يوم سيا يبدأ متأخرًا قليلًا مقارنةً بباقي الخادمات.

بعد أن ارتدت ملابسها، تحققت سيا من درجة حرارة الماء ثم ملأت الإناء، ثم توجهت إلى غرفة الآنسة التي تخدمها.

وأثناء صعودها درج القاعة، توقفت سيا دون أن تشعر. فكلما رأت القاعة، كانت تتذكر ذلك اليوم

ذلك اليوم الذي ما زال محفورًا في ذاكرتها بوضوح رغم مرور سنوات.

كان يوم بلوغ السيد الشاب إيرين، وكان وقتها الحفل قائمًا.

في ذلك اليوم، تلقت أورتي صفعةً من الدوق ويكيند وسقطت أرضًا هنا.

“حتى لو قتلتموني الآن فورًا، قلن أشعر بخيبةِ أملٍ بعد الآن.”

تذكّرت تلك الكلمات التي قيلت بابتسامةٍ مشرقة وكأنها تخلّصت من كل شيء.

ارتجفت سيا فجأةً من القشعريرة التي سرت في جسدها، فأسرعت في خطواتها. فقد مضى على ذلك الحدث أيضًا عدة سنوات.

وقفت سيا أمام غرفة الآنسة التي تخدمها. ثم طرقت الباب مرتين بسرعة لا بطيئة ولا سريعة، ثم فتحته

و هبّت نسمةٌ هواءٍ لطيفة.

“آنستي، هل نمتِ جيدًا؟ لقد جلبت ماء الغسيل.”

“همم”

عندما سمعت سيا ذلك الرد الخافت الذي بالكاد يُسمع، رفعت رأسها. فرأت فتاةً جالسة على حافة النافذة تتلقى نسمات الهواء.

شعرها الكثيف الذي كان يتطاير مع الريح هدأ قليلًا، فكشف عن وجهها للحظة.

كانت ملامح وجهها متناسقةً داخل وجهٍ نحيف.

حاجبان مستقيمان، وعينان ترمشان بكسلٍ تحتهما، وأنفٌ مستقيم، وشفاهٌ بلون وردي خفيف.

ربما بسبب بشرتها الشاحبة وجسدها النحيل، بدت أكثر نضجًا من سنّها البالغ سبعة عشر عامًا، رغم أنه لم يتبقَ على بلوغها سوى عامٍ واحد.

لم يَعُد هناك أيّ أثر لهيئة الآنسة الصغيرة ذات الثلاثة عشر عامًا التي كانت ضعيفةً وتُحتقر حين رأتها سيا لأول مرة.

نزلت أورتي من حافة النافذة وغسلت وجهها بسرعة.

وعندما رأت سيا أن أورتي تنتعل خفّها المنزلي، أسرعت وأحضرت شالًا و وضعته على كتفيها.

كانت أورتي، ما لم تستقبل ضيفًا أو تخرج إلى الخارج، تكتفي دائمًا بارتداء قميص النوم مع شالٍ فقط، فخرجت من الغرفة وهي تجرّه خفّها.

تبعتها سيا بهدوء، وعندما دخلت أورتي إلى غرفة الكتب، وقفت أمام الباب كعادتها دون تردد. و في تلك الأثناء، نظرت أورتي الى داخل المكتبة فرأت أن مقعد المسؤول كان فارغًا.

وبما أنها دخلت قبل المسؤول، أخذت كتابًا وقع في يدها وجلست على حافة النافذة كالعادة.

وما إن فتحت أورتي الكتاب حتى بدأت مباشرةً بالتركيز في القراءة. لكن ما لبثت أن سمعت صوت صهيل حصان، فالتفتت نحو النافذة.

كانت عربة الدوق ويكيند الفاخرة تغادر القصر.

رأت من خلال النافذة وجهال دوق ويكيند للحظة، فوضعت أورتي يدها على خدّها. ثم رفعت أظافرها وخدشت خدّها قليلًا.

لم يكن الخدش مؤلمًا، لكنها سحبت يدها بسرعة، وكأنها لم تفعل شيئًا.

'الآن وقد فكرت بالأمر، لقد مرّت أربع سنواتٍ بالفعل.'

احتفلت أورتي بميلادها السابع عشر قبل عدة أشهر.

بدأت حياتها الرابعة من سن الثالثة عشر، ومنذ ذلك الحين مرّت أربع سنوات.

كانت تشعر بمرور الزمن كلما نظرت إلى المرآة ورأت كيف تقترب تدريجيًا من هيئة أورتي ذات الثمانية عشر عامًا، التي تتذكرها أكثر من أي وقتٍ آخر.

بعد حفل بلوغ إيرين، لم يتواجهوا أكثر من عددٍ يُعد على أصابع اليد خلال عامٍ كامل. صحيح أن أورتي كانت تتجنبهم، لكن حتى مع ذلك، كان عدد المرات غريبًا بقلّته.

'لا يوجد سببٌ يجعلهم يتجنبونني.'

فهم ليسوا من النوع الذي يشعر بالذنب لمجرد كلماتٍ قالتها.

ربما كان إيرين منشغلًا بالتحضير ليصبح فارسًا بعد بلوغه. أما الدوق ويكيند وكليف فربما كانوا مشغولين بأعمالهم الجديدة، لذا غابوا كثيرًا عن القصر.

'لم يتبقَ حتى عامٌ واحد.'

قبل أن تظهر إيفون.

راحت أورتي تحسب الوقت ببطء.

لا تعرف السبب، لكن يبدو أن الكلمات التي قالتها يوم بلوغ إيرين قد أثّرت فيهم بطريقةٍ ما، حتى إن مضايقات إيرين قد قلت بشكلٍ ملحوظ.

كليف والدوق ويكيند، حتى وإن صادفوا أورتي بالصدفة، تجاهلوا بعضهم البعض تمامًا.

'ليتني فعلت هذا منذ البداية. لم أكن أعلم أن الأمر سيكون بهذه الراحة.'

“لقد أتى ذلك اليوم”

راحت أورتي تتفقد التاريخ وسرحت في أفكارها.

كانت تتذكّر هذا اليوم، ليس لأنه يومَ ميلادٍ أو ذكرى خاصة لأحد، بل لأنه يومٌ لا يُنسى.

“يوم خُطبتُ.”

تمتمت أورتي بصوتٍ خافت.

في مثل هذا اليوم، قبل شهرين تقريبًا من ميلادها السابع عشر، عاد الدوق ويكيند من القصر الإمبراطوري برفقة كايسي.

ثم تقدّم كايسي، الذي لم تره من قبل في حياتها، لخطبتها، وتمت خطبتهما.

بالطبع، لم يكن هناك خاتمٌ أو باقة زهور، بل كانت ورقةً واحدة هي كل ما مثّل الخطبة.

ورغم ذلك، أحبّت أورتي تلك الخطبة.

لأنها شعرت أنها ستكون عونًا للدوق ويكيند، ولأن خطيبها الذي لم تتوقعه كان أنيقًا للغاية ومهذبًا.

بالنسبة لأورتي التي كانت تُحتقر ولا تنال سوى الجراح، بدا كايسي وكأنه منقذ. كان ذلك في زمنٍ لم تكن تعرف فيه شيئًا.

عندما أتت هذه الذكرى بلا سبب وأفسدت مزاجها، نقرت أورتي لسانها بخفة. و في تلك اللحظة، ظهرت أمام عينيها عربةٌ مألوفة توقفت أمام قصر الدوق.

“هاه؟”

تفاجأت أورتي من ظهور شخصٍ لم تتوقعه، فنزلت من حافة النافذة وغادرت المكتبة.

“آنستي، هل هناك ما حدث؟”

سألتها سيا بدهشة، فقد خرجت أورتي في وقتٍ أبكر من المعتاد.

لكن أورتي لم تجد وقتًا للرد، فقبضت على قميص نومها ومشت بخطى أسرع.

“آنستي!”

حاولت سيا اللحاق بها بسرعة، لكنها عادت أدراجها لالتقاط الشال الذي سقط بسبب الريح.

“ما الأمر؟”

في تلك اللحظة، مرّ كليف في الممر والتقط الشال الذي أسقطته أورتي.

فانحنت سيا بسرعة برأسها.

“سيدي، آنستي بدأت تركض فجأة……”

عند سماع ذلك، نظر كليف من النافذة.

كانت عربة المعبد متوقفةً أمام قصر الدوق ويكيند، وكانت أورتي ترفع يدها قليلًا تجاه شخصٍ ما

وكان ذلك الشخص مألوفًا حتى لكليف.

كاهنٌ كان يأتي في كل مرةٍ تذهب فيها العائلة إلى المعبد.

“يوهان.”

“آنسة أورتي!”

اقترب الكاهن بخطى سريعة نحو أورتي.

“ما الأمر؟ لماذا أتيتَ فجأة؟”

“لا شيء خطير، كنت في طريقي للعودة من القصر الإمبراطوري بعد إنهاء أمرٍ ما، وخطر ببالي أمرٌ أردت أن أبلّغكِ به، لذلك جئتُ بدون سابق تواصل، أعتذر.”

“لا بأس، تفضل بالدخول.”

نظر كليف إلى أورتي وهي تدخل القصر برفقة يوهان الذي كان يرافقها، ثم سلّم الشال إلى سيا.

“راقبِ الأمور جيدًا حتى لا تثير أي ضجةٍ لا داعي لها.”

“نعم، نعم يا سيد.”

تراجعت سيا إلى الخلف بحذر.

أدخلت أورتي يوهان إلى القصر وتوجهت مباشرةً إلى غرفة الاستقبال.

“القصر فخمٌ حقًا، إنه يحمل جمالًا مختلفًا عن العظمة التي يشعر بها المرء في القصر الإمبراطوري أو المعبد.”

“الآن وقد فكرت بالأمر، يوهان لم يرَ سوى القاعة الكبرى دائمًا، أليس كذلك؟”

دخلت سيا غرفة الاستقبال وهي تحمل الشاي وبعض الحلوى الخفيفة.

“شكرًا جزيلًا.”

شكر يوهان سيا وهو يرفع فنجان الشاي. أما أورتي، فأمسكت مقبض الفنجان وأخذت تنظر إلى يوهان.

خلال السنوات الأربع الماضية، أصبح يوهان كاهنًا رسميًا. وبدا الآن تمامًا كما كان في ذكريات أورتي، من دون أي اختلاف.

“طعم الشاي رائعٌ حقًا.”

“إنه من أوراق الشاي التي تُزرع فقط في الشرق. سأجهز لكَ بعضًا منها لتأخذه معكَ إلى المعبد.”

اتسعت عينا يوهان بدهشة.

“لم أقصد ذلك بكلامي، لكن بما أن الآنسة أورتي ستعطيني إياه، فسأتقبله بكل امتنان.”

ابتسمت أورتي ابتسامةً خفيفة.

“بالمناسبة، لماذا ذهبتَ إلى القصر الإمبراطوري؟”

“آه، هو نفس السبب الذي أردتُ أن أخبركِ به يا آنسة أورتي.”

“ما هو؟”

“لقد عُيِّن كاردينالٌ جديد في المعبد.”

“ماذا؟”

وضعت أورتي فنجان الشاي وسألت بتعجب.

الكاردينال هو ثاني أقوى شخصيةٍ في المعبد بعد البابا، ولا يمكن الوصول إلى هذا المنصب لمجرد امتلاك قوةِ نورٍ كبيرة فحسب.

بما أن الكاردينال يمتلك قوةً هائلة لدرجة أنه يمكن أن يتولى دور الوكيل في غياب البابا أو في حال كان غير قادر على التحرك بشكلٍ لا مفر منه، فإن الوصول إلى هذا المنصب يتطلب استيفاء العديد من الشروط الصارمة التي يصل عددها إلى العشرات.

والمهم في الأمر هو أنه يجب أن يحصل على إذنٍ من البابا نفسه.

ما جعل أورتي مندهشةً هو أنه لم يكن هناك كاردينالٌ جديد أبدًا حتى الآن.

عندما بدت أورتي مفاجئة بشكلٍ غير معتاد، ابتسم يوهان ابتسامةً خفيفة.

“آنسة أورتي، أنتِ مفاجئة جدًا، أليس كذلك؟ أنا أيضًا سمعت عن ذلك مؤخرًا من البابا والمراجعين، لذلك ما زلت مرتبكًا قليلاً.”

لم يمضِ عامٌ على أن أصبح يوهان كاهنًا رسميًا، لكن بما أن البابا هو من جلبه ودرّبه شخصيًا، فلا يمكن تجاهل تأثير يوهان في المعبد.

ويبدو أن البابا والكاردينال، اللذان كانا يعاملانه كابن، قالا له في وقتٍ لاحق، مما جعل الأمر يبدو حقًا مفاجئًا.

________________________

الكاردينال ذاه تحفه

السكيب تايم الي صار يضحك اربع سنوات مره وحده! واو

احلا شي انهم صاروا يسفهونها ايه بالله لين ياخذها البطل اقلعوا وجيهكم

Dana

2025/04/09 · 41 مشاهدة · 1305 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025