كان من المفترض أن يأتيكم الفصل 17 مقسم إلى قسمين، لكن ها هو ينقسم إلى ثلاثة أقسام بشكل غير متوقع.

القسم الثاني جاهز، سيتم نشره في الليل بعد إضافة صغيرة و مراجعة.

............

بعد حديث طويل بينه و بين نفسه، حمل فالفارو جسده من على الأريكة. كان عليه أن يلقي نظرة على جيلا، يجهز نفسه، ثم يتوجه نحو المركز الإستشفائي، هناك حيث يتم الإحتفاظ بالجثث قبل دفنها أو حرقها أو استخدام طرق أخرى للتخلص منها، الطريقة ترجع إلى الميت نفسه عبر وصية ثم إلى أهله أو أيا كان من يكفله إذا أراد اتباع الوصية أو هواه.

لكن بالعودة لفالفارو، فقد كان على أتم الإستعداد لاستكمال وصية مارثا..

صعد فالفارو الدرجات، عبرت الصورة الغريبة للأسد المجنح الذهبي المعلقة على الحائط بجانب عينيه ثم توجه إلى غرفته، هناك حيث ترك كلا من ماونا و جيلا نائمتين صباح اليوم..

وضع أقدامه عند عتبة الباب، هناك انكشف المنظر داخل الغرفة. لم تكن ماونا موجودة، كانت جيلا مضطجعة على السرير و يمكن رؤية عينيها الميتتين تحدقان في السقف بلا معنى. ذلك عندما أدارت رأسها و رفعت ابتسامة ضئيلة لأبيها.

" صباح الخير أبي "

" صباح الخير جيلا " بادلها فالفارو الذي حشد ابتسامة هو الآخر قبل أن يتقدم عند السرير، جلس و سأل

" هل غادرت ماونا؟ "

عند تركيزه بالنظر في وجه جيلا، اكتشف فالفارو الحمرة القرمزية لعينيها

' تغير لون عينيها أيضا؟ ' أمال فالفارو رأسه قليلا في استغراب

لم يلاحظ ذلك في السابق، كان شعرها هو الوحيد الذي رأى الإختلاف فيه، لكن بإضافة تغير لون العينين، خصوصا، فإن هذا إما بشارة أو نذير.

ببساطة فإن تغير لون العينين أو تحول شكل بؤبؤهم في حالات شاذة دليل على امتلاك الشخص لقوى غامضة بداخله، مع ذلك، هذه القوة ليست بالجيدة دائما.

" لقد غادرَت قبل قليل، قالت أنها بحاجة للعودة للمنزل لسبب لم تذكره.. " أفصحت جيلا و قد كانت في صوتها ذبذبة طفيفة، مثل ذبذبة المصابين بالزكام.

أومأ فالفارو، لم يلاحظ صوتها، بعد ثانية من الصمت و التفكير أضاف

" لقد أجريت أنا و البارونة سيرين حديثا صغيرا قبل قليل، لقد حدثتني عن موهبتك و إمكانياتك يا جيلا، لقد قالت أنك مرشحة موهبة استثنائية! " محاولا رفع معنويات الفتاة، ارتدى فالفارو ابتسامة سعيدة

" حقا؟! " اتسعت عينا جيلا، رفعت جذعها و استقرت جالسة.

" نعم! "

في قلبه، أدرك فالفارو كم كان من غير المضني إسعاد طفل صغير، في هذه الحالة جيلا، فأسهب بالحديث معها عن ما قالته سيرين في حوارهما السابق و أضاف من عنده، ثم أفصح عن رغبات هذه الأخيرة، بعد ذلك قال

" لك الخيار حقا يا جيلا، إذا أردت الجلوس هنا و لم ترغبي في الذهاب فلن يضغط عليك أحد "

كانت زوايا شفاه جيلا ترتفع تدريجيا طوال حديث أبيها، ثم ارتدت تعبيرا جادا غارقة في التفكير، في النهاية أجابت و قد صنعت ابتسامة أخرى

" سأذهب، غيلاد ينتظرني هناك.. سأريه من هي الموهبة الإستثنائية جيلا! " لقد بدت سعيدة للغاية عندما أومأت بإيجاب

برؤية عودة جيلا إلى حالتها الطبيعية، لم يسع فالفارو سوى تشكيل ابتسامة هو الآخر حيث أجاب

" ستذهلين الجميع.. متأكد من ذلك "

قرقرة

ملأ الغرفة صوت قرقرة مفاجئ، صادرا من بطن جيلا، فاستنتج فالفارو أن هذه الفتاة لربما لم تأكل شيئا منذ البارحة، فاستقام و أجاب بنبرة دافئة

" يبدو أن هذه البطن قد بدأت بفقدان صبرها.. "

ضحكت جيلا بلطف و لم تقل كلمة

" سأذهب لإعداد شيء ما "

ذهب فالفارو إلى المطبخ مباشرة تاركا جيلا، و بعد بحث صغير في رفوف المؤن لم يجد شيئا تقريبا. لقد مضى أسبوع بالكاد على آخر مرة تسوق فيها و من الغريب انتهاء الخضر و اللحم في هذه المدة.

' أيعقل أنها اللعنة؟' فكر بالأمر.

' لكنها لم تظهر منذ مدة، هل اختفت؟'

بعد تفكير لم يقد لاستنتاج، تناسى فالفارو الموضوع.

لذلك، ترك المنزل على عجلة و توجه إلى السوق، كانت خطواته سريعة حيث وصل في مدة قياسية، اشترى ما يلزم و أخذ عائدا إلى المنزل.

في طريق عودته و بينما كان يسبح في أفكاره اليومية، قاطع طريقه رجل غريب.

بدى الرجل الشاب في العشرين من عمره، بخطوات سريعة نسبيا. لم يره فالفارو من قبل لكن ما جعله يجذب الأنظار أكثر من أي شيء آخر هو طلته.

كان يرتدي معطفا كشميريا أسود طويل، مطرز بأزرار ذهبية عمودية بينما ارتدى قبعة فيدورا بنية أنيقة، بالإضافة إلى قفازات سوداء جلدية. تدلى شعره الأشقر الملفوف خلف القبعة عند رقبته، و أعينه الفضية اللامعة قد كشفت عن هالة محقق من النبلاء.

لقد بدى ذا شأن في عيني فالفارو الذي توقف قليلا يراقبه و هو مسرع نحو وجهته، لقد شعر أنه رآه في مكان ما لكنه لم يجد صورة له في ذاكرته..

كان ذلك الشخص هو نفسه الذي ظهر بعده في المكتبة.. لكن فالفارو لم يعلم بذلك

استعاد رشده و استمر في طريقه، بعد وصوله للمنزل لم يتأخر بإعداد فطور لذيذ لجيلا. أخبرها على طاولة الطعام عن مخططاته لليوم كي لا تقلق على غيابه ثم أعطاها كمية بسيطة من المال قبل أن يقرر المغادرة أخيرا.

أخذ حماما قصيرا و ارتدى بذلة جديدة نظيفة، حمل سيفه على خصره ثم خرج من المنزل، وجهته هي المركز الإستشفائي.

.....

" ها نحن ذا.. "

أخذ فالفارو نفسا طهر به رئتيه و أفكاره و دخل إلى المركز. لقد كان هنا منذ بضعة أيام لذلك عرف طريقه مباشرة، دون الحاجة لسؤال الموظفين. توجه من صالة الإستقبال إلى رواق طويل عبره بسرعة قبل أن تقطع طريقه امرأة مألوفة..

" الطبيبة ميري.. مرحبا " حياها بلطف

كانت ميري هي الطبيبة الأكثر بروزا في المركز الإستشفائي، أخصائية في سحر الشفاء الجسدي و أيضا من قام بعلاجه ذلك اليوم.

ردت ميري التحية، ثم بعد تعزيته على موت مارثا و محادثة بسيطة إضافية قالت

" سيد فالفارو، لقد كدت أنسى.. جثة مارثا لم تعد موجودة في غرفة حفظ الجثث، لقد تم نقلها بطلب من أحد القساوسة إلى غرفة أخرى.. "

" قسيس؟ "

' ما حاجة قسيس بمارثا؟ ' فكر فالفارو بالأمر و قد تجعد جبينه، ذلك عندما أخفضت ميري صوتها لنوع من الهمس

" نعم، ذكر أنه قسيس مدافن، أيا كان ما يعنيه هذا.. لا يبدو شخصا عاديا، لذلك لا تغضبه رجاءا "

' ماذا؟ ' بقي فالفارو حائرا، لم يتذكر أنه سمع بمصطلح قسيس مدافن من قبل.

" تعال من هنا " أشارت ميري إلى الطريق و اتبعها فالفارو.

بعد أقل من عشر خطوات، استقرت عند باب آخر كان قريبا، أشارت برأسها إليه و قالت

" إنه بالداخل، كذلك جثة مارثا "

أومأ فالفارو و دخل مباشرة.

كانت الغرفة أكبر من المعتاد، بيضاء فاقعة، توزعت عبرها بضع طاولات صغيرة ذات قوائم طويلة، كرسي بالجانب معلق عليه معطف أسود و قبعة فيدورا، كان هنالك سرير واحد مرتفع استقر عليه جسد مارثا و أيضا، رجل واقف بجانبها معطيا ظهره للباب، لم يبدو كقسيس أبدا في نظر فالفارو.

' هذا الرجل..! ' تعرف عليه على الفور، الرجل من السابق

" لقد وصلت في الوقت المناسب.. سيد فالفارو " أعطى الصوت الرخيم للرجل الشاب احساسا غريبا.

" من تكون؟ " تقدم فالفارو و سأل باحترام

فور وقوفه بجانبه، ألقى نظرة على الجثة، كان جسدها مغطى بقماش أبيض بينما بقي وجهها الوحيد المكشوف، مغمضة العينين.

كانت يدا الرجل تعملان فوق جسدها، بمنظر من هالة ذهبية مغطية بطنها، بعد ثانية واحدة أخرى اختفت الهالة و رفع الرجل يديه كإشارة على انتهائه من العمل. بذلك نطق

" اعذرني على سوء الفهم سيد فالفارو، لقد كانت جثة مارثا تحتوي على شيء يخص طائفة النقاء المنسي، ليس لك حاجة لمعرفة ماهية هذا الشيء لسريته، الأهم في الأمر أنها على استعداد لدفنها "

" إنها زوجتي.. كيف لك أن لا تخبرني؟ " شحد فالفارو نبرة عدوانية

ارتدى الشاب قفازاته من جديد و تحدث، دون أن يفقد هدوءه الغريب

" إعذرني مجددا فأنا لم أقدم نفسي بعد.. أدعى القديس سايمن بيتر، قسيس مدافن و مسؤول الموت لجميع الأعضاء السابقين و أعضاء طائفة النقاء المنسي. مارثا كانت ضمن الطائفة، و حسب مبدأ السرية، فليس لك الحق في معرفة هذا الشيء بخصوصها حتى و إن كانت زوجتك " كان صوته رخيما لكن صلبا

' مارثا كانت عضوة في طائفة؟ ' تسابقت الأفكار في رأس فالفارو و تسارعت التروس، كيف لم يتذكر هذا؟ و هل أخبرته من الأساس؟

لم يجد إجابة و أحس بغثيان فوري، هل كانت تخفي مارثا عنه هذا؟ ماذا لو لم يكن هذا هو الشيء الوحيد الذي أخفته، ماذا لو أن سبب فقدان ذاكرته هو مارثا في المقام الأول؟

' لا.. لا، هذا مستحيل ' لم يرغب في تصديق أفكاره، لقد قال سايمن أن مبدأ السرية يمنع إخبارها له بهذا رغم علاقتهما الوطيدة، لم يشك فالفارو أبدا بدوافع مارثا الطيبة.

ثم، شعر بهالة غريبة تحيط بالمدعو سايمن، لم تكن بالعادية أبدا، لقد كانت مثل محيط من الماء الذهبي استشعر احتكاكه بجلده، ما جعله يتخلص من عدوانيته و يستعيد هدوءه بشكل سحري، بذلك أضاف سايمن

" لا تنظر إلى الأمر من ناحية سلبية، بالعكس تماما، لقد ساعدتك بطريقة غير مباشرة في دفن مارثا. "

" ما الذي تعنيه؟ " لم يسعه سوى أن يسأل

رفع سايمن ابتسامة طفيفة و أجاب بسرور

" إن هذا الشيء الذي استخلصته من جثة مارثا له علاقة متأصلة بالحياة و ينتهي دوره بعد الموت. مع ذلك، فإن وجوده داخل الميت لفترة طويلة سيتسبب في حدث غير مرغوب للأحياء من حوله، لن أخبرك بالحدث تحت مبدأ السرية، لكن عليك أن تعلم أن بقاءك بجانب مارثا بوجوده لن يكون بالأمر الجيد. "

دَور فالفارو كلمات سايمن داخل رأسه ثم رغب في تصديقه دون الغوص في الموضوع، إن كان يقول الحقيقة فإن ما فعله عبارة عن عملية إنقاذ من نوع ما.

بعد صمت دام ثانية أضاف سايمن

" إن لم أكن مخطئا، فأنت تنوي دفنها حسب وصيتها أليس كذلك؟ "

" كيف عرفت عن وصية مارثا؟ " تجمدت ملامح فالفارو في ذهول. بذلك رفع سايمن ابتسامة أخرى و أجاب

" هذا ما يفعله أعضاء طائفة النقاء المنسي عند دخولهم الطائفة، الإدلاء بمواقع دفنهم إن أمكن، و ذلك لنا لكي نستخرج جثثهم في حالة لم نصل في الوقت المناسب. "

" أتقول..؟ " لم يزده الأمر سوى دهشة

من معنى كلامه، فإن هذا المدعو سايمن كان ليستخرج جثة مارثا إن كان قد قام بدفنها في وقت سابق!

لم يجب سايمن على فالفارو، بل أضاف إلى كلماته

" الضريح في وصية مارثا يتواجد على سفح جبل بييك، في منطقة ما داخل الغابة الشمالية، داخل قرية مهجورة.. الطريق إلى هناك خطيرة خصوصا إذا أردت الذهاب وحدك، لذلك، لك مني رفقة.. "

......

بعد تجهيز مارثا، خرج سايمن و فالفارو من المركز الإستشفائي، خلفهم حمل عدد لا بأس به من الرجال تابوتا متوسط الحجم. في الخارج، كانت تنتظرهم عربة خشبية جلس عليها رجل بدى في ثلاثيناته.

تقدم الثنائي بجانب العربة ليضع الرجال التابوت فوقها، صعد فالفارو و لم يتبعه سايمن بل اكتفى بتمني التوفيق له في طريقه. أقلعت العربة و تركت سايمن واقفا هناك، وحيدا و قد أبدى تعبيرا لطيفا عندما نطق بنبرة و ابتسامة مهزومتين

" لقد انتهى عملي هنا حقا هذه المرة. أليس كذلك أيتها السابعة؟ أم علي أن أقول.. ****ن "

نفض سايمن الغبار من قفازاته ثم معطفه قبل أن يعدل قبعة الفيدورا و يتوجه في طريق آخر، متمتما بهدوء

" هذا هو آخر معروف مني لك "

2024/09/05 · 35 مشاهدة · 1761 كلمة
Lst Mbryo
نادي الروايات - 2024