[أورتي.]

صوتٌ دافئ كما هو الحال دائمًا.

[أحيانًا أفكر في هذا. أن أتخيل نفسي واقفًا أمام أورتي.]

صوتٌ لا يمكن تخمين إن كان لصبيٍ أو رجل، ولا حتى تقدير عمره.

[أعتقد أن أورتي ستتفاجأ كثيرًا. لا أعرف إن كانت ستفرح أم ستشعر بالخوف.]

أدركت أورتي أن شفتيها تتحركان. لكن لم تستطع معرفة الكلمات التي خرجت منهما.

كان الأمر أشبه بالشعور بالتحرك داخل الماء مع فتح الفم.

كل ما عرفته هو أن الشخص الآخر انفجر ضاحكًا بسعادة بسبب كلماتها.

[صحيح. أنا سعيدٌ جدًا لأن أورتي أتت لتبحث عني مرة أخرى. آه، هل هذه قصة من المستقبل؟]

كان الشخص الآخر يروي أحيانًا أشياء يصعب فهمها.

[الآن، ربما لا تستطيع أورتي الفهم. لكن مع مرور الوقت، ستعرفين.]

عادةً ما كان الشخص الآخر يتحدث عن الماضي.

[أورتي، هل تتذكرين عندما رأيتني لأول مرة؟ لا بأس إن لم تتذكرِ، فأنا أتذكر.]

هبت الرياح.

[يا للأسف، النهاية تقترب بالفعل.]

كان في صوت الشخص الآخر حزنٌ واضح.

[أورتي، انتظريني قليلًا بعد.]

مرّت نسمةٌ دافئة تلامس شعر أورتي برفق كأنها تداعبه.

ثم سُمع صوت يحمل يقينًا.

[هذه الحياة ستكون مختلفة، حتمًا.]

فتحت أورتي عينيها.

كان الهواء يتسلل من النافذة المفتوحة قليلًا، ليبدد الدفء الذي شعرت به بجسد تسلل إليه البرد.

رمشت أورتي بعينين مثقلتين بالنعاس، محاولةً استرجاع ذكريات الحلم. لكن لم يتبقَّ سوى إحساس بالدفء والنعومة، دون أي ذكرى واضحة.

فركت أورتي موضع قلبها.

كان هناك شعورٌ غريب، كأنها……تنتظر شيئًا ما.

“آنسة.”

“ماذا؟”

قبل أن تتمكن حتى من التفكير في سبب شعورها بهذا، تسلل إلى أذنها صوتٌ مألوف. و دون أن ادرك، حبست أورتي أنفاسها.

"كل هذا من أجلكِ، أورتي.”

ذلك الصوت البغيض، الذي كانت تعتقد يومًا أنه صادق.

“لذا تقبلِ موتكِ بهدوء. إنها الطريقة الوحيدة التي يمكنكِ الرحيل بها بسلام.”

التقطت أورتي أنفاسه والتفت نحو مصدر الصوت. و خلف رفوف الكتب، كان هناك ظلان يتراقصان وسط العتمة.

“هل حقًا يجوز لنا فعل هذا؟”

“إذًا، ماذا يجب أن نفعل برأيكَ؟”

ردَّت يوري بحدة على صوت الخادمة المترددة.

“ألا تتذكرين ما حدث بالأمس؟ من الواضح أنها لن تقابلني اليوم أيضًا. ألم تقولي إنها تزور المكتبة كثيرًا؟”

“نعم……حسب ما سمعته من خدم عائلة الدوق.”

“وخادمتها الخاصة؟”

“أنا آسفة، لكنها شديدة التحفظ……”

نقرت يوري بلسانها بانزعاج.

كان من المؤسف أنها لم تتمكن من رشوة خادمة أورتي الخاصة كما خططت، لكنها على الأقل حصلت على بعض المعلومات.

“يجب أن أقترب من الآنسة أورتي بأي ثمن. و في هذه الأثناء، تحققي جيدًا من مكانتها داخل العائلة. مفهوم؟”

كان صوت يوري دائمًا دافئًا ومليئًا باللطف. وأورتي، التي كانت عطشةً للحنان، أحبت ذلك فيها.

وفي كل مرة كان يساورها شعور غريب، و تقنع نفسها بأنه مجرد وهم، متجاهلةً الحقيقة ومتعلقةً بتلك المشاعر الزائفة.

لكن في النهاية، كانت أورتي هي من انهارت.

بدأت تحدق في وجه يوري الذي ظهر من بين الفراغات. الذي بدا أصغر مما كان في ذاكرتها.

مجرد طفلة في الثالثة عشرة من عمرها.

وحين رأت ملامحها الصغيرة، تلاشى حتى ذلك الشعور الطفيف بالرغبة في الانتقام. و استبد بها الضعف، وشعرت بأن قواها تخور تمامًا.

تركت وراءه صوت يوري وهي تصدر أوامرها للخادمة، وتجنبت نظراتهم بينما غادرت المكتبة.

“إذا جاءت يوري تبحث عني، ارفضيها. ولا تذكريني بها مجددًا.”

ترك تلك الكلمات لسيا، ثم غاصت تحت الأغطية. وما إن أغمضت عينيها، حتى تسلل إليه النعاس.

يا لها من راحة حقيقية.

***

أشرقت شمس يوم الاحتفال بالبلوغ.

“سيدي الشاب، أنا كولين. سأدخل الآن.”

طرق كولين باب إيرين في وقت أبكر من المعتاد، وكان صوته ممتلئًا بالقلق.

في العادة، كان من الصعب إيقاظه في الصباح، وكان الأمر ينتهي كل مرة بجلبةٍ كبيرة. والأسوأ من ذلك، أنه في الأيام الأخيرة كان في حالة من التوتر الشديد، لذا ابتلع كولين ريقه بقلق قبل أن يفتح الباب.

“سيدي الشاب……ألا تزال نائمًا؟”

دخل كولين إلى الغرفة بحذر وألقى نظرةً على الداخل المظلم. و فكر بأنه من الأفضل أن يسحب الستائر أولًا، فتقدم على أطراف أصابعه نحو النافذة. ولكن عندما أمسك بالستائر—

“دعها وشأنها.”

فوجئ كولين بصوت قريب منه جدًا.

“سيدي الشاب؟ أين أنت؟”

“تحت قدميكَ.”

“ماذا؟”

انحنى كولين بسرعة ليفحص الأرض، وفي تلك اللحظة اصطدمت قدمه بزجاجة ثقيلة تدحرجت بعيدًا.

'لا يمكن……!'

أزاح كولين الستائر. و بدأت أشعة الشمس التي أشرقت للتو تتسلل إلى داخل الغرفة. وعندها، شهق كولين بصدمة وهو يرى إيرين مستلقيًا على الأرض، محاطًا بزجاجات الخمر المتناثرة حوله.

“سيدي الشاب! ألم تنم مبكرًا ليلة أمس؟!”

أسرع كولين ليقلب جسد إيرين الممدد على وجهه، فاجتاحته رائحة الخمر القوية على الفور.

“كم شربت بالضبط……؟!”

صرخ كولين وهو ينظر إلى وجه إيرين الشاحب الذي بدا وكأنه فقد وزنه في ليلة واحدة.

عندها، أمسك إيرين رأسه المتألم و تحدث بصوت متثاقل،

“كولين، اصمت……رأسي يكاد ينفجر……”

“أوه لا……! لا يهم! انهض فورًا!”

أجبر كولين إيرين على النهوض. ثم أوكل أمره إلى الخادمات وسارع إلى المطبخ ليحضر له ماء العسل، المعروف بفعاليته في علاج آثار الثمالة.

عندما عاد إلى الغرفة، كان إيرين قد أنهى استحمامه واستلقى على الأريكة مرتديًا رداء الحمام فقط.

التقط كولين رائحة خفيفة للكحول تنبعث منه وهو يناوله كوب ماء العسل.

“اشربه فورًا. دفعةً واحدة، اشربه كله.”

وبينما كانت الخادمات تدلك جسده لتخفيف آثار الثمالة، بدأ إيرين يستعيد وعيه تدريجيًا.

تنهد كولين وهو يستدعي الخدم لمساعدته في ارتداء ملابسه والاستعداد للحفل.

و شعر بقلق غريب، وكأن حفل البلوغ الذي سيقام اليوم لن يمر بسلام، خاصة مع هذه البداية الموترة.

***

لم تستيقظ أورتي إلا عند الظهيرة.

و لم يكن ذلك بسبب حصولها على قسط كافٍ من النوم، بل لأن الضوضاء أيقظتها من سباتها.

فتحت أورتي الستائر ونظرت إلى الخارج. كانت الدفيئة الكبيرة التي تُرى أمامها مليئةً بالخدم والعمال الذين كانوا يستعدون لحفل البلوغ.

‘اليوم سيكون آخر يومٍ هكذا.’

لقد أصبحت أورتي حساسةً قليلاً في الأيام الأخيرة بسبب الزيارات المفاجئة والضوضاء من الغرباء.

بل وأكثر من ذلك، بعد أن التقت بيوري قبل أيام بشكل غير متوقع، بدأ قلبها ينبض بسرعة أكبر كلما فكرت فيها.

“آه……”

فركت أورتي قلبها الذي كان يؤلمها براحتها. و أغمضت عينيها وانتظرت حتى يخف الألم، ثم فتحت عينيها مجددًا. ومسحت العرق البارد المتجمع على جبهتها بيديها.

أغلقت الستائر بإحكام حتى لا يُرى ما في الخارج، ولكن فجأة سُمع صوت طرق على الباب.

“آنسة، أنا هنا.”

“ادخلي.”

“أوه، ياللراحة. استيقظتِ. إذا لم تبدئي التحضير الآن، ستتأخرين عن حفل البلوغ.”

“حفل البلوغ؟”

“نعم.”

مالت أورتي برأسها.

“من قال أنني سأحضر حفل البلوغ؟”

“نعم……؟”

رفعت الخادمة حاجبها بدهشة.

“لن أحضر حفل البلوغ، لذا لا داعي للتحضير.”

قالت أورتي ذلك بينما أومأت بيدها، ففهمت الخادمة مغزى كلامها وغادرت الغرفة دون أن تقول شيئًا.

دارت أورتي بجسدها ونظرت إلى السقف ثم غاصت في أفكارها. و تذكرت أنه منذ فترة طويلة، أي في حياتها الأولى، حضرت حفل بلوغ إيرين.

على الرغم من أن إيرين كان يُظهر كراهيته، إلا أن أورتي أصرّت على المشاركة في الحفل.

لكن بسبب تأخر آنا في التحضير، وعندما وصلت أورتي إلى الدفيئة، كان حفل البلوغ قد انتهى بالفعل وأصبح الجميع في الحفل يتناولون الطعام والشراب.

بالطبع، لم تكن أورتي مناسبة لذلك الحفل وعادت بسرعة إلى غرفتها.

و في وقتَ لاحق، اكتشفت أورتي أن إيرين كانت قد قدم موعد الحفل عمدًا قبل أن تصل هي، حتى ينتهي قبل مجيئها.

‘إذا فكرت في الأمر، كان يكرهني بشدة حقًا.’

عندما نظرت إلى الوراء، أدركت أن إيرين كان يكرهها أكثر مما شعرت به أورتي في ذلك الوقت.

كانت أورتي وحدها هي التي لم تكن تعلم.

و ربما كانت في ذلك الوقت تعرف ذلك، لكن لأنها كانت تحبهم كثيرًا، تجاهلت ذلك.

“يا لي من غبية.”

سخرت أورتي من نفسها في الماضي.

لو كان بالإمكان أن يصبحوا عائلة بعد كل هذا الجهد، لكان قد حدث ذلك بالفعل. لو كان بإمكانهم أن يحبوها فقط بالجهد، لكانوا قد أحبوها منذ وقت طويل.

'لكن إيفون كانت قادرةً على أن تصبح جزءًا من عائلتهم وتحصل على حبهم دون أي جهد.'

اعترفت أورتي بذلك فقط بعد ظهور إيفون.

حتى لو بذلت كل جهدها، أدركت أنه لا يوجد أمل في أن يتقبلها هؤلاء كعائلة وأن يحبونها.

________________________

جعلهم التبن ذا العائلة

مب لازم خلاص هيا للبطل

المهم بأصير انزل ثلاث فصول يوم ايه ويوم لا 😘

Dana

2025/04/04 · 37 مشاهدة · 1255 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025