خرجت أورتي من الدفيئة وقد بدأ نفسها يتقطع حتى وصل إلى حلقها، فشدّت على جسدها.

أرادت أن تتوقف، لكن قوة كليف التي أمسكت بمعصمها ما زالت كما هي.

“سأذهب بنفسي.….أيها السيد ويكيند.”

رفعت أورتي صوتها قليلًا ونادته مرة أخرى، وعندها فقط توقف كليف.

تأكد كليف من عدم وجود أحدٍ بالجوار قبل أن يتحدث إلى أورتي.

“قولي الحقيقة.”

فركت أورتي معصمها الذي كان كليف قد أمسك به، وقد بدأ يؤلمها وكأن الكدمة قد تكونت بالفعل.

“عن ماذا؟”

“ما طبيعة علاقتكِ بصاحب السمو ولي العهد؟”

لقد كان ذلك الحديث مجددًا. فتجهم وجه أورتي.

“لقد أخبرتكَ سابقًا. لا يوجد بيننا أي شيء. لقد قابلته اليوم لأول مرة.”

“لا يوجد بينكما شيء، ومع ذلك صاحب السمو ولي العهد أراد رؤيتكِ؟”

“ألم ترَ؟ ولي العهد استخدمني فقط ليوقع بكَ في ورطة.”

تحركت شفاه كليف قليلًا.

لكونه منشغلًا بمراقبة أورتي خوفًا من أن تتسبب في مشكلة، لم تتح له الفرصة للنظر إلى ولي العهد.

كان عقل كليف يردد ما قالته أورتي.

لكن كليف قرر أن يضغط عليها ليتأكد بنفسه من أنه لا يوجد شيء بينهما حقًا.

أمسك كليف بكتفي أورتي بكلتا يديه. و من شدة القوة غير المراعية، أغمضت أورتي عينيها بقوة ثم فتحتهما.

أخذت نفسًا عميقًا، ثم قالت بهدوء،

“إنه يؤلمني.”

“تكلمي.”

“قلت لكَ أنه يؤلمني.”

“تكلمي!”

“حقًا! لماذا تفعل هذا؟”

صرخت أورتي غير قادرةٍ على الاحتمال. فتهربت بعنف من قبضته، لتواجه كليف الذي كان وجهه مشوهًا بالغضب.

كان يتنفس بصعوبة وكتفاه ترتفعان مع كل نفس.

“لماذا تتصرف هكذا؟ تجاهلني كما تفعل دائمًا.”

نفضت أورتي كتفها الدي كان كليف قد أمسك بها.

“أنت بارعٌ في ذلك، أليس كذلك؟ مهما فعلتُ، ومهما حصل لي، لا تلقي حتى نظرةً لي.”

“أنتِ……”

“لم أعد أفهم الأمر بعد الآن. ظننت أن البقاء صامتة سيكون كافيًا. و ظننت أنه يكفي ألا أفعل شيئًا.

لكن أنتم حقًا……تكرهونني بشدة. فحتى حين أبقى صامتة، لا تسأمون من اغتيابي. ألستُ أبقى في غرفتي بهدوء كما تريدون، ومع ذلك لما لا يعجبكم الأمر؟”

“….…”

“حتى إنني لم أزعج بصركم برؤيتي، فهل تكرهني لهذا الحد حقاً؟”

“……ليس لدي سببٌ يجعلني أحبكِ.”

وبما أن أورتي كانت تنتظر هذه الكلمات، فقد ردت عليه بلا أي تأثر.

“إذاً فقط دعني وشأني.”

“….…”

“فأنا أيضًا لستُ هنا لأنني أرغب بذلك.”

***

بدأت الحفلة، لكن إيرين لم يكن قادرًا على التركيز إطلاقًا.

كان يبتسم لمن يقترب منه ويدير معهم أحاديث خفيفة، لكن ما كان يملأ رأسه هو مصير البروش.

بينما كان إيرين يتعامل مع أحد النبلاء الذي اقترب منه، أخذ يسترجع ذكرياته ببطء.

'أنا متأكد بأنه كان معي حتى الأمس.'

كان يتذكر بشكل غامض كيف أخرج البروش وهو مخمور تمامًا، وبدأ يتمتم بكلمات غير مفهومة.

ثم أعاده بعناية إلى جيبه.

بعد ذلك، شرب مرة أخرى، ونام، ثم……

'لم أتحقق منه.'

بسبب انشغاله الشديد منذ الصباح، لم تسنح له الفرصة حتى للتفكير في البروش. فكولين لم يمنحه لحظة واحدة من الراحة.

ورغم أنه على الأرجح ما زال في الغرفة، فإن القلق بدأ ينهش قلب إيرين.

'ماذا لو لم يكن هناك؟'

ابتسم لكلام الشخص الذي يحادثه، بينما ابتلع ريقه بقلق.

كان يرغب بشدة في الركض فورًا إلى غرفته.

فالبروش لم يكن غاليًا جدًا، لكنه كان هديةً من أعز شخص على قلب إيرين.

“إيرين، أرجوك.”

سمع صوت امرأةٍ ناعم يتردد في أذنه.

“إن حصل واختفيتُ يومًا ما، فتلك الطفلة……”

“إيرين.”

انتبه إبربن فجأة عندما ناداه الدوق ويكيند.

“آه، نعم……أبي.”

“هل أنتَ بخير؟ ما الذي يشغل بالكَ إلى هذا الحد؟”

“لا شيء.”

قبض إيرين على راحة يده التي كانت مبتلةً بعرق بارد.

ثم عاد كليف بوجه متجهم، وبدأت أجواء الحفل تزداد حيوية تدريجيًا.

كان إيرين يشارك الآخرين الأحاديث والضحك، لكن كل دقيقة وثانية كانت تمر عليه ببطء شديد.

“سيدي، عذرًا……”

استدار إيرين نحو مصدر الصوت الذي ناداه. و كانت خادمة.

وليست من الخدم الذين يعملون في الحفلات، بل واحدة من الخادمات اللواتي يقمن بالأعمال البسيطة.

“لدي ما أود إخباركَ به.”

استأذن إيرين النبيل الذي كان يتحادث معه، ثم همس لها بصوت منخفض،

“أتعلمين أين نحن؟ كيف تجرئين على القدوم إلى هنا؟ هل تحتاجين أن يجرّك كبير الخدم لتعودي إلى صوابكِ؟”

كان متوترًا أصلًا، والآن حتى هذه الخادمة جاءت لتستفزه، فانفجر صبره.

رغم أن رده كان أكثر حدّة من المعتاد، فإن الخادمة لم تتراجع سوى برعشة خفيفة في كتفيها.

“إنه……إنه بخصوص البروش خاصتك.”

“……ماذا؟”

“لقد رأيت الآنسة أورتي تأخذ بروشكَ، سيدي الشاب. إن فتشتَ غرفتها، ستجد الأمر واضحًا تمامًا!”

وما إن أنهت آنا كلامها حتى انحنت برأسها، وابتسمت بخبث.

بعد ذلك، سيأمر إيرين أحدًا بتفتيش غرفة أورتي، وحينها ستدخل آنا إلى الغرفة بحجة مساعدتهم، وتُخرج البروش الذي أخفته بنفسها.

وبما أن إيرين لا يمكن أن يصبر بحكم طبعه، فكان من المؤكد أن أورتي ستتعرّض لموقف مُذل أمام ولي العهد.

“ينبغي أن تُرسل أحدًا سريعًا ليتأكد……”

لكن قبل أن تُكمل آنا حديثها، رفعت رأسها حين شعرت بتيار هواء يمر بجانبها. كان إيرين قد مرّ بها وتجاوزها، مغادرًا قاعة الحفل.

“إيرين؟”

شعر الدوق ويكيند بالارتباك من مغادرة إيرين المفاجئة، فلحق به خارج القاعة.

كان إيرين يصعد الدرج بسرعة.

ومع كل طابق يصعده، كان قلبه يخفق بقوة حتى شعر أنه على وشك الانفجار.

اندفع إيرين وفتح الباب بعنف. و رأته أورتي وهو يدخل، بينما كانت ترتدي ملابس مريحة ويبدو على وجهها بعض الإرهاق.

ثم عبست قليلًا حين رأته.

ورغم قدومه المفاجئ، لم تسأله عن سبب مجيئه.

'هل هو غاضب لهذه الدرجة بسبب ولي العهد؟'

كان يبدو غاضبًا لدرجة أنه ترك الحفلة وجاء لينفّس عن غضبه عليها، لذا لم يكن هناك داعٍ للسؤال عمّا جاء من أجله.

نظرت أورتي إلى إيرين بعينين ثابتتين وكأنها تقول: إن أردت أن تفرغ غضبكَ، فافعل ما تشاء.

اقترب إيرين من الباب حيث كان واقفًا، وبدأ بفتح الأدراج واحدًا تلو الآخر، ثم أخذ يرمي محتوياتها على الأرض بعنف.

تكسرت بعض الأشياء وتحطمت، ففتحت أورتي عينيها على اتساعهما من الذهول دون أن تشعر.

“ما……الذي تفعله؟”

لم يسبق لإيرين أن عبّر عن غضبه بهذه الطريقة من قبل، مما جعل أورتي تشعر بالارتباك.

'هل حضوري لحفل البلوغ أزعجه إلى هذا الحد؟'

قررت أورتي أن تصمت وتنتظر حتى يهدأ غضبه.

أما إيرين، فظل يبحث بعينيه في أرجاء الغرفة بصمت، ثم دخل إلى غرفة الملابس وأخرج صندوق المجوهرات وقلبه رأسًا على عقب.

وبين قطع الزينة المختلفة، وقعت عيناه على شيءٍ مألوف.

“……هاه.”

كان بروشه.

قبض إيرين على البروش بيده التي راحت ترتجف خفية. ثم خرج من غرفة الملابس، وأمسك بمعصم أورتي بقوة وهي لا تزال واقفةً في مكانها بذهول.

كانت أورتي في حالة من الذهول فحاولت دفع يد إيرين بعيدًا عنها، لكنها لم تتمكن من ذلك.

“ماذا تفعل الآن؟!”

جذبها إيرين بقوة لدرجة أن يده كانت تكاد تحطم عظامها، ورغم أن أظافره حفرت في جلدها، إلا أنه لم يتوقف.

وعندما وصل إلى الردهة، صادف الدوق ويكيند.

“إيرين، ما هذا الضجيج؟”

توقف إيرين أخيرًا عن السير ودفع يد أورتي بقسوة. فتمايلت أورتي لكنها تمكنت بصعوبة من الحفاظ على توازنها.

“كنت أطلق عليكِ اسم دودةٍ طفيلية طوال الوقت، والآن تتصرفين فعلًا وكأنكِ دودة؟ كيف تجرئين على سرقة بروشي؟”

وعند هذه الكلمات، لاحظت أورتي أخيرًا ما كان يحمله إيرين في يده الأخرى. كان بروشه المفضل الذي كان يعتني به دائمًا.

'هل هذا هو السبب الذي جعله تفتشين غرفتي؟'

أخذت أورتي نفسًا عميقًا.

“……لستُ أنا. لم أفعل ذلك.”

“هاه، هل تستمرين في الإنكار حتى النهاية؟ هذا خرج من غرفتكِ، ومع ذلك تقولين أنه ليس لكِ؟!”

“لا أعرف من أين سمعتَ هذا، لكن لم أكن أعرف أن هذا الشيء كان في غرفتي. اسأل سيا، فقد كنت في غرفتي طوال اليوم.”

“لا، كنتِ في حفل البلوغ.”

“ذلك لأن ولي العهد هو من طلب مني الحضور……”

“أنتِ فتاةٌ عاهرة. لا تعرفين حتى تقدير فضائل والدكِ الذي ربّاك. مجرد وصمة عار لعائلة الدوق ويكيند!”

توقف حديث أورتي عندما سمعته، ثم استمرت الكلمات القاسية من إيرين.

“أنتِ وصمةُ عار، أيتها الدودة. لن يتم قبولكِ في أي مكان. المعبد؟ هل تظنين أنهم يحبونكِ بصدق؟ لا يوجد لديكِ حتى علامة القديسة، وسرعان ما ستُتَركين. أنتِ مجرد وصمة عار في كل مكان!”

__________________________

خلصت؟ كل تبن😘

آنا لو امسكها بس ان اعلمها ان الله حق

Dana

2025/04/06 · 35 مشاهدة · 1254 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025