المجلد الأول:
جايدن: الحرب حب
" جايدن.. "
لربما كانت هذه لحظة إعجازية بالنسبة لفالفارو، الذي لم يرسل دماغه استجابة تعكس حقيقة ما يحدث.
لقد نطق باسم جايدن دون إرادة منه، و إنما إرادة كيان بداخله لم يدرك وجوده سوى الآن، و مع تبعثر الأفكار و تبخرها، لم يكن عليه سوى المشاهدة.
" هذا هو لوح النبي الأول يا إيثان، البوابة الخاصة بي.. و بك.. بنا"
اختفت الإبتسامة من وجه جايدن تدريجيا، لتتباطأ كلماتها.
" نحن الإثنان "
و بينما كانت عيناها تسبح في معالم فالفارو، فقد صنعت نظرة شغوفة، براقة متألقة، مليئة بأحاسيس مختلفة، من الإهتمام، و الترقب، و ربما الحب.
" الشمس.. و القمر "
رفعت جايدن يدها بمهل و بعثت بسبابتها تشير إلى شفاهه، تبتغي لمسه، فقربتها بتريث، و كأنها تستشعر كل ثانية.
" الزوج "
" كم طال الإنتظار لهذه اللحظة "
شعر فالفارو بشيء خاطئ، لقد رأى شرارة زجاجية في الفضاء بينها و بينه، مثل نافذة شفافة تسعى جاهدة إلى التشكل، لكنها فشلت في كل مرة.
اهتز جسده، و ما إن كادت تلمسه حتى أبدى رد فعل عنيفا، فاستقام و تراجع خطوة للخلف، لربما كان توجسا منه، لكن جايدن بقيت ساكنة للحظة، مواصلة التحديق فيه.
ثم، قفزت نحوه، و ربطت ذراعيها خلف رقبته فأسقطته أرضا و هي فوقه.
بذلك، تشكلت نافذة فورا.
[ Error ]
لم تتجاوز المدة بين تشكل النافذة و انكسارها إلى مليون شظية جزءا من مئة جزء من الثانية، و كان كل جزء كالذي قبله، فتشكلت النافذة مئات المرات و انكسرت مئات المرات، راسمة مشهدا غريبا في عيني فالفارو.
" لقد اكتملت العلاقة " رفعت جايدن ابتسامة من جديد..
في تلك اللحظة، بعثت البلاطة الصخرية موجة أرضية ذات نصف قطر تجاوز الثلاث أمتار بقليل، ثم تغلفت الدائرة بحاجز شفاف، و أظلمت السماء داخل الحاجز.
تناثرت العديد من النقط المضيئة بالداخل مشكلة مشهد كون مصغر، كون يدور حول البلاطة، ثم، تحت جايدن و فالفارو، فتحت بوابة سوداء زيتية، بوابة مطابقة لتلك التي جذبت إيثان لهذا العالم.
فور غرق فالفارو في البوابة، توقفت النافذة عن التشكل، بدلا من ذلك، شعر كما لو أن جسده يتحلل.
رأى جايدن تنفصل عنه لكنها لم تبتعد كثيرا، ثم رأى جسده أمامه في مشهد غريب، و كأنه ينسلخ منه ببطء.
عندما غرق بشكل كامل، رأى إيثان نفسه، و رأى جسد فالفارو الذي تركه في السطح، لم يغرق الجسد و إنما إيثان فحسب.
استعاد رشده الكامل و أدرك مباشرة أن ما يحدث ليس سوى تجربة مطابقة لما حدث له يوم تناسخه.
لقد أدرك الكثير، و تذكر الكثير، لكنه لم يستطع جمع أفكاره العديدة في مسار واحد، خصوصا و أن جايدن أمامه هذه المرة.
لكنه شعر بنفسه أخيرا، بعدما كان إدراكه غارقا في جسد فالفارو لمدة طويلة.
فتح فمه لقول شيء لجايدن، لكنه لم يستطع النطق. لقد كانت البوابة مائعة جدا و ثقيلة.
كل ما استطاع فعله هو المراقبة بأعينه الروحية.
' جايدن.. '
لقد كانت هناك، على بعد أقل من متر عنه، و هو الذي اعتقد أنه لن يراها من جديد.
لقد راقبها و هي تنظر للأسفل، تنظر إلى وجهتهم، بأعين مترقبة. لقد بدت و كأنها على علم بما يحدث.
ثم، انبثقت نافذة عند وجهها، نظر إيثان في النافذة و قرأ.
[ مرحبا بك في: قاعة الفرسان السبعة ]
' قاعة الفرسان السبعة.. '
عكْس نافذة النظام الشفافة و البسيطة الخاصة بإيثان، فإن نافذة جايدن طليت بلون من الذهب الغامق، مزخرفة حوافها بأنماط غريبة مضيئة، باعثة شعورا بهيبة خاصة.
' مستوى مرتفع من النظام؟ ' كانت تلك فكرته الأولى
رفعت جايدن سبابتها و لمست النافذة لتغلق هذه الأخيرة بشكل أنيق، جعلت إيثان في محل غيرة.
ثم تذكر أن نظامه لم يرحب به، تركه ذلك في تفكير قبل أن يقاطعه تشكُل منظر مألوف.
ما بين الظلمة و السواد، انكشفت نقط بيضاء متباعدة، رسمت منظر النجوم في ليل الصحراء. بعد ذلك، انبثق نور من الأفق في الأسفل، نور حول الليل إلى نهار ببطء شديد.
نضخ الجو بقوة أثيرية مع وصول النور إليه، قوة سماوية نقية، غير طبيعية، جعلته يشعر بالراحة رغم سقوطه المستمر نحو المجهول. و لعل ذلك تأثير الفجر بعد ظلام الليل الطويل.
أضاء النور المكان بأكمله، و رأى إيثان السواد فوقه ينقشع، ليتشكل بدله ضباب كثيف.
رأى إيثان عبر الضباب فلاحظ وجود شيء ما، سبع ملامح متقاربة.
ركز نظره، ليدرك أن الملامح تعود لسبع وجوه عملاقة في الأعلى، و بسبب كثافة الضباب فإن تلك الوجوه لم تظهر بشكل كامل، و إنما مجرد ملامح شفافة عديمة التفاصيل.
لقد كانت جميعها غامضة و مهيبة، تنظر إليه مباشرة.
وجه ساخط، وجه ذو ابتسامة صغيرة، وجه عديم الملامح، وجه بارد، وجه هادئ ذو حكمة، وجه خبيث بابتسامة شيطانية و وجه حزين.
تسلق الرعب روحه، و أخفض رأسه مباشرة ممتنعا عن النظر لمدة أطول.. لقد شعر كما لو أنه رأى بما فيه الكفاية، مع ذلك، فقد حفظ الصورة بداخله.
" قاعة الفرسان السبعة.. أقدس مكان في العالم "
ركز إيثان انتباهه لا إراديا ناحية جايدن من جديد، فتح فمه محاولا النطق بشيء لكنه فشل، ليس و كأنه لم يملك شيئا ليقوله بل بسبب طبيعة المكان.
ثم، أدارت جايدن رأسها أخيرا لتنظر إليه، كانت ابتسامتها مشرقة، ثم رمت بيدها نحوه.
أمسك إيثان بيدها، و مع فعله لذلك، تباطأت سرعة نزولهما.
من بعيد، ظهرت عدة أجساد طائرة، انبعثت منها أصوات غناء رخيمة، أثيرية و مريحة، مثل سمفونية تقديسية.
لقد استطاع التعرف على الأصوات، و التي كانت تعود للهمسات قبل قليل.
ثم انخفضا أكثر، و ازداد النهار سطوعا أكثر. رأى من خلال السطوع شكلا كرويا مشتعلا يتحرك بثبات عبر الأفق، من الجهة الأخرى تماما استطاع رؤية قمر مكتمل.
كان القمر و الشمس يدوران بمدار حول إيثان و جايدن.
فانخفضا أكثر، بذلك، انكشفت أخيرا ملامح لنهاية هذه الرحلة الغريبة.
استطاع إيثان رؤية جدارين عملاقين عتيقين، على يمينه و شماله، كل واحد منهما على بعد عدة كيلومترات على الأقل.
لم يكن للجدارين نهاية، و كانا مصنوعين من الذهب الخالص، منقوشة بأنماط عملاقة تظهر من بعيد، راسمة أشكالا هندسية مألوفة و أخرى غريبة.
نزل الثنائي بين الجدارين حتى تشكلت صورة في الأسفل.
لم تكن هنالك أرض في الحقيقة و إنما ضباب كثيف، و لربما كان يبدو مثل الغيوم الداكنة لكثافته.
فوق الضباب، استقرت طاولة خزفية ملكية، بيضاء، كبيرة سباعية الرؤوس، نقشت عليها نجمة سباعية داخل دائرة، و حُفر بين كل رأسين من النجمة رمز معين.
حول الطاولة طافت سبعة كراس طويلة الظهر، مثل عروش، و حملت على ظهرها الرمز المقابل لها.
استطاع إيثان رؤية رمز الشمس المهيبة و القمر الهادئ، بالإضافة إلى دائرة داخل مثلث عند إحدى الرؤوس، ذلك قبل أن يلاحظ شيئا غفل عنه.
لقد كانت الكراسي.. تحمل أشخاصا!
كان هنالك ما مجموعه ستة أشخاص على ستة كراسي، ملامحهم كانت ظاهرة بالكاد عدا شخص واحد.
شخص بدى في ثلاثيناته، مسندا ذراعه فوق الطاولة متكئا بهدوء بينما رمق إيثان بابتسامة غير مفهومة المعنى، ابتسامة رجل يعرف الكثير.
" هنا ستبدأ.. اللعبة "
' اللعبة.. '
أزاغ إيثان نظره ناحية يمينه، جايدن التي نطقت بالكلمات الأخيرة لفتت يده و دنت بهدوء نحو الكرسي السابع و الأخير.
بذلك اكتمل العدد، سبعة كراس و سبعة أشخاص.
' القمر.. '
رأى إيثان الرمز الخاص بكرسي جايدن، و الذي كان القمر، قبل أن يستمر بالدنو، اجتاز الطاولة و لامس جسده الضباب الكثيف في الأسفل.
بذلك اختفى عن نظره كل شيء، و عاد للغرق في الضباب الذي كان له إحساس بطبقات مختلفة من الميوعة. لقد تركته جايدن، وحيدا من جديدا، غرق و غرق ليخرج في النهاية من الجانب الآخر.
لكنه لم يسقط هذه المرة للأسفل، بل انقلبت الجاذبية بشكل غريب. و كأنما أصبح الضباب الذي خرج منه في الأعلى هو الأرضية هذه المرة.
حطت قدمه على الضباب و لم يشعر باختلاف كبير مما كان عليه في الأعلى، و كأنهما عالمان مختلفان متعاكسان في القطبية.
[ مرحبا بك في: قاعة الفرسان السبعة ]
" لقد رحب بي الآن! "
بزغت النافذة، و التي لم يتغير شكلها منذ آخر مرة رآها، قبل أن يدرك أنه باستطاعته الكلام أخيرا!
بعد لحظة، رأى الطاولة و الكراسي، لقد كانت مطابقة لما رآه في الأعلى فتقدم بهدوء نحوها.
كان شعور المشي فوق الضباب غريبا عليه، و أحس أنه سيسقط مع كل خطوة، لكنه تحرك بثبات.
فور اقترابه، دنى كرسي واحد من بين الكراسي، اتسعت عينا إيثان قليلا و تقدم بتوجس.
كانت الكراسي أكبر مما بدى من بعيد، منقوشة بأنماط عتيقة ، مصنوعة بخليط متناسق من عدة مواد مختلفة، معادن و صخور بدت كالخزف الفاخر. لكن ذلك لم يثر اهتمام إيثان أكثر من الرمز الذي كشفه على ظهر كرسيه الخاص.
" الشمس.. " تمتم بهدوء، محدقا في الرمز المحفور.
' جايدن القمر.. و أنا الشمس '
لم يضيع إيثان ثانية أخرى و تسلق الكرسي، بذلك ارتفع هذا الأخير من جديد طافيا على مستوى الطاولة السباعية.
تفحصت عيناه أركان الطاولة ليجد نفسه وحيدا، لم تكن الكراسي الأخرى تحمل أي شخص في الحقيقة، ليس كما رآه في الأعلى.
' أنا الأول هنا؟ ' عبرت الفكرة رأسه.
إتكأ إيثان على الكرسي و قلد جلسة الرجل الثلاثيني، أسند يده على حافة الطاولة و تحسس برودتها.. ثم غرق في تفكير عميق.
" كما فوق.. كذلك تحت " أفصح إيثان بنبرة باردة.
تذكر أول ما كتب على لوح النبي الأول، لكن هذه الجملة لم تكن جديدة عليه. في الحقيقة، لقد كانت مألوفة بالنسبة له أكثر من أي شيء آخر.
لقد لاحظ الإزدواجية الغريبة لهذا العالم، و أسقط هذه الجملة بشكل مباشر.
أعاد النظر في الكراسي الفارغة و فكر.
' أيفترض به أن يكون اجتماعا من نوع ما؟ لكنني الأول هنا، أو ربما الثامن؟ بالحديث عن الأمر، لقد امتلأت الكراسي في الأعلى ما يجعلني الثامن حقا. لا لا.. ليس كذلك، إنها قاعة الفرسان السبعة و ليس الثمانية '
لقد استنتج شيئا، ألا و هو أن تلك الكراسي ستمتلئ أيضا عاجلا أم آجلا..
" ألا يجعلني هذا رئيس الإجتماع؟ " ابتسم إيثان مفكرا في الأمر.
" نعم.. إنها لعبة على ما يبدو.. هذا ما قاله النظام أساسا.. "
" لعبة بيني و بين أولئك السبعة "
ضحك إيثان.
" بمن فيهم.. جايدن "
ثم عبرت صورة الرجل الثلاثيني الذي رمقه بابتسامة غير مفهومة في السابق، لقد شعر بهالة خاصة تنبعث منه.. و كأنه رئيس البقية.
لقد كان في مزاج جيد ليلهو بأفكاره..
" ماذا لو كانت اللعبة بيني و بينه.. أو بمعنى أدق، إنها لعبة بين الخير و الشر.. بين فريقين، كل فريق مكون من سبعة " أضاف إيثان.
رفع ابتسامة و هو مستمتع بالتفكير
" أيها النظام.. ما هي اللعبة من جديد؟ "
[ أنقذ الشرير من البطل حتى ينجب إبنا ]
" بالضبط.. "
' لقد أجاب النظام مباشرة، رغم أني لم آتي بذكر المهمة أبدا.. ما يجعل سؤالي في محله '
وافق إيثان على أفكاره و أضاف
" لكن لربما المشكلة الأكبر هي جايدن.. إنها "
" إنها العدو الأسوء! "
تسلقت قشعريرة غامضة روح إيثان فور التفكير بالأمر..
' كما أقول دائما.. ضعني داخل حلبة في مواجهة مايك تايسن و لا تضعني على رقعة في مواجهة جايدن '
ليس و كأن جايدن هي أعظم لاعب شطرنج، لكن إيثان علم أنه في مواجهتها، فهو ليس سوى كتاب مكشوف الصفحات.
لقد كانت تعرف كل خباياه..
بعد عبور هذه الفكرة عليه، ضحك إيثان بسخرية من نفسه. ثم تابع تذكر مميزات جايدن واحدة واحدة، و قد كانت كثيرة جدا.
خضم فعله لذلك، شعر بالأرض تجذبه من جديد، أخذ نظرة للأسفل و قد كانت هنالك بوابة سوداء زيتية، كالتي أحضرته إلى هنا، تمتصه ببطء
" إذن.. فقد حان وقت الرحيل " ألقى بنبرة مهزومة
لقد استمتع بالجلوس على ذلك الكرسي، أحس فيه بنشوة ملكية و صفاء غامض في الأفكار، كما لو لم يقيده أي شيء من العالم.. و لربما كان كذلك.
احتضن إيثان البوابة، و بعد ثوان أو هذا ما بدت عليه، فتح عينيه من جديد لتستقبله نافذة النظام مباشرة.
[ اليوم السابع بدأ! ]
كان في جسد فالفارو، مضطجعا على الأرض، فحمل نفسه و ألقى نظرة على محيطه. كانت مارثا واقفة بجانب البلاطة الصخرية و قد أسندت يدها عليها، ثم تحدثت دون سابق إنذار
" لقد حركتُ قطعة بالفعل، اللعبة قد بدأت.. آسفة على استباق الأحداث لكنك متأخر قليلا.. لذلك "
" هل ترغب في اللعب من جديد؟ "
( هنا قالت جايدن بالحرف الواحد
would you like a rematch? )
ضحك إيثان و بصق
" بالطبع.. و كأنني سأرفض "
رفعت جايدن، و التي كانت بجسد مارثا ابتسامة واثقة و أضافت
" المبجلون السبعة يراقبون، من المستحسن أن نقدم عرضا جيدا.. لا تخجل من جعل هذا العالم رقعة لعبنا.. إيثان! "
بعد آخر كلمة، تحلل جسد مارثا بسرعة مرعبة تاركا الغبار خلفه بينما كان إيثان ينظر في الفراغ أمامه.