استيقظت تلك الفتاة بصعوبة وقد كانت تشعر بثقل شديد في رأسها...


نظرت إلى ذلك السقف الأبيض، ثم جلست على ذلك السرير الأبيض الطبي لتلقي نظرة متعبة حولها...

على جانبها كانت توجد ثلاث أسرة أخرى، وأمامها كانت توجد خزانة كبيرة مليئة بالأدوية المختلفة وخزائن كثيرة أخرى لم تعرف ما بداخلها..

رائحة المطهر والكحول الطبي كانت قوية جداً إلى حد جعلها تتصور أنها في إحدى غرف المستشفيات.
أرادت أن تتحرك لكنها شعرت بألم شديد في ساقها.


أزالت ذلك الغطاء الأبيض الذي كان يغطي الجزء السفلي من جسدها، لتجد ساقها اليسرى ملفوفة بشاش طبي أبيض..

شعرت بالاستغراب كثيراً لما رأت هذا،قالت بهمس وهي تضع يدها على رأسها الذي شعرت أنه يكاد ينفجر من الصداع : ما الذي حدث؟ أين أنا؟

ليفتح فجأة باب تلك الغرفة وتظهر أمامها فتاة بدت في عمرها تقريباً.
فتاة رقيقة الملامح، بعينين بنيتين واسعتين، وشعر بني قصير.


ابتسمت بلطف ما إن رأت أيامي لتخاطبها بنبرة مرحة: استيقظت أخيرا؟


ثم اقتربت منها ووقفت إلى جانبها وقالت موضحة: لقد فقدتِ الكثير الدم،لذلك فقدتِ وعيك في الطريق إلى هنا ولم تستيقظِ إلى الآن.

لم تعلق أيامي على كلامها لكنها سألتها بتردد: أين أنا الآن؟

أجابت الفتاة: أنت في الحجرة الطبية في المقر ، قامت ليندي بمداواة جرحك...لقد كان في حاجة إلى الخياطة كما أنه قد التهب قليلا.. ثم قالت باستدراك: آه صحيح! ليندي هي الطبيبة الخاصة بنا،إنها ماهرة جداً في عملها لذلك لست في حاجة للقلق!

كانت تتكلم بسرعة، حتى أن أيامي لم تستطع استيعاب كلامها في البداية.


تجاهلت ثرثرتها تلك، لتسألها بتعب بينما تضغط بيدها على رأسها، محاولةً بيأس إيقاف شعورها الفظيع بالدوار: كم مضى من الوقت وأنا هنا؟

الفتاة: لقد نمت ليوم كامل! إنها الآن الثانية ظهراً..

تفاجأت كثيراً من كلامها لكنها لم تقل أي شيء واكتفت بخفض رأسها في قلق ملحوظ..

عندها جلست تلك الفتاة إلى جانبها، لتكلمها قائلة بحماس: لقد أخبرنا روك بما حدث،من الآن فصاعداً ستصبحين واحدة منا!
وأضافت بسعادة لم تفهم أيامي سببها: لقد رأيت بطاقتك الخاصة بالثانوية ضمن أغراضك، إنك في نفس عمري!

ثم أمسكت بيدها وتابعت حديثها بانفعال: ذلك رائع حقاً! إنني أصغر واحدة هنا لذلك جميعهم يعاملونني كطفلة صغيرة،بما أننا في نفس العمر فأنا واثقة من أننا سننسجم مع بعضنا كثيراً!


تفاجأت أيامي كثيراً من عفويتها واندفاعها، رغم أنها تراها لأول مرة. لكنها رغم هذا ردت عليها بحذر: آه...أجل...


نظرت إليها تلك الفتاة بتفحص، ثم قالت بابتسامة دافئة: أستطيع أن أعرف أنك خائفة.

سكتت قليلا وأردفت بقولها:إن الجميع هنا بالنسبة لي مثل عائلتي تماماً ،لذلك لا أريدك أن تشعرِ بالخوف منهم، قد لا يبدو ذلك عليهم لكنهم طيبون جداً في الواقع!

شعرت أيامي بالراحة نوعاً ما لما تحدثت معها وقد بدا ذلك جليا في ملامح وجهها التي أخذت ترتخي شيئاً فشيئا، بعد أن كانت تبدو مرتبكة جداً..

بعد صمت دام لدقيقة، تكلمت تلك الفتاة مجددا لتخاطب أيامي بنبرة مرحة:حسنا،أنا لم أعرفك على نفسي بعد.

ثم مدت يدها نحوها وقالت بابتسامة ترحيب: اسمي ألينا،سنكون رفيقتين من الآن فصاعداً لذلك فلنحظى بعلاقة جيدة!

بادلتها أيامي الابتسامة، وقالت وهي تمد يدها إليها أيضاً: وأنا أيامي...


قامت ألينا من السرير، ثم قالت بنبرتها المرحة تلك: تعالي معي أيامي،سأعرفك على الجميع هنا!

تغيرت ملامح أيامي في تلك اللحظة ليبدو الارتباك والقلق جليا على وجهها من جديد..

لم تبد مرحّبةً بالفكرة، لكن ألينا أصرت على أن ترافقها، لتضم يدها المرتجفة بين يديها وتقول مشجعة:تعالي معي، أنا واثقة من أنك ستحبينهم كثيراً!

لم تستطع أيامي الاعتراض أبداً أمام نظرات ألينا الواثقة، والتي أصرت قطعاً على أن ترافقها لتتعرف على الآخرين كما تقول..


قررت أخيراً أن تذهب معها رغم أنها بدت قلقة جدا وخائفة نوعاً ما. قامت من مكانها بصعوبة ثم قالت على مضض: حسناً...سآتي...

كان واضحاً لألينا أنها تحرك ساقها بصعوبة، فسارت إلى أحد الخزائن الكبيرة التي كانت في الغرفة وفتحت إحداها، ثم أخرجت منها عكازاً خشبياً وقدمته لها قائلة: خذِ،سوف يساعدك على السير.

أخذت أيامي العكاز لتسند نفسها عليه وتقول بامتنان: شكراً لك..

سارتا إلى خارج تلك الغرفة، في ذلك الممر الطويل المضاء بإضاءة بيضاء قوية..


نظرت أيامي حولها لترى الكثير من الغرف المغلقة على جانبي ذلك الممر، حتى توقفتا أخيرا في منتصف الممر أمام بوابة حديدية كبيرة..

ما إن وقفتا أمام تلك البوابة حتى فتح بابها تلقائيا لتسيرا بعد ذلك إلى الداخل ويغلق الباب خلفهما..


نطرت حولها بدهشة،إلى تلك الغرفة الكبيرة حيث الطاولات الحديدية الموزعة بنظام في جوانب الغرفة.
كان على الطاولات المصطفة في نهاية الغرفة حواسيب كثيرة وشاشات كان بعضها موضوعاً على الطاولة، بينما كان الكثير منها معلقا على الحائط بعناية..
في المنتصف، كانت توجد طاولة كبيرة مستديرة حولها الكثيرة من الكراسي قدرتها أيامي بنحو عشرين كرسياً تقريباً..

بدت الغرفة كتلك القواعد السرية التي رأتها فقط في الأفلام، ولم تتصور أبداً أنها قد ترى مثلها حقيقةً أمام عينيها..


بدت منبهرةً تماماً بما رأته حولها،لكن انبهارها ذاك لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما تبدل بانقباضة شديدة شعرت بها في صدرها، لما رأت تلك العيون الكثيرة تنظر نحوها..

لم تستطع أن تدرك ما إذا كانت تلك النظرات هي نظرات غاضبة، أم فقط نظرات تفحص واستكشاف لهذه الدخيلة التي يرونها أول مرة.. لكن ما أدركته وقتها أنها شعرت بالخوف حقاً، إلى حد ظنت فيه أن صوت نبضات قلبها المضطرب كان مسموعاً..

الآن فقط أدركت حقيقة الموقف، إنها في حضرة أكثر المجرمين خطورة في رونايدا، ولهذا لم تستطع كبت شعورها بالتوتر والاضطراب..والرعب أيضاً.


في تلك اللحظة فُتح ذلك الباب مرة أخرى، ليظهر روك أمامها،فلما رآها سار إليها وسألها بنبرة ودودة أشعرتها بالأمان نوعاً ما: كيف تشعرين الآن؟

لكن رؤيتها لوجهه ذكرها بالكثير، لقاؤهما الأول مصادفةً، وتاكيرو الذي صدمت كثيراً لما علمت أنه في الواقع كريس آردويك. وأيضاً، تذكرت عمها الذي قتل أمام عينيها..

كل تلك الذكريات المريعة أخذت تتسلل بسرعة إلى عقلها،لتشعر وقتها أنها على وشك الانفجار...

أرادت أن تبكي وتنفس عن الألم العميق الذي كبتته في صدرها بصعوبة، لكنها تمالكت نفسها،وكبحت كل تلك المشاعر المضطربة في أعماقها. لتبتسم باصطناع وترد على تساؤله بصوت حاولت جعله يبدو متزناً: أنا بخير...


عندها أقبلت إليها تلك الشابة الجميلة التي بدت كعارضات الأزياء تماماً، بشعرها الذهبي الطويل وعينيها الزرقاوتين الكبيرتين، بالإضافة إلى طولها المميز..

طوقت تلك الفتاة رقبة أيامي لتقول بخبث: إذا..أنت العضوة الجديدة التي أحضرها روك؟

عندها نظر إليها روك بتهكم وقال: لماذا تقولين ذلك بطريقة دنيئة؟!

نظرت تلك الفتاة إلى روك ووكزته على كتفه بقبضتها، ثم قالت بمكر: لا تقل هذا..

ثم نظرت إليها وأمسكت خدها بسبابتها وإبهامها لتقول بثقة: إنها جميلة...أؤكد لك!


وقف شاب قبالتها، كان طوله متوسطاً بشعر بني قصير وعيون خضراء ذابلة...بدا كما لو كان سيسقط نائماً في أية لحظة..
نظر إلى تلك الفتاة بضجر وقال بتململ: ذلك يكفي ميسا،أنت تزعجين الفتاة هكذا!

عندها ابتعدت ميسا عن أيامي قليلا وسألتها بقلق: هل حقاً أزعجتك؟

تفاجأت أيامي من تغير أسلوبها فجأة، لكنها أجابتها بسرعة: آه...لا بأس،لم تزعجيني على الإطلاق!

في تلك اللحظة علقت ألينا بتهكم: أنت تصبحين شخصاً آخر تماماً عندما يأتي الأمر من فين!

عندها سارت ميسا إليه وطوقت ذراعه، لتقول بدلع مصطنع: طبيعي جداً أن يكون الأمر كذلك بما أنه فين!

تثاءب فين وقال بانزعاج: دعيني ميسا،ذلك مزعج حقاً...

فتركت ميسا يده على الفور وقالت بابتسامة: حسنا...فين.

عندها علق شاب آخر كان جالساً على إحدى تلك الطاولات التي تحيط الغرفة، وقد كان يسند ظهره إلى الجدار: ياااه...إنك مذهل حقاً فين،أتساءل ما هو الشيء الغير مزعج بالنسبة لك في هذا العالم؟!

تثاءب فين مرة أخرى ليقول بضجر: لا يهم، سأذهب إلى غرفتي حتى أنام،لا توقظوني إلا إذا ما كان هناك شيء ضروري...

ثم نظر إلى ميسا وأضاف مؤكدا: لا توقظوني إلا لسبب ضروري جداً!

أجابت ميسا بتهكم بعد أن أدركت على الفور أنه كان يقصدها بكلامه: حسنا...لقد فهمت!


ما إن غادر فين الغرفة حتى قال روك لأيامي مبتسماً: ذلك هو فينيكس ونناديه فين،إنه كسول جداً ودائماً ما يكون منزعجاً ولا يحب التحدث كثيراً. حسناً، رغم أنه شخص جيد في الواقع..

عندها قالت ميسا وهي تشير إلى نفسها: وأنا ميسا! يمكنك أن تناديني أختي إذا ما أردت،إنني أكبر منك.
وقالت بابتسامة أشعرت أيامي بالخوف نوعاً ما: رغم أنني لن أخبرك عن عمري بالتأكيد.ثم أضافت بنبرة بدت أشبه بالتهديد رغم تلك الابتسامة المرسومة على وجهها: لذا لا تسأليني عن ذلك..اتفقنا؟

أجابت أيامي بشيء من الخوف: آه...حسنا...


اقتربت منها ألينا وقالت وهي تهمس في أذنها: إن عمر ميسا هو من الأمور المحرم التحدث عنها هنا. رغم أنها لطيفة جداً ومرحة إلا أنها تصبح مخيفة جداً عندما تغضب!

ثم أشارت إلى ذلك الشاب الجالس على الطاولة وقالت: بإمكانك سؤال دايكي عن ذلك، فلقد كان آخر واحد أغضبها وقد كانت نتيجة ذلك مريعة جدا!

لم تعلق أيامي على كلامها، لكن تلك النظرة التي بدت على وجهها آنذاك، كانت كفيلة لتدرك ألينا أنها شعرت بالوجل نوعاً ما..


دخلت إلى الغرفة فتاة شابة في منتصف العشرينات من العمر، وقد كانت ترتدي معطفاً طبياً أبيضاً طويلا...
بدت ملامحها جدية جداً، بشعرها الأسود المربوط إلى الخلف وعينيها البنيتين الحادتين وتلك النظارات الطبية التي كانت تضعها...

ما إن رأت أيامي حتى قالت: إذا فأنت هنا! لقد شعرت بالقلق عندما لم أجدك في العيادة.

ثم ألقت نظرة على ساقها، والعكاز الذي كانت تستند عليه. لتسألها باهتمام: كيف تشعرين الآن؟ لم يكن الجرح خطيراً جداً لكنك رغم هذا تحتاجين للراحة حتى يلتئم الجرح، عندها سأكون قادرة على إزالة الغرز..

أجابت أيامي بامتنان:إنني بخير الآن، شكراً لك...

فقالت الفتاة بهدوء: لا بأس...إنه عملي أن أهتم بهذه الأمور، لكن عليك أن تكوني حذرة في المستقبل.
ثم نظرت إلى رفاقها وقالت بتذمر: هؤلاء الحمقى يجرحون أنفسهم كثيراً لذلك اضطر للقلق عليهم في كل مرة...

ثم سكتت قليلا لتضيف بعد ذلك بنبرة بدت حزينة جداً: أستطيع علاج الجروح لكنني لا يمكنني أن أعيد الموتى إلى الحياة، لذلك عليك أن تهتمِ بنفسك جيداً!


نظرت إليها أيامي باستغراب...بدا واضحاً تماماً أن شيئاً ما قد حدث حتى بدت على وجهها هذه التعابير الحزينة...
لكنها رغم هذا شعرت بالدفء كثيراً من حديثها وصوتها الهادئ الرزين. بدا واضحاً جداً لها مدى اهتمامها برفاقها، وخوفها عليهم وقد أدركت أن تحذيرها لها كان نابعاً من شعور حقيقي بالقلق...

لم تحتج أن يخبرها أحد من تكون، فقد علمت على الفور أن هذه هي ليندي، الطبيبة الماهرة كما أخبرتها ألينا..


أمسكت ألينا يد أيامي وقالت: تعالي.سأعرفك على البقية!

ثم سارت معها إلى نهاية الغرفة حيث يوجد الآخرين..


لما ابتعدت عنهم قالت ليندي بصوت منخفض موجهةً كلامها لروك: هل من الجيد حقاً انضمامها إلينا؟ أنت تعلم ذلك،لن يقبل الجميع بهذا..

رد روك باستياء: أعلم...لكن، لا حل آخر أمامنا. إنها مطلوبة من قبل الحكومة لذلك سيكون من الخطر أن نتركها في المحمية مع غري، وبالتأكيد لا يمكنني تركها مع سايشو لأنه سيقتلها على الأرجح..

عندها اقتربت منهم ميسا وقالت بتفكير: لا أعتقد أن وجود أيامي سيشكل خطراً علينا، إنها تبدو فتاة جيدة...

ليندي: ما الذي يؤكد لك ذلك؟ ثم أضافت بحقد: لقد بدت ريكا فتاةً جيدةً أيضاً!

بدت على ميسا نظرة مخيفة متعطشة للدماء، لتقول بحدة: إذا ما كانت أيامي مثل تلك الحقيرة فسوف أقطعها إرباً إرباً..
ثم أخرجت من تحت قميصها خنجرين حادين كانا مربوطين بحبل طويل في طرفيهما، قامت بلعق أحد الخنجرين وقالت بنبرة مخيفة: سأشرب دماءها إذا ما تجرأت على فعل أي شيء!

نظرت إليها ليندي باستياء وقالت: سيكون من الأفضل ألا يحدث شيء كهذا!

ثم التفتت إلى روك الذي كان ينظر لأيامي وخاطبته قائلة: علينا أن نراقبها في الوقت الحالي، إذا ما شعرنا أنها تشكل خطراً علينا فسوف نتخلص منها. هل أنت على ما يرام مع هذا؟

أجاب روك بلامبالاة: ذلك ما اتفقنا عليه منذ البداية..
ثم نظر إلى ذلك الشخص الجالس أمام تلك الحواسيب وقال بهدوء: سيكون هو أول من يتغذى على دمائها إذا ما كان الأمر كذلك!



وقفت ألينا خلف أولئك الاثنين اللذين كانا جالسين أمام تلك الحواسيب الكثيرة. ثم قالت وهي تشير إليهما: هذه ماي...وهذا تايسكي...

نظرت إليهما وقالت: ماي، تايسكي.. لقد استيقظت أيامي.

لم يرد تايسكي على كلامها، لكن ماي قامت من مكانها بعصبية ونظرت إلى أيامي بغضب...
كانت ملامحها حادة حاقدة،وبدت كما لو كانت ستقتل أيامي في أية لحظة...

عيونها الخضراء المتوهجة حقداً، أربكت أيامي كثيراً. لم تعرف ما الذي تقول أو كيف تتصرف، لكن تلك الفتاة بادرت بقولها: ما معنى هذا؟
ثم ألقت نظرة حولها إلى جميع الموجودين وقالت بصراخ بينما تشير إلى أيامي باستنكار: أحقاً ستضمونها بكل بساطة؟ أحقاً تقبلون بعضو جديد بعد الذي حصل؟!

ثم دمعت عيناها وقالت بحقد: كيف يمكن أن تقبلوا بهذا؟! كيف يمكن أن تجلبوا شخصاً غريباً آخر بعد أن قاموا بأخذ دينيس منا!!

نظرت إلى أيامي بكره شديد وتابعت حديثها بنبرة قاسية: لن أسمح بهذا! لن أسمح بأن تتواجدِ هنا أبداً،أعلم انك تقّربت منا لتحاولِ قتل روك أيضاً، لكنني لن أدعك تفعلين ما يحلوا لك!سوف أقتلك بيدي هاتين إن تجرأت على إيذاء عائلتي مجدداً!!
لقد فقدنا دينيس لكننا لن نفقد أي شخص آخر بعد الآن!

قالت هذا وركضت إلى خارج الغرفة وقد كانت عيناها غارقتان بالدموع....
غادرت ماي الغرفة تاركةً أيامي وسط مشاعر مختلطة من الذهول والاضطراب، والخوف أيضاً..


أرادت ألينا أن تتدارك الوضع وقالت مبررة: لا تدعِ ما قالته يضايقك،الأمر فقط أنها..

ليقاطع حديثها صوته لما قال بنبرة أشعرت أيامي بالذعر:لا داعي لأن تخبريها بأي شيء ألينا، عليها فقط أن تعلم أن خيانتنا لن تكون في مصلحتها أبداً..

ثم أضاف مهدداً: لأن ذلك يعني الموت بالتأكيد!
قال هذا بعد أن وقف مقابلا لهما وتلك النظرة الحادة على وجهه..


لما رأته أيامي تراجعت خطوة إلى الوراء وقد كانت ترتعش في ذعر، شعرت أن تلك العيون الحمراء المتقدة تكاد تقتلها، شعره الأسود الكثيف والناعم، ونظراته الحادة المخيفة، وتلك الأنياب البارزة عند حديثه..
أظافره الطويلة كأظافر الوحوش البرية، وبشرته البيضاء الشاحبة، كل ذلك كاد أن يجمد الدم في عروقها..

كانت مصدومة تماماً لرؤيته وهتفت في خوف: كا..كاراسوما؟!

ابتسم ذلك الشاب وقال وهو ينظر إليها باستهزاء: أهذه المرة الأولى التي ترين فيها واحداً مثلي؟


كانت أيامي تشعر بالخوف وقد تجمعت الدموع في عينيها، في تلك اللحظة أحست بيد تضغط على رأسها برفق..

كان واقفاً خلفها، ليقول لها بصوت هادئ: لا تخافي،إنه لن يقوم بإيذائك...

ثم نظر إلى ذلك الشاب وعاتبه قائلاً باستياء: تايسكي! توقف عن التصرف بلؤم هكذا إنك تخيفها!


أسند تايسكي نفسه على حافة الطاولة، وقال بتهكم بينما يضم يديه إلى صدره: إنه خطؤها، لقد بدت مذعورة تماماً ما إن رأتني!

ضحكت ألينا وقالت: لا تخافي أيامي،إن تايسكي ليس مؤذياً أبداً رغم أنه يصير لئيماً أحياناً، لابد أنك سمعت الكثير من الشائعات عن الكاراسوما لكنها ليست صحيحة تماماً...

تفاجأت أيامي من كلامها وقالت بتعجب: ماذا؟

أجاب تايسكي بنبرة بدت أشبه بالسخرية: إننا لا نقتل البشر بعشوائية كالحمقى كما يعتقد بعض البشر، وأيضاً نحن لا نتغذى عليكم!

ثم رفع يده ونظر إلى مخالبه ليضيف ببرود: كل ما في الأمر أننا نفقد السيطرة على أنفسنا إذا ما استشعرنا وجود الدم في مخالبنا، إذا لم نقم بتقطيع أحد بهذه المخالب فإننا لن نهتاج حتماً!

تفاجأت أيامي من كلامه وقالت بتردد: ذلك مختلف جداً عما سمعته!

رد تايسكي بانزعاج: طبيعي جداً أن يكون مختلفاً،لا أدري لماذا يحب البشر تأليف القصص هكذا!
قال هذا ثم زفر بضيق، ليقول بجدية فجأة بينما ينظر إليها: حسناً...دعونا من هذا الآن، هناك عدة أسئلة أريد طرحها عليك...

ثم سكت قليلا وأضاف بنبرة تهديد مرة أخرى:عليكِ أن تجيبِ علي بصراحة دون كذب، أستطيع أن أعرف أنك تكذبين من خلال التغيرات التي تحدث في ضغط دمك وتدفقه في عروقك، عيناي قادرتان على رؤية كل هذا..

أخذت أيامي نفساً عميقاً قبل أن تقول بهدوء: ليس لدي أي سبب لأكذب عليك...

علق تايسكي بتعجب: هووه....لا تبدين متفاجئة من كلامي أبداً!

أيامي:لقد عشت خارج الأسوار منذ طفولتي لذلك سمعت كثيراً عن القدرات الغريبة التي تملكونها، رغم أنني لم أعد واثقة بمدى صحتها، فأنا لم أسمع من قبل أنكم كنتم على توافق مع البشر!

أجاب تايسكي ببرود: ذلك صحيح فنحن لم نتواصل مع البشر من قبل أبداً،يمكنك اعتبار حالتي استثناءاً عن ذلك...


لم يفسح لها المجال للتعليق على كلامه، بل إنه قال مستأنفاً الحديث: على كل حال، أريدك أن تخبريني عن الجماعة التي كان يرأسها والدك، ما الذي كنتم تفعلونه بالضبط؟!

سكتت أيامي قليلا قبل أن تسأله بهدء غريب: هل تعرف القصة الحقيقية لنشأة رونايدا؟

أجاب تايسكي بدون اكتراث: بما أنني من خارج الأسوار فأنا أعلم الحقيقة.
ثم سكت قليلا وأضاف بتفكير: أغلبها على الأقل!

أجابت أيامي بصوت هادئ رصين: لقد كانت عائلتي تنحدر من أصول نبيلة في الماضي، وقبل الحرب كان لها تأثير كبير في سياسات الدولة القديمة التي كانت تعرف باليابان ،لذا فقد كان لها دور كبير جداً في توحيد صفوف السكان الأصليين من أجل بناء الدولة الجديدة..
وبعد الاحتلال، كان جدي الأكبر من أهم القادة الذين تصدوا للمحتلين، ولكن بعد أن تفرق الناس قاد جد والدي الكثير من السكان الأصليين وشكلوا ما يعرف الآن بحركة ثوار الشمال...
توارثت الأجيال فيما بعد قيادة تلك الحركة حتى تولى والدي القيادة. لقد كان هدف الحركة الوحيد هو طرد المحتلين من رونايدا إلى الأبد...


عندها قال تايسكي بتفكير: أفهم من كلامك أن لعائلتك تأثير كبير جداً في السكان الأصليين لرونايدا صحيح؟

أيامي: أجل،لقد التف الجميع حول جدي الأكبر من أجل استرداد دولتهم..

سألها روك باهتمام: لكن ماذا حدث لهم الآن؟لقد كانوا مشهورين جداً في الماضي لكن قبل أربع سنوات عندما قامت الحكومة بحملة كبيرة ضدهم، انقطعت الأخبار عنهم تماما...

أيامي: لقد كانت الحكومة تسعى للقضاء عليهم منذ وقت طويل جداً، لكن السبب الرئيسي الذي جعلهم يشنون هجوماً شرساً عليهم، هو عندما قاموا بإيواء مجموعة من العلماء الذين فروا من أحد المختبرات الموجودة خارج الأسوار والتي تسيطر عليها الحكومة...

سأل تايسكي مستفسراً: هل تعرفين سبب مطاردتهم لهم؟

أيامي: لقد كنت صغيرة في ذلك الوقت، ولم يكن والدي يسمح لي بالتورط في الأمور التي تخصه، لكن بحسب ما فهمت فالأمر متعلق بتجربة ما..

تساءل تايسكي بتفكير:أي نوع من التجارب؟

عندها أجابته أيامي بإحباط نوعاً ما:لا أعرف حقاً، أنا آسفة فلا يمكنني أن أفيدك في هذا الشأن..

تساءل روك قائلا: لكن ما مصير الحركة بعد الذي حدث؟ لقد كانوا يبقونك في المنطقة البيضاء من أجل استدراج من تبقى منهم بحسب ما أخبرنا به كريس، وذلك يعني أن هناك من تبقى منهم بالفعل!

أيامي: لقد استطاع أولئك العلماء الهرب برفقة الناجين من الحركة، لهذا السبب ما يزالون يسعون وراءهم حتى بعد موت والدي..

روك:إذا..من يقودهم بعد موته؟

خفضت أيامي رأسها وقالت بحزن: أعتقد، إذا ما كان أخي الأكبر حياً فهو من تولى القيادة الآن..
لقد مات عمي قبل أن يخبرني أي شيء عما حدث للآخرين، لذلك لا أعرف مصير أي أحد عدا أبي الذي قتل أمامي...


علق تايسكي ببرود: لم اسمع عن أي نشاط لهم من بعد ما حدث لذلك لست متأكداً..على الأرجح هم يحاولون إخفاء أنفسهم في الوقت الحالي، وربما يتحركون فيما بعد...
على كل حال، لقد تواصلنا مع الحكومة وأخبرناهم أنك معنا لذلك لابد أن ينتشر خبر وجودك هنا سريعاً، وربما يحاول رفاق والدك التواصل معك كما حدث مع عمك، خصوصاً إذا ما كان أخوك هو الذي يقودهم حقاً....


سكتت أيامي لثوان قبل أن تقول بخيبة وعلى وجهها ابتسامة ساخرة: لا أعتقد أن أخي سيبحث عني، إذا لم يكن إنقاذي في مصلحته فهو لن يزعج نفسه بهذا!

نظر إليها تايسكي بتفحص ثم قال: هممم، لا يبدو أنك تكذبين!

أجابت أيامي بتعب: لقد أخبرتك أنني لا أملك سبباً للكذب عليك...
ثم أضافت بابتسامة: آسفة حقاً ولكنني لا أعتقد أنه بمقدوري أن أفيدك في شيء فأنا لا أعرف الكثير...


نظر إليها تايسكي بتعجب، بدا تقبلها للأمر ببساطة غريباً جداً بالنسبة له، ظل ينظر إليها بهدوء دون أن يقول شيئاً عندها اقترب منهم شخص ما وقال: لقد عدت...

نظر الجميع إليه...كان شاباً وسيماً طويلا بشعر اسود كثيف، وعينين بنيتين واسعتين وبشرة برونزية شاحبة...

نظر إلى أيامي التي كانت تنظر إليه وقال باستغراب وهو يشير إليها: من هذه؟

ألينا: آه إيريك،هذه أيامي...إنها واحدة منا الآن!

تمتم إيريك بتفكير:عضوة جديدة هاه؟

ثم أردف ببرود:هل علم ليو بذلك؟ أعني حسنا،أعتقد أنه سيكون غاضباً...

ثم فكر قليلا وقال مستدركاً: أوه! وماي أيضاً، سيجن جنونها إذا ما علمت بذلك!

عندها قال تايسكي بتهكم: لقد جن جنونها بالفعل!

ثم سكت قليلا ونظر إلى روك ليقول بقلق:لا مشكلة مع ماي فهي على الأرجح ستتغاضى على الأمر بمرور الوقت، لكنني لست واثقاً بشأن ليو...هل ستكون الأمور بخير؟

خفض روك رأسه وبدت على وجهه تعابير حزينة ولم يقل أي شيء، عندها تنهد تايسكي بضيق وقال وهو ينظر إلى إيريك: على كل حال، كيف كان الامر؟

وضع إيريك حقيبة كبيرة كان يضعها على ظهره على الطاولة التي على الحائط الجانبي، ثم قال بلامبالاة وظهره مقابل لتايسكي: لقد قتلتهم جميعاً، كان الامر سهلا جداً..

ثم أخرج من تلك الحقيبة سلاحاً كان عبارة عن رشاش من نوع متطور، ليلتفت إلى تايسكي ويسند نفسه على حافة الطاولة ثم يتابع حديثه بنفس تلك النبرة اللامبالية بينما يفك في ذلك السلاح لكي يشرع في تنظيفه: لم يكونوا خطرين فعلا،لقد أضعت الكثير من الرصاص من أجل لا شيء!

عندها قال تايسكي بعتاب: لقد أخبرتك أن تأسر أحدهم! ألم يكن من المفترض أن جماعة أندروس سيقومون بمساعدتك؟ لقد أخبرت سايشو بالفعل أن يقوم باستجواب من ستأسره منهم...

أجاب إيريك بانزعاج:لم يكن لدي خيار آخر، ثم إن من تبقى منهم قاموا بقتل أنفسهم قبل أن أتمكن من القبض عليهم!

فقال روك بتعجب: هووه؟ إنهم مثابرون حقاً، لا بأس بهم!

عندها قال تايسكي بإحباط:ماذا سأقول لسايشو الآن!


علق دايكي الجالس على الطاولة في بداية الغرفة بنبرة ساخرة: أعتقد أن موتهم على يد إيريك سيكون أرحم بكثير من أن يقوم سايشو باستجوابهم!

فقالت ألينا وهي تضم يديها إلى صدرها في خوف: معك حق،أفضل الموت على أن اضطر لمواجهته!

ألقت أيامي نظرة سريعة عليهم، ثم تساءلت في نفسها قائلة:إنهم يتحدثون عن سايشو سانفورد صحيح؟

قطع تايسكي ذلك الصمت الكئيب الذي خيم عليهم فجأة بقوله: على كل حال...إيريك، ألم يتصل بك ليو؟ لقد اتصلت به مراراً لكنه لم يرد على مكالماتي!

تمتم إيريك بانزعاج: تباً لذلك الوغد..متى يتوقف عن هذه العادة المزعجة!
ثم تنهد بضيق وقال: لقد اتصلت بي يولا وقالت أنهما معاً،سيعودان الليلة على الأرجح...

تايسكي: ألم تخبرك كيف سارت الامور بالنسبة لهما؟

أجاب إيريك ببرود: لم تبد منزعجة في كلامها لذلك أعتقد أنهما أنهيا كل شيء بنجاح...

عندها سألتهم ألينا بانزعاج: على كل حال، أين ذلكما الأحمقين جيسي وجينيرو؟ لقد بحثت عنهما في كل مكان ولكنني لم أجدهما!

أجاب تايسكي بلا مبالاة: ستجدينهما يتسكعان في أحد الحانات القريبة، أو يتشاجران مع رجال العصابات على حدود ستيلزيا،سيعودان في الليل محملين بالجراح كالعادة لتتورط معها ليندي في النهاية!


عندها قالت ليندي بانزعاج وهي تسير إليهم: لا تذكرني بذلك! لا أدري متى سيكبران، إن تصرفاتهما كالأطفال تماماً!

قالت ألينا بتهكم: لكن...إنه دور جيسي في تنظيف الغرفة، لقد سئمت من تنظيف أشيائها دائماً بمفردي! إنها تترك ملابسها وأغراضها في كل مكان!!

علقت ليندي قائلة بمواساة: إنني أشفق عليك حقاً لكونك مضطرة لمشاركة غرفتك معها...

تذمرت ألينا باستياء: آآآآه....الآن علي أن أنظف كل شيء وحدي!

عندها قالت أيامي بابتسامة:سأقوم بمساعدتك،سوف ننهي كل شيء بسرعة إذا ما عملنا معاً.

لما قالت هذا هتفت ألينا بسعادة: حقا؟!

ثم أمسكت يد أيامي وقالت بامتنان: سيكون ذلك لطفاً كبيراً منك!
ثم سكتت قليلا وقالت باستدراك: صحيح!بالحديث عن الغرف، أين ستمكث أيامي؟

أجابت ليندي بهدوء: لا توجد الكثير من الغرف الشاغرة لذلك أخبرت ناوكو أن تعد سريراً بطابقين من أجلها، على الأرجح ستبقى في غرفتك أنت وجيسي وسنقوم بتبديل سريرك بالسرير الذي ستعده ناوكو..

ألينا: ذلك رائع حقاً....ثم قالت لأيامي بسعادة: سنتشارك الغرفة معاً! آآآه..أخيراً سأحظى بفتاة مثلي لتشاركني الغرفة! إن جيسي مثل الشبان تماماً ولا تشبه الفتيات في شيء! على كل حال...هيا بنا، فلنقم بتنظيف الغرفة معاً!

ثم نظرت إلى ليندي وقالت: هل ستستغرق ناوكو وقتاً طويلا من أجل إعداد السرير؟

ليندي: الأمر يعتمد على جافيير كما تعلمين؛ قد يستغرق الكثير من الوقت من أجل إحضار المواد المطلوبة.

ثم نظرت إلى أيامي وقالت: يمكنك النوم في العيادة إلى أن نجهز لك سريرك...

أيامي: آه...شكراً لك....

ألينا: على كلٍ....هل ناوكو في الأعلى؟ لقد أرادت أن تتعرف على أيامي عندما أخبرتها عنها!

أجابت ليندي بتفكير: لا أعلم حقاً.


عندها قال إيريك الذي كان منهمكاً بتنظيف سلاحه: لقد ذهبت قبل قليل إلى المحمية برفقة ذلك الفتى آلان،قالت أن لديها شيئاً ما تفعله هناك...

علق روك مستغرباً: المحمية؟ ذلك غريب....من النادر أن تذهب ناوكو إلى هناك...

نظرت ألينا إلى أيامي وقالت: على كل حال...هيا بنا...



كانت أيامي تسير برفقة ألينا إلى غرفتها في ذلك الممر الطويل، عندها قالت ألينا فجأة: لابد أنك تساءلت من تكون ناوكو صحيح؟

أجابت أيامي بتردد: آه أجل، لقد أردت سؤالك عنها...

ألينا: ناوكو هي المرأة التي قامت بتربيتنا والاهتمام بنا جميعاً منذ أن كنا أطفالا، إنها بمثابة الأم بالنسبة لنا! جميعنا أطفال مشردون ولا نملك أي عائلة لذلك قامت ناوكو بأخذنا ورعايتنا.. إنها تدير حانة في الأعلى...

ثم قالت باستدراك: قد لا تكونين قد أدركت ذلك بعد لكن في الحقيقة نحن الآن تحت الأرض!

أجابت أيامي بهدوء ويبدو أنها لم تستغرب ذلك كثيراً: لقد لاحظت أنه لا توجد أي نوافذ سواء في العيادة، أو في تلك الغرفة لذلك فكرت في ذلك..

فقالت ألينا موضحةً: إننا نعيش في مقاطعة تسمى ستيلزيا، وهي تبعد مسافة أربعمائة وخمسين كيلو متراً عن المنطقة البيضاء...

الناس الذين يعيشون في ستيلزيا يعرفوننا جيداً...لا يوجد الكثير من السكان هنا، توجد بعض العصابات في المنطقة لكنهم جميعاً حلفاء لنا وهم يقومون بحراسة حدود ستيلزيا لحمايتها من أي تسلل خارجي..
إننا نوفر الحماية للناس الذين يعيشون هنا في مقابل ألا يفشوا سرنا للحكومة، وفي الواقع الناس هنا متعاونون معنا كثيراً، إننا مثل الأصدقاء تماماً!

سألتها أيامي بتعجب: ألا تعرف الحكومة عن مكان وجودكم؟

ألينا: إنهم يعرفون أن مخبأنا في ستيلزيا لكنهم لا يعلمون أين هو تحديداً..ثم إنهم لا يستطيعون الاقتراب منا فهذه المنطقة بالكامل تحت سيطرة التحالف.
بالقرب منا توجد مقاطعة ميلانيا وهي أقرب منا إلى المنطقة البيضاء وهناك توجد ما تعرف بالمحمية التي يرأسها غري،وأبعد منا بكثير حيث الجزء الغربي من رونايدا توجد مقاطعة كراوفورد وتايلي وغوبيان وهناك يتمركز الجيش الذي يقوده سايشو،هذه المقاطعات الخمس يسمونها بمنطقة التحالف، وهي التي تقبع تحت سيطرتنا المطلقة، والعصابات الموجودة هنا كلها موالية لنا. إننا نحتل أغلب الجزء الغربي من رونايدا..

تساءلت أيامي قائلة:أتعنين بذلك ما يعرف بتحالف الكبار الاربعة؟

فأجابت ألينا بهدوء:أجل...ثم سكتت قليلاً وأردفت قائلة: روك آندروك، غري جيسون، كريس آردويك، وأيضاً من يعرف بشيطان رونايدا سايشو سانفورد...
هؤلاء الأربعة يعدون من أقوى قادة المافيا في رونايدا على الإطلاق!

عندها قالت أيامي بتفكير: لقد سمعت الكثير عنهم حتى عندما كنت في المنطقة البيضاء..
ثم سكتت قليلا وأردفت قائلة:لقد كنت أعيش في مقاطعة كاستينا، كانت آنذاك مقسمة بين حركة ثوار الشمال وبين أتباع رجل يعرف بجوش ألدرمان...

علقت ألينا بدهشة: أنت من كاستينا إذا! إنها بعيدة جداً من هنا..

أيامي: أجل....إنها تقع في أقصى الشمال كما أنها قريبة جداً من المنطقة البيضاء..

تساءلت ألينا قائلة: كيف تبدو المنطقة البيضاء؟

أيامي:امممم..إنها مختلفة جداً عن المقاطعات الموجودة خارج الأسوار، لا أعرف كيف أصف الأمر بالضبط لكن حسناً، إنها تبدو متحضرة ومتطورة جداً..
يوجد الكثير من المباني والحدائق والأماكن الخاصة بالترفيه، كما أنه لا يوجد الكثير من المجرمين هناك! إن القبضة الأمنية شديدة جداً لذلك نادراً ما نسمع عن حدوث جرائم في ذلك المكان....

ألينا:همممم، يبدو كمكان آمن جداً ورائع...

ثم قالت بألم:أتساءل كيف سيكون الأمر لو أن رونايدا بأكلمها هكذا؟

لم تعلق أيامي على كلامها،كان ذلك التساؤل المؤلم هو ما كانت تفكر به طوال سنواتها الأربع التي قضتها هناك..
ماذا لو كانت رونايدا كلها هكذا؟ ماذا لو ولدت في عالم مختلف، وبلد خالٍ من ويلات الحروب؟


لكنها تدرك جيداً أن هذا الحلم هو أبعد ما يكون عنهم..فهنا أرض الموت فحسب، الأرض التي تُقتل فيها الأحلام، وتُداس الأماني بواسطة الواقع المرير الذي يعيشه الناس هنا، والذي لايمكنهم قطعاً الهروب منه مهما تمنوا ذلك..

لكن ذلك التساؤل ذكرها بشيء نسته في تلك اللحظة،ماذا حدث في المنطقة البيضاء بعد اختفائها؟ كيف بررت الحكومة غيابها المفاجئ لصديقتيها الوحيدتين هناك؟
.

.

.

كانت كل من ناتسومي وكايا تسيران معاً في طريق العودة إلى المنزل وقد كان القلق بادٍ عليهما..

قالت كايا بعد صمت طويل وقد بدا كلامها أشبه بنبرة سؤال: لم تعتد أن تتغيب عن المدرسة من دون أن تخبرنا بذلك قبلها...

أجابت ناتسومي بقلق:معك حق، أتساءل ما إذا كانت مريضة أو ما شابه، إنني قلقة عليها حقاً!

كايا:سنعلم ما حدث عندما نصل إلى منزلها، لم يبق أمامنا وقت طويل...


لكنهما وقفتا مصدومتين ما إن وصلتا أمام شقة أيامي...
نظرتا حولهما بذعر، إلى رجال الأمن الكثيرين الذين يطوقون المكان، وقد دخل الكثير منهم إلى منزلها....

أسرعت ناتسومي إلى أحد رجال الأمن وقالت بخوف:ما الذي حدث؟ لماذا أنتم مجتمعون أمام منزل أيامي؟!

لم يقل ذلك الرجل شيئاً لها، وقد رمقها بنظرة باردة أشعرتها بالخوف.


عندها سار إليها من بين أولئك الرجال، شاب طويل بدا في العشرينات من عمره...

كان وسيماً جداً بشعره الأسود الناعم وعينيه الزرقاوتين الواسعتين،وقد ارتدى بذلة رسمية رمادية زادته وسامة وجاذبية.

كان ينظر إليهما نظرة ثاقبة لم تستطيعا تفسيرها، لكنه ابتسم فجأة ووقف أمام ناتسومي ليقول بتلك الابتسامة المصطنعة: أنتما التوأمان كايا وناتسومي كيريساكي صحيح؟

تفاجأت كايا عندما قال اسميهما وسألته بريبة: كيف تعرف اسمينا؟

أجاب الشاب بتفهم:حسناً، من الوقاحة ألا أقدم نفسي إليكما..
ثم مد يده إليها وقال:اسمي لوسيل جيرفييه، أعمل كمحقق في وزارة الداخلية. هل يمكنني سؤالكما عن بعض الأمور حول صديقتكم أيامي تاكيزاوا؟


شعرت ناتسومي وكايا بالقلق أكثر ،قالت كايا وهي تسير إليه حتى وقفت أمامه: ما الذي حدث لأيامي؟

أجاب لوسيل بتردد:همممم...كيف أقول هذا، يبدو أن صديقتكما العزيزة قد تورطت مع بعض الأشخاص السيئين...

عندها قالت ناتسومي بانفعال: ما الذي تقصده؟ ما الذي حدث لأيامي!!

لوسيل:فلتهدئِ آنسة كيريساكي، إننا نحقق الآن فيما حدث وسيكون كل شيء على ما يرام...

ناتسومي:أين هي الآن؟ ثم أضافت مؤكدة:أين أيامي؟!


تنهد لوسيل بضيق ليقول بعد ذلك بأسف: لقد تم اختطافها من قبل عصابة خطيرة يسمون أنفسهم بالروك آندروك. لا نعرف ما هو هدفهم من فعل ذلك، لذلك نريد التحقيق حولها حتى نعرف ما الذي يريدونه منها...

كانت كايا وناتسومي مصدومتين تماماً ما إن سمعتا كلامه...
قالت كايا مكذبة:الروك آندروك؟ أليسوا هم من أخطر العصابات الموجودة خارج الأسوار؟ كيف استطاعوا فعل ذلك؟
ثم تجمعت الدموع في عينيها وسألت بذعر:كيف أخذوا أيامي؟!


أجاب لوسيل بقلة حيلة:إننا لا نعرف كيف استطاعوا التسلل بالضبط، نعتقد أن هناك شخص متواطئ معهم استدرج الآنسة تاكيزاوا من داخل الأسوار ثم سلمها إليهم، هل لديكن أي معلومة فيما إذا كانت قد تواصلت مع شخص ما في الأمس؟

ناتسومي: لقد كانت أمس هي عطلة نهاية الأسبوع، لذلك لم نذهب إلى المدرسة لكننا كنا معاً حتى ليلة ما قبل الأمس...
لقد احتفلنا معاً بعيد ميلاد ابنة عمي ،وقد كانت أيامي معنا حتى ساعة متأخرة من الليل...

لوسيل: ألم تلاحظا أي شيء غريب عليها؟


سكتت كل من كايا وناتسومي وقد كانتا تفكران في كلامه، لتهتف كايا فجأة: صحيح! ثم نظرت إلى ناتسومي وقالت وهي تشير إليها باستدراك:ذلك الطرد الغريب!

عندها قالت ناتسومي بسرعة موافقة على كلامها:أجل...معك حق، لابد أن لهذا علاقة بالأمر!

تساءل لوسيل باستغراب:عن ماذا تتحدثان؟


أجابت كايا بجدية:عندما كنا نحتفل في ليلة ما قبل الأمس، وصلنا طرد بريدي مستعجل... لقد كان الطرد مرسلا إلى عمي الراحل ، وقد كان فيه صندوق به ورقتين، إحداها كانت رسمة بألوان شمعية بدا واضحاً أن طفلا قد رسمها، أما الأخرى فقد كانت ورقة بها أرقام وحروف بدت غريبة جداً...
أعتقد أنها كانت عبارة عن شفرة من نوع ما لكن أيامي تصرفت بغرابة ما إن رأتها، لقد بدت مصدومة تماماً ثم غادرت المنزل على الفور وقد كانت مستعجلة جداً...

سأل لوسيل باهتمام: هل تلك الورقة التي تحتوي على الشفرة ما زالت في حوزتك؟

ناتسومي:لقد تركناها في منزل عمي ولا أعلم فيما إذا كانت زوجة عمي قد تخلصت منها أو لا...

قال لوسيل بهدوء: هل يمكنني الذهاب معكن إلى منزل عمك لرؤية تلك الورقة؟ ربما يمكنني أن أحل تلك الشفرة بطريقة ما....

كايا:لا مشكلة،سأتصل بابنة عمي لأتأكد من الأمر...
عندها اتصلت كايا بهينا وسألتها عن تلك الورقة فأخبرتها أن والدتها ما تزال تحتفظ بها.


ما إن أغلقت كايا الخط حتى قالت للوسيل على الفور: لقد قالت أنها ما تزال في المنزل...لنذهب الآن!

لوسيل:قبل ذلك سأسألك عن أمر آخر...هل تواصلتما مع الآنسة تاكيزاوا في الأمس؟

ناتسومي: كلا..لم نتصل بها إطلاقاً،لقد أرسلت لها صور الحفلة على الانترنت لكنها لم تقم بفتح تلك الصور...

لوسيل: من آخر شخص كان معها قبل اختفائها؟


فكرت كايا قليلا قبل أن تقول بتردد:لا أعتقد أن ذلك سيفيد، لكن آخر من كان معها هو ابن عمي الذي رافقها إلى المحطة...

لوسيل:همممم..أهو تاكيرو كيريساكي؟

استغربت ناتسومي وقالت:هل تعرفه؟!

أجاب لوسيل بإعجاب:بالطبع أعرفه! إنه مشهور جداً كأذكى شاب في رونايدا...

كايا:معك حق فتاكيرو معروف جداً...ثم سكتت قليلا وقالت: لكن لا أعتقد أن هذا الأمر مهم جداً،أعني أن تاكيرو لا يعرف أيامي كثيراً وعلاقته بها سطحية إلى أبعد الحدود، لا أظن أن أيامي قد أخبرته عن أي شيء...

لوسيل: لا أريد استبعاد أي شيء،أرغب في مقابلته أولا فربما يكون قد لاحظ شيئاً ما عليها عندما كان يقوم بتوصيلها...

ناتسومي: على الأرجح أنه في المنزل في هذا الوقت فهو من النوع الذي لا يبقى خارج المنزل كثيراً....


عندها ابتسم ذلك الشاب ابتسامة بدت غريبة جداً لكايا وناتسومي وقال: همممم، لم أتوقع أبداً أنه من النوع الانطوائي..


يتبع..

*******

-رأيكم في الشخصيات حتى الآن؟

-توقعاتكم للأحداث القادمة؟

-برأيكم كيف سيكون دور المحقق لوسيل في القصة؟

-ماذا تعتقدون حقيقة هذا البلد؟ كيف نشأت رونايدا وماذا يعني أنها كانت تعرف باليابان في الماضي؟

كل هذا وأكثر ستعرفونه في الفصول القادمة..


آراؤكم وتعلقياتكم تهمني جدا ،وهي فقط ما ستشجعني على الاستمرار في كتابة القصة..

وارجو أن تكونوا قد استمتعم بالفصل..أراكم في فصول قادمة باذن الله ^^


2018/03/21 · 519 مشاهدة · 5199 كلمة
NajwaSD
نادي الروايات - 2024