ.
رأت سيرين حيرته الواضحة فأضافت عرضيا " إن منزلك يحتوي على طاقة روحية غريبة، ما يعني أنه مراقب.. لا تقلق بشأن تفاصيل المهمة، سنتحدث عنها في مكان أكثر أمانا "
' مراقب؟! '
اتسعت عينا فالفارو في دهشة، فتح فمه ليقول شيئا قبل أن تقاطعه سيرين بعدما قطعت التواصل
" لما لا ننتقل للحدث الرئيسي.. سبب قدومي إليك في المقام الأول " أضفت ابتسامة من جديد
' دعوة.. ' تذكر فالفارو كلمات سيرين الأولى، لقد قالت أنها أتت من أجل دعوة بسيطة.
حملت سيرين الكوب الذي طفى في الهواء لمدة طويلة و أخذت رشفة، ثم قالت
" ستتم ترقية سيادة جان روكبيل إلى إيرل الشهر القادم.."
' ترقيته إلى إيرل؟ ' استعاد فالفارو بعضا من ذاكرته التي فقدها بشكل مجهول.
جان روكبيل، بارون عائلة روكبيل، مؤسس و رئيس اشتراكية العائلات الثلاث روكبيل، فيالا و أيرونكلاد. حسب العقد الذي نصت عليه الإشتراكية فهو يعتبر المالك الحقيقي لمقاطعة كاب هايتن التي تضم تسع مدن و 17 قرية.
في السابق و قبل تأسيس الإشتراكية، كانت مقاطعة كاب هايتن أرضا صغيرة تضم أربع مدن تحت ملكية روكبيل. في وقت لاحق، تخلت عائلة فالارد عن قطعة أرض كبيرة في المناطق الجنوبية، بحدوث هذا، طمعت العديد من العائلات في ضمها ضمن ممتلكاتهم من بينها عائلة فيالا. هذه الأخيرة كانت تملك دعم أيرونكلاد. في النهاية، استقرت كل من العائلات الثلاث على حل بسيط ألا و هو الإشتراكية.
بذلك، أصبحت كاب هايتن أرضا تضم 14 مدينة كاملة.
لكن في السنوات الأخيرة، استطاعت عائلة فيلتش الدخول تحت جناح عائلة فالارد الكبيرة لسبب مجهول و أصبحت تطالب بالأراضي الجنوبية من جديد، و مع القوة الغاشمة لفالارد فقد حققت نتيجة إيجابية لفيلتش.
" إلى إيرل؟ ألم يكن بارون؟ " تجعد جبين فالفارو في حيرة، مستذكرا ترتيب الألقاب.
في العادة، يرتقي البارون في الدرجة ليصبح فيسكونت، ثم بعد الفيسكونت إيرل، ثم بعد الإيرل دوق، حيث تكون الدوقية هي أعلى رتبة للنبلاء قبل أن يصطدم أحدهم بحائط الملوك.
ببساطة، تتم ترقية النبيل عند تحقيقه أحد الشروط الثلاثة اللازمة. أولا، زيادة كبيرة في الثروة أو الملكية العقارية، و ذلك يتم بعدة طرق، أبسطها هو النجاحات التي تحققها تجارته أيا كانت ما دامت قانونية. ثانيا، ارتفاع في القوة العسكرية الخاصة بالعائلة، و تكون عادة في اختراق النبيل نفسه أو أبنائه أو كفالته لرتب مرتفعة، لطالما اعتمد النبلاء على أبنائهم من أجل تحقيق ترقيات عظيمة. و ثالثا، تحقيق النبيل لإنجاز خاص يؤثر بشكل إيجابي على الإمبراطورية أجمع.
" يسعدني أنك سألت.. " ارتفعت زوايا فم سيرين قليلا، أخذت نفسا لطيفا ثم واصلت
" لقد حققت عائلة روكبيل اختراقات ملحوظة آخر ستة أشهر. الإبن الأكبر لجان، فلويد روكبيل ذو السبع و عشرين عاما قد اخترق للرتبة S0 محافظا على لقبه كموهبة لامعة من الطراز الرفيع. بالإضافة إلى أخواته التوأم فيرس و فيفي اللتان اخترقتا للرتبة A0 في نفس الوقت، و هما لم تتجاوزا الرابعة و العشرين من عمرهما، ما يجعلهما مواهب جيدة أيضا! "
بدت سيرين سعيدة و كأنها تتحدث عن أبنائها، صمتت للحظة ثم أضافت
" بوضع كل هذا في الحسبان، فإن جان يستحق لقب الإيرل بالفعل.. " إلتوت شفاه سيرين بكبر واضح عندما أنهت
" بحدوث هذا، ستحظى اشتراكيتنا بمقعد في المجلس الملكي أخيرا! "
' مقعد في المجلس الملكي.. ' شعر فالفارو بأنه سمع هذا المصطلح من قبل في مكان ما، فهمه نسبيا لكنه أحس بوجود شيء ناقص، صورة من ذاكرة ضبابية عبرت دماغه.
أخذت سيرين رشفة من كوبها، استمتعت بالأمر قليلا، نظفت حلقها بسعال داخلي ثم استطردت
" حسنا، قد تسأل الآن ما الذي يعنيه كل هذا بالنسبة لك يا فالفارو.. سأجيبك "
" أنت مدعو للمشاركة في مراسم الإحتفال الخاصة بترقية البارون جان روكبيل إلى إيرل "
" المشاركة في المراسم.. تقصدين المسيرة؟ "
لقد فكر فالفارو بالأمر، حقيقة أنها ذكرت المشاركة و ليس الحضور فحسب فهذا لا يعني سوى شيئا واحدا، مع ذلك، لقد أراد تأكيد شكوكه.
" بالضبط، بما أنك أحد منارات أيرونكلاد السابقين، فمن حقك و واجبك المشاركة في المراسم. سيتم تنصيبك كقائد للمسيرة على الأرجح، هذا شرف لك"
اختلطت تعابير فالفارو في تلك اللحظة، فكر قليلا ثم سأل
" متى سيقام الإحتفال بالضبط؟ "
" بعد شهر كامل من اليوم. في عاصمة كاب هايتن، أغنيس، على مشارف قصر البارون.. " أخذت سيرين رشفة
" يفضل أن تسجل قدومك في وقت مبكر، و ذلك لتجهيز المراسم بشكل كامل. لا تقلق، سأتكفل شخصيا بتكاليف رحلتك و إقامتك أيضا "
بعد لحظة من الصمت، أدخلت سيرين يدها بين طيات ردائها و أخرجت حزمتين من الأوراق، تقدمت بضع خطوات و قدمتهما إلى فالفارو. مد هذا الأخير يده و ألقى نظرة
' أوراق بقيمة 2 روبل.. '
" 120 روبل، ستكون أكثر من كافية للإعتناء بجميع المصاريف الأولية، بالإضافة إلى خدمة خاصة للفتاة في الوقت الحالي.. "
" الفتاة؟ " ضاقت عينا فالفارو في استغراب
' أتتحدث عن جيلا؟ ' كانت هذه هي الفتاة الوحيدة التي أتت في باله.
تسربت ضحكة ظريفة من بين شفاه سيرين التي تحدثت
" هه هه، أنا أتحدث عن مرشح الموهبة الإستثنائية.. إبنتك "
لم يغفل فالفارو عن معنى الموهبة الإستثنائية، ففي النهاية، غيلاد إبنه اعتبر موهبة استثنائية. تحدد المواهب عادة منذ الصغر حيث تشير إلى قدرات الفرد في تحكمه لمسارات اللوغوس و سرعة اختراقه للرتب.
ينقسم سلم المواهب بين البشر الى ثلاثة أقسام رئيسية، القسم الأول هو قسم سيئي الحظ و الذي يأخذ نسبة بسيطة قدرها 15% من الذين استطاعوا فتح مسار لوغوس على الأقل، هؤلاء من يتراوح عمرهم من 19 إلى 23 سنة عند اختراقهم للرتبة E0، و هو عمر متأخر جدا، كما أن غطاء رتبتهم الموزون لا يتعدى B6. القسم الثاني، قسم البشر العاديين، و هو صاحب النسبة الأكبر التي تقدر ب84% تقريبا، هؤلاء هم الحالة العادية، يقومون بالإختراق إلى الرتبة E0 بين 13 و 17 عام، كما أن غطاء رتبتهم الموزون يصل إلى A6، مع أن بعضهم قد يخترق إلى S0 بعد جهد غير عادي.
القسم الثالث، و الذي بدوره ينقسم إلى ثلاثة فئات، هو قسم المواهب الحقيقية، فئاته الثلاث هي المواهب الجيدة، اللامعة و الإستثنائية. في حين أن المواهب الجيدة و اللامعة مقدرة بدراسات و أرقام، إلى أن فئة المواهب الإستثنائية فوضوية قليلا ولا يمكن التنبؤ بها معظم الوقت، لهذا تسمى أحيانا بالمواهب الشاذة.
" جيلا.. مرشح موهبة استثنائية؟ " لم يكن الأمر كما لو أن فالفارو قد حط من قدرات جيلا، لكنه تفاجأ من فكرة حصوله على موهبتين استثنائيتين، إن هي لبركة كبيرة.
نزعت سيرين عدستها الذهبية و مسحتها برفق بينما تحدثت بهدوء
" إن لم أكن مخطئة، فإن ابنتك قد اخترقت إلى الرتبة E0 في الشهرين الأخيرين. رغم أن هذه وتيرة بطيئة بالنسبة لموهبة استثنائية، يمكن القول أنها موهبة لامعة على أقل تقدير، إلا أن فحصي لها اليوم قد أدلى بنتيجة مفاجئة، E3.. هذا الإنفجار، مرعب بعض الشيء! "
عبرت العديد من الأفكار رأس فالفارو قبل أن يحصرها في جملة من الإستنتاجات..
' تلك العدسة الذهبية أداة سحرية.. ' تقوم العدسة بوظيفة مقياس الهالة السحرية، و تعمل فقط على أفراد أضعف من المستخدم للعدسة. بذلك، استطاعت سيرين اكتشاف رتبة جيلا بشكل دقيق.
' لقد لاحظت سيرين التغيرات على جيلا ما جعلها ترغب في إجراء فحص لرتبتها ' كان هذا واضحا، فلو لم تصبح بعض خصلات شعرها حمراء لما صنعت رؤيتها أي فارق.
' لقد كان إختراق جيلا عبارة عن إنفجار في الحقيقة ' بحيث يوجد فرق بين الإختراق العادي للرتب و الإنفجار. هذا الأخير هو عبارة عن اختراق مضاعف، و قد كان واضحا من ما مرت به جيلا في اليوم الأخير.
عندما انحصرت أفكاره أعادت سيرين عدستها و واصلت
" طبعا أقول مرشح موهبة استثنائية، لأن حوادث كهذه مألوفة بالنسبة للمواهب اللامعة، سيكون علينا إجراء فحص دقيق.. بذلك فقط سنتأكد "
" هل هنالك حاجة لفحص دقيق؟ " في أعين فالفارو، قدرات جيلا كانت ترتقي بالفعل للدخول لأكاديمية لانيس، مع ذلك، أجابت سيرين
" ليس و كأنه فحص في الحقيقة. ستبدأ مسابقة الإلتحاق بأكاديمية لانيس مبكرا هذا العام، بعد شهرين من الآن على الأرجح. لذلك، أريد أن أتكفل بتدريبها في هذه المدة.. هل تملك جيلا أي مشرف على ترشيحها؟ "
بعد ثانية من التفكير، أفصح فالفارو " نعم، معلمتها في المدرسة، سيندي، لقد أرادت أن تكون مشرفة عليها في الترشيحات "
" جيد، ستحصل هذه المرأة على حقها.. " أخذت سيرين رشفة و أضافت
" سأترك جيلا عندك لبضعة أيام، تأكد من رعايتها جيدا. بعد ذلك، سيأتي بعض الفرسان و يقلونها إلى مقري في بالكو.. سنقوم بتحضيرها على أكمل وجه "
عبس فالفارو قليلا، بمجرد تفكيره في جيلا و كيف سيفارقها تدخلت سيرين من جديد
" ماذا عنك فالفارو، هل ستبقى هنا؟ لقد ماتت زوجتك، إبنك و ابنتك سيصبحون بعيدين عنك لفترات طويلة. هل تنوي الجلوس في هذا المنزل وحيدا كالمجنون؟ " ارتفعت شفاه سيرين بمكر
تنهد
أطلق فالفارو تنهيدة طويلة بعد تفكير، ثم أجاب بعبوس " لا أدري.. حقا "
و كأنما كانت سيرين بانتظار رده، أفصحت بابتسامة
" حسنا، يمكنك أن تنسى أمر بييك و تعود لسابق عهدك.. لم يفت الأوان بعد "
" لسابق عهدي؟ " كان سؤاله حقيقيا، غير مدرك حقا للإجابة
" ما رأيك أن نتحدث بشأن الأمر في أغنيس.. ستكون جلسة جميلة و مثيرة "
" أظن ذلك.. " لم يسع فالفارو سوى أن يومئ مكرها.
تقدمت سيرين نحو فالفارو و وضعت يدها على كتفه، صنعت وجها مشفقا، مزيفا و أضافت
" إنس أمر مارثا.. تلك المرأة لم تكن سوى مرساة شدتك نحو القاع، إفتح صفحة فارغة و لتبدأ حياة جديدة "
' لا.. لا يمكنني ' فهم فالفارو المعنى الخفي وراء كلمات سيرين، لكنه كان مغرما بمارثا، و خيار استبدالها لم ينشأ حتى كفكرة داخل رأسه.
لم يرد فالفارو بشيء، سقط الصمت على المكان للحظات قبل أن تكسره سيرين.
" لقد انتهى وقتي هنا.. تذكر يا فالفارو، سنحتاجك في وقت قريب. لا تتأخر علينا "
بذلك، استدارت نحو الباب، تقدمت بخطواتها الثقيلة و غادرت دون إضافة كلمة، تاركة فالفارو جالسا مع أفكاره العديدة، هائما في بحر هائج يتمنى النجاة.
لقد كان مثل تمثال ينظر في الفراغ أمامه بوجه باهت، لدقائق طويلة دون تحريك عضلة.
ثم، في لحظة واحدة، ارتدى تعبيرا حازما، و نطق بصوته القوي الكامل
" إنه وقت دفن مارثا "
.......
الفصل ما قبل الأخير للأرك التمهيدي
الأرك 0 أو التمهيدي بعنوان: مسرحية.
نراكم في الفصل القادم.