الفصل الثامن عشر
وليد السم
جلس بصمت يعد أنفاسه، شعر بالغضب لأنه سمح لنفسه بالهروب من المواجهة! لم يعلم ما الذي أضعفه لتلك الدرجة! تعلم أن يكون مسيطراً على زمام الأمور، عارفاً بكل شئ، متخذاُ الخطوات، يسبق الجميع خطواتهم بصمت! كظل لا شكل له ولا لون، و لكن اليوم كل هذه المعادلات إنهارت، و انبثقت مكانها اعتبارات هو لم يرسمها و لم يعد له عدته! هو لم يخسر شئ ! ليس بعد! كان يعلم أنها الرابح في المعركة تقريباً! و هو من سمح لها بهذا الفوز و لكن ما بال قلبه يشعر بالهزيمة؟ عرف هذا القلب الجواب آنفاً، حمل بين يديه الرسالة المهزوزة المختصرة، لم تكن رسالة حب و لم تحمل أحرفها الشوق و لكن مفعولها كان أقوى من كل هذا و ذاك!
"أحتاج للحديث معك"
ثلاث كلمات، ثلاث كلمات كانت كفيلة بحمله كالمجنون هو بكل كبريائه و فخره بذاته، إذ أن ندائها القصير ذاك حمله من العاصمة بهرمان إلى أحراش "ايبيا" الشمالية المعزولة و القريبة من "مملكة آسترا" كجني الفانوس، مسافة شهر مع قافلة استطاع أن يقطعها في أسبوعين! فخيله "الأدهم" اعتاد على مفاجآته و رحلاته الكثيرة الغريبة فلم يكن هناك بشري سيتحمل شخص بمثل اندفاعه، بل إن هذه الرحلة كانت معتادة و يحفظها كأنها اسمه واليوم وجد نفسه هو و الأدهم يسوقان أنفسهما سوقاُ نحو الشمال لا يحملهما شوق الأرض انما شوق النفس.
هو يعلم أنه لم يخطئ في حقها انه واثق بكل خطوة يتخذها … كان واثق بكل خطوة يتخذها ان صح التعبير ولكنه اليوم عاد خطوات للوراء ليفهم الصورة الكاملة، لوحة غامضة هو يعرف مشاعره ناحيتها، و لكن هي؟ هي المعادلة الصعبة والتي لم يستطع أن يتركها في منتصف الطريق او يضحي بها دون يسمع منها فهي مهما كانت و ابنة من كان تبقى هي! و مكانتها عنده بقيت كما هي! مع أنها كانت تبث فيه سمومها تقف قوية أمامه و كما رأها أول مرة تهينه بالسم؟
" ذق من السم الذي سقيتني؟"
قالتها في فورة غضب! فورة شعر بها قادمة و لكن سمومها كانت غير متوقعة! في داخله ضحك كثيراً فهي بالتأكيد لم تذق السم و لا تعرف شكله و لكن هو حفظه تذوقه و يعرفه حق المعرفة, واليوم كل ما فيها كان لا شعورياً يعيده فيسرقه بالذكريات القديمة السامة، حيث أعادته طفلاً في ال12 يختبئ في الزوايا هارباً من الجميع هارباً من الألقاب اللئيمة
"ابن الساحرة"
"الغريب"
"الوثني"
ولكنهم لكنهم لاحقوه حتى في في ركنه السحيق، كان يكره الجميع بصمت و لا يثق بأحد وكل طلبه ان يتركوه و حاله! لم يعرف في حياته حتى سن الخامسة أحد يرافقه سوى الخدم! ثم كان العجوز سيرسيوس! و الذي جزع منه و خافه بل هرب يختبئ من منظره الغريب! اذ كان أجنبي ملامحه لم تشبه ما يعرفه عتبة ابن الخامسة، كان أعور بل أخافه الجميع يخبروه أنه
"كافر دجال!"
لم يفهم وقتها عتبة معنى الكفر و هذا الكافر الدجال هو من أرشده و علمه الصلاة و الصيام وكافة العبادات، و هم بإستشرافهم لم يفكروا ان يمسكوا بيد الطفل يتيم الأم فيخبروه شئ في دينه! فقط امضوا يوزعون الألقاب و الأحكام يتسلون بها! يحلون بها أفواههم القذرة! فكان سيرسيوس معلماً و مرشداً و حامياً! استطاع ان يثق به سريعاً بالرغم من كل سمومهم، لهذا هو قرر ان يعتزل الجميع الا سيرسيوس! و
و كل هذا انقلب كسفينة في وجه أمواج عاتية، سفينة لا ربان فيها ولا ملاح لا أحد سوى طفل تتقاذفه الأمواج في ليلة ظن انه سيكون بين متعه القليلة والبسيطة بين كتبه الكثيرة التي كانت مؤنسته كل حياته، حيث استمتع بأمرين القراءة و تناول حبات كثيرة من الرمان بقبضة واحدة كأنه يتحدى فمه، لكم كان يعشق الرمان و لكم يكرهه اليوم بل انه يمثل له شكل من أشكال الموت !
ففي ذلك المساء ومع تناول اللقمة الأولى لم يشعر بشئ سوى حموضة الرمان لم تكن ثمرة مثالية على الأغلب يومها عزى نفسه بهذا الإحتمال! ولكنه لم يعترض فهو في ذلك الوقت لم يعترض كثيراً مع غضبه العام من كل محيطه، و لكن مع اللقمة الثالثة بدأ يشعر برقبته تصبح أثقل و هذا الثقل وصل لظهره متسللاً من رقبته كأفعى
" هل أنت بخير؟" يومها سأله سيرسيوس بوجه قاتم باحث في الشك
"أجل" يذكر قالها بلا مبالاة و هو يعود لكتاب نسي اليوم محتواه
و لكن شعور الحرق الذي باغته بعدها بدقائق كان كفيل بإخراسه و كأن النار حلت محل دمه تحرق كل ما فيه، طنين بعيد فجر عقله و شله شلاً و بعدها توقف كل ما فيه، لم يكن سلاماً بل وقتها تمنى الموت فهو كان يراه أمامه يلوح له و لكن لا يقترب منه، كان يشعر بكل كلمة و بكل حركة من حوله، و كان عقله مستيقظ تماماً، كل ذعر و كل صرخة للبحث عن الحكيم و كل هبة ريح كانت تؤلمه و كل لمسة تحرقه و لكن بعدها اللاشي و الذي لم يكن فيه سلام، فهو استيقظ متعباً جسده يعاني من كل أشكال الألم، عاد من موت محتم هذا ما استطاع فهمه سريعاً، فتلك لم تكن المرة الأولى التي يرى فيها الموت اساسًا و لكنها المرة التي أرهقته و تركته خائفاً كل عمره!
يذكر كيف فتح عينيه، مقاوماً ثقل جفونه! شعور الغثيان الذي لازمة تبعها الحموضة و بعدها تقيئ كل ما في بطنه! و كأنه يتقئ روحه شعر و كأن سكاكيناً تخرج من جسدة، و من ذلك اليوم كل شئ تغير فيه إذ ترك عليه هذا السم اثراً واضحاً بصوته الذي بات مبحوحاً وفيه خشونة وكأنه خارج من كهف عميق.
وقتها بعدما تنفس اخيراً وجد سيرسيوس واقفاً في صمت مهيب، كمارد عاش آلاف السنين، قلقاً يحمل وجهه ملامح مبهمة رسمها و كأنه يعرف جواب ما أصابه، وحوله كان وجه جديد و لكن مألوف، تلك النظرات اللطيفة و التي اعتبرها حمقاء إلى حد ما! كان يعرفها من بعيد و لكنه في ذلك اليوم ألفها عن قرب، أخيه الأكبر و الذي حمل وجهه خوف آخر و هو يسأل الحكيم مرتجفاً على عجالة و كأنه يتكلم عن ألم أَلم به:" هل هو ذات الداء؟"
"ليته كان أيها الأمير" قالها الحكيم بوجه مكفهر
"ماذا تعني؟" سأل ولي العهد الشاب بقلق
"أشك أنه يا سيدي…" قالها الحكيم بتوجس و هو ينظر حوله كأنه خاف من شئ خفي! و هنا نطقها سيرسيوس بثقة و دون خوف:" السم"
يذكر عتبة كيف التفت أخيه هلعاً و كأنهم سرقو من وجهه الحياة،و كأن توقعه كان أسوأ من شكه. بقي السم سر ولكن همست أفواه القصر و الهمس واللمز كان عقيدتهم بالمرض الذي أرعبهم حتى ذكره بشكل عارض "الصرع" الداء الذي أصيب به الجد الأكبر و الذي ترك البلاط مرعوباً من اسوأ الإحتمالات وقتها، و بالطبع أضافوا لقباً جديداً له
"الأمير الملبوس"
فالحقيقة الصعبة اختبأت بين ثلاث و هو رابعهم، انه سم قوي سريع فعال مستخدمين فيه "جوز المقئ"، مع انه كان دائماً يعرف السم و درسه جيداً و لكنه لم يستطع فصله عن الرمان والذي أصبح في عينيه سماً في ذاته.
لأنه سرق منه أمانه وسيرسيوس الذي مثل له الرفيق البشري الوحيد الذي عرفه في ذلك الوقت، هو كان يعلم أن علاقته بسيرسيوس كانت من الخارج تبدو باردة علاقة أمير و حارسه، مع أنه كان معلماً له ومرشد و الأهم من هذا كان حامي! فكلاهما التزما الصمت أغلب الوقت و لكن عتبة كان يراه عائلته، و أخبره ذلك بعد حادثة الرمان
" ما هو الموت؟" يذكر عتبة أنه بعد تلك الحادثة عاش مع هذا الهاجس، فسأل سيسرسيوس باحثاً عن جواب
"النهاية" رد يومها سيرسيوس
كان عتبة يدرك ذلك و هو طفل ابن ال١٢ فهو قرأ في كتاب من قبل أن الموت هو"توقّف الحركة الإرادية، وانقطاع النبض، وفساد الحرارة الغريزية، وتعطّل القلب والدماغ عن أداء وظائفهما، وانفصال النفس عن البدن انفصالًا تامًّا لا رجعة فيه"
أخافته فكرة الرحيل تلك مع كل ما يرافقها من ألم و أكثر ما أخافه هو الرحيل بلا أثر لن يتذكر أحد هذا اليتيم، لن يذكره أحد حتى بدعوة صادقة! أين سيرحل! الجسد والروح!! كل شئ فاني
"و لكنه بداية الحياة" قالها سيرسيوس قاطعاً حبل أفكاره
هنا وجد عتبة نفسه يلتفت لسيرسيوس بفضول فوجد الشيخ يبتسم له و هو يتلو قوله تعالى:"{ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون } " و أكمل:" كلنا نخاف الموت و نبذل ما نبذله لنحيا! و لكن لماذا؟ و ما الذي أعددناه لهذا الموت والرحلة التي فيها القرار الأخير؟ هل تساءلت يوماً لماذا نحيا؟ لماذا خلقنا الله؟ "
" لماذا؟" يومها سأل عتبة و عقله الصغير يحاول الإستيعاب
"لنعمر الأرض ونعبده فننال رحمته وجنته و نكون من الفائزين" قال سيرسيوس
" بالجنة؟" سأل عتبة
"نعم بالجنة "
"سأدعوا الله …" يذكر أنه قالها و قد امتلأ داخله حماس فأكمل:" سأدعوه أن تكون معي في الجنة يا سيسرسيوس"
"لماذا أنا تحديداً؟" سأله سيرسيوس بفضول
"لأنك عائلتي" قال عتبة يومها بطفولية ربما تناسبت مع سنه الصغير، لا يذكر ردة فعل سيرسيوس فقد ارتدى ذلك الشيخ قناعه بإتقان و لم يسمح بأي تعابير غير مدروسة بأن تفرط منه.
يومها كانت تلك الخطوة الأولى و فهمه الأول مع ان الموت كان لا يزال يرهبه و لكن تدريجياً حل محلها إصرار و عمل ويقين "إعمار الأرض" و "عبادة الله" تبعه توكل أزاح بعض همومه.
و لكن كتب الله علين إبتلاء آخر، إذ وجد نفسه ذات عصر بعدما فرغ من الصلاة في المسجد الصغير الملحق بجناحه يبحث عن سيرسيوس فهو يقسم أنه رآه يدخل خلفه للصلاة! و لكن لم يجده، فبحث عنه و لم يفلح حتى وصل لمكتب ديوان الخاصة المعني بالقصور الداخلية، فسأل عنه هناك و الموظفين البسطاء كان ردهم بارداً
" لقد تم أخذه للإستجواب"
و علم لاحقاً أنه طرد لأنه
" لم يعرف كيف يحتوي جنون الأمير الصغير"
توسل لمن عرفهم في ديوان الخاصة وحاول مقابلة صاحب الديوان، و لكن لم يراعي توسلاته أحد! فتجرأ اخيراً و كان كما رأى حله الأخير إذ اقتحم مجلس الخلافة وهو يصيح
"أعيدوه!"
و لكن ما صادفه كان صمت!
وقف أبيه الخليفة المعظم زهير ابن عبدالرحمن الزهيري بهيبة الظالمين! الإسم الذي رافق اسمه و لم يشعر يوماً بالإنتماء له، كان طفلاً بالكاد بلغ ال١٢ وقف حائراً أمام نظرات أبيه! و عقله لم يفسر الظلم بعد!
" هل هي نوبة أخرى؟" سمعها من أحدهم لم يره! علم أنهم يلقونه بالتهم مجدداً! يومها شعر بالخوف رجف كل ما فيه أمام هؤلاء الكبار و لا أحد حوله! من سيحميه؟ بحث في الوجوه ليجد ما ]الفه و لكن لا شئ، سوى رجال بدو له كالعمالقة الجبارين و أكثرهم تجبراً كان من يجب أن يناديه بأبي
"يبدو ان هواء أميرنا آستري و بجدارة!"
هذه المرة كان يستطيع ان يرى القائل و الذي لم يكن يحاول ان يتوارى يومها لم يعرفه و لكنه لاحقاً عرفه "جرير الرياحي" صاحب ديوان الخاصة! الرجل الذي رفض مقابلته، رجل كلما حاول أن يعرفه عاد لتشبيه واحد و فكرة واحدة "افعى في هيئة بشر"، عدو واضح مهما زحف فلن يثق به انسان.
يومها جروه جراً من ذلك المجلس و لم يحرك من هو من دمه رمشة و لم تأخذه به رأفة و هو يراه يسحل كالماشية و الرجال يتشفون بآلامه، منهم الضاحك ومنهم المشفق و لم يعلم إن كان هناك معترض ! و لكن من هذا المجنون الذي قد يعارض والده؟ الذي لم يتحرك و هو يرى قطعة من لحمه و دمه يضرب من الحرس، لم يشفع له صغر سنه أو كونه ابن الخليفة! و بعدها ماذا؟ رافقه الكثيرين لم يعرفهم بل انه لا يتذكر أشكالهم أو أسمائهم، لم يهتم بأن يعيش كل ما كان ينتظره هو ان ينتهي يومه حتى يأخذ الله أمانته فيرتاح، كل العقائد التي غرست فيه يوماً أصبحت منسية تحت وطأة هذا الحزن، لا شئ كان ممتع في عينيه! كل شئ قبيح و أولها بقاؤه حتى هذا اليوم حي! كان كالرحالة لم يعرف ارضاُ و لم تحمله سماء! لا جسد ولا روح! لم يخف من الموت فقد تصالح معه و لكنه خاف من فجأته ! فقد بقي فيه هاجس وعقيدة و حلم أن يكون في الجنة مع من يحب.
أخرجته الحركة المفاجئة خلفه من بحر الذكريات والسموم، هل هناك من يلحق به؟ توقف و اختار الطريق الأطول قليلاً ليضيع من خلفه فهو علم من السمع، أنه شخص واحد فرسه هزيل و متعب و أسلحته عبارة عن سيف فقط ! أما فراسته تلك لم تكن بداعي التدريب انما بداعي خوف لازمه من قبل سم الرمان، خوف نمى من نعومته خوف استمر و لم يتوقف، وخوفه وارتيابه لم يكن مرضي انما كان له كل حق فيه و لكن أي ثمن كان عليه أن يدفعه؟ طفولة و شباب انصهروا تحت هذا الارتياب،ان كانت حادثة الرمان قد لقنته درساً سيكون ان ينتبه لما يمضغه بأسنانه و يستطعمه بلسانه، فقد علمته تلك الحادثة أن يرى خلفه دائماً، حتى لو لم يكن خائفاً.
كان في الخامسة طفلاً تربى في دهاليز الخدم و الحراس حيث قضى أيامه الأولى، أحب لعبة "الكر والفر" و لعبها معه بعض الخدم المشفقين عليه كونه طفل وحيد لا يرغب به أحد، و عالمه لم يعرف غيرهم و بينما كان يكر باحثاً عن مكان ليختبئ فيه أخبره أحد الخدم
"دعنا نستلق السور و نتخبئ خلفه و هم بالتأكيد لن يجدونا"
بالطبع ابن الخامسة تحمس للفكرة فتسلق و لم ينظر خلفه و في مخيلته أنه انتصر على الكبار في لعبته المفضلة، و تلك كانت غلطته فمهما بلغ من العمر كان عليه ان ينظر خلفه جيداُ ولا يثق بأحد هكذا كانت حياته صغيراً ، فتلك الدفعة المؤلمة من أعلى السور علمته درساً قاسياً، درساً أخرسه، و فالنظرة الثابتة على وجه الخادم الذي وقف ينظر له لم تنم الا عن رغبة ملحة ونية صادقة بدفع الطفل، يومها صمت كبقية طفولته نائماُ بين كسر في يده و جروح بسيطة اخرى و لكنه أدرك أنه بسبب تلك الحادثة أصبح يرافقه سيرسيوس و الذي جئ به من وطن والدته.
انتشله سكون الغريب المفاجئ من ذكرياته و أعاده للواقع بفجاجة؟ انها فرصته ليهرب؟ لا لم يتوقف لقد سقط من فرسه! هل يعود له ؟ على الأقل ليعرف من يكون!، التف من الخلف ليبدو و كأنه جاءه من الجانب الآخر لا كأنه عاد له! كان يريد أن يخيفه متعمداُ ، و بالطبع تلك مهمة سهله له وللأدهم الذي لم يشتكي من مزاجه المتقلب هذا، ما هي إلا دقائق حتى لاح له ساقطاً و لكنه ليس مصاباً بل المصاب فرسه العجوز الذي احتاج للراحة، عرفه ابن أحد حاشية القصر هل كان ابن وزير ؟ لا لا إنه ابن أحد النبلاء المرافقين عرفه باسمه فهو يعرفهم كلهم و لكنه قال وهو ينادي من الجانب
"هل تحتاج مساعدة يا غريب ؟"
وجد الرجل ينظر له بخوف واضح و هو يتلفتت أمامه شعر كأن الذي أمامه من الجن، فكيف ظهر له من العدم؟
"اوه أنت الأمير عتبة بن زهير الزُهيري" قال الرجل بكذب لم يفت عتبة فاضحاً نفسه بغباء
"و أنت….؟" سأل عتبة و هو يعرف جيداً من يكون
"اوه لا يهم من أكون؟" قال الشاب الذي حاول أن لا يفضح هويته المفضوحة
"أعرف والدك" قال عتبه بابتسامة خفيفة
"اوه ح..حقاً؟" قال الشاب بتوتر و أكمل:" انه لشرف ان نكون معروفين عندكم يا س.. س…سيدي"
"انه يعمل في ديوان الداخلية و أنت كذلك" قال عتبة بخفه و هو يتفحص الخيل المتعب
"ص…صحيح" قال الشاب وهو يبتلع ما تبقى من ريقه
"وهل أثرت حفيظتكم بشكل ما؟" قال عتبة بخبث و أكمل:" لقد اقتحمتم قصري مؤخراُ و استجوبتم ضيوفي"
"و لم نجد سوى المجون أيها الأمير" قالها الرجل وهو يستجمع شجاعته اخيراً و كأنه هو ولد من رحم الفضيلة! كلهم هكذا!
"أجل وإن كان هناك اعتراض أخبرتكم مسبقاً ان تقدموا مظلمتكم لأخي" قال عتبة و هو يضحك بوقاحة
"اذاً ما الذي حملك لترك قصورك الدافئة في بهرمان" قال الشاب الوقح وأكمل:" هل تزور أخوالك؟"
علم عتبة أن الأحمق يستجوبه ولكنه لن يعطيه الجواب الشافي بل سيتركه يحترق محتاراً في مكانه عن الحقيقة!
"تعلم ان لي القصور هنا وهناك و كلها دافئة" قال عتبة بسخرية
"و تترك عروسك لوحدها لاهثاً خلف قصورك الأخرى" قال الشاب بخبث ليستفزه و قد وصل لاستفزازه فعلاً ليس لأنه يتحدث عن أخلاقه و لكنه لأنه ذكر عروسه!
"لا تقلق بشأني" قال عتبة و هو يربت عليه و أكمل:" بل اقلق على فرسك فهو يلفض أنفاسه الأخيرة و أنا أعرف أن هذا الطريق لا يرتاده الكثيرين لوعورته"
"انتظر…" صاح الرجل بهلع
"سامحني فأنا مستعجل فأخوالي ينتظرون" قال بخفة و هو يضحك
فهو اختار الطريق الأصعب لا ليؤخره فقط و لكنه علم أن فرسه الهزيل لن يحتمل المسير في هذا الطريق فكيف هي الحال إن كان هو يركض بسرعة!