3 - وجبة شهية يا أسيرولا (الجزء الثاني)

بطريقة أو الأخرى، يبدو أنني مُت مجدداً.

كان ذلك ما توصلت إليه ريثما استرجعت وعيي ببطء—حتي وإن كان الموت شيء طبيعي نوعاً ما بالنسبة لي، فيبدو أن موتي كان وحشياً هذه المرة.

لما؟ لأنه بعدما استيقظت بثقل، أول شيء بمرمي بصري كان رأسي المقطوعة تتدحرج علي الأرض—الرقبة ملفوفة وكأنها قد سحبت بعنف للخارج.

الرأس المقطوعة كانت تحدق بي بمرارة عبر عيونها الفارغة—الآن بما أن الجسد قد عاد للحياة برأس جديد، فإن الرأس التي قد اعتادت ان تتحكم به سيكون قدرها التحول لغبار، لذا كنت أفهم مرارة تلك النظرة.

بالقبل عندما كانت تمزق رأسي من مكانها (أم أنها قُطعت؟) كنت أرجع للحياة عن طريق رأسي، وكان الجسد هو من يتحول لغبار، لذا حتى أنا لا أفهم سبب ما حدث الآن.

حسناً، إذا رجعت للحياة عن طريق رأسي وجسدي الأثنان معاً كالكائنات الأدنى، سيزداد عدد النسخ مني إلى ما لا نهاية وستمحي هويتي، لذا الأمور جيدة بحالي الآن.

بالرغم من أنني قد اعتدت تلك النظرات المليئة بالحقد إن كانت من أعضائي جسمي إلا أن المذاق يختلف قليلاً—مذاق، نعم.

بتلقائية انحنيت وامسكت ببعض من شعرها.

شعر ذهبي جميل، إذا ما ترك لي الحكم.

كان النور قد اختفي من عينها، ولكنها ما زالت تحظي بنفس اللون الذهبي.

يقولون إن الذهب ليس ساحراً، ولكن شعري وعيني الذهبيان بهما الكثير من الغموض والتعقيد—غرست أنيابي في مؤخرة الرأس. أكلتها مروراً بالشعر والعظام، ببساطة مذاق ممتاز.

ملمس اللحم والعظام والدماء، حتى الأدمغة، عندما يختلطون معاً في فمك يستحق الموت لأجله—إحساس سحق مقلة العين بمضغة خفيفة، لا أمانع اعتياد هذا...

مر وقت طويل منذ اخر مرة اكلت فيها دماغي، وما زالت التجربة لا تضاهي.

طعام ثمين يمكنني الاستمتاع به للحظات فقط قبل أن يختفي—فكرت وأنا امضغ.

أخيراً، وأنا ألعب بفقرات العنق عن طريق تحريكهم بفمي، محاوِلةً أن استمتع بتلك اللحظة قبل أن تبدأ عملية الزوال في الحدوث، سمعت صوتاً.

"اه..."

كان الصوت كأنه جرس يقرع أمامي، بينما كنت ألف الفقرات بفمي.

"أردت السؤال من قبل، أمذاقها جيد؟"

"لذيذة كالعادة، طبعاً. إنها رأسي، أتعرفين؟"

أجبت على الفور.

كان من الصعب التحدث بفم مليء بعظام الرقبة، ولكن بما أنها كانت أكبر من أن تبتلع بعد، فأزحتها إلى جانبي فمي، كما تفعل السناجب.

"ولكن لا يهم حقاً إذا ما كان مذاقها جيداً أم لا. حتى لو كانت مقرفة، فسوف آكلها."

آكل ما أقتل.

هكذا أعيش.

بعدما شرحت ذلك، سلمت الأميرة للأمر بطريقة غامضة.

كأنها لم تفهم شيء.

ليس الأمر وكأنني أردتها أن تفهم بالضرورة، ولكنني لم أستطع تحمل حقيقة أنها لم تكن تتوتر أمامي علي الإطلاق.

أبعد ما يكون عن ذلك،

"يجب عليك التوقف حقاً."

تحدثت وكأنها تحرص علي، أنا، من بين كل الناس—تلك البشرية، في مكانة بشرية لا أكثر، تحدثت لي بطريقة لا تشبه البشر علي الإطلاق.

تضايقتُ، وجمعت السبع فقرات في فمي ومضغتها بقوة—تباً، كان يجب أن أحافظ عليها لفترة أطول...

"لا تنتقدي عادات الاخرين في تناول الطعام، أيتها الأميرة."

"بالطبع يجب انتقاد تصرف كتناول المرء رأسه المقطوعة، ولكن ليس ذلك ما يهمني"

قالت الأميرة أسيرولا.

كانت تبدو قلقة بشأن شيء ما فعلاً—شيء لا يغتفر بالنسبة لي، حقاً. لا أكذب، كانت قلقة بشأني.

أفهم ذلك القدر.

ويغضبني ذلك بشدة.

الرأس التي أكلتها قد تغلي في معدتي.

"ماذا تعنين، ليس ذلك ما يهمك؟ لما قد تهتم أميرة دولة مخربة بي؟"

أري الآن.

ذلك ما أرادت قوله.

عندما سمعت ذلك، أدركت أن سبب موتي هذه المرة هو نفسه سبب المرة السابقة، والتي سبقتها، والتي سبقت ذلك أيضاً، كما يبدو.

أخر مرة، انفجر جسمي.

المرة التي قبلها، تم اقتلاع قلبي.

والتي سبقتها، تم تحطيمي لأشلاء.

حتى وإن كانت الطرق التي مت بها مختلفة—سبب الموت كان نفسه.

سبب الموت: الأميرة أسيرولا.

بين البشر كانت تعرف بـ "الأميرة الحسناء" ولكن بالتأكيد لن أستخدم ذلك الاسم، لا اعتقد أنه اسم جيد.

امرأة قتلت مصاص دماء مثلي أربع مرات من بينها هذه المرة لا يجب أن تحظي باسم مرهف كهذا.

قلت ذلك، و،

"أعتقد حقاً أنني لا استحق لقباً كالـ "الأميرة الحسناء" بعد الآن."

قالت الأميرة أسيرولا وهي تهز رأسها من جانب للأخر.

حسناً، حتى تلك الإيماءة الباردة بدت جميلة منها—وأثق أن سلوكها المتواضع أجمل من ذلك حتي.

"بالرغم من ذلك، أنا منزعجة لتسببي في موتك مرة بعد الأخرى—إن توقفتِ فقط عن محاولة قتلي فلن تموتي مجدداً"

بالفعل لن أموت لو توقفت.

بالرغم من حديثها بوجه لطيف، إلا أنه من المؤكد أنها لا تخفي ما تفكر به حقاً—ذلك سبب أخر من أسباب مناداة الناس لها بـ "الأميرة الحسناء"، أعتقد. ربما يكون السبب الأكبر.

قوة الإرادة، والتصميم.

صفات عظيمة حقاً.

لم تحرك ساكناً أمام مصاص دماء.

لم أستطع منع نفسي من الإعجاب بها بعض الشيء—بالرغم من احتمال كون ذلك الإعجاب سبب موتي في المرات الأربع الأخيرة.

بالرغم من أن سبب موتي نفسه هو الأميرة أسيرولا، إلا أن من كان يقتلني فهو أنا من بين كل الناس.

حطمتُ نفسي لأشلاء.

اقتلعت قلبي.

مزقتُ جسدي.

وهذه المرة، نتفتُ رأسي.

بما أن ذكرياتي للحظة الموت مشوشة وغير واضحة، لا أستطيع أن أؤكد أي من هذا، ولكن طبقاً لشرح الأميرة نفسها، أنا من كنت أقتل نفسي.

كلما حاولت إيذاء هذه المرأة، استسلم لإحساس رهيب بالذنب، ويتحول هجومي عليها إلى هجوم على نفسي—شيء كهذا.

تدمير ذاتي. إيذاء ذاتي، إصابة ذاتية.

وصف بسيط لما يحدث قد يكون أن لها "قدرة على صد الهجمات"، ولكن الفرق أنها ليست قدرة، فلا يمكن للأميرة أسيرولا التحكم بها على الإطلاق—إنها أشبه بردة فعل لا إرادية.

هذا هو.

كل شيء، بما في ذلك نزعة الإيذاء الذاتية وإحساس الذنب، يحدث في عقلي، وليس عقلها—إذا استخدمنا مثلاً من الفنون القتالية الشرقية، فأنها كمصارعة نفسك في رياضة السومو.

أنه أمر مضحك أكثر من كونه غير معقول، مثير للتسلية كفاية أن يوصف بالكوميدي—غير قادراً علي إيذاء جمال "الأميرة الحسناء" الشديد، ينتهي بك الأمر بمعاقبة نفسك.

أن أُشرك قلبي في تلك الفعلة، حتى ولو كان من المشكوك أن لدي قلب.. إنها نكتة سيئة.

بجدية.

لقد قتلت نفسي أربع مرات بما فيها هذه المرة من أجل "الأميرة الحسناء"—من أجل مصلحة الأميرة الحسناء. ليس من غير المعتاد أن أموت، ولكن حتي مع ذلك، أعلم أن "شبيه الاستوائي" لم تكن لتعجبه حالتي تلك.

قلت أنها كانت أربع مرات ولكن بما أن ذاكرتي مشوشة قد أكون قد قتلت نفسي أكثر من ذلك.

حسناً، أنا الوحيدة التي بإمكانها قتل شيء مثلي علي كل حال، فإذا كان ذلك الأمر، فلا أمانع.

مع ذلك، ليس من الصعب الهروب من هذه المشكلة، علي عكس ذلك، من السهل جداً الهروب منها.

كما قالت الأميرة أسيرولا.

إنها محقة.

إذا اتبعت تلك النصيحة الصادقة، التي ليس بها أي أنانية، الجميلة، يجب علي التوقف عن محاولة قتلها—إذا لم أحاول قتلها، فلن استسلم لذلك الاحساس العميق بالذنب، ولن أعاقب نفسي.

لن أقتل نفسي.

إذا حاولت القتل، سأقتل، وإذا لم أحاول القتل، لن أقتل—علي أساس شيء بديهي كهذا، من وجهة نظر الأميرة الذكية، سبب تصرفاتي لا يبدو مفهوماً.

لكن.

لا أستطيع اتباع نصيحتها.

أولاً والأهم، أنني أكره بشدة اتباع نصائح الأخرين—إذا اخبرني احدهم بفعل شيء، تخلق لدي رغبة في فعل العكس بلا وعي.

ثانياً، إذا تحدثنا بدقة، لا أحاول قتل الأميرة أسيرولا.

حتي ولو كان من غير الممكن قتلها، فلا يمكنني التوقف عن محاولة ذلك، لأنني لا أحاول قتلها من الأساس.

لا أحاول قتلها.

أحاول أن آكلها.

إنها ليس رغبة في الدماء، بل شهية للطعام.

"أهذا هو الأمر. حسناً، لا اظن ان هناك ما نقدر على فعله إذاً."

قالت الأمير أسيرولا، كأنها تستسلم.

لأ، كم المحال أنها قد استسلمت.

مزودة بالقدرة على عدم الاستسلام أبداً، تعاني من لعنة، شديدة الحسن التي لا تستطيع الاستسلام—لا تستطيع حتي الاستسلام بشأن وحش مثلي.

عندما تكون الأشياء مضحكة، أو عندما يُصعب الضحك.

على الأشياء الغبية—الأشياء الجميلة.

حتى بعد أن خُطفت في منتصف رحلتها، وحبستها البائسة في "قلعة الجثث" خاصتي، تري الأميرة أنني مثيرة للشفقة.

ذلك السلوك، ذلك النبل.

أستطيع القول إنهما فقط زادا من شهيتي.

"على كل حال، تناوليني إذا اردت. إذا استطعت."

"أوه، بالطبع!"

ثم، للمرة الخامسة، قمت بالهجوم علي الأميرة أسيرولا—لسوء الحظ، لم يكن لدي الأخلاق لأدعو قبل الطعام.

وهكذا، بالرغم من هجومي عليها بشكل كان من المفترض أن يكون مفاجئاً، فعندما حاولت غرس أنيابي في جلد الأميرة أسيرولا الرقيق، غبت عن الوعي في لمحة واحدة.

همم.

بطريقة أو الأخرى يبدو أنني قد ألتقيت ميتتي الخامسة.

2018/08/19 · 335 مشاهدة · 1276 كلمة
HusseinK
نادي الروايات - 2024