منذ أن كان كايسي صغيرًا، كان معظم من التقاهم يضمرون له العداء لا الود. ولهذا السبب كان سريع البديهة في ملاحظة أي مشاعر عدائية تجاهه.

وحين لم تُخفِ أورتي كراهيتها تجاهه، كان من الطبيعي أن يلتقط كايسي تلك المشاعر الكثيفة على الفور.

‘ربما تعمدت إظهارها لي لألاحظها بنفسي.’

تساءل سوها بدهشة بعد سماعه لكلام كيسي.

“ماذا؟ متى رأتك حتى تكرهك؟ وما مشكلتها معكَ؟”

"مقارنةً بعائلة الدوق ويكيند، فأنا لا أُقارن."

في الواقع، لو أرادت أورتي، لكان بإمكانها أن تصبح زوجة ولي العهد، أي الإمبراطورة.

لكن أن تُعرض عليها مكانةُ الزوجة للأمير الثالي لتقوم فقط بخدمة ولي العهد كما يفعل، فبالنسبة لأورتي كان ذلك عرضًا لا يمكن قبوله.

“لكن سموك أيضًا شخصٌ رائعٌ بما فيه الكفاية……”

سوها لم يستطع إكمال جملته، واكتف بتحريك شفتيه بصمت.

“لم يكن ذلك هو الشعور الذي شعرت به، وأظن أن الأمر لن يكون سهلًا.”

“لماذا؟”

“لأنها……”

ضاقت عينا كايسي قليلًا و هو يتذكر ما قالته.

“أنا لا أحب سمو الأمير.”

“قالت أنها لا تحبني.”

وبشكلٍ غريب، في اللحظة التي سمع فيها تلك الكلمات، خفق قلبه بقوةٍ ثم هوى إلى القاع.

وكأنه……كان يعتقد أن أورتي تحبه، ثم تعرض لخيانةٍ مفاجئة.

***

ما إن أُغلِق الباب حتى فتح الدوق ويكيند فمه،

“أورتي، هل جننتِ فعلًا؟”

“أنا في كامل وعيي أكثر من أي وقتٍ مضى، يا دوق.”

قالت أورتي ذلك وهي تنظر إليه.

“أنا فقط مرتبكة. لقد طلبتَ مني أن أقبل خطبتي لشخصٍ لم أرَ وجهه حتى.”

“وماذا، هل ستوافقين إن رأيتِهِ مرتين أو ثلاث؟”

“لا.”

أجابت أورتي بحزم.

“لقد أخبرتكَ مسبقًا، أنا لا أحب سمو الأمير الثالث.”

“كما تقولين، الوقوع في الحب مع شخصٍ لم تريه من قبل هو الغباء بعينه!”

عند تلك الكلمات، رمشت أورتي بذهول.

“إذًا هذا هو التفكير المنطقي فعلاً.”

كم كنت غبيةً في الماضي، حين وقعتُ في حب شخصٍ من أول نظرة.

أغمض الدوق ويكيند عينيه بقوة وأخذ نفسًا عميقًا،

“ستتمُ الخطوبة.”

“أبي!”

وقبل أن ترفض بغضب، فُتح الباب فجأة وظهر إيرين.

اندفع إلى الداخل وهو يلهث بأنفاسٍ متقطعة واقترب بسرعة.

“هل صحيحٌ أن كايسي سيخطِب لتلك الدودة الطفيلية؟”

“ممّن سمعْتَ هذا؟”

“أجبني، هل هذا حقيقي؟!”

“إيرين!”

دخل كليف بسرعة ووقف أمام إيرين ليمنعه، ثم انحنى نحو الدوق ويكيند باحترام.

“أعتذر يا أبي. إيرين كانت تتساءل عن سبب قدوم سمو الأمير الثالث، فأخبرته……إنه خطئي.”

أطلق الدوق ويكيند تنهيدةً ثقيلة مليئة بالإحباط.

“كنتُ فخورًا بكَ عندما أصبحتَ فارساً منذ المرة الأولى، لكنك تُصيبني بخيبة أملٍ أكثر فأكثر، إيرين.”

“أبي، أعترف بخطئي. لكن هذه الخطوبة لا يمكن أن تتم……”

نظر إيرين إلى أورتي.

“سمو الأمير الثالث لا يليق بهِ أن يرتبط بتلك الدودة الطفيلية. هل تنوي تدمير حياة سموه؟”

“إيرين!”

صرخ كليف في وجهه.

“هذه ليست مجرد خطوبةٍ عادية! كم مرة يجب أن أقول لكَ إنها بأمرٍ من جلالة الإمبراطور حتى تفهم؟”

أغلق إيرين شفتيه بصمت. وفي وسط هذا الصمت، وقفت أورتي من مقعدها دون أن تكون مركّزةً أصلًا فيما يحدث.

فالتفتت إليها كل الأنظار.

“يبدو أنه لم يعد هناك ما يُقال، لذا سأذهبُ الآن.”

انحنت أمام الدوق ويكيند ثم استدارت.

“يا دودة، هذا أمرٌ يخصكِ، ليس وقت اللعب !”

لم يستطع إيرين إخفاء دهشته من تصرّف أورتي اللامبالي.

عند كلماته، توقفت أورتي واستدارت.

لم يكن من المعتاد أن تواجه هؤلاء الثلاثة معًا في وقتٍ واحد، و قد مضى وقت طويلٌ منذ آخر مرة. ولهذا السبب، لم تكن ترغب في البقاء في هذا المكان ولو لثوانٍ إضافية.

لأن وجوههم……كانت تمامًا كما كانت في ذلك الوقت.

“كما قال السيد، هذا شأني، فلا تتدخلوا.”

“أنتِ……!”

غادرت أورتي غرفة الاستقبال دون أن تلتفت.

وعندما عادت إلى غرفتها، أنهت استحمامها، وبدّلت ملابسها إلى منامة جديدة، ثم تمددت على السرير، لكنها لم تستطع النوم بسهولة.

لم يكن كايسي أو أمر الخطوبة هو ما يشغل بالها، فكل ذلك لم يؤثر عليها ولو بقدرِ شعرة.

'إينوك.'

استحضرت في ذهنها ذلك الشخص الغامض الذي لم تعرف عنه سوى اسمه.

'من يكون حقًا؟'

لماذا ظهر فحأة……؟

***

كانت أيام أورتي رتيبة.

فور استيقاظها صباحًا، كانت دائمًا ترتدي خفيها وتلف شالًا حول كتفيها وتتجه أولًا إلى المكتبه.

كان يومها قد بدأ بنشاط، وبالرغم من أنه أتى بعد يوم التقت فيه أولئك الثلاثة المزعجين ومعهم كليسي، إلا أن مزاجها لم يكن سيئًا.

لولا أن أول وجهٍ قابلته عند خروجها من غرفتها كان ذلك الوجه.

“يا دودة.”

إيرين، الذي أصبح في الثانية والعشرين وقد تخلّ تمامًا عن ملامح الطفولة، ما زال كلما رأى أورتي، يكشر وكأنه تتعامل مع حبيبته السابقه.

“ما الأمر؟ ما الذي أتى بكَ إلى هنا؟”

“وهل هناك سبب يمنعني من زيارة غرفتكِ؟”

تجاوزت أورتي إيرين وتوجهت نحو المكتبة. ثم لحق بها إيرين وسار خلفها.

“أنتِ لا تُخفين شيئًا، أليس كذلك؟ أنتِ حقًا لن توافقي على خطبتكِ لكيسي، صحيح؟”

"……."

“صحيح، من الجيد أنكِ تدركين مكانتكِ. هل تظنين أنكِ تليقين بالأمير الثالث؟”

دخلت أورتي إلى المكتبة وبدأت تبحث عن كتابٍ يشبه في موضوعه ما بدأت تقرأه مؤخرًا باهتمام.

“إن غيّرتِ رأيكِ لاحقًا، فستكون العواقب وخيمة.”

“….…”

“هاه، هل عليّ أن أقول كل هذا بوضوح؟”

مرر إيرين يده بعصبية عبر شعره ونظر حوله، ثم خفض صوته،

“كايسي هذا ليس طبيعياً.”

توقفت يد أورتي فجأةً وهي تتصفح عناوين الكتب بينما كانت تجلس القرفصاء. لكن إيرين لم يلاحظ ذلك، فأخرجت أورتي الكتاب الذي توقفت يدها عنده وكأن الأمر عادي.

“أنا لا أقول هذا لأجلكِ، بل لأجلي. لا أريد أن أقترب من ذلك الحقير أكثر.”

ولحسن الحظ، كان ذلك هو الكتاب الذي كانت أورتي تبحث عنه.

“هو……طريقة تفكيرهِ غريبة. لا يتردد في استخدام الناس، ويمارس الكذب بسهولة، والأهم من كل ذلك أنه لا يشعر بالعواطف……”

نهضت أورتي. فوقفت إيرين أمامها ليمنعها من المرور.

“لا تتجاهلي تحذيري.”

“سيد، كل النبلاء والعائلة الإمبراطورية هكذا. يتقنون استخدام الآخرين، والكذب سهلٌ عليهم. هل تمنع الخطوبة بسبب هذا فقط؟ هل هذا كل ما يشغلكَ؟”

لقد قال مؤخرًا أنه انضم إلى الفرقة الأولى للفرسان الإمبراطوريين، ومع ذلك كانت قضاء الوقت هكذا وكأنه ضياع لوقته.

“وقد قلت لكَ بوضوحٍ بالأمس.”

دفعَت أورتي كتابًا في كتف إيرين لتجعله يتحرك جانباً. فتراجع إيرين قليلًا.

“ابتعد.”

تجاهلت أورتي ما كان إيرين يردده خلفها، وخرجت من غرفة الكتب.

بعد أن قدرت الوقت، توجهت نحو غرفة الطعام. و عندما رآها خدم المطبخ انحنوا لها احترامًا.

فُتح باب غرفة الطعام، وتوقفت أورتي فجأة.

“آنسة أورتي.”

نهض كايسي من مكانه واقترب منها.

“ها نحن نلتقي مجددًا.”

“……بما أنكَ أتيتَ إلى مكان إقامتي، فلا مفر من أن نلتقي مرة أخرى.”

“هناك أمورْ يجب مناقشتها مع السيد ويكيند، وأعتقد أن ذلك سيأخذ وقتًا طويلًا، لذا سأكون مدينًا لكم بقضائي لبضعة أيام.”

لاحظت أورتي ملابسه البسيطة، بعكس ما كان عليه بالأمس عندما كان يرتدي ملابس رسمية، فسألته،

“هل يجب عليّ أن أرتدي ملابس رسمية؟”

“لا حاجة لذلك، اجلسي براحة.”

“لا.”

أمسكت أورتي بحافة ملابس نومها وانحنت.

“سأغادر الآن. تفضل بإتمام وجبتكَ.”

“سمعت أنكِ لم تتناولي الفطور بعد. آنسة أورتي، ما رأيكِ بتناوله معًا؟”

“صحيح، لكن هذا لا يجعل أنه من الضروري أن أتناول الفطور مع سموكَ.”

كانت أورتي على وشك العودة. لكن حركة كايسي أوقفتها، فكان خادمه أسرع في إغلاق باب غرفة الطعام.

حدقت أورتي في الخادم لبرهة، ثم نظرت إلى كايسي.

“ما هذا التصرف غير اللائق؟”

“إذا لم ترغبي في تناول الطعام معي، فماذا عن الحديث؟”

جلس كايسي على الطاولة، وأخرج لها كرسيًا كما لو كان مخصصًا لأورتي.

نظرت أورتي إلى الكرسي ثم رفعت نظرها إليه.

“أعتقد أن الآنسة أورتي أيضًا قد يكون لديها حديثٌ ترغب في التحدث عنه معي.”

“ها.”

ابتسمت أورتي ابتسامةً ساخرة.

“لا على الإطلاق.”

شعر كايسي بتوتر بين حاجبيه، فالتفتت أورتي نحو الخادم الذي كان ينحني.

“افتح الباب.”

اقترب الخادم بحذر وفتح الباب. و كان خادم كايسي ينتظر تعليماته، مستعدًا لإغلاق الباب مرة أخرى في أي لحظة.

“سمو الأمير.”

لكن كلمات أورتي سبقت حركة شفاه كايسي.

نظرت أورتي إلى كايسي.

'ربما كان قد استخدمني واستغلني في الماضي، لكن هذا ليس الماضي.'

“لا تعامَلني هكذا مرة أخرى. أنت لست الشخص الذي يمكنه أن يفعل ذلك معي.”

______________________

اصفقيه عشان ماعاد يقل أدبه

يعني في بيتها وتتحكم ؟ يع شكله مصدق نفسه عشانه أمير

تحذير إيرين يضحك بس منب ضاحكه دامها جت إيرين 🙂‍↕️

Dana

2025/04/09 · 41 مشاهدة · 1261 كلمة
Dana ToT
نادي الروايات - 2025