13 - توأم في هضبة جولان

اخرج يعقوب مذكرته ووضعها على طاولة ثم جلس واخذ ينظف نظارته المدورة المتسخة بقماش رمادي ،فتح مذكرته وامسك بقلمه ثم قال (كان يا مكان في قديم الزمان )وضحك وبعدها تغيرت ملامحه للجدية ،فكر قليلا ثم كتب (7سبتمبر 1968 يوم اسود كما سبقته بقية الايام لازلنا في مدينة القنيطرة ساكنين في بيوت خربة نقوم بتدريبات عسكرية ونتجهز بكل ما امكن ،لا استطيع القول ما الذي يخباه لنا المستقبل فسواء تقدمنا او انسحبنا فسيكون هنالك مصابين وجرحى ولهاذا السبب انا هنا لا شيء اخر سوى لعلاج المصابين ) وفجاة اهتزت الارض اهتزازا قويا واكمل قائلا (يبدو انهم سيملاوننا بالصواريخ اليوم ايضا فالمدينة لا تهدا قط تفجيرات واطلاق للنيران مستمرة طوال الوقت )،يعقوب جاهار هو طبيب عسكري في الجيش الاسرائيلي ،انضم الى صفوف الجيش عام 1964 مجبرا لانه عندما كان يعيش كطبيب في ايطاليا القت عليه الاستخبارات المركزية القبض بتهمة الشروع في نشر الفكر الشيوعي ولانه عاش فترة من الوقت في تل ابيب ثم غادر لايطاليا لدراسة الطب ، فاقترح عليه احدهم ان ينضم الى الجيش الاسرائيلي مقابل ان يخلو سبيله وقد طب جراح الكثير من الجنود اثناء الحرب ضد العرب حتى الاسرى من العرب كان يعالجهم، و هاذا كان يثير غضب بقية الجنود فتعود ان يقول لهم (انا هنا كطبيب يعالج الجرحى فقط فقومو بمهمتكم وانا ساقوم بمهمتي )، حك يعقوب ذراعه وظهره بشدة بسبب انتشار البعوض انذاك ،ثم عاد لمذكرته (اذا احببت احدا ما فان الحياة ستفعل مابوسعها لتبعدك عنه ،الحياة قاسية اقسى من الحجارة ،لكن قلوب الناس اصلب من قساوة الحجارة لربما كلامي يبدو مبالغا فيه لكنني رايت اشياء يفعلها بنو البشر لا يمكن حتى ذكرها لبشاعتها)،توقف عن الكتابة فجاة انفتحت عيناه وبدا يضغط على اسنانه بقوة وثقل تنفسه ثم ضرب بيديه على الطاولة بقوة ،لقد تذكر مشهدا لفتاة صغيرة من الاسرى كانت قد اصيبت بالهزال وسلسلة مربوطة حول عنقها فاطلقو عليها الكلاب ليتخلصو منها واخذت تنهش وجهها ولحمها الذي بالكاد موجود وهي تصرخ ،يعقوب رجل رهيف القلب لايستحمل حتى اذية الحيوانات فما بالك بالانسان، كان يرى الجنود يقتلون الاطفال والنساء بدون تردد مما جعله وكانه قنبلة موقوتة على وشك الانفجار ،ثم استكمل يكتب (بينما نحن مارين على الشوارع قابلت صدفة طفلا صغيرا امامي فرمى علي حجرة اصابتني على راسي حتى سال الدم ثم هرب تبعته لاعرف مخباه الذي كان فيه مجموعة من الاطفال ثم اخرجت من حقيبتي بعض الخبز ورميته اتجاههم واكملت طريقي فخرج ذالك الطفل ،امسك الخبزتين وهرول عائدا ، لكنني لم الحظ ان احد الجنود من كتيبتي وهو بنيامن كان قد راني ،وبعد مدة من الوقت احضر دبابة واطلق من فوهة قذيفة نحو المخبا ودمره كليا ودفن اولاءك الاطفال فيه ومنذ ذالك الوقت وهو يراقبني حتى بقية الجنود من الكتيبة تغيرت طريقتهم في النظر الي ،واصبحت نظرة تملاها العدائية والارتياب) ،جاءت اوامر من الجهات العليا للكتيبة للانتقال الى قرية صغيرة وذالك للاشتباه بوجود جواسيس بها وبينما هم متجهين اليها لاحظو فجاة سيارة تجري بسرعة للهرب من بعيد فاطلقو عليها نيران المدافع فنقلبت السيار ة وانفجرت ذهب الجنود اليها لتفقدها ويعقوب معهم فلاحظ صدفة جثة لامراة محترقة ومفحمة وراى ان بطنها منتفخ ،يبدو ان هؤلاء الاشخاص مدنيين عاديين بلا اسلحة كانو في المكان الخطا جمدت عينا يعقوب وكانه لم يعد يرى سوى الظلام نظر على يساره فراى هالة مظلمة اعينها حمراء تتذبب بشكل غريب ،شعر وكانها تهمس له (مسشكحححححسلخششجكححخسسبسشىننليسيلا)احس بصداع شديد ثم التفت الى جثة المراة الحامل قاس حجم بطنها ليكتشف انها في الشهر التاسع ،اخرج سكينه وقام بفتح بطنها بطريقة دقيقة ولكن ماراه كان صادما ثلاث توائم بشرتهم سوداء اثنين حيين وبدآ يبكيان اما الثالث فكان صامتا لقد مات بالفعل ،اخذ يعقوب التوام احدهما على يمينه والاخر على يساره وجلس على ركبتيه وبدا بالبكاء ،الطفلان يبكيان وهو يبكي معهما بينما الجنود صامتون ينظرون اليه ،تم تسريح يعقوب من الجيش بسبب كثرة المخالفات ،واخذ التوام معه الى تل ابيب وبحث عن مرضعة ليجد امراة اسمها سمارا كانت قد فقدت طفلها الرضيع بسبب مرض السل وقامت بارضاعهم ،لكن عائلته كانت منزعجة لان بشرة الطفلين سوداء بينما هم بيض لدرجة ان امه طلبت منه التخلص منهما بل ان دعت الضرورة ان يدفنهما او يرميهما في البحر فاتخذ يعقوب قراره وتزوج سمارا وهاجر لنيويورك في الولايات المتحدة الامريكية ،وعندما بلغ التوام 3 سنوات اصيب يعقوب بسرطان المعدة ومات بعد اربع شهور اما سمارا التي كانت تتسوق مع التوام غفل احدهما ساهيا في الالعاب فتاه عنهم وفي نفس الوقت جاءت دائرة الهجرة والقت القبض على سمارا بسبب اوراقها الغير مكتملة وقامو بتهجيرها لاسرائيل اما الطفل الذي كان معها فتم ارساله الى ميتم في مدينة واشنطن اما الطفل الاخر فوجدوه في نيويو رك وارسلوه ايضا الى ميتم هناك فقام زوجين ابيضين بتبنيه وسموه داريوس وعاش معظم شبابه في نيويورك ثم انتقل مع زوجته دينيشا الى لوس انجلوس ،اما الطفل الاخر فبعد ان اصبح عمره 5 سنوات قابلته امراة مصرية اسمها نادية نجيب وهي دبلماسية مصرية في الولايات المتحدة الامركية كانت قد يئست عن الانجاب ،كفلته هي وزوجها واسمته فوزي وعادت به لمصر ليدرس هناك العلوم السياسية واصبح دبلماسيا في تركيا لاحقا واخذ لقبها فيما بعد ليصبح فوزي نجيب والذي كسب من القوة والسلطة الهائلة واصبحت لديه علاقات مع مختلف الشخصيات الكبرى ولكنه سيء الشخصية ولعوب بالنساء بينما داريوس اخوه عكسه تماما لايملك لا مال ولا سلطة ولكنه طيب بطبعه وجميع الناس يحبونه ،الاخوان مثل النار والماء وان تقابلا فسيصعد دخان كثيف قد يعمي عن مآل هذا العالم او ربما العكس ،مجموعة من المواقف والسيناريوهات جعلتهما يصبحان طرفا مهما لتغيير العالم جذريا ربما للافضل وربما للاسوء .

2019/08/20 · 362 مشاهدة · 863 كلمة
Samiedres
نادي الروايات - 2024