كان الظلام هو عالمه الأبدي. كتلة خانقة تلف روحه، لا نور يخترقها، لا صوت يكسر صمتها المطْبِق. لم يكن يعلم كم مر من الوقت، هل كانت ثوانٍ، أم دهور؟ لم يعد للزمن معنى في هذا القبر اللا مرئي. كان وعيه شعلة خافتة تكافح للبقاء مشتعلة في بحر العدم.
فجأة... وخز. نقطة ضوء باهتة اخترقت الستار الأسود. تبعها صوتٌ ناعمٌ، كزقزقة عصفور ضائع. كان الصوت غريبًا، مختلفًا عن الأصوات القوية والواثقة التي اعتاد عليها في عصره الذهبي.
"هل أنت بخير؟"
تسلل الصوت إلى وعيه المثقل، كقطرة ماء على صخرة صلدة. حاول "آيون" تحريك جفونه، جهدٌ جبّار أيقظ عضلات خامدة منذ أمد بعيد. فتح عينيه ببطء، ليصطدم بضوء النهار الساطع الذي جعله يتأوه ألمًا.
كانت هناك فتاة صغيرة، لا يتجاوز عمرها بضعة أعوام، تحدق به بعينين واسعتين فضوليتين. كانت تجلس القرفصاء أمامه، ترتدي ثوبًا بسيطًا ملطخًا بالتراب، وفي يديها دمية قماشية مهترئة. خلفها، بدت فتحة ضيقة في جدار حجري قديم، بالكاد تتسع لجسد بالغ.
"أنت مستيقظ!" هتفت الفتاة بفرح طفولي، وصفقت بيديها الصغيرتين.
"أين... أنا؟" تمتم "آيون" بصوت أجش لم يتعرف عليه. كان حلقه جافًا كرمال الصحراء، وذاكرته مشوشة كحلم بعيد.
"أنت هنا! بجانب الضريح القديم. كنت ألعب هنا كل يوم، لكنني لم أرك من قبل." أجابت الفتاة ببراءة، مشيرة بيدها إلى الجدران الحجرية الضخمة المحيطة بهم.
الضريح القديم... كلمة أيقظت شيئًا راقدًا في أعماق وعيه. صور مبهمة بدأت تطفو على السطح: قاعة عظيمة، وجوه مألوفة... ثم... الظلام. والخيانة.
"تلامذتي..." همس "آيون" بذهول. "زيفر... كورفوس... سولان... نيكس..."
ارتعش جسده النحيل المغطى بالغبار. ألف ألف مليار عام... هذا ما شعر به. لكن... كيف؟ كيف بقي على قيد الحياة؟ وكيف تغير العالم؟
نظر حوله بتمعن. لم يكن هذا المكان يشبه أي شيء عرفه في عصر الميريوم. لم تكن هناك تلك البنية البلورية المتلألئة التي كانت تميز حضارتهم، ولا تلك الطاقة الروحية التي كانت تملأ الهواء. كان المكان خشنًا، بدائيًا... وغريبًا.
"ما هو اسمك؟" سألته الفتاة الصغيرة بفضول.
"آيون..." أجاب بصوت خافت.
"اسم جميل! اسمي إيرا." ابتسمت له ببراءة.
فجأة، اجتاحت رأس "آيون" موجة من الذكريات الحادة. وجوه تلاميذه الأربعة، نظراتهم المليئة بالولاء الزائف، اللحظة التي انقلبوا فيها عليه، الشعور بالخيانة الذي اخترق روحه كسكين بارد... والغضب. غضبٌ عارمٌ تفجر في داخله بعد سبات طويل، غضبٌ حارقٌ كالنار الكونية.
قبض "آيون" على الأرض بيده الهزيلة، وشعر بقوة خافتة تنبض في داخله، بقايا من قوة "آي" التي كانت ذات يوم لا تضاهى. كانت ضعيفة، لكنها كانت لا تزال موجودة.
"المجرات الأربعة..." زمجر "آيون" بصوت يقطر بالمرارة. "لقد وصلوا إلى ما لم يكن معروفًا في عصري... لقد حكموا الكون الذي كان لي."
نظرت إليه إيرا بخوف. لم تفهم الكلمات الغاضبة التي خرجت من هذا الغريب الذي ظهر فجأة بجانب الضريح القديم.
وقف "آيون" بصعوبة، مستندًا على الجدار الحجري. كان جسده ضعيفًا، لكن روحه كانت مشتعلة بنار الانتقام.
"لقد سرقوا مستقبلي... سرقوا إرثي..." تمتم "آيون" وعيناه تشتعلان ببريق أزرق سماوي خافت، ينذر بعاصفة قادمة. "سوف يسترد آيون ما هو له. وسيدفع الخونة ثمن خيانتهم غالياً."
نظر إلى الفتاة الصغيرة، إيرا، التي كانت تحدق به برعب ممزوج بالفضول. ربما كانت هذه الصدفة الغريبة هي بداية فصل جديد في قصة "آيون"، فصل من الصحوة... والغضب الذي سيغير مصير المجرات الأربعة.