1 - الأميرة الحسناء

الأميرة الحسناء، حكاية خيالية قاسية.

الاتي قصة حقيقة من ستمائة عام مضت. مع ذلك، أفضل أن تفكروا بها كقصة خيالية. لما؟ لأنها شديدة القِدم، فلا يمكن التأكد من صحتها، وليس بها دروس ولا عبر--أثقُ أن قصة مثل هذه يستحسن أن تأخذ ككذبة.

منذ حوالي ستمائة عام، في دولة محى الزمن أسمها، كانت هناك فتاة شديدة الجمال. الابنة الوحيدة لنبيل غني، زينت صورها بيوت كل العائلات في تلك الدولة--لم يكن هناك من لم يدرك جمالها.

شعرها الذهبي الناعم، عيناها الواسعتان، رأسها الصغير، شفتيها الحمراوان، رقبتها الرقيقة، بشرتها الناعمة، أصابعها الطويلة، وساقيها الطويلان يتدليان من خصر رفيع وعالي.

الرجال والنساء، كبار وصغار، بغض النظر عن المكانة، سحروا جمعياً بجمالها. كرّمها صاحب الجلالة الإمبراطور ببساطة لجمالها، ناداها جميع الناس بـ "الأميرة الحسناء"، وأحبوها. انتشرت الشائعات، وشكل المواطنون طابوراً ضخماً أمام قلعتها، محاولةً منهم في لمح جمالها. تخطي جمال الأميرة الحسناء توقعاتهم، فبدأوا يحضرون لها الهدايا. يوم بعد يوم ازداد جبل الهدايا الواقع امام القلعة ارتفاعاً.

قال الموسيقى: "لقد جعلت مقطوعة من جمال سموك، أرجو منك أن تَقبليها"، وبدأ يعزف الكمان.

قال الشاعر: "لقد جعلت قصيدة من جمال سموك، أرجو منك أن تَقبليها"، ودوى صوته ينثرها.

قال الفنان: "لقد جعلت تمثالاً من جمال سموك، أرجو منك أن تَقبليه"، وصنع المئات من التماثيل.

ولكن لم تجعل أي من الهدايا الأميرة تبتسم. بالرغم من نظرها لجبل الهدايا بأسى شديد، إلا أن الطريقة التي غلف بها الحزن وجهها كانت شديدة الجمال لدرجة أن أحداً لم يلحظ عدم ابتسامها.

"لا أحد ينظر لي" نحبت الأميرة، وحيدة في غرفتها. "يمجدون جمالي، جمالي، ولكنهم لا يقولون غير ذلك. لا يعرفون أي نوع من الأشخاص أنا. لا يعرفون كيف أكون من الداخل."

كانت تلك محنة الأميرة الحسناء.

الجميع بالتأكيد سحروا بجمالها. مدحوها، وأكثر من كل شيء، نظروا إليها. بالرغم من ذلك ما كانوا ينظرون إليه هو المظهر الخارجي، ومهما فعلت أو قالت لم يهتموا لأفعالها أو تصرفاتها.

لم يعرف أحد كيف كانت من الداخل، ولم يحاول أحد ذلك.

مهما فعلت، مهما قالت، لم يفكروا في شيء إلا عبارة "الأميرة الحسناء". ما إن نجحت أم فشلت، ما إن فعلت الصواب أو الخطأ، كان تقديرهم لها دائماً نفسه. مهما فعلت فكانت جميلة. جميلة وهي نائمة وجميلة وهي مستيقظة. "الأميرة الحسناء" كان اسماً مثالياً لها.

أليس في كل هذا الجمال شيءٌ من الشيطانية؟

"لا يبدو أنه هناك أي أهمية لامتلاكي إرادة أم لا. ولكنني لست عبدة لمظهري. ذلك الجمال الذي ولدت به ليس إلا مصدر إزعاج. أريدهم أن يروا كيف أكون من الداخل وليس الخارج فقط"

ألّا تعتمد على جمالها، ساحرة عجوز عاشت في البلد منذ زمن عتيق تأثرت بقوة إرادتها العظيمة.

تسللت للقلعة ليلاً، بالأصل مهتمة بالشائعات التي قد سمعتها، ولكنها قررت أن تمنح الأميرة أمنيتها.

"الأميرة الحسناء. سأجعل جمالك شفافاً بطريقة لا يمكن لأي أحد رؤيته بها، بدلاً من ذلك سيرى الجميع قلبك من الداخل. من الآن وصاعداً الأمر يتعلق بكيف تكونين من الداخل."

رددت الساحرة العجوز تعويذة ولوحت يداها، أصبحت بشرة الأميرة الناعمة شفافة حقاً.

"شكرا لك. شكرا لك."

"الأميرة الحسناء" كانت ممتنة من أعماق قلبها.

قلب يمكن للجميع رؤيته الأن.

بتلاشي جمالها الخارجي، جمال قلب الأميرة الذي لا يضاهي كُشف عنه. حقيقتها، التي كانت مخفية حتى الآن بمظهرها الخاطف، أصبحت واضحة بعد تعويذة العجوز--حتى عندما لم تفارق القلعة انتشر جمال قلبها في جميع أنحاء الدولة.

خجلاً من عندم قدرته على رؤية جمال قلب ابنته من قبل، لحظات بعد أن أنهي تحيات الصباح، قفز والد الأميرة من الشرفة ليعاقب نفسه. فخراً بأنها قد أنجبت ابنة بتلك الهيئة العظيمة، وكأنها قد انهت الدور الذي ولدت لتقوم به، ماتت والدة الأميرة بهدوء بعد تناول الإفطار.

الموسيقِي، مؤمناً أن لطف الأميرة الحسناء لا يمكن التعبير عنه بموسيقاه، قدم لها أعز ما يمتلك، أعز من من حياته--قاطعاً ذراعه التي اعتاد أن يعزف بها، ومقدماً إياها للأميرة كهدية مناسبة.

الشاعر مؤمناً أن حكمة الأميرة الحسناء لا يمكن التعبير عنها بالشعر، قدم لها أعز ما يمتلك، أعز من حياته--ممزقاً اللسان الذي اعتاد أن ينثر قصائده، مقدماً إياه للأميرة كهدية مناسبة.

الفنان مؤمناً أن شجاعة الأميرة لا يمكن التعبير عنها بالنحت، قدم لها أعز ما يمتلك، أعز من حياته--مقتلعاً عينيه الذين اعتاد أن يفحص بهما المواد، مقدماً إياهم للأميرة كهدية مناسبة.

احرق كل مواطني الدولة صور الأميرة، الصور التي اعتزوا بها حتى ذلك الوقت. تساءلوا عن سبب اهتمامهم الشديد بزينة لا فائدة منها كل هذا الوقت. الأهم من ذلك، أنهم فكروا: "انظر لنقاء "الأميرة الحسناء"، انظر كم هي صالحة. من كان يتصور أن قلباً بتلك الطهارة يوجد في العالم؟ أليس ذلك الجمال الحقيقي؟"

ولكن لم يمتلك الجميع أشياءً أكثر قيمة من حياتهم، لذا بتردد وحسد، ظانين أن أشياء تافهة كتلك لا تليق بالأميرة، قدموا لها حياتهم. قدموا لها حياتهم، حيات أقاربهم، حيات أطفالهم، حيات أحفادهم. جبل الهدايا أمام القلعة أصبح جبلاً من الجثث، ولم يمض الكثير من الوقت حتى أصبح ذلك الجبل أكثر علواً من أسوار القلعة.

"أه! يا لها من مأساة! من كان يظن أن هذا سوف يحدث!"

كراهيةً في جبل الأجساد ونهر الدماء التي تم التضحية بها من أجلها، ذهبت الأميرة للساحرة كي تلغي عمل التعويذة. ولكن الأوان قد فات: العجوز كانت أول من يري جمال الأميرة الداخلي، ومن حينها قدمت ما هو أعز لها من حياتها--الرأس التي جمعت فيها سنوات طويلة من المعرفة. انهارت الأميرة أمام رأس الساحرة المقطوعة وبكت.

تلك الهيئة التي يرثي لها، ذلك القلب الجميل الذي تسيل دموعه للأخرين، سحر المواطنين أكثر فأكثر. تزاحموا وتنافسوا على تقديم أرواحهم للأميرة، أو ما كان أغلي من أرواحهم. مواساةً للأميرة، ألقوا حيواتهم واحداً تلو الأخر، وهم يبتسمون. كانوا في غاية السعادة لرؤية جمال قلبها بدون غطاء المظهر، وللموت من أجلها.

أخذت السمعة السيئة لجبل الجثث -أو بالأحرى قلعة الجثث- تنتشر في العاصمة والدول المجاورة، بالرغم من ذلك، كلما أسرع جيش من الجيوش للقلعة خضع لقوة الأميرة الحسناء. كل أفكارهم المسبقة وكراهيتهم محت بعيداً، غسلت قلوبهم ونظفت، وبسعادة وإرادة منهم أصبحوا جزءً من جبل الجثث.

"كفي. الكل يموت. الكل يموت من أجلي. لا أستطيع إنقاذ أي منهم. كلما أفعل، كلما أتكلم، يموت الناس. أتمنى فقط أن أموت."

ولكنها لم تكن قادرة على الموت. قوة قلبها لن تسمح بذلك. لم يمكنها حتى أن تصاب بالجنون.

"بتلك الحالة، أذهبي في رحلة."

رأس الساحرة العجوز المقطوعة تكلمت. الدموع التي ألقتها الأميرة تسببت في معجزة. فقط لبرهة، عادت العجوز للحياة.

"يوماً ما، ربما ستقدرين على مساعدة هؤلاء الذين يموتون بسبب جمالك الملعون. حتى ذلك الوقت، ابتعدي عن الناس. عيشي بمفردك، لا تقتربي من أي شخص. لا تبقي في مكان واحد لمدة طويلة. إذا فعلتِ، سيأتي الناس ليقدموا أرواحهم لك."

بذلك، لفظت العجوز أنفاسها الأخيرة مجدداً.

وهكذا، رحلت "الأميرة الحسناء" عن القلعة التي لطخها اللون الأحمر الفاتح، لون الدماء، والجبل المهول من الجثث بجانبها، إلى رحلة لا نهاية لها. كي توقف موت أي شخص أخر، اتبعت تعليمات العجوز الشبيهة باللعنة. كانت رحلة مليئة بالوحدة، رحلة لا يمكن لأي أحد مرافقتها بها. بعد ذلك بمدة من الوقت، أصبحت الأميرة مصاصة دماء، ولكن تلك كانت الظروف التي بدأت بها أسطورة " مسددة القبلات أسيرولا أوريون قلبٌ تحت النصل" الدموية.

وبعد ستمائة عام، للمرة الأولي، استطاعت انقاذ حياة صغيرة واحدة ضُحى بها من أجل قلبها النقي.

2018/08/19 · 617 مشاهدة · 1112 كلمة
HusseinK
نادي الروايات - 2024