يبدأ يوم كليف منذ الفجر المبكر.

أكمل كليف تدريباً بسيطاً بالسيف ثم استحم وتوجه إلى مكتبه لمعالجة الأوراق.

مرّت أربع سنوات منذ أن أصبح كليف، البالغ من العمر عشرين عاماً هذا العام، الوريث الرسمي لعائلة الدوق ويكيند، لكن لم يتغير شيءٌ كثيراً لأنه كان يساعد في معالجة أوراق الدوق منذ وقت طويل قبل ذلك.

تناول كليف شاياً فاتراً مع الصباح. و واصل معالجة الأوراق ثم وضع قلم الريشة جانباً للحظة، فتفقّد سطح المكتب لكنه لم يجد المواد التي يحتاجها.

كان كليف على وشك سحب حبل الجرس لكنه تذكر أنه لم ينهض من كرسيه ولو مرة واحدة منذ الصباح حتى اقترب الظهيرة. ففكر بأنه لن يكون سيئاً أن يذهب بنفسه إلى المخزن ليحرك جسده قليلاً.

اتخذ كليف قراره وغادر المكتب متوجهاً إلى المخزن.

"سيدي، مرحباً بك."

تجاوز كليف تحية المشرف الخرقاء ووقف عند الرف الذي يحتوي على المواد التي يبحث عنها.

و عثر أخيراً على المواد وهمّ بالعودة.

لكنه شعر بحركة ما، فعاد إلى المكان الذي أخرج منه الأدوات ووقف هناك مرة أخرى، ثم أمال رأسه قليلاً فرأى الرف المقابل.

كانت أورتي جالسةً هناك على إطار النافذة. نائمةً على ما يبدو، مغمضة العينين بهدوء وكتاب مفتوح بين يديها.

"كليف."

سمع همسةً رقيقة في ذكرياته.

"يبدو أن كليف يحب الكتب حقاً، أما أنا فكنت أكره القراءة عندما كنت صغيرة."

كانت اليد التي تداعب رأسه دافئة.

"أعتقد أنني أفهم الآن ما قصده الدوق بأنه لا داعي للقلق بشأن كليف."

نزلت تلك اليد إلى خده.

كان خده متورماً ومحمراً بسبب الضربة التي تلقاها لأنه تمسك بطرف فستان الدوقة ويكيند.

شعر بدفء الجسد، ثم لم يعد خده يؤلمه بعد الآن.

"ها، كيف تشعر الآن؟ لم يعد يؤلمكَ، أليس كذلك؟"

"نعم."

سُمع صوت ضحكة خفيفة.

"كليف، أنا فخورةٌ جداً بكَ وبوقارك، لكن لا بأس أن تتصرف ببعض الدلال."

"حقاً؟"

"بالطبع."

كانت تلك المرأة رقيقة.

حتى الدوق ويكيند، الذي كان دائماً يتشاجر مع والدة كليف الحقيقية، أصبح يبتسم أكثر.

لكن الدوق عاد ليصبح عصبياً كلما زاد وقت ضحك تلك المرأة تدريجياً.

كانت تلك المرأة تحب أشعة الشمس.

في الأيام التي لم تتحسن فيها الأحوال الجوية بعد، كانت تجلس على إطار نافذة المخزن، حيث تتسلل أشعة الشمس بأفضل طريقة، وتنام هناك.

لكن كليف كان يخاف من ذلك.

لأنها بمجرد أن تغفو مرة واحدة، لن تستيقظ مهما حاول إيقاظها، وهذا ما حدث.

"......!"

انتزع كليف نفسه من أفكاره، ثم تقدم بخطوات واسعة وأمسك بمعصم أورتي وسحبها بقوة.

"آه!"

تهاوت أورتي من إطار النافذة مع صرخة خفيفة، ثم رفعت رأسها وهي تضيّق ما بين حاجبيها من ألم نابض.

رأت كليف يتنفس بصعوبة ونَفَسِه مضطرب.

"......سيد ويكيند؟"

"لا تفعلي ذلك مجدداً"

قال كليف ذلك بصوت مرتعش دقيق.

"لا تظهرِ أمام عيني بهذا الشكل أبداً مرة أخرى."

نظرت أورتي بذهول إلى ظهر كليف الذي استدار تاركاً تلك الكلمات وراءه.

***

رفعت أورتي أدوات المائدة، لكنها توقفت لحظة بسبب ألمٍ في معصمها.

ظهرت علامة كدمةٍ واضحة على معصمها تتسلل من بين كمّ فستانها. حينها حاولت أورتي تذكر ما حدث.

لقد كانت تقرأ كتاباً في المخزن، على غير عادتها، ثم غفت، وفجأة ظهر كليف وسحبها بعنف.

عندما سقطت على الأرض، تكوّنت كدمات في معصمها وركبتها، و كانت تؤلمها كلما تحركت.

لم تشعر أورتي بالحيرة أو الشك تجاه تصرفات كليف، لكن الألم المستمر بدأ يزعجها.

كان كليف أكثر حساسيةً من المعتاد.

"آه."

توقفت أورتي فجأةً عن تقطيع اللحم.

"هل هناك ما يزعجكِ......؟"

سأل الخادم بحذر.

منذ ذلك اليوم، كان خدم في قاعة الطعام هم الأكثر تهذيباً مع أورتي.

هزّت أورتي رأسها نحو الخادم الذي كان يراقب تعابيرها بحذر. فقد تذكرت لماذا تصرف كليف بهذا الشكل.

'إنه ذكرى الوفاة.'

لم يبقَ سوى أيام قليلة على ذكرى وفاة القديسة.

كان ذلك اليوم أيضاً ميلاد أورتي، لكنها لم تنتظر يوم ميلادها قط، ولو لمرة واحدة.

في ذكرى الوفاة، كان الدوق ويكند وكليف وإيرين جميعهم يخرجون عن أعصابهم، لذا كانت أورتي دائماً تقضي اليوم كله داخل غرفتها لتتجنب أعين الجميع.

كانت غالباً لا تستطيع حتى أن تطلب من الخادمة إحضار وجبة بسيطة، فتظل جائعةً طوال الوقت.

هذه المرة أيضاً لم تكن استثناء، فقد بقيت في غرفتها.

'لا أريد أن يراني أحد.'

في السابق، كانت تخشى إثارة غضبهم، أما الآن فكانت تتجنبهم لأنها متعبةٌ ومرهقة.

كان هناك خبر سيئ آخر لأورتي، وهو أن ذكرى الوفاة و ميلاد إيرين لم يكونا بعيدين كثيراً عن بعضهما.

بمعنى آخر، بعد حوالي شهرٍ عشرة أيام من ذكرى الوفاة، سيكون ميلاد إيرين الثامن عشر.

سيكون القصر صاخباً لفترة، ومع حساسية الثلاثة جميعاً، كان ذلك أسوأ ما يمكن.

خرجت تنهيدةٌ منها ثانيةً.

في تلك اللحظة، فُتح باب قاعة الطعام بعنف.

"أيتها الدودة!"

كان إيرين، الذي يرتدي زي الصيد، و كولين الذي يتبعه وهو يتصبب عرقاً ويركض خلفه.

"هل رأيتِ الأيل الأبيض؟"

"لا."

"لم تريه؟ إنه أيلٌ أبيض كبير، ألم تريه حقاً؟"

"سيدي الشاب، من المستحيل أن تكون الآنسة قد رأته. سيكون من الأسرع أن نذهب إلى أرض الصيد ونبحث عنه."

"أنت، هل تعني أن الأيل الأبيض فك قيوده بنفسه وهرب من الإسطبل؟"

صرخ إيرين في وجه كولين.

أكملت أورتي تناول طعامها بهدوء ثم نهضت من مكانها.

"لم أرَ الأيل الأبيض قط."

كان من المفاجئ أن كايسي لم يخبر إيرين، وأن إيرين لم ينتبه لذلك إلا متأخراً هكذا.

"إذا واصلتَ سؤالي، ستضيعُ وقتكَ فقط، السيد الشاب."

"......حقاً، أنا الأحمق لأنني سألت دودةً مثلك."

استدار إيرين بسرعة.

في الأحوال العادية، لم يكن إيرين ليأتي للبحث عن أورتي أصلاً، لكن مجيئه اليوم جعلها تدرك أنه هو أيضاً أكثر حساسيةً من المعتاد.

خشيت أورتي أن تقابل الدوق ويكيند هنا أيضاً، فلم تتأخر و عادت إلى غرفتها على الفور، ومن خلف النافذة سمعت صوت إيرين الغاضب.

"مزعج......"

بسبب الصوت الذي يتسرب رغم إغلاق النوافذ بإحكام، شعرت أورتي ببعض التعب لأنه لا يوجد مكان واحد في قصر ويكيند يمكنها أن ترتاح فيه براحة بال.

حاولت أورتي قدر الإمكان تجنب لقائهم، لكن الأمور لم تسِر حسب رغبتها.

في تلك الليلة، تلقت أورتي استدعاءً من الدوق ويكيند عبر خادمه الشخصي، فتوجهت إلى مكتبه.

"اذهبي لأداء التطهير."

"متى؟"

"غداً. سترافقك إيرين في التطهير."

منذ أن كانت في العاشرة، كانت أورتي ترافق أحياناً في مهام التطهير.

على الرغم من أن قوتها المقدسة ضعيفة، إلا أنها لم تكن بلا فائدة، لذا كانت هذه المهمة من الأمور التي تحبها.

ففي أوقات التطهير فقط، لم يكونوا يكرهونها كما في الأيام العادية.

'كنت أفرح بذلك رغم أنهم كانوا يستغلونني فقط.'

لم يكن سوى ماضٍ أحمق.

"حسناً، سأذهب."

أجابت أورتي بهدوء ثم عادت إلى غرفتها.

وفي الفجر المبكر، استيقظت من النوم بسبب الضجيج وهي تستعد للخروج للتطهير.

ارتدت أورتي فستاناً عملياً مريحاً أحضرته لها سيا، ثم لفت نفسها برداء سميك.

عندما نزلت درجات القاعة، رأت كليف الذي جاء لتوديع إيرين.

"لا تُحدث أي مشاكل."

"أخي، أنا لست طفلاً، أتعلم ذلك؟"

تجاوزتهم أورتي متجهةً نحو العربة. قم أُغلق باب العربة، وسرعان ما انطلقوا.

بعد ساعات من السفر، وصلوا إلى مكان بدأت فيه الأرض السوداء تظهر للتو.

لم تنتشر بعد إلى القرى المجاورة، ولأنها اكتُشفت مبكراً، تحركت عائلة الدوق ويكيند بنفسها لتطهيرها بهدوء.

الأرض السوداء تبدو طبيعيةً من الخارج، لكن كل الكائنات الحية فيها، من نباتات وحيوانات، تتلوث وتتحول إلى وحوش، لذا إن لم تُطهر في بدايتها، تصبح الأضرار جسيمة، ويجب أن تنجح المحاولة من المرة الأولى.

لحسن الحظ، هذه المرة اكتُشف مبكراً، وكانت مياه التطهير كافيةً للتعامل معها.

بدلاً من القضاء على الأرض السوداء بالكامل، كان عليهم البحث عن المضيف وتدميره.

فالمضيف هو السبب في تلوث الأرض، وبإزالته تعود الأرض إلى طبيعتها.

وكانت القوة المقدسة هي ما يلزم للقضاء على ذلك المضيف.

"ها، هل نحتاج حقاً إلى تلك الدودة؟"

تمتم إيرين بانزعاج وهو ينظر إلى العربة التي تركبها أورتي.

_______________________

مب عاجبك انها معك؟ اجل امقلع وقل لأبوك وش دخلها هي؟

كليف يذكرني بديريك أخو بينلوب وشنون العظمه ذاه الي عنده يضربها ويبيها تحبه؟ وع

Dana

2025/03/30 · 9 مشاهدة · 1214 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025