الفصل الثاني والعشرون
لا أرض تحتويه
كان مستعداً للرحيل و لم يعرف ارضاً تحتمله وهو "إبن الساحرة"، "الغريب"،"الوثني" ، "الأمير الملبوس" و اخيراً "ذئب الخلافة"، و لكنه بعد تلك المواجهة كيف سيبقى فربما رحب به أخواله و لكن دواخلهم فضحت من خلال خاله عيسى و الذي امتن له لصراحته المهينة!
حاملاً متاعه التي كانت اساساً قليلة خرج و هو يودع دهاليز القصر الذي استقبله ليومين شعر انه رأى فيهما الكثير . و لكن شعور اليتم المر الذي أصابه عندما علم بوفاة مربيه تركه محبوساً في روحه باحثاً عن الأمان! فوجد أن الرحيل كان أسلم لكرامته التي شعر أنها مهدورة بفجاجة، لوحدته العطشى الباحثة عن ماء الإنتماء. حد هذا اليوم ينكر أنه تاه في تلك الدهاليز باحثاً عن الهروب مجدداً تلك الليلة، لم يعلم من ماذا كان يهرب مجدداً و لأي أرض فقد رفضته جميع الأراضين التي عرفها، و لكنه فعلاً تاه لأن القصر كان مصمماً ليتوه العدو ان هاجم القصر فيحمي من فيه من نساء وأطفال. و بذكر الأطفال كانوا قد خرجوا له من اللامكان التوأم أبناء خاله موسى
"أيها العربي" قال الأول
"توقف" عندك قال الثاني
هو توقف لوهلة لكنه أكمل طريقه وهو يسيطر على دقاته المرتعشة و التي اضطربت بسبب ظهورهم المفاجئ، سمعهم يتكلمون بلغتهم و لكن هذه المرة باللكنة الرقيقة كان يحاول أن يلتقط شئ من الهمس فالتقط بعض الجمل
"زا هاليم"
"زا إيلاس دارفا مولغ، سافيكا نيم دارفا تو"
"أورِم زاكيرا؟"
"ناخ، ليفيه، غادير زايخا" قالها احد الطفلين باللكنة الهمجية
هنا فقط شعر أنهم يسخرون منه فنبنرتهم كانت فيها الكثير من السخرية فالتفت لهم و هو يرى طفلين متشابهين بعيونهم الخضراء الواسعة و شعرهم الأشقر النحاسي لم يستطع ان يفرق بينهم و لكنه لاحظ نظرة السخرية في كلامهم و اعتقد ان الكلمة التي التقطها سابقاً واصمتتهم ستكون مناسبة
"ناكورتا"
قالها و قد خرجت ثقيلة لم تكن كما تفوهت بها والدة الطفلين، لأنهما غرقا في ضحك مرير بعدها حتى انه خاف ان يفضح أمره و لكي يداري كبريائه المهدور قال:" هذا يكفي لا تتبعاني"
"و لكننا كنا نقول بأنك ستتوه " قال أحد الطفلين
"ستتوه" كرر أخيه خلفه
"لن اتهوه" قال بثقة و أكمل:" عودا للنوم ولا تزعجاني"
"نريد ان نراه" قال بعنين لامعتين
" ماذا؟" سأل باستغراب
"زالونو"
"يقصد أخي الحصان الأسود" رد الأخ الآخر متمحساً
"حسناً خذاني للإسطبل" قال بابتسامة خبيثة وقد وجد طريقه دون ان يتوه
وجد الطفلين يقفزان بحماس، فصاح الأول
"اتبعنا"
و أكمل الثاني
"دارفتا إهت"
و التي بالطبع خمن عتبة معناها وتبعهم يمشي خلفهم و هم يسيرون متحمسين حتى وصلوا للاسطبل الداخلي حيث لم يحرسه أي من الجند لم يكن الحال في قصر الخلافة هذه الفروقات كانت معقولة و لكن في نظر عتبة كانت غير مفهومة! كانت جميع الأحصنة تغط في نوم عميق سواه، حيث وقف الأدهم شامخاً و قد اشتد جسده، و أذنيه راحتا تتذبذبان في كل مكان، و علم عتبة أنه عانى من تغير محيطه مثلما هو عانى ! راح عتبة يشعل السراج و من حوله الطفلان يتقافزون بحماس فقال لهم:" اهدؤا ستخيفون بقية الأحصنة"
و لكنه سرعان ما انتبه لحماس الأدهم الذي راح يصهل معناً عن سعادته، توجه له و هو يخرجه
"ماذا تفعل؟" سأل أحد الطفلين بشك
تنفس عتبة وهو في نيته تدور كل نوايا الرحيل فقال :"سأرحل"
"و ستأخذه معك؟" قال الطفل الآخر محبطاً
"اترك زالونو معنا" قال أخيه
"لديكم الكثير من الأحصنة هنا" قال هو يشير على ما في الإصطبل
" لكنه.." قال الطفل باحباط
"لماذا تنادونه زالونو؟" سأل عتبة و هو يغير الموضوع
"لأن لونه مظلم"
"تعني أدهم؟" قال عتبة بسخرية
"أدهم؟" سأل الطفل بفضول
"نعم اسمه الأدهم أي شديد السواد" قال عتبة شارحاً
"لهذا نسميه زالونو" قال الأخ الآخر
"و ماذا تعني؟" سأل عتبة
"اي شئ لونه أسود" رد الطفل
"يبدو أننا نفكر بشكل مشابه" قال عتبة ضاحكاً و كانت هذه ضحكته الاولى منذ زمن و أكمل و هو يسأل:" أيكم نوح و أيكم ياسين؟"
"لن تعرف كيف تفرق بيننا" ضحك الأول
"و لكننا نستطيع ان نخبرك بالسر" أكمل الأخ الآخر هامساً
"اذا بقيت و سمحت لنا باللعب مع زالونو" قال الطفل بخبث و كأنه يساومه، لقد كان لهذان الطفلان مستقبل مذهل في الدبلوماسية و المساومة.
و من حيث لم يحتسبوا جاء الصوت من خلفهم و الذي جعل الجميع يقفز برعب و عتبة و في ردة فعل عفوية أشهر سيفه و لكن الغريب الذي دخل كان قد استطاع أن يكتف عتبة و يرميه ارضاً بسرعة، و الذي ما أن وجد نفسه ارضاً كان سيحمل نفسه ليكمل المعركة فيعيد كبرياءه المهدور و لكن كان الذي يقف أمامه خاله عيسى و الذي وقف أمام الجميع بنظرة لم يغب عنها الانزعاج و لكن سيد نظراته كان الشك الذي أحاطه به.
فسأل ببرود جعلهم جميعاً يرتجفون خوفاً حتى عتبة الذي ينكر الأمر ان سئل عنه اليوم:" ماذا تفعلون؟"
"كنا…" قال الطفل الأول بتردد
"انه زالونو…الأدهم…كنا نريد ان نراه" قال الآخر وهو يستجمع شجاعته
"هيا اذهبوا جميعكم لغرفكم" قال بأمر
"و لكن.." قال أحد الطفلين باعتراض و الذي كان الأشجع بين الأخوين
"نوح" قال الخال بحدة جعلت الطفل يستسلم، و هو في طريقهم يتحركون عرف بالصدفة الفرق بينهم نوح لديه خصلة بنية واضحة وسط شعره الأشقر اما ياسين فلا، لم يكن متأكداً و لكنه ظن انه السر الذي كانوا سيبوحون به، كان سيهم بالخروج معهم ليعود لغرفته و يفكر في طريقة اخرى للرحيل
"هل كنت تنوي الرحيل" قال خاله اخيراً
وقف في مكانه وهو ينظر له بغضب فهو لم ينسى الإساءة و كان يعتقد أنه لا يوجد من سيوقفه من العراك مع خاله الذي علم منذ دقائق أنه قادر على قتله و هزيمته بكل سهولة، و لكنه قال بكبرياء:" لا أعتقد أن هذا يهمك"
"أنت جبان" قال خاله بنبرة مستفزة
"تعلمت الشجاعة منك" قال بنبرة مشابهة ولاحظ معها ارتجاف جسد خاله في غضب مكتوم و أكمل:" سمحت لهم بقتل أختك"
هنا فقط بقيت معركة النظرات بينهما و انتهت بجملة
"و هل استطعت حماية زوجة أبيك منهم؟"
هنا فقط وجد عتبة نفسه يقفز في غضب مستعداً بلكمه و لكن خاله تفادى الضربة و كأنها كانت لعبة مسلية بالنسبة وقال بهدوء:" لست نداً لي يا ولد احمل حصانك و غادر"
لقد كاد يهيم و ينسى سبب مجيئه لآسترا و لكن خاله الشخص الذي كان سيكون سبب في رحيله كان هو من أعاد له رشده وذكره بسبب وجوده و عناده. كان سيبقى لأسباب كثيرة أحدها كان مكان زوجة أبيه و مصيرها لم ينوي ان يستسلم ابداً لم يكن جباناً وسيثبت الأمر لخاله عيسى.