30 - في قصر الشجعان الكثير من الفئران

الفصل الثلاثون

في قصر الشجعان الكثير من الفئران

عشقت رفيدة مسؤوليتها الجديدة فهي وإن كانت مسؤولية شاقة و لكن وجدت نفسها تقف أمامها و ضميرها يلح عليها لإتقان هذه المسؤولية إلى جانب مهمتها الأساسية! فهي بشكل ما وجدت في ما عرض عليها مهمة جانبية مهمة لم تستطع أن تتجاهلها.

تذكر ليلتها الأولى في قصر الهوانم، و أنغام النوافير لا تنام و الهدوء صاحبته هذه الموسيقى العذبة والتي تركتها في أحلام يقظة لا متناهية، أحلام وجدت نفسها بها في واحة الغانمة سعيدة حولها الأولاد يلعبون بمرح و سارة تقدم لها الفطور وباب الدار يفتح و هي تتوقع قدوم جنان و لكنها تفاجئ بالصوت الحنون فتصيح

"ظنناك ميتاً يا قتيبة"

شعرت بوخزة في زندها! فتحت عينيها على واقع مر، مسحت تلك الدموع و الحلم يلازمها، راحت تمسك مكان الوخز و تذكرت الخنجر! أخرجته و هي تتأمله و قلبها تصيح

"أنت السبب في كل دموعي.. حتى اليوم"

راحت تبحث عن شئ تطهر به الجرح الذي تركه الحنجر على زندها!، هرعت لحقيبتها و أخجت علبة دائرية أنيقة، نظرت للمسحوق، اعتادوا في الواحة الغانمة ان يستخدموا المسحوق للكثير من الاستخدامات اليومية و التجميلية و العلاجية! و تعلمت من مكان ما بأن هذا المسحوق يساعد على وقف النزيف و تعقيم الجرح! تذكر في طفولتها أنها سقطت من أحد أغصان شجرة الرمان و كانت النتيجة الجرح الذي يشبه النجمة فوق حاجبها الأيمن وعلاجها كان المسحوق و بعدها خياطة الجرح! و تتذكر شئ آخر كان له علاقة بالمسحوق و الخنجر و لكن بقيت ذاكرتها معطلة، لا تتذكر تحديداً متى حدث وكيف و لكنها تتذكر كم كان قتيبة غاضباً منها!

خرجت من هواجسها تلك وقد انتهت من تنظيف جرحها البسيط و تضميده ،وبقي في الأفق صوت، يخترق وحدتها ليصدح بوجوده! كان البحر، ركضت ناحية المشربية الجميلة التي احتلت غرفتها الجديدة! ابتسمت بخفة و هي تتنفسه في رئتها و باحثة عن رائحته، وكان هناك ببهائه ينظر لها و تنظر له من غرفتها الجديدة في الطابق الثالث، لم تبالي بالبرد الذي دخل للغرفة، ولا للقمر الذي راح يقاوم الغيوم، فالبحر سرقها كلها! علمت لحظتها ما كان ينقص هذا القصر الأنيق الرقيق! كان يفقد للحياة، سيدة الدار كانت حزينة، غائبة في همها تصارع لساعة مع أبناؤها، تعلم رفيدة كيف تبدو الدار التي تعاني من الفقد فهي شهدت على كل هذا! و للفقد أشكال عدة وهي في ذلك اليوم شهدت شكل آخر بشع من أشكاله! فالسيدة سلمى كانت بالقرب من أبنائها بل إنها قد تسمع أصواتهم و لا يفصلها عنهم سوى باب! و لكن لم تستطع أن تلمسهم او تشبع من حضنهم بشكل لائق! شعرت بالألم لهذا الحال بل لم ترضاه!

و مجدداً ولأنها رفيدة ابنة غياث الهيساني وجدت نفسها تعاهد نفسها أن تقف في وجه الظلم فبقيت العدالة عدالتين في الطريق الذي اختارته! قررت اخيراً بعدما انتهت من لقاؤها مع البحر بأن تصلي ركعتين تشكر الله وتحمده وتناجيه وتطلبه أن يزرع الخير في طريقها و يباعد بينها و بين الشر! نامت بعدها تحلم بأحلام الإنتصار و هي لم تخطط سوى لشئ واحد في الصباح أن تكون عوناً للسيدة سلمى وان تجد حقيقة إعدام قتيبة!

في الصباح التالي استعدت ليومها نشيطة منتعشة، كانت متحمسة لمقابلة الأمراء و في عقلها المهمتين ربما تعاركتا ولكن بقي همها واحد! أن تحقق عدالة و تجلبها لمن تجرعوا الفقد. نزلت لتقابل السيدة مريم و التي أخبرتها "ضعي في عقلكِ أنكِ ستقابلين المسؤولين الحاليين عن الأمراء، و هم ثلاثة، من ديوان الخاصة و ديوان الحجاب و ديوان الحرس"

"ما الذي يتوقعونه مني؟" سألت رفيدة

وجدت مريم تبتسم لها وهي تقول:" أنتِ ذكية يا رفيدة و تفهمين دون شرح " و أكملت بنبرة جادة و هي تتنهد:" يتوقعون صمتكِ"

"و الذي تتوقعونه مني…." قالت رفيدة بحذر

"بصراحة ان كل ما تطلبه مولاتي و مناها هو وقت مع أطفالها " قالت مريم ببعض الحزن و أكمل بنظرة حادة:" أهم شئ هو سلامة الأمراء يا رفيدة "

"حاضر يا سيدتي" قالت رفيدة و أكملت:" اسمحي لي سأذهب لمقابلة الأمراء"

"دعواتي معكِ" قالت مريم بابتسامة شابها القلق و أكملت بتشجيع:" سأتوقع منكِ تقرير مفصل"

"حاضر" قالت رفيدة بحماس

"وأمر آخر" قالت السيدة مريم و أكملت بانزعاج:" انتبهي من السيدة هناء فالحديث يطير من فمها"

اومأت رفيدة برأسها

خرجت و توجهت في الممرات حيث واجهتها الفتاتان نعيمة وزهرة و اخيراً توقفتا أمام الحرس

فقالت لها زهرة:" بالتوفيق أيتها المعلمة"

"سندعو لكِ جميعنا" قالت لها نعيمة

ابتسمت لهم رفيدة و قد بدأ توترها يسيطر عليها مع أنها لم تكن متوترة في بداية يومها و لكن تصرف الجميع تركها متوترة! و لكنها تنفست و هي ترتدي قناع القوة، سمت بالله فهي كما اوحوا لها ستقابل شياطين بشرية، لحقت بالحارس الصامت حتى وصلوا اخيراً ، وقف ثلاثة أمامها، كانت لصدمتها وجوه مألوفة!

"بدير ابن الأجشم" من ديوان الخاصة

"مجيد الأخرس" من ديوان الحجاب

و من ديوان الحرس وقف رجلاً بدين كان أكثر شباباً ربما في ثلاثينياته و لكنه حمل تعابير متملمة

"السلام عليكم" سلمت بتهذب

"و عليكم السلام" قال بدير و أكمل بابتسامة واسعة خبيثة:" كيف حال معلمتنا؟ هل نمتِ جيداً أم أن صوت النوافير ضايقتكِ؟"

"صوتها ناسبني يا سيدي " قالت بإبتسامة خجولة خبأت تحتها خبثاً لأنها أكملت و قد تعلمت درسها من محادثة البارحة:" و لكنها قد لا تناسب من له آذان كبيرة يا سيدي"

مع أنها لم تقصد آذانه الكبيرة ظاهرياً و لكنها وجدت وجهه الوقح المبتسم يتحول لتكشيرة أكبر!

"حسناً دعينا ندخل في صلب الموضوع" قال بجدية سمعت فيها احباطاً، و حينما رأت جدية بدير علمت أن الأمر لن يكون هين! فقالت بهدوء:" و نحن واقفون هنا؟"

" تريدين ان نعود لذات الغرفة التي استقبلناكِ فيها؟" سأل بدير بسخرية خبيثة

"لا و لكني بحاجة لرؤية القصر كاملاً" قالت بهدوء وهي تفكر بجدية في مسؤوليتها الجديد وكيف ستتدبر أمرها

هنا وجدت بدير و الحارس يضحكان اما الاخير فجلس صامتاً! و لكنها لاحظت ابتسامة خفيفة ساخرة

"من تظنين نفسكِ؟" قال بدير من وسط ضحكاته! أغضبتها ردة فعلهم و لكنها وقفت أمامهم محتارة فهم لن يساعدوها

"تستطيعين مقابلة الأولاد…السيد فداء سيرافقكِ فهو كبير حرس الأمراء و لكن لا تتوقعي أكثر من هذا" قالها بدير بوقاحة

ابتلعت ريقها لتقاوم ذلك الشعور من الغيظ لم تكن تريدهم أن يروا ارتجاف شفتها بفعل غضبها ، فكانوا كما قالت مريم يتوقعون صمتها! مع أنها جاءت للقصر وهي تريد أن تتوارى عن الأنظار و لكن وجدت نفسها في مواجهة مع بعض الكبار الحمقى!

و هي تعلمت درساً من الصبر فاختارت صمتاً مؤقت حتى تدرس القوم و طباعهم والوضع هنا و تختار اي قناع ترتدي معهم ولكن كل ما وجدت نفسها تعود له هي رفيدة الأصلية فهي من كانت تمدها بالقوة.

مع ذلك بقي هذا الشعور قاهر فقد ساقوها ‏كالغنم و هي لم تقاوم طويلاً ولم تجادل فهي اليوم جاءت بهدف واحد

الأمراء الصغار

مشت خلف الرجل الذي قال بأنه كبير الحراس لم يكن الطريق طويلاً و لكن مرافقها كان سمجاً ثقيل كوزنه فهي لم تفهم كيف يمكن أن يحرس الأمراء الصغار وهو يفتقر للرشاقة! و بدى لها ابلهاً و بطيء! علمت ان مهمتها في تغيير الكثير وأولهم هذا الثلاثي لن يكون سهلاً أو مفروشاً لها، عليها أن تزيل العقبات وتزيل الشوك من طريقها! كانت تسير خلف الرجل وجدته فجأة يتكلم و هو يعتقد أنها تسير بجانبه، سمعته يقول :" إن فكرة المعلمة لم تدخل عقلي" وأكمل وهي خلفه و وجهها قد رسمت علية نظرة اشمئزاز:"وأنا أعرفكن أنتن النساء كل همكن المال الذي يأتي من ظهر الزوج الثري… وأراهن القصر مكان جيد لتنتقي زوجاً مناسباً"

أخذت نفساً و هي تتوقف، تركته يمشي وهو يهذي بحديثه السخيف، و هي في عقلها تغازلها الرغبة الملحة

"هل أخرج الخنجر فاقطع لسانه الطويل هذا؟"

فالحمقى لم يفكروا بتفتيشها اصلاً! علمت مدى الفوضى و الإهمال في هذا القصر المهم و الحساس! فهم كانوا واثقين انهم في اليوم الأول قد اخافوها بما فيه الكفاية و هي ستصمت كما توقعوا منها!

اخيراً وجدت الرجل يلتفت لها و كأنه انتبه لها و شعر ببعض الغضب لأنها لم تسمع كل هرائه

"هل سمعتي ما قلت؟" سألها بغباء

"هل كنت تتكلم معي يا سيدي؟" سألت بلطف خبأت خلفه بروداً

وجدت الرجل ينظر لها باستغراب وكأنه لم يكن يتفوه بحماقته قبل قليل وقال:" نعم مع من أتكلم"

"أنا آسفة لم أسمع حرفاُ مما قلت" قالتها بنبرة بريئة و هي تنظر لعينيه الكريهتين مباشرة!

لم يخبره أحد من قبل أنه فاشل و ربما جامله أقرانه بسبب مكانته و ضنت أن هذه ستكون مهمتها أن تريه مكانته الحقيقية! وجدته اخراً يقول بإحباط خبأه خلف الوقاحة:" تبدين بطيئة فلا خوف منكٍ"

ابتسمت له ببلاهة فهي قصدت أن تعطيه هذا الأمان

كان قصر الأمراء يطلق عليه "قصر الشجعان" لم يكن بحجم قصر الهوانم فهو كان بمثابة ملحق لقصر الهوانم ففي الماضي قضى أغلب الأمراء وقتهم أطفالاً في قصر الهوانم اساساً.

‏وصلوا أخيرا لغرفة بدت من الخارج متوسطة الحجم ولكن عندما دخلت إليها لاحظت بأنها غرفة كبيرة كفاية و لكنها شعرت بالاحباط من رؤيتها فالألعاب استلقت باهمال، و الكتب والأوراق في كل مكان بل حتى الملابس المتسخة كانت ترقد في الزاوية! و اعتقدت أنها رأت بقعة حبر على السجاد الثمين، من المفترض أنها الغرفة التي يقضي فيها الأطفال أغلب وقتهم، وعلمت بأن هذا لا يعود لطبيعة الأمراء ولكن لأن هناك إهمال شديد ممن من المفترض أن يهتم بها.

أخذت مقعداً و جلست عليه براحة وقالت للرجل الذي وقف امامها بوجهه الغبي

"أين هم الأمراء الصغار؟ سأكون بانتظارهم أرجوك أحضرهم هنا"

وجدت رجل ينظر في غيض هو يصيح :" هل أنا خادم؟

ردت بنبرة معتذرة مزيفة فيها من الهلع:" اووه… أعتذر بشدة يا سيدي لم أقصد ذلك و لكنك حارسهم… فأرجوك أخبرهم بأنني أنتظرهم"

وأخيرا سمعت ضحكات تنطلق من الممر 3 أطفال و خلفهم خادمة تمشي الهوينا ووجهها مليء بالبرود و الحنق! علمت رفيدة بأنها كانت تكره عملها و ليس لديها طاقة عليه! ولا تدري كيف سمحوا لها بهذه الحالة بالاقتراب من الأطفال!! انتبهت رفيدة أن الأمراء قد امتلأت وجوههم بالطين و شعرهم بالأعشاب، بل ان ملابسهم فوق بعثرتها لم تكن منسقة بشكل صحيح.

نهضت بهدوء من مقعدها و راحت ترمق الأولاد ، جميعهم كانت لهم شعور سوداء و بشرة حنطية و عيون سوداء الا الصغير عمر كان يمتلك عيني والدته البنية، زيد و سليمان وعمر كانت تعلم بأن زيد في السابعة من عمره وأما سليمان فهو الأوسط فكان تقريبا في السادسة وأما عمر فكان كما علمت أنه في الثالثة، و رأت وضوح الخوف في أعينهم! إذ أن الأكبر تقدم و هو يحمي الصغار وأما الأوسط و الذي حاول المجرم إغراقه فوقف و كل ما فيه يرجف و بقي الصغير الشجاع يمسك أخيه الأوسط باحكام كأنه يواسيه بطريقته الطفولية ولكن لاحظت بأن احدى عينيه تغطت بشاش بسبب ذلك المجرم و تحطم قلبها أمامهم، ذابت في خوفهم هذا و هذا جعلها كالمجنونة تفيض غيضاً و لكنها كتمته تحت ردم الأقنعة ببراعة! صغار وحيدون لم يعرفوا أماناً كان هذا واضح في ردة فعلهم تلك.

تنفست وهي تشد على عينيها و تعض على لسانها لتذكر نفسها أن لا تزل ! فقالت بصوت تحكمت به بصعوبة: " أرجوك يا سيدي…. أنت وهذه الخادمة يمكنكم ان تغادروا"

لم تطق النظر في وجه أي واحد منهم في تلك اللحظة و لكن الحارس الوقح راح يقول باعتراض:" إن مهمتي هي حماية الأطفال"

كتمت ما في قلبها و لكن فرط منها فقالت ببعض العنف:" ولكن يا سيدي يبدو أنك لم تجد مهمتك بإتقان… لا تقلق سأتأكد من حمايتهم بنفسي"

وجدت ملامحه تتحول للصدمة و لكنه سرعان ما خضع هو يقول بغضب وهو يغادر مجبراً:" سأغادر الآن و لكن سترين…سأرفع الموضوع للسيد بدير "

و خلفه خرجت الخادمة المهملة، و السيد بدير هو التالي فقط لتعرف ما ارتكبه في حق هؤلاء المساكين ستعرف كيف تعيد تربيته.

عادت تنظر للأطفال بنظره متفحصه و بعدها كشرت وهي تقول بغضب مصطنع:" من فيكم فعلها؟"

قابلتها اولاً حيرة ثم خوف و اخيراُ وجدت الكبير يتحول وكان مستعداً لضربها كانت متأكدة من ذلك، فسرعان ما تحولت ملامحها لابتسامة رقيقة و هي تمسك بوجه عمر الصغير وهي تقول:" هل أنت من فعلها أيها الأمير عمر؟"

وجدت الصغيرة ينظر لها بتعجب و هو يحاول ان يتذكر ما فعله وقال بتردد وبعض الخوف:" ماذا ؟"

"هل أنت الشجاع الذي ضرب المجرم ؟" قالت وهي تضحك

وجدته اخيراً يبتسم وهو يصيح بحما:"أنا فعلت ذلك"

كان سليمان يرتجف في مكانه وكأنه تذكر كل ما حصل له! الصغير المسكين! بقي كأس غضبها يمتلئ، حتى طفح شعرت برغبة في الصراخ و لكنها اختبأت خلف ابتسامتها وهي تقول:" و أنت البارع الذي يجيد السباحة"

وجدت وجهه تعلوه نظرة استفهامية وهي يحاول ان يفهم ان كانت المعلمة الجديدة تسخر منه ام ماذا؟ فقال بتردد:" ولكنني … لا…لا …أ…أ…أ…أجيد السسسسباحة"

تلك كانت تأتأة و لم تعلم إن كانت من طفولته أم بفعل خوفه! أخذت نفسها وهي تذكر الله لكي لا تصرخ، امتلأت معدتها بكل ذلك الغضب

فقالت بحماس:" و لكنني سمعت أنك تستطيع ان تكتم أنفاسك تحت الماء لوقت طويل"

"صح…ححححح…يح " قالها الصغير بتردد شديد وهو يفكر

وأخيرا نظرت للكبير الذي كان يبدو الأكثر عناداً و لكنها كانت بارعة في كسر الحصون ولم يختلف زيد كثيراً عن صهيب ولذلك نظرت له وهي تقول:"إذاً أنت الكبير"

" نعم " قال بفخر و أكمل و هو يسأل:" هل أنتِ المعلمة الجديدة ؟

"صحيح أنا معلمة في الحساب"

"نحن لا نحتاج معلمة حساب أرجوكِ اخرجي" قال بوقاحة

"سأخرج ولكن بشرط" قالت بمرح وهي تجاريه

وجدت وجهه يتحول من العدائية للاهتمام

"تكلمي"

"سأعطيك لغزاً ان استطعت ان تحله …"

وجدته يقاطعها وهو يقول:" قلنا أننا لا نحتاج لمعلم حساب"

" ومن قال بأن لغزي يخص الحساب يا مولاي الأمير" قالت

"يخص ماذا اذاً ؟" سأل باستغراب

"ما هو الشيء الذي يُكسر إن نطقت باسمه؟" سألته و هي ترفع حاجبها

وجدته يقلب حواجبه و هو يعصر عقله و يفكر

"ال…..صصصصص…صمت"قالها سليمان بثقة

"صحيح"قالت بحماس

"لقد أجبنا على لغزكِ السخيف" قال زيد و هو يحاول دفعها للخروج

و لكنها وقفت أمامه تعلو وجهها نظرة عتاب، لاحظت خوفه منها و لكنه استجمع نفسه، فقالت:" لم أتوقع هذا منك أيها الأمير زيد… أيخلف الأمراء العادلين وعودهم؟"

"و لكننا أجبنا…" قال بصدمة

"الأمير سليمان أجاب و ليس أنت"قالت بتوضيح

وجدت نفسها تتنهد وهي تخرج:"حسناً يبدو انني سأخبر مولاتي سلمى أن الأمراء رفضوا درسي "

"أمي" صاح الأمير زيد

"أجل" قالت بثقة

"هل…هل تستطيعين… مممممممقابلتها؟" سأل و شعرت بقلبه قد يطير من الحماس بأي لحظة

"أجل و أستطيع ان اوصل لها ما تريد فأنا لا اخلف وعودي"

"أأأأ….ررريد ….أأأأأن أكتب …لللللها" قال الأمير سليمان بحماس

"ما رأيكم أن نكتب جميعاً لها رسالة وأنا سأتأكد من ان اوصلها واليوم لن يكون هناك درس" قالت بحماس

"أنا..أنا" وجدت عمر يصيح بحماس لم يكن يجيد الكتابة بعد ولكنه بالتأكيد كان سيصل لشئ يفرحها!

"و أنت يا زيد؟" سألت و هي تترقب جوابه وجده يشيح نظره بخجل فهي تمكنت من اقناعه بشكل او بآخر.

وجدت محاطة بهم بأوراق كثيرة تبعث في كل مكان، فجأة سمعت الأمير زيد يقول:" أنتِ لن تقرأي ما كتبنا؟"

"بالتأكيد لن أفعل ستضعونها في ظروف و سنقفلها بالشمع" قالت و هي تنظر له بحنان

وجدته يبتسم براحة و لكن سرعان ما عاد وجهه للتكشير وهو يقول:"أنتِ لا تكذبين"

"لا أكذب ولا أخلف وعداً" قالت بثقة

وجدت الأمير عمر جالساً أمام الاوراق محتاراً فهي علمت انه لا يجيد الكتابة كاخوته ، فزيد يستطيع الكتابة و سليمان كان أذكى من بقية اخوته و سريع التعلم لهذا هو كان يستطيع ان يكتب.

" هل تريدني ان أساعدك؟" سألته بلطف

"تكتبين لي الرسالة" قال عمر بحماس

"لا بأس فقط قل لي ما تريد قوله

"إلى أمي الحبيبة…أنا عمر أنا أحبك و أحب أبي جداً جداً جداً …أحب رؤية وجهك كل يوم و لكن لا أستطيع لذى دعوت الله أن أراك قريباً"

تذكر رفيدة كم تحطمت من الحزن وهي تخط هذه الحروف و لما جعلها تحزن هو ردة فعل مولاتها فهي ذلك اليوم حملت كل تلك الرسائل المعبئة بالشوق و الكثير من الأحاديث بحرص خبأتها في ملابسها.

فهي ما ان وصلت لقصر وجدت السيدة مريم بانتظارها و عينيها تنطق بالكثير من الأسئلة!،

"كيف كان يومكِ؟" سألتها

"جيد" قالت رفيدة

أكملا الطريق في الممر و علمت أنهم سيتوجهون لغرفة البحر، وجدت السيدة مريم تقول:" لقد اشتكى الأحمق بدير"

"من ماذا؟" سألت رفيدة وهي بالفعل تعرف الجواب

"لقد طردتِ الحارس" قالت السيدة مريم و هي تضحك

"ما معنى وجود الحارس وقت الدرس يا سيدتي؟ أنا لا أعرف العمل بوجوده يقف على رأسي" قالت رفيدة بصراحة

"لقد تصرفت معه و لكنه قد يبحث عنكِ في الغد" قالت السيدة مريم

و مع جملتها كانوا قد وصلوا اخيراً للغرفة

"ان الآنسة رفيدة هنا يا مولاتي" قالت مريم بتهذيب

وحدت رفيدة السيدة سلمى تنظر لها بعينين تشعان شوقاً و هي تقول بلهفة:" هل قابلتيهم؟"

"أجل" قالت رفيدة

"كيف كانوا؟ هل هم بخير؟" سألت و هي تبحث عن إجابة تشفي ما في قلبها من قلق، تنهدت رفيدة فهي لم يعجبها شئ في ذلك المكان لاحاله ولا حال الأولاد و لكنها ردت:" ستعرفين حالهم من رسائلهم يا مولاتي"

وجدت لحظتها السيدة تنظر لها فأخرجت الرسائل و سلمتها لها، راحت الأم الملتاعة بحرص تفتح الرسائل الثلاث بعناية حاولت ان تكون رقيقة مع الورق خافت ان تجرح الأوراق التي لمسها أطفالها، كانت رفيدة تتأمل تقلب ملامحها مع كل حرف تقرأه، و كل دمعة راحت تمسحها و اخيراً قالت مع آخر رسالة بنبرة منكسرة كلها حسرة:" إنهم صغار ليقاوموا كل هذا و لكنهم…"

"سأتأكد يا مولاتي من سلامتهم و من الآن فصاعداً تأكدي أن الأمور ستتغير" قالت رفيدة بثقة

"بإذن الله يا ر فيدة" قالت الملكة و هي تمسح دمعتها الأخيرة و قد قالت بإصرار:" عليكِ ان تفهمي يا رفيدة انهم مهما ضغطوا عليك فأنت لديك اليد العليا فمولاي سيطلب منكِ تقريراً بالأوضاع… لذلك لا تسمحي لهم باضطهاد صلاحيتك…فهناك أنت المسؤولة لا هم"

تذكر رفيدة أنها عندما عادت غرفتها كانت قد انفجرت أخيراً فهي طول اليوم كتمت غضبها بما في الكفاية!فهي ما ان حطت قدمها في الغرقة وجدت نفسها تلقي بنفسها بعنف على السرير لتغوص في مخدتها تصرخ، صرخت كل قهرها و غضبها من هذا الظلم! من ما فعلوه بالأولاد و ما فعلوا بزوجة الخليفة!، تخيلت ان يكون قتيبة قد عانى في هذا المكان هكذا! بالتأكيد عانى و قتيبة الذي تعرفه لم يكن سيصمت عن ظلم أو حق فهو من علمها لتكون الصوت الصادح مهما كان. و في الصباح كانت قد بدأت خطة انتقام محكمة فجملة السيدة سلمى كانت واضحة، لن تسمح لهم باضطهاد صلاحياتها او منعها من ممارسة عملها باتقان.

2025/06/19 · 4 مشاهدة · 2873 كلمة
رملة
نادي الروايات - 2025