كل يوم في حياتي يبدو مماثلاً تماماً لليوم الذي يسبقه...ليس الأمر أنني أعيش حياةً روتينية مثل أي شخص آخر، لكن فقط بسبب أنه لم يتغير أي شيء.

أسير في شوارع هذه المدينة الكبيرة التي أعيش فيها...كل شيء يبدو مثالياً تماماً... الناس، المباني، الطرقات.
كل شيء هنا يجعلك تعتقد أننا نعيش في بلد لا مثيل له، وهو ما يعتقده كل الذين يعيشون هنا.

لكن بالنسبة لي الأمر مختلف تماماً...أعرف جيداً أكثر من أي شخص آخر أن واقع هذه الدولة مختلف تماماً عما يظنه الجميع، وهو أمر أعلم جيداً أنه ما كان يجب أن أعيش وأنا أعلمه أبداً..

ولكن بسبب ما حدث لي اضطررت قسراً أن أعيش هنا داخل هذه الأسوار الشاهقة التي أخفت بعلوها الحقيقة عن الجميع، تلك الحقيقة التي تجرعت مرارتها منذ طفولتي التي عشتها خارج تلك الأسوار البغيضة، أحمل في داخلي الواقع المؤلم الذي لا يمكنني قطعاً أن أبوح به لأحد.

ذلك الواقع المرير الذي تم إخفاؤه غصباً عن جميع من يعيش هنا بالنار وبالحديد، وأيضا.....بالدماء!

* * * * *


كانت تلك الفتاة تسير في ذلك الشارع المكتظ بالمارة الذين بدوا كما لو كانو سيلا بشرياً متدفقاً دون توقف.

ظلت تنظر أمامها ، لكنها بدت كما لو كانت تنظر إلى الفراغ....

توقفت عند الإشارة المرورية أمام ذلك التقاطع الضخم، كانت السيارات تعبر أمامها سريعاً، وخلفها كان أفواج من البشر الذين ينتظرون بنفاذ صبر الضوء الأخضر الخاص بالمارة ليأذن لهم بالمرور...

ظلت تنتظر في صمت مطبق، لتحس فجأة بيدين تطوقان رقبتها من الخلف، وقبل أن تقول أي شيء خاطبتها تلك الفتاة بنبرة مرحة: صباح الخير أيامي!

التفتت أيامي إلى تلك الفتاة ثم ابتسمت وقالت: صباح الخير،ناتسومي.

وقفت بالقرب منهما فتاة أخرى، بدت كنسخة طبق الأصل عن ناتسومي بعينيها الخضراوتين وشعرها البني الطويل المنسدل خلف ظهرها بنعومة..

نظرت إلى أيامي لتقول بعتاب: لم لم تنتظرينا أمام متجر آرنوف كالعادة؟!

أيامي: أوه...يبدو أنني قد سرحت تماماً وتابعت السير دون أن أنتبه!

قالت ناتسومي وهي ما تزال تطوق رقبة أيامي بذراعيها: أنت دائماً شاردة الذهن، لا أفهم حقاً ما الذي يشغل تفكيرك طوال الوقت هكذا!

ثم قالت فجأة وهي تنظر إلى إشارة المرور: آه.. الضوء أخضر الآن، لننطلق!



سارت الثلاثة بين سيل البشر الذي تدفق فجأة ما إن توقفت السيارات عن العبور، وسرن معاً الى محطة القطار التي كانت تحت الأرض بانتظار قطار السابعة والنصف الذي كن يستقللنه دائماً.

قالت ناتسومي الواقفة بجوار أيامي: اليوم عيد ميلاد هينا..هل ستأتين؟

أيامي: أجل...لقد اتصلت بي هينا وطلبت مني أن آتي،حتى أنني قد جهزت هديتها بالفعل.

ناتسومي: إنني قلقة حقاً من ألا يحضر تاكيرو إلى الحفلة،ستحزن هينا كثيراً إذا لم يأتِ

قالت أيامي بتفكير:لا أعتقد أنه سيفوّت عيد ميلاد شقيقته بلا سبب،السنة الماضية كانت لديه مقابلة مهمة لذلك لم يستطع الحضور.

ناتسومي: لكن مع هذا لقد كانت هينا حزينة جداً.ثم نظرت إلى شقيقتها التوأم وسألتها بقلق: ما رأيك كايا؟

أجابت كايا بانزعاج بدا واضحاً في نبرة صوتها:لا أعلم حقاً،أعتقد أن هينا تبالغ كثيراً في تعلقها بتاكيرو ، ثم أنه مشهور جداً لذلك لا يستطيع فعل أي شيء حيال هذا الأمر!

كن يقفن بجانب الباب في ذلك القطار المزدحم عندما سمعن حديث نساء كن بالقرب منهن، قالت إحداهن: هل سمعت آخر الأخبار؟ لقد قامت الحكومة بحملة تطهير جديدة خارج الأسوار!

_ رأيت هذا بالأمس،لقد كانوا يطاردون الأوغاد الذين يتبعون المجرم سايشو سانفورد

_ لقد قُتل بعض الجنود في تلك الحملة، من ضمنهم زوج هاريس ألدرمان التي تعيش بالقرب من صديقتي إيميلي

_أوه..ذلك مؤسف حقاً، متى سنتخلص نهائياً من أولئك المجرمين!

_ لكنني أعتقد أن الروك آندروك هم الاكثر خطورة، لقد استطاعوا التسلل إلى هنا قبل شهر وأثاروا الكثير من الفوضى في الذكرى المائة والعشرين لتأسيس الدولة!

_آه تباً لهم...أتمنى أن يختفوا جميعاً للأبد!



كانت أيامي تستمع إلى كلامهن دون أن تقول أي شيء،عندها زمجرت ناتسومي بانزعاج:تلك العصابات الهمجية،متى يقتلونهم جميعاً ويخلصونا!

كايا: لقد قتلوا الكثير منهم بالفعل! إن الحكومة تبذل جهدها من أجل سلام هذه المدينة، هؤلاء الذين يسعون لزعزعة السلام سوف نتخلص منهم قريباً بالتأكيد!

ابتسمت أيامي وقالت ببرود لتمتم قائلة بهمس: الحكومة تبذل جهدها من أجل السلام هاه؟ ذلك لطيف حقاً!

التفتت إليها كايا وقالت بتساؤل: هل قلت شيئاً؟

حركت أيامي رأسها نافية وقالت بابتسامة: لا شيء...أعتقد أنه سيكون من الرائع أن يقضوا على تلك العصابات قريباً..أليس كذلك؟

أجابتها كايا على مضض وقد شعرت أن أيامي تخفي شيئاً ما عنها: آه..أجل...

وصل القطار إلى المحطة بعد عدة دقائق، لتسرع أيامي برفقة ناتسومي و كايا إلى المدرسة التي كانت قريبة جداً من المحطة.

سرن على ممر حجري طويل كان مؤدياً إلى هضبة مرتفعة قليلا، وقد كانت أشجار الكرز المزهرة بلونها الأبيض المائل إلى الوردي ،تحف ذلك الممر في منظر خلاب يأسر العيون.

نظرت ناتسومي إلى تلك الاشجار وقالت باعجاب: ياااه... ياله من منظر جميل جداً ،لقد حل الربيع بالفعل!

كاياً: معك حق..

ثم سكتت قليلا وقالت بعد تفكير: إننا في السنة الثالثة من الثانوية الآن!

ناتسومي: لقد كان ذلك قبل أسبوع فقط، لا أشعر أنني قد استوعبت الأمر بعد..

نظرت كايا إلى أيامي التي اكتفت بالصمت لتسألها باهتمام: هل قررت بشأن الجامعة التي ستلتحقين بها؟؟

أيامي: كلا ليس بعد ،أعتقد أنني سآخذ وقتي في التفكير. ثم سكتت قليلا وقالت: وأنتما، ماذا عنكما؟

أجابت كايا بثقة:بالنسبة لي الامر واضح تماماً... سأذهب إلى جامعة سيليا للفنون

ناتسومي:وأنا سأذهب إلى جامعة هارفي للتكنولوجيا

أيامي: أليست هي نفسها الجامعة التي يذهب إليها كيريساكي؟

ناتسومي: أجل ذلك صحيح..لقد كان تاكي تشان هو من نصحني بالذهاب إلى هناك.

أيامي: لكنني سمعت أن امتحان القبول لتلك الجامعة صعب جدا،هل ستكونين بخير؟

عندها قالت ناتسومي بثقة وقد أشارت إلى أيامي بعلامة النصر: لا تقلقي يا عزيزتي،سوف يقوم تاكي تشان بتدريسي!

خاطبتها كايا بتهكم: توقفي عن مناداته بهذه الطريقة،سوف يغضب كثيراً إذا ما سمعك ولن يقوم بتدريسك كما تعلمين

ناتسومي: لا بأس...تاكي تشان لن يغضب مني أبداً وسيساعدني بالتأكيد!

ثم توقفت فجأة لتقول بقلق: لكن مع هذا،مازلت قلقلة من ألا يحضر إلى الحفلة!

توقفت كل من كايا وأيامي أمامها وقالت كايا بتفكير: لا شيء مؤكد،لما لا تتصلين به وتسأليه فيما إذا كان سيحضر؟

انفرجت أسارير ناتسومي مرحبةً بالفكرة، لتُخرج هاتفها من جيبها وتتصل به على الفور،فلما رد عليها قالت بمرح: مرحبا تاكي تشان!

سكت قليلا قبل أن يقول بانزعاج: كم مرة علي أن أقول لك أن تتوقفي عن مناداتي هكذا!

ضحكت ناتسومي وقالت: لقد اعتدت على ذلك منذ أن كنت طفلة لذلك من الصعب تغيير ذلك! على كل حال،ستأتي اليوم صحيح؟

تاكيرو: إلى أين؟

ناتسومي: إلى عيد ميلاد هينا بالطبع!

أجاب تاكيرو بانزعاج:بالطبع سآتي! لقد ظلت هينا مكتئبة لأسبوع كامل عندما لم أحضر السنة الماضية، بالتأكيد لا أريد أن يحدث ذلك مجدداً!

ثم سكت قليلا ليسألها بحذر: هل ستأتي تاكيزاوا أيضاً؟
استغربت ناتسومي من سؤاله وقالت بتعجب: أيامي؟ ثم نظرت إليها قليلا وقالت على مضض: أجل... بالتأكيد...

رد تاكيرو بتفكير: همممم، هكذا إذا،حسنا على كل حال...أراك فيما بعد.
ناتسومي: آه، أجل..إلى اللقاء...

بعد أن انهت ناتسومي المكالمة كانت أيامي تنظر إليها بتساؤل بعد أن سمعت اسمها في حديثهما، سألتها باستغراب: هل كنتما تتحدثان عني؟

ناتسومي: آه..لقد سألني إذا ما كنت ستأتين أم لا...ثم قالت بتفكير: هذا غريب حقاً، إنها المرة الأولى التي يتحدث فيها عنك!

كايا:همممم..ذلك غريب بالفعل!

بدت الحيرة على وجه أيامي لتقول لها كايا مطمئنة:لا تقلقِ،أظن أنه سؤال عفوي فحسب ولا أعتقد أنه يقصد شيئاً بذلك!
أومأت أيامي رأسها بالإيجاب رغم أنها لم تبد مقتنعة بذلك تماماً...


بينما كانت تسير معهن في صمت باتجاه المدرسة، شعرت أيامي بوجود شخص ما يراقبهن فالتفتت على الفور لكنها لم تجد أحداً. عندها سألتها ناتسومي باستغراب: ما الامر؟

هزت أيامي رأسها بالنفي وقالت: لا شيء، إنه ليس بالأمر المهم.
ثم تساءلت في نفسها بقلق: هل كنت أتخيل؟

ألقت نظرة أخيرة خلفها والشك يغمرها، لكنها حينما لم تجد أحدً تابعت سيرها مع صديقتيها دون أن تنظر خلفها مرة أخرى...


كان ملتصقاً بشجرة الكرز العريضة التي كانت على جانب ذلك الممر الحجري الطويل،بدا قلقاً ومضطرباً نوعا ما...عندها سمع صوت امرأة تتحدث إليه عبر السماعات التي كان يضعها في أذنيه قائلة: ما الأمر؟ لما سكت فجأة؟

--: يبدو انها شعرت بوجودي!

--: هل أنت متأكد أنها الفتاة التي نبحث عليها فعلا؟

--: لا شك أنها هي...لقد كان كريس متأكداً من ذلك تماماً ، لدي شعور أنه على علاقة بها بطريقة أو بأخرى...

--: لست متأكدة، حسنا ربما....لا شيء مستغرب على الإطلاق.

ثم سكتت للحظات وأردفت قائلة:على كل حال..هل جيسي معك؟

الشاب: كلا..لقد انفصلنا نحن الثلاثة،سيكون من الخطير أن نبقى معاً

المرأة: هممم على كل حال،كونوا حذرين...



أسرعن ثلاثتهن باتجاه الفصل ولما كن يسرن في ممر الطابق الثاني في المبنى الخاص بالسنة الثالثة، رأين تجمعاً للكثير من الطلاب. تساءلت أيامي باستغراب: ما الأمر؟ هل حدث شيء ما؟

نظرت ناتسومي إلى أيامي بتعجب وقالت:ماذا! ألا تعلمين؟

ثم نظرت إليهم بانزعاج لتقول بنبرة بدت أشبه بالسخرية: إنهم مجموعة من الطلبة المزعجين الذين يقيمون بعض حملات التوعية مؤخرا عن الكاراسوما أو شيء كهذا..

سألتها أيامي بتعجب:ألم ينقرضوا قبل عشر سنوات؟

ناتسومي: إنهم يقولون أنه يوجد احتمال كبير أنه ما زال هناك ناجون منهم.
ثم أضافت باستياء: أعتقد أنهم يبالغون كثيراً في الأمر!

ونظرت إلى أيامي لتسألها بانفعال:هل تصدقين بوجود شي كهذا حقا؟ أعني،إنه أشبه بالقصص التي نراها في الأفلام!

أجابت أيامي بتفكير: لكن هناك الكثير ممن يقولون أنهم رأوهم،ثم لا تنس الحرب التي وقعت قبل عشر سنوات من أجل القضاء عليهم.

ناتسومي: إنني لا أنكر حدوث تلك الحرب لكنني لا أصدق القصص التي يروونها عنهم!
ثم تابعت حديثها بنبرة ساخرة: أشخاص يتغذون على دماء البشر؟ إنه لا يبدو لي منطقياً أبداً،لن أصدق ذلك الكلام السخيف حتى أرى واحداً بعينيّ!

علقت كايا على كلامها بوجل: بالنسبة لي لا أتمنى هذا أبداً،لقد سمعت أنهم متوحشون جداً ويقتلون أي بشري يرونه،لا أريد أن يتم امتصاص دمي حتى الموت!

فقالت أيامي: سيكون من الجيد إذا ما كان الأمر مقتصراً على امتصاص الدم فحسب. ثم ضحكت وقالت محاولة إخفاتها:لقد سمعت أنهم يأكلون لحوم البشر أيضاً!!

شعرت كايا بنوع من الخوف وقالت: كفى حديثاً عنهم،لقد قامت الحكومة بالقضاء عليهم جميعاً لذلك علينا ألا نتحدث عنهم مرة أخرى!

ضحكت كل من ناتسومي وأيامي عليها..لتقطع ضحكاتهن تلك الفتاة الشقراء التي وقفت أمامهن مخاطبة أيامي بتكبر:مرحباً أيامي...لم أرك منذ مدة.

زفرت ناتسومي بانزعاج وقالت بنفاذ صبر: أوووه جوليا! ألا تتعبين أبداً من مضايقة أيامي؟

نظرت جوليا إلى أيامي بابتسامة خبيثة وقالت: لكن أيامي راضية على هذا لذلك لا علاقة لك أبداً..

أرادت ناتسومي أن تعلق على كلامها لكن أيامي قاطعتها وقالت بألم: ناتسومي! لا بأس...

شعرت ناتسومي بالغضب مثل كل مرة،قالت مخاطبة أيامي بانفعال: لا أفهم حقاً لم أنت راضخة لها هكذا!

ثم نظرت إلى جوليا بعصبية ووجهت حديثها لها قائلة باستياء: وأنت! ليس لأن والدك مسؤول كبير في الحكومة يعني أنك تستطيعين فعل ما تريدينه، إننا أحرار في هذا البلد ولا يحق لأحد أن يتحكم في أي انسان أبداً!

نظرت أيامي إليها لتبتسم في ألم وتقول في في نفسها:ناتسومي..أنت لا تعلمين أي شيء عني، وعن جوليا، وعن هذا البلد أيضاً!

سارت أيامي إلى جوليا بخطوات متثاقلة حتى وقفت أمامها وسألتها بتعب: ما الذي تريدينه؟

ابتسمت جوليا وقالت:اليوم هو دوري في التنظيف.

ثم رفعت يديها ونظرت إلى أظافرها المطلية بطلاء زهري فاقع وأضافت بتصنع: لقد ذهبت إلى صالون تجميل في الأمس،سيكون من المزعج حقاً أن ينكسر أحد أظافري بسبب التنظيف ألا تعتقدين هذا أيضاً؟

عندها صاحت ناتسومي في وجهها بغضب:جوليا! لقد تجاوز الأمر الحد، كيف تجرئين على طلب شيء كهذا من أيامي!

نظرت جوليا إلى أيامي لتقول بهمس لم يسمعه سواهما: ستفعلين ذلك صحيح؟ ليس لديك خيار آخر على كل حال ،فهي الطريقة الوحيدة التي تستطيعين من خلالها مواصلة العيش!

شعرت أيامي بالغضب، بالذل، بالإهانة، لكنها رغم ذلك كبتت تلك المشاعر في داخلها وقالت باستسلام وهي تضغط على أسنانها بألم: حسنا، سأفعل ما تريدينه!

تفاجأت كل من كايا وناتسومي كثيراً من ردها، لكنهما لم تقولا أي شيء..

لما غادرت جوليا وتركتهن وحدهن وعلى وجهها ابتسامة منتصرة، أسرعت إليها ناتسومي وأمسكت ياقة قميصها لتقول بعصبية: ما معنى ذلك أيامي؟! لماذا أنت مستسلمة لها هكذا؟! إنني لا أفهم هذا أبداً!!

ابتسمت أيامي بألم وقالت: لا تجعلِ هذا يقلقك ناتسومي،إنني بخير مع هذا.

أرادت ناتسومي أن تعنفها أكثر لكن كايا قاطعتها بقولها: ذلك يكفي ناتسومي!

ثم نظرت إلى أيامي بحزن وقالت: لن نعرف السبب في ذلك حتى تخبرنا أيامي بنفسها...

سكتت قليلا وقالت مخاطبة أيامي برجاء: أرجوك أن تخبرينا عن الحقيقة عندما تشعرين أنك قادرة على ذلك...
قالت هذا ثم سارت هي وناتسومي إلى الفصل تاركتين أيامي خلفهما

كانت أيامي تنظر إلى الأرض بحزن لتهمس بألم ما إن ابتعدتا عنها: أنا آسفة ناتسومي،كايا. مهما أردت ذلك بشدة لا أستطيع إخباركما أبداً،لأنني لو فعلت...
ثم سكتت قليلا وأضافت بألم:ستموتان بالتأكيد!



كانت السماء على وشك الغروب، لتتسلل خيوط الشمس البرتقالية الغامقة عبر نوافذ ذلك الفصل الخالي من الطلاب مضيفة بذلك جوا كئيباً مظلماً...

كانت أيامي واقفة هناك وحدها في صمت مطبق،لا يُسمع فيه سوى صوت أنفاسها، والصوت الذي أحدثته المكنسة لملامستها للأرض ودفعها الأوساخ بعيداً عنها...

شعرت أنها على وشك البكاء بينما تفكر فيما حدث..
قالت في نفسها بألم: إلى متى؟ إلى متى علي البقاء هكذا؟!

ثم نظرت إلى النافذة،وإلى تلك السماء البرتقالية الكئيبة لتهمس بقهر: لماذا يا أبي؟ لماذا تركتني حبيسة في هذا المكان الكريه؟ كان يجب أن تأخذني معك، كان يجب أن أموت أنا أيضاً!!

ليُفتح فجأة باب ذلك الفصل وتدخل كل من ناتسومي وكايا..
قامت كايا بفتح أضواء الفصل بينما أخذت ناتسومي مكنسة أخرى، وظلت تكنس الصف مع أيامي دون أن تقول شيئاً...

عندها أسرعت أيامي إلى ناتسومي وقالت: لماذا؟! يجب أن تذهبا إلى منزل هينا الآن!سوف يتأخر الوقت إن بقيتما هنا!

نظرت ناتسومي إلى أيامي بانزعاج وقالت معاتبة: ما الذي تقولينه أيتها الحمقاء؟ سوف نقوم بمساعدتك حتى نستطيع الذهاب معاً!

تفاجأت أيامي من كلامها كثيراً لتقول بألم وقد كانت على وشك البكاء: ناتسومي!

عندها نظرت إليها ناتسومي وقالت بتهكم: لا تعتقدِ أنني تجاوزت عن ذلك! ثم نظرت إليها بجدية وقالت: سأنتظر حتى تخبريني بالحقيقة يوماً ما..

نظرت أيامي إليها بحزن لكنها لم تقل شيئاً..

قمن ثلاثتهن بتنظيف الفصل بسرعة ثم أسرعن باتجاه منزل هينا وقد كان الظلام قد حل وقتها.


لما قرعن جرس الباب فُتح الباب بعد ثوان عديدة، وقد ظهرت فتاة من خلف الباب كانت تبدو أصغر منهن بقليل...
بدت لطيفة جداً بشعرها البني القصير المنفوش، وعينيها العسليتين الكبيرتين وقد كانت قصيرة نوعاً ما..
نظرت إليهن وقالت بعتاب: لقد تأخرتن كثيراً!

عندها وقفت أيامي أمامها وقالت باعتذار: أنا آسفة حقاً....لقد تأخرن بسببي!

ما إن رأت هينا أيامي حتى أسرعت إليها واحتضنتها لتقول بسعادة: أنا سعيدة حقاً لأنك حضرت أيامي!

ثم نظرت إلى ناتسومي وكايا وقالت: هيا تعاليا،أمي وأخي ينتظراننا في الداخل!

دخلن ثلاثتهن إلى المنزل وسرن باتجاه غرفة الطعام حيث وجدن كل شيء جاهزاً، الأطعمة المختلفة، الحلويات، وكذلك الكعكة الكبيرة المليئة بالشموع...

كانت أم هينا واقفة بجانب الطاولة بينما كان شقيقها تاكيرو جالسا على أحد الكراسي وقد كان ينظر إليهن مبتسماً...
بدا تاكيرو وسيماً بشعره الأسود القصير الذي كان منساباً خلف رقبته وأطراف أذنيه، وعينيه الخضرواتين الحادتين اللتان كان بادياً من خلالهما الذكاء وسرعة البديهة...

ما إن رأته ناتسومي حتى أسرعت إليه ووقفت إلى جواره، ثم ضربته على ظهره بيدها بقوة وقالت: مرحباً كيف حالك؟

وضع تاكيرو يديه على ظهره متألماً وقال بانزعاج: متى تتوقفين عن التصرف كالصبيان هكذا؟!

ضحكت ناتسومي وقالت بدلع مصطنع: ما الذي تقوله؟ ألا ترى أنني لطيفة حقاً...

أجاب تاكيرو بازدراء: توقفِ عن التصرف مثل بعض الفتيات المقرفات،ذلك لا يلائمك أبداً!
ضحكت كل من كايا وهينا ووالدتها على كلامهما، بينما اكتفت أيامي بابتسامة خفيفة على وجهها...

بعد ذلك نظرت ناتسومي إلى والدة هينا وقالت: مرحبا خالتي،كيف حالك؟

الخالة: بخير كما ترين.

ثم نظرت إلى كايا وأيامي وقالت بترحيب: كيف حالك أيامي؟لقد مضى وقت طويل على آخر مرة زرتنا فيها.

أقبلت أيامي إليها وسلمت عليها ثم قالت باحترام: إنني بخير يا خالتي،كيف حالك أنت؟

ابتسمت الخالة لتقول: إنني على أحسن ما يرام،لقد اشتقنا إليك كثيراً.

ابتسمت أيامي بمجاملة وقالت بهدوء: شكراً لك،وأنا أيضاً افتقدتكن كثيراً...

كان تاكيرو ينظر إلى أيامي بصمت، فلما شعرت أيامي بذلك أحست بالارتباك نوعاً ما لكنها لم تشأ أن تنظر إليه.

كانت تحاول إقناع نفسها أنها تتوهم فحسب، لكن ناتسومي لاحظت ذلك أيضاً فاقتربت منه وسألته هامسة: ما الامر؟ تكاد تقتل أيامي بنظراتك! ثم أضافت بخبث: هل يمكن أنك في الواقع.....
قالت هذا لتضحك بحماس بعد ذلك..

نظر إليها تاكيرو بانزعاج وقال بصوت مكبوت: لا تذهبِ بفكرك بعيداً! كل ما في الأمر أنني رأيت في الجامعة فتاة تشبهها، لذلك كنت أتأكد من الشبه بينهما.
قالت ناتسومي بتفكير:همممم


احتفل الجميع معاً،كانت أصوات ضحكاتهم وأحاديثهم تصدح في أرجاء تلك الغرفة وقد بدوا مستمتعين جدا. ليقطع تلك الأجواء صوت رنين جرس الباب فصمت الجميع فجأة ونظروا إلى بعضهم باستغراب..

قامت كايا بفتح الباب، فوجدت أمامها ساعي البريد وقد كان يحمل طرداً صغيراً. نظر إليها للحظات ثم سألها بنبرة جافة كما هي نظرات عينيه: أهذا منزل كيريساكي هانزو؟

كايا: آه...أجل...

أجاب باختصار: طرد مستعجل جداً له!

ثم مد لها ورقة وقال بهدوء: أرجو أن توقعِ على ورقة الاستلام هنا.

أخذت كايا الورقة، ووقعت فيها باسم عمها ثم أغلقت الباب بعد أن غادر ساعي البريد.
نظرت إلى ذلك الصندوق الصغير وتساءلت بحيرة: طرد مستعجل في هذا الوقت؟!

ذهبت بسرعة إلى غرفة الطعام ثم قدمت الطرد لخالتها قائلة: خالتي...أنه طرد مستعجل على ما يبدو...

تفحصت الخالة الطرد للحظات ثم هتفت بدهشة: إنه باسم زوجي!

هينا: حقا؟! لكن كيف ذلك؟! لقد توفي أبي قبل خمس سنوات!

أجابت الخالة بارتياب: غريب...لا أفهم حقا سبب ذلك!

تاكيرو: على كل حال، فلتفتحِ الطرد حتى نرى ما بداخلة!

أزالت الخالة الغلاف لتجد صندوقاً كرتونياً صغيرا، فلما فتحته وجدت فيه ورقتان مطويتان، فتحت إحداهما لتجد فيها رسماً لرجل حوله أشجار وأعشاب وقد كان الرسم بألوان شمعية ومن الواضح أنه لطفل صغير..

استغربت كثيراً لما رأت ذلك الرسم وعرضته على الجميع قائلة: هل رسم أحدكم هذه من قبل؟!

نظر الجميع إلى الورقة باستغراب، لكن أيامي ما إن رأتها حتى قالت بانفعال: خالتي! أرجوك أن تريني تلك الرسمة!!

أجابت الخالة بتردد: آه..أجل...

قدمت الورقة لأيامي لتنظر الاخيرة إليها بتمعن وقد بدت مصدومة تماما..
قالت في نفسها بدهشة: كما اعتقدت! لا شك في ذلك!

ثم قالت بسرعة وقد بدت منفعلة جداً:خالتي أرجوك أن تفتحِ الورقة الاخرى!

الخالة: آه...بالتأكيد!

فتحت تلك الورقة، لكنها بدت مندهشة كثيراً عندما رأتها وقالت: ذلك غريب!

كان تاكيرو ينظر إلى تصرفات أيامي بتمعن، لكنه سأل أمه بهدوء: ما الأمر؟ أرني...

عرضت تلك الورقة عليهم وقالت: لم أفهم منها أي شيء،إنها تبدو كما لو كانت شفرة من نوع ما...

نظرت أيامي إلى الورقة ثم قامت من مكانها وأسرعت إلى حيث تجلس الخالة وقالت وهي تمد يدها إليها: أرجوك، دعيني أراها!

الخالة: أجل،تفضلي..

نظرت أيامي إلى الورقة لدقائق، لكنها سرعان ما بدت على وجهها علامات الدهشة...
وضعت تلك الورقة على الطاولة ثم قالت للجميع باستعجال: أنا آسفة! علي أن أغادر حالا!

أجابت الخالة باستنكار: ما الذي تقولينه يا صغيرتي؟! الوقت متأخر جداً ومنزلك بعيد من هنا، ألم يكن من المفترض أنكن ستقضين الليلة معنا؟!

ردت أيامي معتذرة: أنا آسفة حقاً، إن الأمر مستعجل جداً ولا يمكنني التأخر!

عندها سألها تاكيرو وهو ينظر إليها بتفحص: ألهذا علاقة بهاتين الورقتين؟

سكتت أيامي ولم تجبه وقد أشاحت بنظرها بعيدا.
لتقول الخالة أخيراً باستسلام: لا بأس إن كنت لا تريدين إخبارنا بالأمر،إنه شيء يخصك يا عزيزتي...

ثم نظرت إلى تاكيرو وقالت: لكن على الأقل، عليك أن تسمحِ لتاكيرو أن يرافقك إلى المحطة،إنه من الخطر أن تخرج فتاة صغيرة مثلك وحدها في هذا الوقت المتأخر!

نظرت أيامي إلى تاكيرو بقلق، لكنها قالت باستسلام: حسناً..لا بأس،إن لم يكن ممانعاً لهذا...
أجاب تاكيرو ببرود: لا تقلقِ،سوف أصطحبك..



كان الظلام حالكاً والهدوء يعم المكان، في ذلك الشارع الخالي المضاء بأضواء خافتة أضفت عليه جواً مرعباً..

كان كلاهما يسيران بهدوء باتجاه المحطة، ألقى تاكيرو نظرة سريعةً حوله ليعلق بنبرة لامبالية: المكان مخيف في الليل،هل كنت تخططين حقاً للمغادرة وحدك؟

أجابت أيامي بهدوء عكس ما في قلبها:لا بأس...
ثم ضحكت باصطناع لتقول بنبرة بدت أشبه بالسخرية: إن رونايدا بلد آمن كما تعلم!

فأجاب تاكيرو بتفكير: همممم...بلد آمن هاه؟

ثم ابتسم ابتسامة بدت غريبة لأيامي،لم تستطع تفسير نظراته تلك. لكنه قال مغيراً الموضوع بعد أن شعر بنظرات أيامي المشككة:انتظريني هنا،سأذهب لأحضر شيئاً نشربه من المتجر القريب..

وقفت أيامي بانتظاره في ذلك الزقاق الضيق المظلم، وقد كانت تشعر بالقلق بينما أخذت تنظر حولها بارتباك.


ظهر أمامها فجأة ثلاث شبان في أواخر العشرينات، وقد استطاعت أن تدرك على الفور أنهم ثملون تماماً...

خاطبها أحدهم قائلاً: هيي أيتها الجميلة،ما رأيك باللعب معنا لبعض الوقت؟

شعرت أيامي بالخوف لتقول متهربة من نظراته الدنيئة تلك: المعذرة،ستقلق أمي إذا ما تأخرت في العودة!
عندها أمسك أحدهم بيدها وقال وهو يسحبها إليه: لا تكترثِ لها وتعالي معنا!

سحبت أيامي يدها منه بقوة، وقالت بخوف: دعوني وشأني! أنا...أنا

فاقترب الثلاثة منها وعلى وجوههم نظرات أرعبتها، لترتعش في ذعر.

نظرت حولها بارتباك ثم قالت في نفسها بخوف:لماذا تأخر هكذا؟!

ولما مد أحدهم يده ليمسك بها، اتسعت عينا أيامي لما سمعت صفير تلك الرصاصة التي استقرت في يده ليتدفق الدم سريعاً من رسغه إلى حد أصابها بالذهول..

سقط الرجل أرضاً وأخذ يصرخ متألماً بينما يمسك بيده بقوة.
لم تستوعب أيامي الموقف للحظة، حتى تراجعت خطوة للوراء لتدوس قدمها على شيء ما..

نظرت إلى ذلك الشيء ببطء ليرجف جسدها في ذعر لما رأت تلك الرصاصة المفرغة مستقرة على الأرض، فأبعدت قدمها عنها بسرعة ما إن شعرت بحرارتها..

هتفت في نفسها بدهشة: طلق ناري؟!!

ثم أخذت تنظر حولها بانفعال وقد كان قلبها ينبض بقوة..لم تستطع أن تبعد تلك الفكرة عن ذهنها، أحدهم قام بإنقاذها بالتأكيد،لذلك فقد كان الأمل يحذوها لتعرف من يكون..

لم تكترث لأولئك الثلاثة الذين فروا مذعورين، بل أخذت تسير في خطوات عشوائية بينما تبحث حولها بضياع..

توقفت مكانها فجأة محاولةً تهدئة نفسها المضطربة.. قالت بعد أن أغلقت عينيها ببطء: أستطيع أن أشمها، أجل..رائحة البارود، إنه قريب جداً من هنا!


أسرعت أيامي متتبعة تلك الرائحة،الرائحة التي كانت أكثر ما ألفته في حياتها..
توقفت مكانها ما إن رأت ظل أحدهم في أحد الزقاق الفرعية، فأسرعت إليه وصاحت به قائلة: توقف!

كانت الغيوم تحجب ضوء القمر وقد كان الظلام حالكاً تماماً، لذلك لم تستطع أن تميز منه سوى هيئة جسمه.

طوله،كتفيه العريضين، قوامه الرياضي وعضلاته البارزة التي لم يستطع ظلام الليل إخفاءها..

شعرت بالاضطراب ما إن رأته، فلم يكن هذا هو المظهر الذي توقعت أن تراه..

سألته بشيء من التردد: من أنت؟

لكن ذلك الظل العريض لم يرد عليها، فسألته مرة أخرى برجاء: أرجوك أخبرني من تكون؟ لقد قمت بإنقاذي للتو أليس كذلك؟!

ليرد عليها أخيراً صوت رجولي شاب، كان خشنا وهادئاً في آن واحد: ما الذي تقولينه؟لقد كنت ماراً في الطريق فحسب...

تفاجأت أيامي كثيراً لسماع صوته، وأدركت على الفور أنه ليس الشخص الذي تبحث عنه...
لكنها رغم هذا قالت بعد أن تمالكت نفسها بصعوبة: لا يمكنك خداعي أبداً،أستطيع تمييز هذه الرائحة جيداً...
ثم أضافت بخوف وهي تضم يديها إليها: تفوح منك رائحة الدم والبارود، أستطيع القول وبكل ثقة أنك قد قتلت أشخاصاً كثيرين قبل وقت قصير جداً!

عندها التفت إليها ليقول وعلى وجهه ابتسامة مرعبة:هووه...كيف يمكن لطفلة من المنطقة البيضاء أن تكون متأكدة من هذا؟!

أجابته أيامي بثقة وهي تحاول تمالك نفسها: ذلك لأنني مثلك تماماً. ثم سكتت قليلا وأردفت بألم: من خارج الأسوار!

نظر إليها باستغراب وقال: هل تمزحين معي؟إذا ما كان هناك شخص من خارج الأسوار من المستحيل أن تبقيه الحكومة حياً أبداً!

ضحكت أيامي وقالت بألم: معك حق! كان يفترض أن أكون ميتة منذ زمن، لكن لسوء حظي هناك أسباب جعلتهم يبقون على حياتي...

الشاب: لسوء حظك هاه؟

قطع حديثهما صوت تاكيرو وهو ينادي على أيامي، فتحرك ذلك الشاب خطوة إلى الوراء...

في تلك اللحظة هبت نسمة قوية حركت تلك الغيوم السوداء التي غطت ضوء القمر، ليتسلل نوره شيئاً فشيئاً كاشفاً عن ذلك الوجه الواقف أمام أيامي...

كان شعره البني المتطاير مع نسمات الرياح، وعيونه العسلية الحادة واضحة لها تماماً...

بدت ملامحه الغاضبة مخيفة جداً، وقد شعرت أيامي في تلك اللحظة أن تلك العيون التي بدت أشبه بعيون نمر بري قد تملكتها تماماً،ولم تستطع التحرك أبداً...

ظنت للحظة أنها ترى الموت أمامها في صورة شاب وسيم طويل، بدا واضحاً من خلال عينيه أنه قتل الكثير والكثير حتى مات قلبه تماماً...
لم تجرؤ على التفوه بأي كلمه أو حتى سؤاله من هو بعد الآن...لأنه وبكل تأكيد، شخص لن تود أبداً معرفة من يكون!

أما هو فقد نظر إليها متفحصاً للحظات...بدت كحمل وديع واقفاً أمام ذئب سينقض عليه في أية لحظة...
كان خوفها وذعرها واضحان له تماماً. عيونها السوداء الواسعة كانت تخبئ خلفهما دموعاً كادت أن تتفجر في لحظات. كانت خائفة جداً، لكنها لم تتحرك أبداً....

كان شعرها الأسود الطويل يتراقص مع لفحات الرياح مرتجفا، كارتجاف جسدها النحيل...

ابتسم للحظة،لم يدرك أبداً أن ذعرها سيفاجئه إلى هذه الدرجة، وهي التي هرعت إليه باحثة عنه في كل مكان!
أراد أن يعلق على منظرها الذي لم يستطع إزالته من عقله أبداً، لكن اقتراب ذلك الصوت حال دونه ودون أن يتحدث معها أكثر فاستدار مغادراً لكن عقله وروحه ظلا عالقين في ذلك المكان حيث تركها هناك...

كانت أيامي واقفة في مكانها وقد كانت ما تزال ترتعش في خوف،لم تستطع التحرك أبداً حتى أقبل إليها تاكيرو. فلما رآها سألها بانفعال: ما الذي تفعلينه هنا؟! لقد بحثت عنك في كل مكان!

لم ترد أيامي عليه، عندها أخذ نفساً عميقاً وقال: على كل حال،علينا أن نسرع سوف يفوتك القطار الأخير إذا ما بقيت واقفة هناك..

تمالكت أيامي نفسها بصعوبة وسارت مبتعدة عن تاكيرو باتجاه الشارع الرئيسي حيث الطريق المؤدية إلى المحطة...

ألقى تاكيرو نظرة على ذلك الزقاق المظلم الذي تفوح منه رائحة البارود، ليقول بتفكير: هممم...هكذا إذا...



استقلت أيامي على فراشها بصعوبة وصورة ذلك الشاب الغريب ما تزال عالقة في ذهنها...

قالت وهي تتكئ على جانبها: ترى من يكون؟ ثم تراءت في ذهنها صورة تلك العيون العسلية الحادة لتقول بعد أن تنهدت بعمق: ربما من الأفضل ألا أعرف،جيد أنني لم اتورط معه كثيراً..

نظرت إلى الساعة في هاتفها وقالت براحة: إنها العاشرة والنصف الآن،ساعات فقط وينتهي كل شيء!



كانت الساعة وقتها الخامسة فجراً عندما خرجت من المنزل حاملةً في يدها حقيبة سوداء كبيرة...

سارت وسط الظلام بهدوء، وظلت تلتفت يمنة ويسرة في حذر شديد..وضعت قلنسوة قميصها الرياضي على رأسها وقد حاولت إخفاء وجهها بشعرها الأسود الطويل..

سارت لوقت طويل حتى وصلت إلى الميناء، سماء الفجر ذات الإضاءة الباهتة جعلت الرؤية أمامها واضحةً نوعا ما.ونسيم البحر العليل قد بعث الدفء في قلبها المضطرب....

كانت تشعر بالكثير من الخوف والتوتر، فهي الآن ستودع أخيراً سنواتها الأربع التي عاشتها في الذل والخوف والألم،شعرت بالكثير من التفاؤل...وفي الوقت ذاته، الكثير من القلق...

سارت قليلا حتى رأت أمامها رجلا كان يتجول بخمول إلى جانب إحدى المستودعات الكثيرة القريبة من الميناء. اقتربت منه وسألته بحذر: كيف حالك؟

نظر إليها باستغراب للحظات،لكن نظراته تلك تبدلت فجأة إلى نظرات غاضبة. ليخاطبها بعصبية: ما الذي تفعله طفلة مثلك هنا في هذا الوقت؟!

أيامي: آه...أنا آسفة!
ثم أسرعت مبتعدة عنه وقالت في نفسها بخيبة أمل: ليس هو!


تذكرت تلك الساعات الطويلة التي كانت تقضيها معه،تذكرت الشفرة التي اخترعاها معاً لتكون سرهما المشترك الذي لم يعرف عنه أحد. وتذكرت أيضاً كلمة السر التي وضعاها ليعرف كل منهما الآخر في حال أن افترقا يوما..

كانت تسير في يأس والحزن بادٍ على وجهها، لكنها توقفت فجاة لما رأت ذلك الرجل الجالس على حافة الميناء..

بدا ظهره المقوس، وجسده النحيل مألوفين جداً بالنسبة لأيامي...أسرعت إليه وسألته باضطراب وهي تكاد تنفجر من البكاء: كيف حالك؟
نظر إليها بعينيه السوداوتين الضيقتين،شعره الأبيض الخفيف، ووجهه الذي غطته التجاعيد، قوامه الهزيل وابتسامته التي لم تنساها يوماً...

رد عليها بتلك الابتسامة: كما ترين، أنظر إلى أزهار الوادي آملا في أن يكون الغد أفضل!

عندما قال هذا، لم تستطع أيامي أن تتمالك نفسها؛ وأسرعت إليه لترتمي بين يديه بينما ظلت تبكي بحرقة..

أخذ يمسح على شعرها في حنان وعيناه غارقتان في الدموع.. نظرت إليه أيامي وسط دموعها وقالت: لماذا تأخرت؟ لقد...لقد ظللت انتظر لأربع سنوات!

عندها وضع يديه الهزيلتين على خديها وقال بألم: سامحيني أرجوك يا صغيرتي،لقد حاولت الدخول إلى هنا بكل ما أستطيع، لكنني لم أقدر على ذلك أبداً.
القبضة الأمنية هنا شديدة جداً ولم أجد أي ثغرة تمكنني من الدخول، وقد كنت خائفاً من أن يقوموا بإيذائك إذا ما قمت بأي تصرف.

سألته أيامي بشك: لكن كيف استطعت الدخول الآن؟!

أجاب الرجل باختصار: لقد تلقيت المساعدة من شخص ما...ثم قال مغيراً الموضوع بينما ينظر إليها متفحصاً:لا تدرين حجم سعادتي برؤيتك يا صغيرتي، لقد كبرتِ كثيراً وصرتِ شابة جميلة جداً...

ثم أضاف وعلى وجهه نظرات حزينة: كم أتمنى أن يرى والدك ما أنت عليه الآن،إنك تشبهين أمك كثيراً.

ابتسمت أيامي وقالت بسعادة: لا بأس بذلك عمي،يكفيني أنك تستطيع رؤيتي الآن!


وقبل أن يقول عمها أي شيء قاطعه ذلك الصوت الخشن الذي قال بدناءة: اعذراني على إفساد لقائكما الحميمي هذا لكن يجب أن ننهي الأمر عند هذا الحد!

التفتا إلى صاحب الصوت لتتسع عيناهما ما إن رأيا أولئك الرجال الذين وجهوا أسلحتهم نحوهما وفي عيونهم نظرات أشعرت أيامي بالرعب...

وقف عمها مذعوراً ليقول بذهول مخاطباً ذلك الشاب الواقف بين أولئك الرجال:: ما معنى ذلك أرمين؟

ضحك الشاب ساخراً وقال باستهزاء: إنك ساذج حقاً لتصديقك لي،لقد كان من السهل استدراجك إلى هنا،الآن سنتمكن أخيراً من معرفة مكان أولئك الأوغاد!

شعرت أيامي بالخوف كثيراً لما رأت ذلك الرجل الواقف بينهم،كانت تعرفه جيداً..بل وكيف لها أن تنساه؟!

كان هو مصدر خوفها الدائم، الرجل الذي أسرها وأحضرها إلى هنا قبل أربع سنوات، لتعيش تلك الحياة المؤلمة دون أن تتمكن من فعل أي شيء...

كانت مذعورة حقاً، وقد شعرت في تلك اللحظة أن حلمها بالهرب قد تلاشى من أمامها في لحظات..

لكن عمها أمسك يدها بإحكام وقال مطمئنا: أيامي... ابقِ بقربي.،سنهرب منهم!

ليتكلم ذلك الرجل بصوته الأجش،الذي لطالما كرهته أيامي أكثر من أي شيء آخر: لا مكان لك لتهرب إليه!

ثم نظر إلى أيامي بخبث وقال: كنت محقاً في إحضار تلك الطفلة،لقد كانت الطعم المثالي لاستدراجكم أيها الحمقى. الآن سنتمكن من معرفة مكان البقية اخيراً!

صاح به عمها في غضب: تباً لكم أيها الأوغاد! سوف آتي معكم لذلك عليكم أن تتركوا أيامي تذهب..

أجابه الرجل بازدراء: ما الذي تقوله؟ لقد استعملناها لاستدراجكم والآن لم نعد في حاجة إليها، إنها تعرف الكثير من الأشياء التي لا يجب لها أن تعرفها لذا...ثم أضاف بابتسامة ماكرة: يجب أن تموت!

نظر العم إلى أيامي ليهمس لها قائلا:هل تستطيعين السباحة؟

أومأت أيامي رأسها بالإيجاب فقال على الفور: سوف أحاول إشغالهم قليلا،في هذه الأثناء عليك أن تقفزِ إلى الماء!

عندها سألته أيامي بانفعال: ماذا عنك؟

العم: سوف ألحقك على الفور...أسرعِ لا وقت لدينا!

ولما أرادت أيامي أن تقفز، أطلق ذلك الرجل النار على قدمها لتسقط أرضاً وقد أخذت تتأوه بألم.

خاطبها بدناءة قائلا: إلى أين أنت ذاهبة يا عزيزتي؟ عليك أن تبقِ معنا حتى النهاية!

عندها أسرع عمها إليها وسألها بخوف:هل أنت بخير أيامي؟

كانت تمسك ساقها المصابة بيدها المضرجة بتلك الدماء التي أخذت تتدفق من جرحها بغزارة.

أجابت وسط ألمها: لا تقلق،إنني بخير. أستطيع الحركة تقريباً!


نظر عمها إلى ذلك الرجل بحقد لم يستطع إخفاءه، أسرع إلى أحد أولئك الرجال والذي كان واقفاً بالقرب منه، لينتزع منه مسدسه بسرعة ويوجهه نحوهم قائلا: سأقتل أي شخص يحاول الاقتراب!

أطلق ذلك الرجل ضحكة ساخرة وقال وهو ينظر إليه باستصغار: هل تمزح معي؟ أتعتقد أنك تستطيع قتالنا وحدك بهذا المسدس؟!

ثم حرك يده مشيراً إلى أحدهم، لتستقر رصاصة انطلقت من أعلى أحد المستودعات في يد عم أيامي فسقط ذلك المسدس أرضاً أمامها..

وما هي إلا ثوان فقط، حتى صاح ذلك الرجل برجاله قائلا: أمسكوه!


كانت أيامي تنظر إلى المسدس بذهول للحظات، لكنها تمالكت نفسها بسرعة لتلتقطه وتنهض رغم ألمها موجهةً المسدس نحوهم. ثم أطلقت عدة طلقات على الأرض إلى جانب أقدامهم وصاحت بهم قائلة بتهديد:الآن قد أطلقت على الأرض، وفي المرة القادمة سأطلق على أي شخص يقترب منا!

نظرت إلى عمها وقالت بقلق: عمي! هل أنت بخير؟
اقترب منها عمها وقد كان يمسك يده المصابة بيده الأخرى ثم قال بألم: أجل...لا تقلقِ

وقبل أن يضيف أي كلمة أخرى،اتسعت حدقتاه لما رأى ذلك الضوء الأحمر الصغير المسلط على رأس أيامي..

لم يسمح لنفسه بالبقاء مشدوهاً أكثر،بل أسرع إليها ودفعها بعيداً حتى سقطت أرضاً، فاستقرت تلك الرصاصة المندفعة بوحشية في رأسه، وقع على الأرض إلى جانب أيامي بينما أخذ جسده ينتفض من الألم...

نظرت بذهول إلى بركة الدم التي تكونت في ثوان حول رأس عمها. كانت مصدومة تماماً حتى أنها نست ألم ساقها،ولم تستطع رؤية أي شيء آخر حولها...
كانت ترتجف في ذعر وهي تنظر إليه، حتى أن أسنانها ظلت تصطك ببعضها،اقتربت منه وهي تحبو على الأرض، ثم وضعت يدها عل كتفه وقالت وهي تهزه بخوف: عمي...عمي...أجبني،عمي! ثم بكت وقالت بصراخ: عمي!!


نظر ذلك الرجل إليهما وقال متأففاً بانزعاج: تباً....يبدو أننا فشلنا!

ثم التفت إلى أحد رجاله وقال بلامبالاة:خذها إلى المشفى واهتموا بتنظيف المكان،يبدو أننا سنضطر لاستعمالها مجدداً!

كانت تستمع إلى كلامهم بينما تنظر إلى الفراغ...

في تلك اللحظة قالت في نفسها باستسلام: آه...ذلك صحيح! كان يجب ان أعرف هذا منذ البداية، لقد كان وجودي هنا منذ الأساس من أجل استدراج عمي ورفاق أبي، أنا...أنا فقط طعم من أجل قتلهم جميعاً! أنا السبب في موته، أنا من قتلت عمي!

ثم نظرت على ذلك المسدس في يدها وقالت باستدراك: ذلك صحيح،هذا ما كان يجب أن يحدث منذ البداية!

قامت من مكانها بصعوبة وهي تحمل ذلك المسدس لتضعه على رأسها،ألقت نظرة أخيرة على جثة عمها وقالت في نفسها: ذلك صحيح ،لن أكون السبب في موت شخص آخر. أنا آسفة عمي،لا أعتقد أنني أستطيع العيش بعد الآن!


لما رآها ذلك الرجل صاح قائلا بانفعال:ما الذي تفعلينه أيتها الحمقاء؟ اتركِ ذلك الشيء في يدك حالا! ثم نظر إلى رجاله وصرخ بحدة:بسرعة، أوقفوها أيها الحمقى!

لم تكترث لأولئك الرجال وهم يركضون مندفعين نحوها، بل وضعت إصبعها على الزناد مقررة إنهاء حياتها بتلك الضغطة الوحيدة،تلك الضغطة التي ستنهي كل شيء!

في تلك اللحظة، شعرت بتلك اليد الرجولية التي أمسكت بيدها ورفعتها عالياً لتبتعد فوهة ذلك المسدس عن رأسها وتستقر في الهواء...

ثم سمعت صوت همساته الهادئة:هذه الأشياء الخطيرة لا تناسب فتاةً لطيفة مثلك..

لم تحتج أيامي إلى الكثير من الوقت حتى تميز ذلك الصوت،كيف لا وقد كان قد احتل تفكيرها منذ أن التقت به في ذلك الوقت!

نظرت خلفها ببطء،إلى تلك الاكتاف العريضة التي غطت كل شيء خلفها. شعرت أنها ضئيلة جداً أمامه،ظلت تنظر إليه بذهول، وقد كان آخر شخص توقعت أن تراه على الإطلاق...

نظر ذلك الشاب إلى جثة عم أيامي ثم قال بخيبة أمل: آآآه تباً....لقد كان كل شيء بلا فائدة في النهاية!

صاح ذلك الرجل مخاطباً هذا الشاب الغريب الذي ظهر فجأة: من أنت يا هذا؟!

نظر إليه ذلك الشاب وقال بإحباط:حسناً، لقد كنت أرغب في التحدث مع ذلك العجوز هناك لكن للأسف....

ثم نظر إليه بحدة،وبنظرات جمدت الدم في شرايينه: لقد قمت بقتله!

شعر ذلك الرجل بالذعر من تلك النظرات، ليشير بيده إلى ذلك القناص طالباً العون، لكنه نظر إلى أعلى ذلك المستودع بانفعال لما لم يلق أي استجابة..

عندها علق ذلك الشاب ببرود:إذا ما كنت تنتظر تلك الحثالة التي وضعتها أعلى ذلك المستودع، فقد قتله رفيقي بالفعل. ثم نظر إليه بازدراء وقال بنبرة ساخرة:لكن لا تقلق، فأنتم أيضاً ستلحقون به بعد قليل!

زمجر الرجل بغيظ: أيها النذل!

وفجأة سمع دوي رصاصات كثيرة أطلقها أولئك الاثنان اللذان انطلقا من بين تلك المستودعات بسرعة ثم وقفا إلى جانب بعضهما بعد أن قتلا سبعة من رجاله..

اتسعت عينا ذلك الرجل ما إن رأى ذلك الشاب، وتلك الفتاة ذات الشعر الاحمر الناري التي كانت تنظر إليه بابتسامة مخيفة..

كان كل منهما يحمل مسدسين في يده. قالت الفتاة بنبرة صبيانية مخاطبة ذلك الرجل بسخرية: هيي مرحبا تشارلز،لقد مضى وقت طويل...

نطق تشارلز أخيراً بنبرة حاقدة:تباً! كيف وصل الروك آندروك إلى هنا؟!

تفاجأت أيامي كثيراً لما سمعت ذلك وقالت بصدمة: الروك آندروك!

نظر إليها ذلك الشاب الواقف خلفها للحظات،ثم أمسك بها وقربها إليه أكثر ليضع مسدسه على رأسها ويقول بتهديد بينما ينظر إلى تشارلز:إذا ما قمتم بأي تصرف أحمق سأقتلها،أعتقد أنها مهمة بالنسبة لكم بطريقة أو بأخرى!

انتفضت أيامي بذعر لما شعرت بتلك الكتلة الحديدية الباردة تلامس جلدها، فقال لها ذلك الشاب هامساً: اهدئي،لن أقوم بإيذائك!

ثم وضع يده على فمها ليسكتها، وأمال رأسها قليلا ليضع المسدس على رقبتها قائلا: حسنا،عليكم الابتعاد عن هذا المكان في الحال..

قال تشارلز بسخرية: هل تعتقد حقاً أننا سنستمع لك؟ ثم أمسك مسدسه وقال بمكر: رأس الواحد من الروك آندروك يساوي مليون دولاراً، لا يهمني ما سيحدث لتلك الفتاة إذا ما كان المقابل هو أن أحصل على تلك المكافأة!

ضحك الشاب وقال ساخراً: توقعت أن تقول هذا! ثم نظر إلى رفيقيه وقال: جيسي، جينيرو...لكما حرية التصرف!

ما إن قال هذا حتى هتفت جيسي بحماس وهي تمسك مسدسيها بقوة:كان يجب أن تقول هذا منذ البداية!

جينيرو: ذلك صحيح،لا تتركنا ننتظر في المرة القادمة أيها الأحمق!

ليبتعدا عن بعضهما فجأة، ويطلقا الرصاص على أولئك الرجال ثم اختبئا خلف بعض الحاويات التي كانت مصطفة إلى جانب تلك المستودعات..

عمت الفوضى المكان وقد أخذ أولئك الرجال يطلقون النار عليهم ليردا عليهم بالمثل، بينما يعودان للاحتماء بتلك الحاويات..

استغل ذلك الشاب الفوضى التي عمت صفوفهم فقال لأيامي بسرعة:هل تستطيعين الركض؟

نظرت أيامي إلى ساقها المصابة وقالت: أعتقد هذا، لكنني سأكون بطيئة جداً!

عندها تمتم بانزعاج: تباً....ما باليد حيلة!


حملها بين ذراعيه فجأة ليسرع إلى خلف مجموعة من الحاويات كانت قريبة من حافة الميناء،كانت أصوات الرصاص تدوي في كل مكان. فألقى الشاب نظرة خاطفة إلى هناك ثم قال مطمئناً:سيتكفل جيسي وجينيرو بالأمر...

نظرت إليه أيامي التي كانت ما تزال بين ذراعيه وسألته بتردد: أنتم من الروك آندروك؟

نظر إليها ذلك الشاب ورد ببرود:أجل

أيامي: ما الذي تريده من عمي؟

أجاب الشاب مختصراً الحديث:إنها قصة طويلة جداً..

ثم وضعها على الأرض وقال بهدوء:أعتقد أنك ستكونين بأمان هنا،علي أن أقوم بمساعدتهما...

أخذ ذلك الشاب مسدسه ثم اتكأ على الحائط في حذر،سحب مسدسه ثم خرج مندفعاً ليطلق رصاصه بسرعة على من تبقى من أولئك الرجال..

أطلت أيامي برأسها بتردد،كانت تستطيع رؤيته وهو يركض أمام أولئك الرجال ويطلق النار عليهم بنظرات باردة دون أن يتحرك له جفن...

كان يطلق النار عليهم ثم يختبئ خلف الحاويات الكثيرة المصطفة في كل مكان،وكذا كان رفاقه...


وبعد وقت قصير توقف صوت تبادل النيران، لتنظر أيامي إلى أولئك الثلاثة وقد وقفوا إلى جانب بعضهم ينظرون إلى تلك الجثث الكثيرة حولهم بانزعاج...

خرجت أيامي من مخبئها لتسير نحوهم بخطوات متثاقلة بينما ظلت تعرج بسبب ساقها المصابة..

لما وقفت إلى جانب ذلك الشاب رأت جثة تشارلز مرمية إلى جانب قدمه لتنظر إليه بذهول..

تذكرت تلك الأيام المريرة التي عاشتها بسببه،هذا الشخص الذي قيد حريتها وعذبها كثيراً إلى الحد الذي جعلها تبغضه أكثر من أي شيء في هذا العالم،وهو الشخص ذاته الذي سلب منها الانسان الذي كانت تعتبره كل شيء بالنسبة لها...

جثت على ركبتيها إلى جانب جثته، ثم مدت يدها المرتجفة نحوه وحركت جسده بخوف...لما لم تجد أي استجابة نطقت أخيراً بضياع:لقد مات...

ثم قالت مرة أخرى ليخرج صوتها هذه المرة مهزوزاً متحجرشاً بسبب عبراتها التي كبتتها بصعوبة:لقد مات!

ثم غطت عينيها بيديها محاولةً إيقاف سيل الدموع الذي أخذ ينساب على خدها بغزارة، ولكن دون جدوى!

كان الثلاثة ينظرون إليها بقلة حيلة...فرك ذلك الشاب شعره وقال باستياء: سيكون تايسكي غاضباً جداً الآن، قد انتهى الأمر دون أن أي فائدة تذكر!

ثم نظر إلى أيامي بقلق وأضاف:لكن حسناً،أعتقد أن علينا القلق بشأن هذه الفتاة أكثر من قلقنا بشأن ما سيقوله تايسكي!

لما سمعت أيامي صوته توقفت عن البكاء فجأة،لتقوم من مكانها وتنظر إليه بنظرات خاوية وتسأله بصوت ضعيف أخرجته بالكاد:من أنت؟

نظر إليها الشاب للحظات،بالرغم من نظراتها الخاوية تلك، فقد كانت قد ركّزت عيونها نحو عينيه مباشرة باحثة عن جواب لذلك السؤال الذي لم تدرِ لم سألته في ذلك الوقت...لذلك لم يستطع سوى أن يجيبها بهدوء:أنا روك آندروك...

اتسعت عيناها ما إن سمعت ذلك ونطقت بذهول: روك...آندروك؟!

فرك روك جبينه باستياء وقال بنبرة منزعجة:تباً! لقد طلب مني كريس مراراً ألا أورطك في الأمر لكن حسنا..

ثم سكت قليلا وقال وهو ينظر إليها بهدوء:لا يمكننا تركك هنا بعد أن حدث كل هذا، سنأخذك معنا في الوقت الحالي حتى يقرر كريس ما سنفعله بشأنك...

لما قال هذا سألته أيامي على الفور:إلى الخارج؟!

استغرب سؤالها لكنه أجابها قائلا:بالطبع! علينا الخروج من المنطقة البيضاء بسرعة، فلن يمضي الكثير من الوقت حتى يأتي الشرطة إلى هنا..

عندها تمسكت أيامي بملابسه وقالت برجاء:أرجوك خذني معك،أياً كان الجحيم الذي سأعيشه خارج الاسوار فهو أهون بكثير من البقاء هنا!!

كان روك ينظر إليها بدهشة، لكنه تنهد بعمق ثم قال بهدوء:حسناً...



غادرت أيامي معهم في شاحنة نقل كبيرة كانت مركونة بالقرب من المدخل الخلفي للميناء،لتنطلق مسرعة نحو الأسوار الشاهقة..

صدمت كثيراً لما رأت أن أحد البوابات،كان يحرسها أشخاص متواطئون معهم وقد سمحوا لهم بالعبور بسهولة...

قاد جينيرو الشاحنة مبتعداً عن الأسوار،حتى دخلوا إلى غابة كثيفة وأوقفوا السيارة بين الحشائش...

ثم ساروا عبر طريق طويلة بين الأشجار حتى وصلوا إلى كوخ خشبي صغير في وسط الغابة.

ظل روك يقوم بمساعدة أيامي على السير طوال الطريق، ولما دخلوا إلى ذلك الكوخ، كان هناك كرسي صغير قام بمساعدة أيامي على الجلوس عليه.

نظرت أيامي حولها في ذلك الكوخ القديم المهترئ الذي يكسوه الغبار في كل مكان، ثم نظرت إلى حقيبتها السوداء الكبيرة التي حملها جينيرو لها ووضعها بالقرب منها..

كانت تشعر بالكثير من الألم في ساقها...لكن خوفها الذي تملكها في ذلك الوقت كان قد أنساها كل شيء حتى التفكير في مداواة نفسها.
كانت تنظر إلى جيسي وجينيرو تارة، ثم تنظر إلى روك تارة أخرى

نظر روك إليها قليلا، عندها لاحظ قدمها المغطاة بالدماء فاقترب منها وقال باستدراك: لقد نسيت أمرها تماماً.

ثم ألقى نظرة حوله وسألها قائلا: هل لديك قطعة قماش؟ قد لا نستطيع مداواتها هنا لكن علينا أن نوقف النزيف على الأقل...

أشارت أيامي إلى حقيبتها بجانبها وقالت: توجد بعض الملابس هنا...

فاقترب روك من الحقيبة وفتحها ليخرج منها قميصاً قطنياً أبيضاً، ثم أخرج سكيناً صغيراً من جيبه وقطع جزءاً من القميص، ليمزقه بيده ويجلس على ركبتيه أمام أيامي التي كانت جالسة على الكرسي وقال: فلترفعِ بنطالك قليلا إلى حيث يوجد الجرح.

كان الجرح في ساق أيامي اليسرى تحت ركبتها بقليل، وقد كان بنطال زيها الرياضي واسعاً نوعاً ما لذلك استطاعت رفعه بسهولة...

نظر روك إلى الجرح قليلا عندها اقتربت منه جيسي وقالت: يبدو عميقاً نوعاً ما،أعتقد أنه يحتاج إلى الخياطة...

رد روك بهدوء:ستتكفل ليندي بالأمر عندها نعود،إنه ينزف بشدة لذلك سأوقف النزيف في الوقت الحالي حتى نعود إلى المقر...

لف روك القماش حول جرح أيامي وضغط عليه بقوة، فشعرت بالألم كثيراً لكنها تمالكت نفسها لكي لا تصدر أي صوت..

نظر إليها روك وسألها باهتمام: هل يؤلمك؟

هزت أيامي رأسها بالنفي دون أن تقول شيئاً،وظلت تنظر إليه وهو يربط القماش حول ساقها بلطف....

بدا الأمر غريباً جداً بالنسبة لها، فكرت في نفسها قائلة: ما الذي يحدث بحق؟! لا أستطيع أن أستوعب أبداً أن هذا الشخص الجالس أمامي والذي يداوي جرحي الآن، هو نفسه روك آندروك الذي يعرفه الجميع كواحد من أخطر مجرمي رونايدا على الإطلاق!

قالت هذا لتضحك بقهر، فنظر إليها روك باستغراب وسألها بحيرة: ما الأمر؟ لم تضحكين؟

هزت أيامي رأسها بالنفي وقالت: لا شيء، الأمر يبدو غريباً فقط. أعني، قبل ساعات كنت أعيش حياتي تحت رحمة الحكومة، والآن أنا أمام أكثر أعدائها خطورة! أنه غريب جداً...ثم سكتت قليلا وأضافت بقهر: ومثير للسخرية أيضاً!

نظر إليها روك لبعض الوقت، ثم قام من مكانه بعد أن ربط ذلك القماش القطني الممزق حول ساقها وقال بنبرة ساخرة: كل شيء في حياتنا مثير للسخرية لذلك ليس عليك أن تشعرِ بالكثير من الغرابة.

ثم سكت قليلا وأضاف بندم:حسنا،أشعر بالأسف نوعاً ما، فلو أنني تدخلت منذ البداية ومنعت ذلك العجوز من قتل نفسه ما كنت لتتورطِ معنا...

ردت أيامي بهدوء:ليس عليك أن تشعر بالأسف،سواء بقيت في الحكومة أو معكم لا فرق عندي...

ثم نظرت إلى الأرض وقالت: لقد انتهى كل شيء بالنسبة لي منذ زمن لذلك لا يهم أين أبقى، فلا شيء سيتغير على كل حال!


وقبل أن يقول روك أي شيء، فُتح باب ذلك الكوخ فجأة، فسار روك نحو الباب ووقف أمام ذلك الشخص لذلك لم تستطع أيامي أن تراه..

خاطبه روك بعتاب: لقد تأخرت!

ليجيبه ببرود: كان يجب أن اهتم ببعض الأمور قبل أن آتي...على كل حال،ما الذي حدث؟

رد روك باستياء: لقد فشلنا! لقد قُتل ذلك الشخص قبل أن نتمكن من الإمساك به!
ثم سكت قليلا وأضاف بانزعاج: حسناً في الواقع... لدينا مشكلة...

سأله ذلك الشخص بقلق: هاه؟ ما الأمر؟

نظر روك إلى أيامي وقال: تلك الفتاة،لقد تورطت في الأمر وقد عرفت هويتي أيضاً.

عندها قال بانفعال: ما الذي تقوله أيها الأحمق؟! ألم أخبرك مراراً أن تخرجها من الموضوع بأي طريقة؟!!

أجابه روك بانزعاج: ما حدث قد حدث...لا أعلم ما الذي أفعله بها الآن!

فتنهد ذلك الشخص بضيق ثم قال: تباً...سوف اهتم بالأمر...

لم يكن ذلك الصوت غريبا على أيامي، لكنها لم تستطع تمييز صاحبه في البداية حتى وقف أمامها وعلى وجهه تلك النظرات الحادة...

ما إن رأته أيامي حتى بدت مصدومة تماماً،كانت عاجزة حتى على الكلام لكنها تمالكت نفسها بصعوبة وسألته بصوت متلعثم: ما...ما...ما معنى هذا؟ أنت كيريساكي تاكيرو!!

تنهد تاكيرو بضيق ثم نظر إليها وأجاب ببرود: كيريساكي تاكيرو هو الاسم الذي مُنحت إياه هنا عندما تبنتني أسرة كيريساكي. ثم سكت قليلا ليردف وعلى وجهه نظرة مخيفة: اسمي الحقيقي هو كريس آردويك!

تفاجأت كثيراً ما إن سمعت هذا...كان تصديق ذلك صعباً جداً على أيامي التي ظلت تنظر إليه في ذهول، لكنها قالت بصعوبة: لا أصدق هذا...لماذا؟ أعني...لقد عشت مع عائلة هينا منذ أن كنت طفلا صغيراً،كيف يمكن ان يكون هذا معقولا حتى!

أجابها كريس ببرود: لا حاجة لك بأن تعرفِ بشأن هذا...

ثم سكت قليلا وتابع حديثه بنبرة جافة:لقد كنا نترصد اتصالات الحكومة وعلمنا أنهم أوقعوا بشقيق والدك تاكيزاوا شيرو، واستدرجوه إلى داخل المنطقة البيضاء حتى يتصل بك، لذلك قمنا بتتبعك لنتمكن من الإمساك بعمك قبلهم...

سألته أيامي بتردد: ما الذي كنتم تريدونه من عمي؟

كريس:هناك الكثير من الأشياء التي نريد معرفتها عن الحركة التي كان يقودها والدك تاكيزاوا شينسكي، وعن علاقتهم بالحكومة..ثم سكت قليلا ليسألها بتفكير:هل تواصل أحد منهم معك من قبل غير تاكيزاوا شيرو؟

أيامي: كلا....قد كان عمي هو الوحيد...

عندها قال كريس بانزعاج: لكن الشيء الذي لم استطع أن أفهمه هو لماذا أرسل عمك ذلك الطرد إلى منزلي تحديداً؟!

أجابت أيامي بحيرة:لا أعلم حقا!

سكت كريس وظل يفكر في كلامها، عندها قال جينيرو بضجر: عل كل حال،ما الذي سنفعله بشأن هذه الفتاة الآن؟

نظر روك إلى كريس متسائلا عندها قال كريس وهو ينظر إلى أيامي: فلتأخذوها معكم، هناك الكثير من المعلومات التي يجب أن نعرفها منها..لا وقت لدينا الآن لسؤالها عن كل شيء، لذلك سيتولى تايسكي الأمر..

ثم ابتسم بسخرية وأضاف مخاطباً أيامي: إنها ليست صفقة سيئة بعد كل شيء، سنضمن لك أن تعيشِ بحرية بعيداً عن الحكومة، وفي الوقت ذاته قد نتمكن من معرفة شيء عن حركتكم إذا ما حاول رفاق والدك التواصل معك..

نظرت إليه أيامي بدهشة وقالت:أذهب معكم؟!

كريس: قد لا نكون حلفاء في الوقت الحالي، لكن لا أعتقد أننا أعداء رغم كل شيء، بل في الواقع إننا نحمل نفس أهداف والدك وإن كانت طرقنا في القيام بذلك مختلفة..

عندها سأله روك بتفكير: لكن...كيف سيُفسر أمر اختفائها؟ لقد كانت الحكومة تقوم بمراقبتها طوال الوقت لذا...

كريس: سوف نخبرهم أننا قمنا باختطافها،اخبر تايسكي أن يفاوضهم عليها مقابل معلومات حول مختبر ليبينكوت...

سألته جيسي باستغراب:وما المعنى من ذلك؟

فأجاب ببرود:إذا ما اختفت فجأة فسيجرون تحقيقات واسعة حول كل المقربين منها وآخر شخص كان برفقتها هو أنا،سيكون من الصعب علي خلق حجة غياب في هذا الوقت، لذلك سيشكون بي بالتأكيد وهذا آخر شيء أريده بطبيعة الحال!
سيكون من الأفضل جعلهم يعلمون أن من فعل ذلك هم الروك آندروك لذلك لن يكون الامر مستغرباً جداً، وحتى لو فكروا في التحقيق بشأن ذلك سأكون وقتها قد فعلت شيئاً ما يبعد الشبهات عني...

روك: حسناً..لا مشكلة،سوف نهتم بالأمر.

نظر كريس إلى أيامي وسألها بهدوء:ليس لديك اعتراض على هذا صحيح؟

ابتسمت أيامي بألم وقالت:وما الذي لدي لأفعله على كل حال؟!

تجاهل كريس تعليقها ذاك ليقول موجهاً كلامه إلى روك: حسناً،أعتمد عليكم في العناية بالباقي...


وعندما هم بالمغادرة أوقفته أيامي بقولها:انتظر قليلا فقط...

نظر إليها باستغراب، عندها سألته برجاء: ناتسومي وكايا...ما الذي ستقول لهما عني؟

أجاب ببرود: لن أقول أي شيء،بالنسبة لهن من المفترض أنني لا أعلم أي شيء عنك لذا،ما ستقوله الحكومة لهما هو ما سيكون عليه الأمر.

أيامي: وما الذي سيقولونه؟!

كريس: هناك احتمالين فقط...إما أن يقولوا لهما أنك قتلت على يدنا، أو أنهم سيخبرونهما ببساطة أننا قمنا باختطافك. لا أعتقد أنهم سيقولون أي شيء آخر.

ثم سكت قليلا وأضاف بهدوء:وفي حالتك، أعتقد أنه من الأفضل ان تكوني ميتة في نظرهما!

نظرت أيامي إلى الأرض بحزن ولم تقل أي شيء،في تلك الأثناء كان كريس قد ترك المكان دون أن يقول أي شيء آخر وقد لحق به كل من جيسي وجينيرو...



نظر روك إلى أيامي قليلا ثم وقف إلى جانبها وقدم لها قارورة مياه قائلا: خذِ...

فلما أخذتها أيامي قال دون أن ينظر إليها: لا تدعِ هذا الأمر يقلقك،سوف يكون كل شيء بخير.

نظرت إليه أيامي باستغراب وتساءلت في نفسها بدهشة:هل يمكن أنه يحاول مواساتي؟!

سكتت أيامي قليلا قبل أن تسأله بهدوء:في ذلك الوقت عندما قمت بإنقاذي من أولئك الشبان الثملين، هل كنت تعرف من أكون؟

روك: ولماذا تريدين معرفة هذا؟

أيامي: لا شيء مهم...أريد أن أعرف فقط...

أجابها روك بتفكير: حسناً...في الواقع،الشخص الذي كان مكلفاً بمراقبتك هو جينيرو لذلك لم أعرفك إلا في الميناء. لكنني في ذلك الوقت عندما التقيتك أول مرة، أدركت أن وراءك سراً ما منذ أن أخبرتني أنك لست من المنطقة البيضاء، ولهذا السبب لم أتفاجأ كثيراً عندما عرفت من تكونين.

نظرت إليه أيامي بدهشة دون أن تعلق على كلامه.

عندها وضع يده على رأسها وفرك شعرها بلطف ليقول بنبرة هادئة:الأمر مختلف الآن عن حياتك في ذلك المكان القذر...
ثم ابتسم وأضاف قائلاً: إن أغلب رفاقي حمقى ومغفلون، لكنهم مع ذلك ليسوا سيئين أبداً،ليس عليك أن تشعرِ بالخوف بعد الآن!

سار قليلا حتى صار ظهره مقابلا لها ثم التفت إليها ومد يده نحوها ليساعدها على الحركة وقال بنفس تلك الابتسامة الدافئة: تعالي...سنذهب الآن إلى المنزل!

نظرت إليه أيامي في ذهول...كان مختلفاُ تماماً عن ذلك الشخص الذي أشعرها بالرعب قبل ساعات...

كانت ابتسامته المرحة وصوته الهادئ، قد بعثا الدفء في قلبها،لم تشعر أيامي بنفسها وهي تنهض تلقائياً من مكانها وتسير باتجاهه دون تفكير.

مدت يدها نحوه فأمسك يدها بإحكام، وسار برفقتها إلى خارج ذلك الكوخ بعد أن أحضر حقيبتها الكبيرة تلك...

كانت أيامي تنظر إلى كتفه العريض القريب من كتفها الضئيل،إلى نظرته الواثقة وملامحه الهادئة التي أسرتها تماماً...

سألت نفسها بينما تنظر إليه: أهو روك آندروك حقاً؟!


ثم سكتت قليلا وقالت وهي تفكر في نفسها: قد لا يكون في الواقع شخصاً سيئاً جداً بعد كل شيء. أتساءل،كيف ستكون حياتي مع هذا الشخص من الآن فصاعداً؟!

******

آراءكم وتوقعاتكم للقصة؟
لو لقيت تفاعل ان شاء الله رح انزل باقي الفصول قريبا..😊😊


2018/03/08 · 556 مشاهدة · 7883 كلمة
NajwaSD
نادي الروايات - 2024