خرج "آيون" من فتحة الضريح الضيقة، يستند على الجدار ليثبت جسده الواهن. كانت إيرا تراقبه بخوف ممزوج بالفضول، خطواتها الصغيرة تتبعه بحذر. أشعة الشمس الحارقة لسعت بشرته الشاحبة التي لم ترَ النور منذ دهر، لكن عينيه الزرقاوتين كانتا مثبتتين على الأفق البعيد، تحدقان في عالم غريب لم يعد يعرفه.

"أين هذا المكان تحديدًا؟" سأل "آيون" بصوت أكثر قوة، لكنه لا يزال أجشًا.

"هذه أرض أجدادي، وادي النجوم الهادئة." أجابت إيرا ببراءة، مشيرة إلى السهول المترامية الأطراف التي تمتد أمامهم، مغطاة بنباتات غريبة وأشجار ذات ألوان لم يرَ مثلها من قبل.

وادي النجوم الهادئة... لم يكن هذا الاسم مألوفًا له. عصر الميريوم كان يتميز بأسماء قوية ورنانة، تعكس عظمة إنجازاتهم. هذه البساطة الريفية كانت غريبة عليه.

"تلامذتي... هل وصلوا إلى ما سعوا إليه؟" سأل "آيون" بلهفة، يخشى الإجابة. "هل حكموا... كل شيء؟"

إيرا مالت برأسها الصغيرة في حيرة. "حكموا ماذا؟ لا أفهم."

شعور بالضياع العميق اجتاح "آيون". ألف ألف مليار عام لم تكن مجرد رقم، بل كانت محوًا كاملاً لكل ما عرفه.

"من يسيطر على هذا العالم؟" سأل "آيون" بنبرة حادة، تنم عن غضب مكبوت.

"لا أحد يسيطر على كل شيء هنا." أجابت إيرا ببساطة. "هناك قرى وقادة مختلفون في كل وادٍ."

قرى وقادة... بدلاً من النظام الموحد لعصر الميريوم. لقد انهار كل شيء.

شعر "آيون" بقبضة قوية تعتصر قلبه. كل ما بناه، كل ما ضحى به، تلاشى كفقاعة صابون. الخيانة لم تقتله فحسب، بل قضت على عصره بأكمله.

"يجب أن أعرف." قال "آيون" بحزم، ينفض عن نفسه وهن الجسد. "يجب أن أعرف ما الذي حدث لعالمي، لإرثي."

نظر إلى إيرا، الطفلة البريئة التي كانت أول من رآه بعد سباته الطويل. "هل يمكنك أن تأخذيني إلى أقرب مكان فيه معلومات؟ مكان يتحدث عن الماضي، عن العصور القديمة... أي شيء."

إيرا نظرت إليه بتردد. "القرية بعيدة، يا سيدي. يوم كامل سيرًا على الأقدام، وربما أكثر. لكن... هناك حكيم القرية. إنه يعرف الكثير عن الأزمنة الغابرة."

حكيم القرية... لم يكن هذا ما يبحث عنه، لكنها كانت بداية. بداية لاستعادة الماضي المفقود، بداية لفهم العالم الجديد.

"خذيني إليه يا فتاة." قال "آيون" بنبرة آمرة لم يستطع إخفاءها.

إيرا قفزت بخفة، وعلى وجهها ابتسامة زالت آثار الخوف منها. "حسنًا! لكن يجب أن تكون سريعًا. الشمس ستغرب قريبًا."

بدأت إيرا تركض عبر السهول، وثوبها البسيط يرفرف في مهب الريح. "آيون" تبعها بخطوات متثاقلة في البداية، لكن شيئًا قد استيقظ في داخله، إرادة حديدية تدفعه للأمام. مع كل خطوة، كان يشعر بصدى خافت ٭٭للاثير** يتردد في داخله، بقايا من قوته التي كانت ذات يوم لا تضاهى. كانت ضعيفة، لكنها كانت لا تزال موجودة.

خلال رحلتهم، كانت إيرا تحدثه عن عالمها ببراءة، عن النجوم التي تضيء سماء الليل، عن المخلوقات الغريبة التي تعيش في الوادي، عن القصص القديمة التي يتناقلها أهل القرية. "آيون" كان يستمع إليها بنصف أذن، وعقله غارق في الماضي، يتخيل وجوه تلاميذه الخونة، يتذكر لحظة الخيانة المرة.

وصلوا إلى القرية عند الغروب. كانت عبارة عن مجموعة من البيوت الطينية البسيطة المتجمعة حول ساحة صغيرة. نظر إليهم القرويون بفضول ودهشة، فهذا الغريب ذو المظهر الشاحب والعيون الزرقاوتين المتوهجتين لم يروا مثله من قبل.

أخذته إيرا إلى كوخ صغير في طرف القرية. كان يجلس أمامه رجل عجوز ذو لحية بيضاء طويلة وعينين حادتين تنمان عن حكمة السنين.

"يا حكيم زاريوس، لقد وجدت هذا الرجل نائمًا بجانب الضريح القديم." قالت إيرا بصوت عالٍ.

نظر الحكيم زاريوس إلى "آيون" بتفحص دقيق. "غريب... لم أرَ أحدًا يخرج من ذلك الضريح منذ عقود طويلة. يقال إنه مسكون بأصداء الماضي."

"آيون" لم يهتم بحديث الأشباح. "أريد أن أعرف عن الماضي يا حكيم." قال بصوت قوي. "عن عصر الميريوم، عن الحضارات التي سبقته."

تجمدت نظرات الحكيم زاريوس. ارتسمت على وجهه علامات الدهشة والحيرة. "عصر الميريوم؟ تلك حكايات قديمة... قصص عن قوة عظيمة وزمن غابر ظننا أنه تلاشى للأبد."

"إنها ليست مجرد قصص." زمجر "آيون". "لقد عشت فيه. أريد أن أعرف ما الذي حل به."

نظر الحكيم زاريوس بعمق في عيني "آيون" الزرقاوتين المتوهجتين. رأى فيهما شيئًا قديمًا، قوة نائمة، وغضبًا دفينًا.

"تعال إلى الداخل يا غريب." قال الحكيم بصوت هادئ. "سأخبرك بما أعرفه... لكن كن مستعدًا لما ستسمعه. صدى الماضي قد يكون مؤلمًا."

دخل "آيون" الكوخ المظلم، وخلفه إيرا الفضولية. كان يعلم أن هذه الليلة ستحمل إجابات مؤلمة، لكنه كان مصممًا على فهم ما فقده، لأن غضبًا بدأ يتشكل في داخله، غضبًا سيوجهه نحو من سلبه عالمه، مدفوعًا ببقايا ٭٭الإثير** الذي يسري في عروقه.

2025/05/17 · 12 مشاهدة · 691 كلمة
Mimou Kiraa
نادي الروايات - 2025