2 - القرد الابيض الضاحك

استيقظ نادر من نومه العميق في الصباح الباكر ثم جلس على فراشه يحدق في الفراغ ، ليسترجع فجاة ما حدث له البارحة وكان احدهم صفعه في دماغه ،توضا بالماء البارد ثم ذهب الى المسجد متجنبا اي زقاق ضيق ،ثم اتجه الى العمل في الطرق العامة ،واغرق نفسه في العمل....، ولما جاء موعد الغداء لاحظ نادر ان جمال غائب اليوم ولما سال بقية العمال عنه اجابوه انهم لا يعرفون ،اشترى سندويشا رخيصا كعادته واخذ ياكل على نفس الرصيف الذي اكل به البارحة وعينه تنظر على الارض، فاقترب شخص ما منه ومن رجليه عرف نادر انها امراة،رفع نظره لوجهها كانت امراة طويلة القامة نحيفة الجسد ، جميلة الوجه طفولية النظرة مع اعين عسلية وانف مفلطح تضع مكياجا احمرا على شفاهها ،وتنورة سماوية طويلة مع قلادة من اللؤلؤ على رقبتها واخراس من الذهب في اذنيها، وشعرها ناعم مع تسريحة ذيل الحصان ،لقد كانت واحدة من نساء البارحة اللواتي مررن عليه،اعتذرت منه عمابدر من صديقتها فاجابها نادر من باب اللباقة ان اعتذارها مقبول ،لكن بقيت واقفة تحدق به ،اخذ نادر قضمة من خبزته وبدا بالمضغ، نظر اليها ثم نظر الى خبزته فقال في نفسه لربما هي جائعة ،فقال لها :(هل تريدين القليل )فاجابته:(لا شكرا) فقال :(كيف يمكنني مساعدتك)،فادخلت يدها في حقيبتها الصغيرة واخرج كمية من المال لربما اكثر من 50 دينار وحاولت اعطاؤها له قائلة :(اشتر ي لنفسك طعاما افضل )،لكنه رفضها قائلا:( لست جائعا) ثم انصرف الى عمله ،دائما ما يضع نادر كرامته قبل اي شيء فهو لا يتسول قط ولا ياكل مالا حراما من السرقة او غيرها بالرغم من فقره الشديد ،اتجه في المساء نحو بيت جمال و طرق فخرج له عجوز شاحب الوجه بطيء الحركة ،فساله عن جمال تافف الرجل العجوز ثم قال :(لقد هاجر جمال يا ابني هجرة غير شرعية عن طريق قارب صغير في البارحة مع مجموعة من رفاقه نحو اوروبا، لكن اعصارا قويا دمر قاربهم )ثم سكت فجاة ،فساله نادر بقلق شديد :(ماذا حدث لجمال!)لم يجبه وبعد ثوان سمع صراخا ونواحا لامراة ما ،على الارجح انها ام جمال فهم نادر الوضع مباشرة فاعتذر وانسحب بهدوء ،ذكر في الاخبار النهارية على التلفاز انه تم ايجاد اربعة جثث مرمية على الشاطئ كانت قد جرفتهم العاصفة في الامس من بينهم جمال ،لكن نادر لم يكتشف الامر لانه لا يملك تلفازا ،بعد مرور ثلاثة ايام حضر نادر تشييع جنازة جمال ،لم يكن هنالك الكثير سوى بضعة من اسرته ثم عاد الى بيته، وفي الطريق لاحظ من بعيد شخصا يجر اخته الصغرى من راسها فانطلق نحوهم جاريا فاذا به صاحب الايجار بن سعيد كان يحاول طردهم من البيت لانهم لم يدفعو الايجار لشهور ،كان الامر صادما لنادر الذي حاول ان يشرح له انه كان يدفع الايجار لابن بن سعيد فاجابه قائلا:(لقد خدعك ابني ايها الاحمق فقد استعمل ذالك المال ليشتري قاربا مع صديقك الابله جمال فادفع لي الان والا ساتصل بالشرطة )،صمت نادر ثم ادخل يده في جيب قميصه واخرج منها بضعة دينارات شبه ممزقة فاخذها بن سعيد ثم اخبره انه سيعود فيما بعد من اجل المزيد ثم انصرف، استنهض نادر اخته ودخلا البيت بينما الجيران و المارة كانو يشاهدون الموقف منذ البداية ،دخل الى غرفته واتكا على الحائط جاءه اخوه الاصغر علي 6 سنوات وانكب عليه يعانقه على يمينه ومن وراءه جاءت فاطفة وعانقته من يساره، لف نادر ذراعيه عليهما وبقو هكذا لاكثر من دقيقة ولم بنبش احد بكلمة ،قدم نادر بعض فتاة البيتزا لاخوته وامه حتى لايموتو من الجوع فقد فرغ البيت من الطعام والمال الذي اعطاه لابن سعيد هو كل ما يملك ثم ذهب الى العمل في توصيل البيتزا ، كان الجوع و التعب والهموم قد اثرو على نادر بشكل مخيف ،وبينما كان مارا بدراجته النارية ليوصل البيتزا لاحظ لجزئ من الثانية قردا ابيضا ضاحكا طويل الاطراف على قارعة الطريق يلوح له ,كانت اسنانه حادة وكبيرة حادة واعين دائرية سوداء مخيفة لا ترمش وبمجرد ما نظر امامه اصطدمت به سيارة بقوة رمته من الدراجة فانضرب جسده بقوة مع الارض مما تسبب له بكسور قاتلة، كان نادر محافظا على بعض من وعيه والقرد الابيض كان لا يزال واقفا يلوح له ثم اطلق ضحكة صاخبة اهممهههههااااااااااااااااااااااااااااااا لدرجة ظهور طنين قوي في اذن نادر ثم فقد وعيه ،استيقظ نادر في المشفى وهو بالكاد يتذكر ما حدث له وفجاة جاء طبيب ومجموعة من الممرضات ،بداو بالحديث بلغة لم يفهمها بينما يقدمون له فحوصات وبعد ان تركوه لوحده لاحظ ان يده صغيرة وناصعة البياض ،وعندما لامس وجهه لم يجد لحيته ثم لامس جسده بالكامل واستدرك ما يحدث له، لقد اصبح في جسد امراة، ذهب الى الحمام ثم نظر الى المراة ،كانت اجمل ملامح راها في حياته،راس مدور مع ملامح طفولية ،اعين فضية وانف صغير مع شفاه شبه ممتلاة وشعر اسود طويل ،كان في راس نادر 4 نظريات النظرية الاولى انه انتقل الى كون موازي والنظرية الثانية انه في حياة مابعد الموت ،اما الثالثة فهي ان روحه انتقلت الى جسد اخر، بينما النظرية الرابعة فهي انه في حلم ولايزال في غيبوبة فقرص وصفع نفسه عدة مرات ،ولكن بدل ان يستيقظ شعر بالم شديد فادرك انه في الواقع،بعد بضع ساعات جاء زوجان لزيارته،هرولت المراة اليها وعانقتها بقوة ثم عانقها الرجل ايضا، فهم نادر ان هاذين الزوجين هما والدي الفتاة، لم تتوقف الام عن تقبيلها بينما الطبيب يتحدث للاب بلغة بدا نادر يفهمها تدريجيا و قال الطبيب:(ابنتكم تعاني قصورا في الذاكرة لكن لا تقلقوا فالامر وقتي وستعود ذاكرتها تدريجيا وقد يتطلب الامر اسابيع او شهورا)،الاب:(شكرا لك دكتور دراسلر) خرج نادر على كرسي متحرك يدفعه الاب وفتحت الام السيارة من الخلف التفت نادر للمستشفى وقرا اللافتة الكبيرة (مستشفى فيينا)علم وقتها انه في النمسا وهاذا ياكد النظرية الثالثة ،تغير ت حياة نادر كليا طعام جاهز على المائدة تحضره الام،لم يعرف كيف ياكله مما اجبر الوالد على تعليمه استخدام السكين والشوكة من جديد ،وعلامات الضحك والابتسام بادية على وجهي الوالدين وكانهما يتعاملان مع طفل رضيع، غرفة خاصة به مجهزة بكل المستلزمات من فراش ناعم والبسة وجهاز لابتوب متصل بالانترنت، وبين الفينة والاخرى يخرج ثلاثتهم الى مدينة الملاهي وياكلون الايسكريم ويقضون بعض الوقت في الحديقة ،شعر نادر وكانه في الجنة لكنه لم يستطع التوقف عن التفكير عن اسرته ،كيف هو حالهم الان من يعتني بهم ،فكر نادر في السفر الى تونس لاكنه لايملك مالا وفوق هاذا كله عمر الفتاة هو 16 سنة فهي قاصر ولن يسمح لها والديها بالسفر لوحدها والمشكلة الاكبر ان بيت عائلته لا يحمل خطا هاتفيا ولن يقدر على الاتصال بهم وفي احد الليالي استيقظ نادر مرعوبا من كابوس مرعب، الساعة تشير الى الثالثة صباحا نظر اتجاه النافذة فجذب بصره ظلا على جانب الطريق قرب الحديقة كان ظلا طويلا يتذبذب بشكل غريب ،ثم بدا يلوح لنادر الذي علم ماهية الظل انه القرد الابيض الضاحك اسدل نادر الستار بهدوء وعاد لفراشه ،تجهز نادر للذهاب الى المدرسة ،قميص ابيض مع معطف ازرق وربطة عنق صغيرة وتنورة زرقاء مخططة بالاحمر والاصفر ،دخلت عليه الوالدة ثم قالت لها :(انظري الى شعرك انه غير مرتب تعالي واجلسي امامي)ثم بدات تسرح شعره وتخبره كم هو مهم ان تعتني الفتاة بمظهرها بينما بقي نادر صامتا ،طريقتها في لمس شعره ذكرته بشكل مفاجئ بامه الحقيقية التي اصيبت بشلل قبل ثلاث سنوات ولم تعد قادرة على مغادرة السرير مما زاد اشتياقه لها ورغب في رؤيتها ولو لمرة واحدة اخيرة .

2019/08/07 · 475 مشاهدة · 1132 كلمة
Samiedres
نادي الروايات - 2024