هكذا مضى بعض الوقت، وعندما هدأ جسدها، فُتِحَ الباب.
لم يكن هناك سوى قلة قليلة يمكنهم دخول مكتب الدوق ويكيند بهذه السهولة، لذا لم تكلف أورتي نفسها عناء الالتفات للتحقق من هوية الداخل.
“أورتي؟”
اقترب منها الشخص الذي دخل للتو.
“لماذا أنتِ هنا؟”
حدّق كليف في أورتي، فحركت رأسها قليلاً.
“تحياتي، سيد ويكيند.”
“سألتكِ لماذا أنتِ هنا.”
“لقد أمرني الدوق بذلك.”
عند هذه الكلمات، توقف كليف عن استجوابها، لكن نظرته التي لم تكن راضية لم تتغير.
عندما تحرك كليف ليجلس أمام أورتي، فُتح الباب مجددًا ودخل كبير الخدم حاملًا الشاي.
و كان هناك فنجانٌ واحد فقط.
نظرت أورتي تلقائيًا إلى فنجان الشاي وهو يُوضَع أمام كليف. ثم بعد أن غادر كبير الخدم، رفع كليف الفنجان.
ولم يمضِ وقت طويل حتى دخل الدوق ويكيند.
“أبي.”
نهض كليف من مقعده، بينما بقيت أورتي جالسةً تراقب دخوله.
دخل كبير الخدم مجددًا، و وضع فنجان شاي آخر، ثم انسحب، وعندها فقط بدأ الدوق بالكلام.
“عمَّ تحدثتِ مع نائب القائد؟ لماذا أتى إلى هنا؟”
نظر أورتي بالتناوب إلى فنجاني الشاي اللذين كان البخار يتصاعد منهما، ثم أجابت،
“لا أعلم، لم أسأله عن السبب.”
“إذاً، أنتِ تقولين أن نائب القائد جاء بنفسه دون أي سبب؟”
“من يدري……يبدو أن الأمر كذلك.”
أجابت أورتي بلا مبالاة. و عند ذلك، عبس كليف.
“أورتي، ألا تستطيعين أن تجيبي والدي بشكل لائق؟”
“لا يمكنني اختلاق شيء لا أعرفه.”
كل ما أرادته أورتي هو الخروج من هذا المكتب بأسرع وقت ممكن، بعيدًا عن هؤلاء الذين لا يكنّون لها سوى الكراهية.
“أكرر مجددًا، لا أعرف. لم تتح لنا الفرصة لإجراء محادثة مناسبة قبل أن يدخل الدوق.”
وعلى عكس كليف، ظل الدوق صامتًا رغم إجابات أورتي غير المبالية، ثم سأل بصوت هادئ،
“إذاً، ما الذي رأيته عندما دخلتُ؟”
لم يكن كليف يعلم عن أي مشهد يتحدث والده، فظل صامتًا وهو ينظر إلى أورتي.
لم تتوقع أورتي هذا السؤال على الإطلاق، فتوقفت عن النظر إلى الفراغ والأرضية ووجهت بصرها نحو الدوق.
خطر لها أنها لم ترَ وجه الدوق ويكيند منذ فترة. فقد بدت ملامحه أكثر شبابًا مما احتفظت به في ذاكرتها.
وفي اللحظة التي حوّلا فيها نظرها بعيدًا عنه، أجابت،
“كل ما في الأمر أن نائب القائد أمسك بي عندما كدت أسقط.”
“هل كنتما تتحدثان أثناء الوقوف؟”
أمام إلحاح الأسئلة، عادت أورتي لتنظر إلى الدوق ويكيند مجددًا.
حدّقت في عينيه الذهبيتين الباردتين والجميلتين، واللتين كانت تحبهما أكثر من أي شيء آخر، ثم تحدثت بعد لحظةٍ من الصمت،
“أنتَ تعرف كل شيء بالفعل.”
كان الدوق يعلم يقينًا أن أورتي لم تكن لتجري محادثةً طويلة مع جوناس.
“لقد سمعت كل شيء من أتباعكَ، أليس كذلك؟”
لا بد أنه كان على درايةٍ كاملة بما دار من حديث وما حدث.
لقد استمع إلى جميع التقارير التي نقلها إليه الشخص الذي زرعه سرًا، فلماذا يسألها مباشرة؟
“آه، أم أن مهارة نائب القائد فائقة لدرجة أنكَ لم تسمع سوى الأصوات؟”
أمالت أورتي رأسها قليلًا وهي تتحدث، ثم حوّلت نظرها بعيدًا عن الدوق ويكيند، الذي كان يحدق فيها بثبات، ونهضت من مقعدها.
“في النهاية، لن تصدقني مهما قلت، لذا لا أرى سببًا لإضاعة وقتكَ.”
أمالت أورتي رأسها قليلاً.
“سأبقى هادئةً حتى حفل بلوغ السيد، لذا لا تُظهر أي اهتمام غير ضروري بي، يا دوق. سأذهب الآن.”
لمحت أورتي شفتي الدوق تتحركان وكأنه على وشك قول شيء، لكنها لم تسمع صوته حتى غادرت المكتب.
كان هناك عدد من أتباع الدوق ويكيند المقربين ينتظرون أمام المكتب. عندها، توقفت أورتي أمامهم.
“آنسة؟”
نظرت أورتي إلى أحدهم، الذي بدا عليه الاستغراب.
“لقد كنت أترنح بجانب النافذة، ونائب القائد أمسك بي. ها قد حصلتم على شيء جديد لتبلغوا به الدوق، صحيح؟”
عند هذه الكلمات، تصلب وجه التابع الذي بدا عاديًا تمامًا. فرأت أورتي كيف تحولت عيناه الطيبتان إلى نظرة حادة، فابتسمت دون أن تشعر.
لقد كان ذلك التعبير مألوفًا لديها أكثر.
ذلك الشخص الذي كان يخفي وجوده دائمًا خلف إيفون، مطأطئ الرأس، بدا عاديًا وضعيفًا لدرجة يصعب تصديق أن والدها قد عيّنه لحماية إيفون.
“آنسة، حان الوقت للاعتراف بجريمتكِ. لقد شهدتُ بالفعل أنكِ وضعتِ السم في فنجان الآنسة إيفون. برأيكِ، من سيصدقه الدوق؟”
عندما عاد ذلك المشهد إلى ذاكرة أورتي، تصاعد من أعماق صدرها شعورٌ بالظلم الشديد.
لم تنسَ يومًا هذا الشخص، الذي جاء بوجهه الطيب والعادي ليسحق آمالها تمامًا.
ألقت أورتي نظرةً حولها، ثم لاحظت شخصًا آخر يحمل ملفًا سميكًا بحجم مفصلين من الإصبع، فانتزعته منه دون تردد.
ثم، دون أي تردد، رمته مباشرة.
ضرب-!
كان التابع لا يزال مصدومًا من كلمات أورتي، فلم يتمكن من تفاديها، فأصاب الملف وجهه مباشرة.
نظرت أورتي إلى وجنته التي بدأت تحمرّ، ثم ابتسمت بسخرية.
“هذا مقابل المعلومة التي منحتكَ إياها.”
بعدها، استدارن ببساطة واتجهت إلى غرفتها.
كان اليوم أطول بكثير مما توقعت. و كل ما أرادته الآن هو أن ترتاح قليلًا.
***
عانت آنا كثيرًا خلال الأسابيع القليلة الماضية منذ دخولها إلى قصر الدوق ويكيند.
“آنا، تعالي وساعدي في هذا!”
“آنا! استيقظي بسرعة!”
“آنا!”
لم تستطع آنا استجماع نفسها وسط الأصوات التي تناديها من كل اتجاه. و لم يكن غريبًا عليها أن تتلقى سيلًا من المهام الجديدة قبل أن تنتهي حتى من إحداها.
ما إن تنهض للعمل وتفقد إحساسها بالوقت وسط زحام المهام، حتى يحين وقت الغداء.
جلست آنا منهكة، ممسكةً بثمرة بطاطا مسلوقة.
لم تكن تملك طاقة لمضغ الطعام حتى، لكنها كانت تعلم أنها إذا لم تأكلها، فقد تفقد وعيها خلال فترة ما بعد الظهر، لذا حاولت فتح فمها لتناولها.
“لن تأكليها؟ إذاً أعطيني إياها.”
لكن الخادمة التي مرت بجانبها كانت أسرع، فانتزعت البطاطا من يدها بخفة.
نهضت آنا مذعورة.
“ما الذي تفعلينه؟”
“لماذا؟ ظننت أنكِ لن تأكليها لأنكِ كنتِ تمسكينها دون أن تفعلي شيئًا.”
كان تنمّر خادمات المغسلة شديدًا.
عضّت آنا على أسنانها بغضب.
“يا إلهي، انظروا إلى عينيها!”
“أتعرفين من أنا حتى تتصرفي بهذه الطريقة؟”
لكن الخادمة التي انتزعت منها البطاطا لم تستطع سوى الضحك بسخرية.
كانت المغسلة مكانًا يتطلب عملاً شاقًا، وغالبًا ما يُرسل إليه الخدم الذين ارتكبوا أخطاء.
ولهذا، كان من المعتاد أن يكون القادمون الجدد غير مدركين لوضعهم، تمامًا كما حدث مع آنا.
وبالرغم من أن معظمهم كانوا يستسلمون خلال أيام قليلة، إلا أن آنا كانت حالة استثنائية، إذ لم تتخلَّ عن كبريائها حتى الآن.
“ومن تظنين نفسكِ؟”
“كنت وصيفة الآنسة أورتي، الابنة الوحيدة لعائلة الدوق ويكيند!”
لم تكن آنا تتوقع أن تلجأ إلى استخدام اسم أورتي، التي كانت تحتقرها دائمًا. لكنها الآن رفعت ذقنها بتحدٍّ.
“أنا هنا فقط لأن كبير الخدم طلب مني البقاء لبضعة أيام! أنا مختلفةٌ تمامًا عنكن!”
“بضعة أيام؟ لقد مرت ثلاثة أشهر تقريبًا.”
تراجعت آنا قليلًا عند سماع هذه الكلمات.
كانت تفكر بالفعل في الذهاب لرؤية كبير الخدم، فقد طالت إقامتها في المغسلة أكثر مما توقعت.
عندما عجزت عن الرد، سخرت منها الخادمة.
“كم أنتِ ساذجة. هل صدقتِ ذلك فعلًا؟ يبدو أن الآنسة أورتي مستاءةٌ منكِ بشدة.”
“….…”
“آه!”
لم تستطع آنا كبح غضبها، فدفعت كتف الخادمة قبل أن تهرب مسرعة.
هربت آنا من مغسلة القصر الواقعة في الزاوية خلف القصر، غاضبة وغير قادرة على التحكم في غضبها، واتجهت للبحث عن كبير الخدم.
‘هذه المرة، سأحاسب كبير الخدم جيدًا.’
خلال الأشهر الثلاثة الماضية، زارت آنا كبير الخدم عدة مرات، لكن لم تتمكن من لقائه وعادت خالية اليدين في كل مرة.
لكن بعد الإهانة التي تعرضت لها اليوم، كانت عازمة على محاسبته.
“إيرين.”
بينما كانت آنا متوجهة إلى غرفة كبير الخدم، توقفت خطواتها فجأة عند سماع صوت كليف.
“تم إعداد معظم التحضيرات لحفل البلوغ.”
“أجل، أنا أثق بكَ، أخي.”
نظرًا لأن كليف وإيرين كانا يتمتعان بسلطة كبيرة بعد الدوق ويكيند، ظلت آنا صامتة، منتظرةً حتى يبتعدا.
“أخي، لن يأتي وايشون إلى حفل البلوغ، أليس كذلك؟ لا أريد أن يحضر هذا الشخص.”
كان صوت إيرين مليئًا بالانزعاج.
______________________
مدري من وايشون ذاه بس دام ايرين مايبيه ها يارب يجي ✨
المهم لحد يقرب من بنيتي
Dana