“إنها مراسم بلوغكَ، فافعل ما تريد. سأذهب الآن.”
“حسناً، أخي. إلى اللقاء.”
ابتعد صوت خطوات شخص واحد، لكن هناك شخصٌ بقي و لم يتحرك.
دون أن تشعر، أخرجت آنا وجهها قليلًا من الزاوية لتراقب إيرين.
كان إيرين يُخرج شيئًا ما وينظر إليه. و كان غارقًا في تركيزه لدرجة أنه لم يلحظ نظرات آنا.
حدقت آنا بعينيها قليلًا وأدركت أن الشيء الذي يحمله إيرين هو بروش.
و أدركت أنه البروش الذي سمعت عنه من خادمة إيرين، ذاك الذي يعتبره ثمينًا للغاية.
'السيد الشاب يكره الآنسة……و يعتز بذلك البروش كثيرًا.'
ماذا لو اعتقد أن الآنسة أورتي قد سرقته؟
'بما أن مراسم البلوغ ستُقام قريبًا، سيأتي الكثير من الناس……'
كان المكان مثالياً لإحراج شخصٍ ما.
'هذا كله بسبب الآنسة، لذا لستُ مخطئة. لو لم تسكب الماء علي، لما اضطررتُ للذهاب إلى كبير الخدم، ولم أكن لأصبح في هذا الوضع.'
حدّقت آنا في البروش بعينين تملؤهما الرغبة في الانتقام.
***
“كليف.”
كان وقت العشاء هادئًا.
“نعم، أبي.”
“أين إيرين؟”
“لم يعد بعد من منطقة الصيد.”
“ما زال هناك؟”
سمع الدوق ويكيند الأخبار فور دخوله القصر الإمبراطوري. علم أن إيرين ذهب إلى منطقة الصيد قبل بضعة أشهر بحثًا عن الغزال الأبيض الذي اختفى.
كان يظن أنه سيعود بعد بضع ساعات، لكن حتى مع اقتراب غروب الشمس، لم يكن إيرين مستعدًا للتخلي عن البحث.
رغم أن إيرين تحمل المشقة وأمسك بالغزال الأبيض، لم يكن ذلك سببًا كافيًا ليثير كل هذه الضجة.
خاصةً أنه لم يختفِ منذ أيام قليلة، بل بدأ البحث عنه بعد أكثر من شهر على فقدانه.
كان ذلك خلال تلك الفترة.
الفترة التي وُضعت فيها قاعدة غير معلنة، قاعدة لم يتجرأ أحد على النطق بها.
“كيف تسير تحضيرات حفل بلوغ إيرين؟”
“نعم، لقد أعددنا قائمة الضيوف في المستندات. بمجرد أن تتحقق منها، سنبدأ فورًا في إرسال الدعوات.”
كان لا بد أن يُقام حفل البلوغ بشكلٍ فاخر.
“سيُقام في الدفيئة، وقد أعرب كل من سمو ولي العهد والأمير الثالث عن رغبتهما في الحضور.”
“من غير الممكن ألا يحضر ولي العهد.”
كان الدوق ويكيند على دراية جيدة بعلاقة القرب بين ولي العهد وإيرين.
“لا بد أن يكون بين أتباع ولي العهد من يعمل لصالح جلالة الإمبراطور، لذا لا ينبغي أن يكون الحفل مبهرجًا أكثر من اللازم.”
“نعم، لقد قمنا بتقليص عدد المدعوين إلى الحد الأدنى.”
تصادف أن يقام حفل بلوغ ولي العهد بعد بضعة أشهر، لذا لم يكن من الحكمة لفت الأنظار أكثر من اللازم.
“كليف، سيكون الأمر صعبًا، لكن تحمَّل. إنها مجرد مرحلة وستمر.”
كان كليف يعلم جيدًا ما الذي يطلب منه الدوق ويكيند أن يتحمله، فوضع أدوات الطعام جانبًا وانحنى برأسه.
“نعم، أبي. لن أفعل ما قد يخيب أملكَ.”
على عكس إيرين، الذي كان يظهر مشاعره بسهولة ويتسم، كان كليف دائمًا هادئًا.
حدّق الدوق ويكيند به للحظة، ثم اكتفى بهزة رأسٍ صامتة دون أن يقول شيئًا.
***
لو كان الأمر كالمعتاد، لكان إيرين قد جاء ليضايق أورتي عند أدنى فرصة، لكنه كان هادئًا هذه المرة.
وبينما كانت أورتي تفكر في السبب، أدركت فجأة أن الوقت قد مر بسرعة وأن موعد حفل البلوغ قد اقترب.
لم تستيقظ أورتي إلا بعد أن ارتفعت الشمس في كبد السماء، ثم أرسلت سيا إلى المكتبة لإحضار كتاب، وفي اليوم التالي أعادته من خلالها، وظلت تكرر ذلك يومًا بعد يوم.
والسبب لم يكن سوى أن نبلاء العائلات التابعة بدأوا في الإقامة في القصر منذ عدة أيام.
كانوا يصلون قبل موعد الحفل للمساعدة في التحضيرات.
لم تكن أورتي ترغب في مواجهتهم حتى عن طريق الصدفة، لذا لم تغادر غرفتها ولو خطوة، واعتمدت على سيا لإنجاز أمورها.
اكتشفت أورتي في هذه الحياة أنها تحب القراءة، وكان أكثر ما يعجبها الكتب المتخصصة المليئة بالمصطلحات الصعبة. لأن محتواها المعقد ومعاني كلماتها التي لا يمكن فهمها إلا من خلال سياق النص جعلتها تركز كليًا على القراءة، دون أن تسرح في أفكار أخرى.
كانت تستمتع بتلك اللحظات التي تنغمس فيها تمامًا في الكلمات، دون التفكير في أي شيء آخر.
'كنتِ مجرد مزيفة استولت على مكان إيفون.'
وهكذا، تمامًا كما هو الحال الآن، لم يكن هناك مجال للتفكير في شيء آخر.
ما إن شردت قليلًا حتى غمرت عقلها ذكرياتُ الماضي وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة، مما جعل أورتي تعقد حاجبيها بانزعاج.
كلما حاولت تجنب التفكير في شيء، كانت ذكريات الماضي تقتحم عقلها بلا استئذان، رافضةً بأن تتركها وشأنها.
“آنسة؟”
عند سماع صوت سيا، استرخت تعابير أورتي المشدودة والتفتت نحوها.
“أي كتاب يجب أن أحضره اليوم؟”
كانت سيا تسألها هذا السؤال دائمًا، وكانت إجابتها واحدة دائمًا.
“ما يوصي به أمين المكتبة.”
لكن اليوم، لم تقل أورتي ذلك.
“منذ متى وأنت تعملين في هذا الأمر؟”
“اليوم أكملتُ أسبوعًا.”
“أسبوع……”
لقد مر الوقت بسرعة.
تمتمت أورتي ثم نهضت من مكانها.
“سأذهب بنفسي اليوم.”
“آه، نعم، مفهوم. بالمناسبة، جاء شخص لزيارتكِ هذا الصباح.”
“من؟”
لو كان الدوق ويكيند أو أحد أبنائه، لكانت سيا أيقظتها على الفور، لكنها لم تفعل، مما يعني أنه لم يكن هناك أحد يخطر ببالها.
“كانت ابنة عائلة تايلي.”
“……يوري؟”
“نعم.”
تفاجأت سيا قليلًا عندما ذكرت أورتي الاسم، لكنها سرعان ما خفضت رأسها وأجابت. لذلك، لم تلحظ التعبير الغريب الذي مرّ على وجه أورتي.
“يوري……”
كررت أورتي الاسم في ذهنها مرة أخرى.
يوري تايلي.
كانت شخصًا تعرفه جيدًا.
نبيلةٌ من عائلة تابعة، في نفس عمر أورتي تقريبًا، وكانت صديقتها.
أو بالأحرى……من ظنت يومًا أنها صديقتها. فمع ظهور إيفون، تخلت يوري عن أورتي تمامًا.
“أعربت الآنسة تايلي عن رغبتها في قضاء وقت ممتع معكِ لشرب الشاي. لكن بما أنكِ لم تستيقظي بعد، أعدتها قائلةً بأنني سأخبركِ لاحقًا.”
“إذاً، لقد حان الوقت……زيارة يوري.”
على الرغم من أن عائلة تايلي كانت إحدى العائلات التابعة لدوقية ويكيند، إلا أن يوري لم تكن سوى ابنة لعائلة بارونيةٍ متواضعة. و لم تكن تمتلك مظهرًا ملفتًا أو خلفية مثيرة للإعجاب.
لكنها وجدت هدفًا مثاليًا في أورتي المنعزلة.
كان اختيار يوري موفقًا. فقد كانت أورتي، التي نبذتها عائلتها وعاشت وحيدة، تشعر بوحدة قاتلة، لذا أعطت يوري كل شيء دون تحفظ.
وكانت بداية تقرب يوري منها تعود إلى هذا اللقاء تحديدًا.
في البداية، كان دافع يوري مجرد فضول، لكنها عندما رأت فرحة أورتي المرتبكة أمام لطفها واهتمامها، وضعت خطة.
خطة لاستغلالها بالكامل.
“قبل ساعة، جاءت خادمة الآنسة تايلي مجددًا. من المحتمل أن تعود قريبًا……ماذا تريدين أن أفعل؟”
لم تكن أورتي تنوي فعل أي شيء.
لكن قبل بضعة أيام، عندما ردّت على أحد أتباع الدوق ويكيند بالوثائق، شعرت بلذة غريبة. كأن عالمها الأبيض والأسود بدأ يكتسب لونًا رماديًا.
'حتى لو لم أفعل شيئًا، يمكنني تنفيذ انتقام صغير، أليس كذلك؟'
ترددت للحظة، ثم إجابت،
“ادعيها إلى غرفة الاستقبال، ثم اجعليها تنتظرني.”
بعد قول ذلك، أرسلت سيا إلى المكتبة، ثم أمضت يومها تقرأ.
لم تدخل سيا إلى غرفتها إلا في وقت متأخر من الليل، لتقدم لها تقريرًا بحذر.
أخبرتها أن يوري، التي ظلت تنتظرها منذ وقت مبكر بعد الظهر، قد عادت أدراجها أخيرًا.
عند سماع ذلك، ابتسمت أورتي ابتسامةً خفيفة، لكنها كانت أول ابتسامة صافية لها منذ زمن طويل.
“اليوم أيضًا؟”
سألت أورتي بدهشة واضحة.
“نعم، لقد جاءت اليوم أيضًا.”
'يبدو أنها في عجلة من أمرها.'
حركت أورتي قدميها وهي تعيد كلمات سيا إلى ذهنها. كانت تقول أن يوري قد جاءت مرة أخرى.
بعد أن غادرت بالأمس، ظنت أورتي أنها لن تأتي مرة أخرى، لكن يوري الآن لم تكن كما كانت في ذاكرتها.
فيوري الحالية كانت تسعى جاهدةً للصعود إلى أعلى مكان ممكن، مجرد ابنة عائلة متواضعة، تبحث عن مكان لها في العالم.
لم تكن تلك يوري التي كانت تقف فوق أورتي متسلطة.
“افعلي كما فعلتِ بالأمس.”
ترددت سيا قليلاً، لكنها سرعان ما خفضت رأسها.
“سأذهب إلى المكتبة اليوم، وعندما تأتي يوري، أخبريني.”
“نعم، آنسة.”
أعادت أورتي تقييم الوقت وتأكدت أنه كان بعد الظهر. ثم توجهت إلى المكتبة. و وضعت شالًا فوق ملابس النوم وارتدت الحذاء بينما كانت تتجه نحو المكتبة.
عند وصولها، استقبلها عبير الكتب أولاً. و بعد أن تلقت التحية من أمين المكتبة، دخلت وأخذت كتابًا، ثم اختارت مكانًا في زاوية مضيئة من الغرفة.
للحظة، تذكرت كليف، ولكن بمجرد أن فتحت الكتاب، اختفى ذلك التفكير.
بينما كانت تقرأ الكتاب لبعض الوقت، بدأ النعاس يتسلل إليها تحت أشعة الشمس الدافئة. فأغمضت أورتي عينيها وهي تستند برأسها على النافذة.
وفي حلمها، ظهر شخصٌ ما، لا تعرف لماذا، لكنها شعرت بشوقٍ كبير تجاهه.
________________________
البطلللللل تعال بسرعه متى تلقاها
يوري ذي زفته جديده على الساحة
وش الحياة ذي المليانه زفوت
Dana