" هاه هاه! "
إنتصب جذعي على الفور رافعا نفسي من السرير، حاولت تهدئة أنفاسي المضطربة بأنفاس أكثر اضطرابا بينما مسحت العرق المتراكم على جبيني، لقد شعرت و كأن روحي قد خرجت منذ لحظة..
' هل كان مجرد كابوس؟ '
دحضت هذه الفكرة تاليا بعد استعادتي بعضا من وعيي، بمجرد الشعور بالأمر أدركت أنني لم أعد في جسد إيثان بعد الآن.. أنا حقا في جسد شخص آخر..
مسحت المحيط من حولي، كان قمر الليل المكتمل قد بعث بنوره عبر نافذة صغيرة على يميني، كشف ذلك قطعا من غرفة بدت عتيقة لوهلة.. إنتشرت ظلال الأثاث الخشبي حول المكان معطية انطباعا مزدحما.
خزانة من الخشب الداكن قابلت وجهي، طاولة ذات أدراج بالجانب و باب خشبي بسيط بجوارها.. حمالة ملابس داخل مجال لمسي، و أيضا السرير ذو مكانين و الذي غطى فراشه الأبيض على نصفي السفلي بالإضافة إلى امرأة بالكاد أبانت على حركة من رد فعلي..
' هووف! '
عدلت وتيرة تنفسي لحد ما بينما جمعت أفكاري من جديد، مستذكرا كل ما حدث حتى الآن.. لقد كانت التجربة مثل أفعوانية نحو المجهول بعد اصطدام تلك النجمة بي قبل قليل، شعرت فيها أنني أولد لثاني مرة.. مجتازا جميع مراحل الخلق في ومضة
" إذن.. لقد كان كل شيء حقيقيا، لقد تناسخت! " أعلمت بصوت هامس يكاد يسمع.
بدأت أتمعن في جسدي الجديد بداية من يداي وصولا إلى جذعي، و الذي كان عاريا، كاشفا عن عضلات متناسقة ملبدة تحت كتلة خفيفة من الدهون، أخذت بيدي أتحسسها.
' جسد رياضي ذو مستوى متوسط على ما يبدو.. '
كانت هذه فكرتي الأولية. لم يدم الأمر طويلا قبل أن يحتكر رأسي صداع خفيف، جعلني أضغط عليه على الفور.. تلى ذلك موجة غريبة من الأفكار، دخيلة إن صح التعبير، بدت و كأنها ذكريات مصطنعة..
فكرة تلو الأخرى حتى اكتشفت ما يحدث..
" ذكريات هذا الجسد! "
' فالفارو.. ' همست في قلبي..
( فالفارو تنطق Valvaro )
فالفارو آيرونكلاد، كان هذا إسم الرجل الذي عاش في هذا الجسد قبلي.. شاب كبير في ثلاثيناته، 33 سنة بالتحديد. زوج لامرأة حسناء تدعى مارثا سكوتس و أب رائع لفتى و فتاة.
واصلت المعلومات ضرب رأسي رفقة ذكريات فالفارو، لم تبدو الذكريات مكتملة و كأنها فص واحد من بين سبعة لكن ما وصلني حتى الآن كان كفيلا لجعلي أشهق في اندهاش..
' بطل حرب! '
من خلال حفنة بسيطة من الذكريات استنتجت أن هذا العالم كبير و معقد، ليس و كأنه بالأمر الغير متوقع بالنسبة لي- فأنا شخص يصبو إلى بناء عوالم سخية في رأسي على الدوام- لكن هذا العالم بالتأكيد ليس عالم رواية أو لعبة من صناعة أفكار بشري ما..
هذا العالم يحتوي على سحر، قدرات خارقة، أجناس غريبة، مدن و أراضي بتفصيل دقيق، و الكثير من التفاصيل التي لم تستحي عبور باب عقلي دون إذن.. لم أعرف فيما أركز حتى.
' هذا كثير! '
كثير بالطبع لدرجة جعلتني أمسك رأسي من جديد خشية انفجاره.. إستمر الصداع لفترة طويلة لم تسمح لي بتشكيل فكرة واحدة، صداع تجاوبت معه بصوت أنين خافت هرب من بين شفتي..
" عزيزي.. هل أنت بخير؟ "
كان صوت الأنين ذاك كافيا لإيقاظ المرأة بجواري، سائلة عن حالي دون تلقي إجابة، فوضعت يدها على ظهري قبل أن تمسح عليه بحنان.. لم أعلم ما الذي قامت به لكنني بدأت بالتحسن على الفور، إختفى الصداع بشكل مفاجئ و عدت لوعيي الكامل..
" لا شيء يا عزيزتي.. صداع منتصف الليل كالمعتاد " أجبت بنوع من المرونة
كانت تلك خطوة ارتجالية مني كشخص لم يألف لغة جديدة سوى منذ بضع ثوان، شعرت و كأنني قمت بإنجاز، حمدا لله أن لساني الجديد لم يخني.. أبدت مارثا تعبيرا قلقا علي ما جعلني أسترسل
" سآخذ جولة صغيرة حول المنزل عساها تخفف عني.. لا تقلقي علي و عودي إلى النوم " قلتها راسما إبتسامة صغيرة
" إعتني بنفسك رجاءا.. لا تطل و عد لأخذ قسط من الراحة "
" حسنا عزيزتي "
أعطتني مارثا نظرة شاغلة لبضع ثوان قبل أن تعود للنوم..
' هووف '
لا أنكر أن كلماتي تلك كانت نابعة من فضول الإستكشاف، كلمات رصينة أردت بها التخلص من الوضع الغير الملائم من جهة و رغبة في إلقاء نظرة على المكان من جهة أخرى، فأخذت من حمالة الملابس معطفا ريشيا بلون الشعير سترت به عورتي و استقمت على الأرضية الخشبية.
' يبدو أن الليل لا يزال طويلا.. '
ألقيت نظرة مطولة على الخارج منجذبا لشكل القمر قبل أن أتوجه نحو الباب.. فتحته ثم خرجت و لم أنس إغلاقه.
من ذكريات فالفارو يبدو أن هذا الأخير كان بطلا محليا في هذه البلدة. قبل بضع سنوات، تحديدا أيام شبابه الأولى، كانت هناك حرب عالمية قائمة بين البشر و جنس غريب، أظن أنه يمكن اعتبارهم مثل تلك الشياطين الموجودة بكثرة في الأعمال الفانتازية لكنهم لم يكونوا شياطينا في الحقيقة.. لا أستطيع تذكر أسمائهم بعد، قاد فالفارو الحرب في مقاطعة بالمر هول رفقة مارثا و قد أودع نصرا ساحقا لجانب الإمبراطورية.
لا يمكنني تذكر سوى لقطات خفيفة من الحرب لكنها كافية لجعل شعر جسدي يقف، هذا الرجل يملك شجاعة مرعبة لتولي الخطوط الأمامية، مبارز محترف بالسيف خاض عدة نزالات حتى الموت.. و خرج منها حيا.
' يا إلاهي.. '
لا أعلم لما كنت متفائلا على نحو غريب بشأن هذا العالم، آمل فقط أن تكون الأوضاع آمنة في الوقت الحالي حتى أبني الشجاعة الكافية لأكون كفالفارو.. حسنا، أنا الآن فالفارو شاءت روحي أم أبت.
كان الوضع صامتا رسمت عليه أصوات ريح خافتة تسللت إلى الداخل، قابلني رواق صغير إنتهى عند باب آخر بجانبه سلالم أخذت إلى الطابق السفلي. أعلم أن تلك الغرفة هي غرفة جيلا الصغيرة، إبنة فالفارو ذات التسع سنوات..
بالعودة إلى ذكرياته، أستطيع رؤيتها أمامي هي و أخوها الأكبر غيلاد ذو 13 سنة، غيلاد الشاب الصغير هو فتى موهوب إستطاع دخول إحدى الأكاديميات المرموقة في سن مبكر، و هو لا يمكث في هذا المنزل بعد الآن لذلك جيلا قد التصقت بأبيه تعويضا عن غيابه..
' أشعر أنني مسؤول بشكل كبير الآن.. '
طبعا فأنا قد أصبحت أبا و زوجا، و جدير بالذكر أنني أكره المسؤولية..
نزلت السلالم الخشبية في ثبات بينما كانت عيناي تجوبان المكان، منزل متواضع كالذي كنت أقطن فيه في عالمي السابق، إلا أن هذا العالم لا يملك التكونولوجيا المتطورة كالتي لدينا.. البشر هنا يستخدمون السحر في جميع جوانب حياتهم، مع أن فئة قليلة تستطيع استخدامه بكفاءة. هذا يشرح مستوى الحضارة في هذه البلاد، يمكن تشبيهها بالعصر ما قبل الفيكتوري عندما لم تكن الثورة الصناعية شيئا معروفا.. نعم، حياة ما قبل انتشار مفهوم الآلة و المحرك البخاري.
إلا أن ذلك لم يمنع هذا الشعب أن يتقدم في مجالات أخرى، طبعا القوة أبرزها..
أخذت نظرة فاحصة على الطابق السفلي مستكشفا غرفتيه و غرفة المعيشة خصوصا، إنتهت بي الأقدام عند غرفة رابعة أخذت زاوية صغيرة، دخلتها على فضول لأجد بداخلها مرحاضا غريبا و مرآة، طبعا أقول غريب لأنه أشبه بالمراحيض المعاصرة و التي أخذت شكل المقعد، ليس هذا ما أنفرني و إنما نظام الصرف الصحي الظاهر بجانبه..
' كيف يمكن؟ '
غصت في أفكاري لثوان، شيء كهذا لم يكن يفترض أن يكون موجودا، رأيت أنبوب الصرف الصحي و قد كان حجريا على ما يبدو، ذلك قبل أن أزيغ نظري في النهاية لأتوجه نحو المرآة..
أشعلت ضوء المصباح الزيتي المعلق في السقف، إنتظرت بضع لحظات قبل أن يشتعل الزيت بنور أصفر أثيري، تاليا وقفت بجانب المرآة..
" هوه! " أطلقت زفيرا جافا
فالفارو، قد حمل جسدا يحسد عليه! لا بد أنني محظوظ بما فيه الكفاية أليس كذلك؟ مع أن وجهه ذو جمال متوسط، عينان عسليان كبيران و شعر بني مبعثر، لكنه كان مقبولا في النهاية.
عندما نلت كفايتي من التحديق في جسدي الجديد عدت إلى غرفة المعيشة و جلست على أحد كراسي طاولة الغداء، نظمت مخططاتي لليوم الأول و قررت العودة إلى السرير..
بينما بدأت بصعود السلالم من جديد قابلتني لوحة غريبة معلقة على الحائط لم ألحظها من قبل، حملت اللوحة بين زواياها صورة لأسد مجنح ذهبي مرسوم بأسلوب بسيط.. كان وجود هذه الصورة هنا غريبا إلى حد كبير..
' أسد مجنح.. '
لم يغب الأمر عني، لقد كنت أنا و جايدن من محبي الأساطير، لطالما درسناها معا و تحدثنا عن التاريخ الغريب للحضارات القديمة و الديانات، كان ذلك عبارة عن إثراء جانبي اتخذته مرجعا لأملأ روايتي بإسقاطات حقيقية عوضا عن ترهات خيالية.. الأسد المجنح قد ذكر في العديد من المواقع، الحضارة الآشورية، الرموز المسيحية تحديدا القديس مرقس، و أيضا رموز الآلهة قديما، لقد كانت الصورة هنا أقرب إلى رمز الإله مثرا في الثقافة الفارسية.
' هل هنالك صلة من نوع ما؟ أشك في ذلك "
هذا الإفتراض مبكر للغاية..
" آه جايدن! " ضربت جبيني بأسف
إستعادت ذاكرتي المكالمات الخمس الفائتة منها، اختلج قلبي شعور فوري بالندم و الحسرة لعدم ردي عليها.. لقد كان قلبي ضعيفا في هذه الحالات، لم تكن جايدن لتتصل بي أكثر من مرة لو لم يكن الأمر مهما، ناهيك عن خمس مرات كاملة! لا يمكنني حتى الإعتذار لها الآن.
حسنا، لا مجال للعودة للأسف.
لم أفعل شيئا بعدها سوى عودتي للسرير المريح جنب مارثا، لا حاجة للقول أنني لم أستطع النوم، لقد بقيت أراقب وجهها الجميل حتى انكشفت شمس الصباح.
.....
أنارت أشعة الشمس المبكرة الغرفة بالكامل، كنت لا أزال مضطجعا على ظهري حينها أفكر في هذا العالم، لقد أردت أخذ الأمور بروية فلماذا التعجل؟ الشرير ليس هاربا إلى أي مكان..
إستيقظت مارثا بعد لحظات، إرتدت رداءها و أعطتني قبلة على الجبين.. لقد كان الأمر مفاجئا بشكل لم أنتظره إطلاقا. يبدو أن هذه هي " صباح الخير " هنا ما جعل زوايا شفتاي يرتفعان بحدة.
" الحياة هنا رائعة حقا! " طردت هذه الكلمات بصوت مسموع بعد أن غادرت مارثا الغرفة..
أعني، هل علي أن أنفذ هذه المهمة الغبية من الأساس؟ لما لا أعيش حياة عادية غير قلق بشأنها فلا توجد أي عقوبة حسب علمي، هل هذا خلل في النظام يا ترى؟
إستجابة لأفكاري الداخلية إنبثقت نافذة شفافة أمامي كتبت عليها ثلاث كلمات.
[ اليوم الأول بدأ ]
' اليوم الأول بدأ؟ '
ظلت النافذة الشفافة معلقة أمامي دون أي نية للإختفاء، لم أرتح لهذه الكلمات.. هل ينوي هذا النظام على شيء؟
" أغلقي أيتها النافذة اللعينة! "
استجابت النافذة و اختفت، لقد عكر ذلك مزاجي تماما في الوقت الحالي.. في اللحظة الموالية دخل أذني صوت نداء مارثا تبعه صوت طفلة صغيرة، لا شك أنها جيلا.
كان صوت الفتاتين جميلا و يبعث بالراحة حقا.. يبدو أنه حان الوقت لأرى ابنتي الصغيرة! لقد كنت متشوقا بشكل غريب.. أظن أن مشاعر فالفارو قد انتقلت إلي أيضا
' هذا ليس غريبا فأنا في جسده في النهاية '
نهضت من سريري لأغادر الغرفة.. فلينتظر النظام أكثر قليلا..
......
أتقدم بشكري لأول معلق لرواية معضلة إبن الشرير: لينكولن! سيظل إسمك محفوظا.
شرفنا أيضا بتعليقات محفزة: إيرينا، لايت، نيزو و أكاسيا! أشكركم بشدة.
أيضا إنما، فجر و سونغ!
هذه بداية الرواية، سأقوم بذكر صاحب التعليق الذي يكتشف أهم شيء ظهر في كل فصل.. بداية من هذا الفصل. أعدكم أن الغموض في هذه الرواية ذو جودة عالية فحظا موفقا!
تعليقي للفصل: إربطوا الأحزمة عسى أن تأخذ الأفعوانية سقوطا مهولا.. فلنترك إيثان يستمتع بأيامه مادام بإمكانه ذلك.