1 - كيف حالك يا نادر؟

خرج نادر من بيته في الصباح الباكر متجها الى مكان عمله ليعيل اسرته المتالفة من ام مريضة واخوين صغيرين وابوهم الذي وافته المنية قبل 6 سنوات ، كان صباحا باردا في عز الشتاء يخيم عليه الظلمة والهدوء مع اصوات طفيفة لهواء قارص واذان الديوك هنا وهناك ،نفخ نادر في يديه ليخرج من فمه دخان كثيف ثم قام بحكهما ببعضهما وادخلهما تحت سرواله الذي بدون جيوب ، نادر كان اسمرا ذو جسد هزيل وقامة عادية وراسه طويل قليلا مع انف متوسط الحجم ولحية خفيفة واعين براقة بنية مع رموش طويلة ،ملبسه من اقمصة و شورتات فوق بعضها البعض ،و سروال اسود مهترئ قديم مع ثقب في الركبة اليمنى مع شال وردي من الصوف اعطته له اخته الصغرى فاطمة ذات 12 سنة بعد ان اكتشفت انه باع معطفه الصوفي حتى يقدر على دفع ايجار مسكنهم الشهر الماضي وقد تعودت على اعطاءه حليبا ساخنا قبل ذهابه للعمل،نادر كان دائما يخبرها ان تحتفظ بالحليب لها وللبقية ولكنها كانت تصر عليه قائلة:(قالت لك امي اذا لم تشرب فهي لن تشرب) ،بالرغم من البرد الشديد لكن نادر محب للسكينة والهدوء و هو متفائل بطبعه فقد اعتاد ان يصلي الفجر في المسجد وتعود على الاستغفار كل خطوة يخطوها وهو متجه للعمل ، لا يعلم نادر ان كان ما يفعله صواب ام خطا لكن ايمانه الشديد بالخالق الذي يرزق من يشاء يجعله مواكبا على الذكر والصلاة ،وضع القبعة المعدنية الصفراء على راسه وبدا في اعمال البناء يحمل الطوب هنا ويقطع الخشب ويثبت المسامير هناك ،رفع راسه لبرهة من الوقت فاذا بجمال صديقه يلوح له،كان رجلا قصيرا وسمينا لحيته كثيفة واعينه ضيقة وانفه صغير لكن بشرته اكثر انفتاحا من نادر واكبر منه بعامين ،رد نادر التحية على جمال فقام رئيس العمل بالصراخ عليهما قائلا :(عودا الى العمل ايها الاحمقان والا ساطردكما) ،بدا يامر جميع العمال بالاسراع في العمل المطلوب منهم بسبب ان صاحب المشروع امر بتدشين الطابق قبل نهاية اليوم ،لكن رئيس عملنا لم يحضر مستلزمات كافية مما اسفر عنه تاخرنا عن انجاز المهمة في موعدها،فبدا يطلق علينا ابشع الصفات ثائرا من الغضب وكانه خطانا ،عند قدوم وقت الغداء اتجه نادر وجمال نحو محل يبيع سندويشا رخيصا ثم احضرا ماءا من المسجد وهما بالاكل على الرصيف، فمر بالقرب منهما مجموعة من النساء المتبرجات بابهى صورة ،نادر لم يعرهم اهتماما لكن جمال بقي يحدق فيهم فصاحت عليه واحدة منهن :(توقف عن النظر الينا ايها القذر!) ثم رمت عليه كوبا من العصير ،جمال بقي ساكنا في مكانه وبدا نادر ينهره ثم قال له:(لا تسمح لاي شخص بان يطيح من قدرك ولو كان رئيس الجمهورية)،فاجابه جمال:(لو اعطاني الرئيس مالا فلا مشكلة لدي في ذالك)،سكت نادر ثم اكمل غداءه ثم صليا الظهر في المسجد وعادا للعمل ، نادر كان تقيا في نفسه لايقرب المسكرات مثل الخمر او النساء ،فهو يتجنب حتى ابسط الامور كالغيبة والنميمة فهو قليل الكلام وهذا الامر جعله بدون اصدقاء، عدا جمال الذي يتحدث بكثرة دون ان يفكر مما نفر الناس بعيدا عنه، وكانهما صديقان يواجهان العالم كتفا بكتف،عندما انصرف نادر من عمله اتجه نحو مطعم البيتزا حيث قبل اسبوعين وجد هاتف صاحب المطعم واعاده له فكافاه بان اعطاه وظيفة في توصيل البيتزا عن طريق دراجة نارية ،بعد انتهاء نادر من عمله ذهب الى مقهى شعبي معروف في الحي فوجده مكتظا بالناس بسبب مباراة للمنتخب التونسي لكرة القدم، وبعد دقيقة لاحظ ذراعا ممتلاة تلوح له انه جمال قد حجز له مقعدا بجانبه،جلس نادر يتافف بينما نظر اليه جمال وابتسامة بلهاء على وجهه ثم اخذ رشفة من الحشيشة وقال له:(يبدو اننا متقدمون بالنتيجة بواحد مقابل صفر)،رد نادر:(حسنا)ثم بدا نظره يجول المكان، المقهى مليء بالرجال والعجائز والاطفال يتابعون المباراة بشغف ثم نظر لشاشة التلفاز وحدق في اللاعبين الذين يلهثون وراء كرة من الجلد ،ثم قال في نفسه هاؤلاء الاشخاص لا يهتمون لامري ولايكترثون ان كنت ميتا اوحيا ولم يعطوني دينارا واحدا ، فلماذا كل هاذا اللهث وراءهم تفرحون عند انتصارهم وتغضبون عند خسارتهم ،فمهما كانت نتيجتهم فانا سابقى فقيرا ولا توجد فائدة لي،نادر لن يقدر على قول هاذا الكلام لاحد والا سيثير حنقهم وانزعاجهم،شرب كاسا كاملا من الشاي ثم هم بالخروج حتى قبل نهاية المباراة ،مر نحو الازقة الضيقة كطريق مختصر للبيت والتعب قد نال منه ،فقابل شخصا بالصدفة وقال له:(كيف حالك يا نادر؟)،فاجابه نادر وراسه ينظر للارض:(الحمد لله)، سلك في زقاق ضيق ثم صعد مدرجا صخريا فاذا برجلين نازلين ومبديين التحية:(كيف حالك يا نادر؟)،اجابهم غير مبال:(بخير والحمدلله)وراسه لايزال باسطا، ثم اتجه يمينا نحو زقاق طويل فاذا بثلاث رجال يسلمون عليه :(كيف حالك يا نادر ؟)ولكن هذه المرة قامو بضربه على كتفه ثلاثتهم وبخفة فرفع نادر راسه ونظر اليهم لكنه لم يستطع رؤية وجوههم لشدة عتمة الزقاق ،لم يرد نادر هذه المرة فقد شعر بان هناك شيء ما خاطئ نظر يمينا وشمالا امامه وخلفه ،كان الهدوء هو السيد في هاذا الموقف. ثم سمع خطوات بعيدة خلفه طب. طب. طب. نظر نحو الخطوات لكنه لم يرى احدا وهي تقترب تدريجيا طب طب طب طب ،نادر يحدق بقوة لكن لايرى اي شيء يتحرك، توقفت الخطوات فجاة ثم ازدادت سرعة طبطبطبطبطبطبطب اصيب نادر بهلع شديد وبدا يجري وهو يصرخ طالبا للنجدة والخطوات لاتزال تتبعه من وراءه ،وبالرغم من ان الناس في الحي لا يزالون مستيقظين فالنوافذ مفتوحة حتى ان هناك بعض الاشخاص مارين في الشارع لكن لا احد انتبه لنادر ،وبمجرد ما وصل للبيت فتح الباب ثم اغلقه بالمفتاح ثم بدا قراءة شيء من القرءان، واخذ نفسا عميقا لم يفكر في الامر كثيرا . فذهب الى فراشه ونام مباشرة.

2019/08/07 · 450 مشاهدة · 854 كلمة
Samiedres
نادي الروايات - 2024