أُغلِق الباب.
و تنفّس سوهَا زفيرًا كان يحبسه دون أن يدري. ثم استدارت بذهولٍ نحو كايسي.
“حقًا……هل هي الآنسة أورتي؟”
كايسي، الذي عاد بذلك الحال بالأمس، شرع فورًا في جمع معلوماتٍ عن أورتي.
عندما اقترب من الدوق ويكسند، كانت قد جمع معلوماتٍ كافية عنه، لكنه لم يبحث عن أورتي.
لأنه لم يشعر بوجود داعٍ لذلك.
كان فقط يعرف اسمها وعمرها وترتيبها في العائلة، لكن أورتي التي قابلها بالأمس بعد أربع سنوات بدت مختلفةً بطريقةٍ ما.
ولأن كايسي كان يتساءل عن سبب العداء الذي كان يشعر به منها، فقد جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات في وقتٍ قصير.
المعروف عن أورتي في المجتمع هو أنها ضعيفةٌ جدًا وجميلة. وبخلاف تلك الحقيقة، كانت محاطةً بالغموض إلى درجة أنها لُقّبت بـ”الزهرة الخفية لعائلة ويكيند”.
وكأنها تثبت صحة تلك الشائعات، كان من الصعب للغاية جمع أي معلوماتٍ عنها. لأنه لم يكن هناك أي شيء متاحٍ أساسًا.
سوهَا الذي جمع معلوماتٍ سطحية فقط، اعتقد أن أورتي فتاةٌ ساذجة، غبية، ويمكن التعامل معها بسهولة.
لكن أورتي التي واجهها وجهًا لوجه كانت مختلفةً كثيرًا عمّا يُشاع عنها.
بشرتها البيضاء الشفافة جعلتها تبدو مريضةً بالفعل، وصحيح أنها كانت جميلة كبرعم زهرةٍ على وشك التفتح رغم أنها لم تتجاوز السابعة عشرة، لكن تلك كانت المعلومات الوحيدة التي تطابقت مع الواقع.
شفاهها المطبقة بإحكام، ونظراتها التي امتزج فيها الفتور مع الحِدّة، كانت قادرةً على تجميد من يقف أمامها.
'بالنسبة لآنسة في السابعةَ عشرة لم تظهر بعد في المجتمع الأرستقراطي……'
الهالة التي أحاطت بأورتي لم تكن عادية.
وعندما التق عيناه بعيني أورتي مباشرة، كانت عيناها عادية ظاهريًا، لكن شعورًا بأنها تخفي عمقًا لا يُقاس بدأ يتسلل إلى قلبه.
لذلك، ولو للحظة قصيرة جدًا…:جرفته عينا أورتي كما لو أنه ابتُلع بموجةٍ هائلة.
“يبدو حقًا أنها لا تملكُ أي اهتمامٍ بسموك.”
كايسي، التي عاد على تلك الحالة بالأمس، تواصلت مع كليف بعد ذلك. و تذرّع بالأعمال، لكن كليف، وكأنه يعرف نواياه الحقيقية، وافق بسهولة.
“لا يزال لدينا الكثير من الوقت.”
قال كايسي ذلك، لكنه لم يُبعد نظره عن الباب الذي خرجت منه أورتي.
***
خرجت أورتي من قاعة الطعام وكانت تنوي التوجه مباشرةً إلى كليف. فقد كانت تريد مواجهته لُبعد كايسي.
لكنها توقفت سريعًا عن السير.
'لا، لا حاجة لأن أهتم.'
مجرد كونها في نفس المكان مع كايسي أثار فيها شعورًا بالغثيان، مما جعل حكمها يختل في لحظة.
أجبرت أورتي نفسها على الهدوء وأخذت نفسًا عميقًا رغم شعورها بالغثيان.
في الحقيقة، لو نظرنا للأمر بموضوعية، لم يكن هناك سببٌ يدفع أورتي لرفض هذه الخطوبة بشكلٍ يائس.
ففي النهاية، قبل أن تُعقد مراسم الزفاف، ستظهر إيفون ويتم فسخ الخطوبة على أي حال.
لكن أورتي، حتى ولو للحظةٍ قصيرة، لم تستطع تحمّل أن يُسمّى كايسي بخطيبها، أو أن تُنادى هي بخطيبة كايسي.
كان ذلك مقززًا.
'لا أريد.'
أن تخطب لكايسي، كان أسوأ من أن تجلس ثلاث مراتٍ في اليوم على مائدة الطعام مع الرجال الثلاثة في عائلة الدوق ويكيند.
“آنستي، ألم تتناولي طعامكِ؟”
سألها سيا حين خرجت من قاعة الطعام بعد دخولها مباشرةً تقريبًا.
“من الآن فصاعدًا، ما لم أعطِ أمرًا آخر، قدمي لي كل الوجبات في غرفتي.”
“نعم، حاضر.”
ثم عادت أورتي إلى غرفتها.
لم يمضِ وقتٌ طويل حتى أحضرت سيا وجبةً بسيطة.
وبعد أن أنهت أورتي طعامها، أخبرت سيا بعنوان كتاب، وقضت وقتها تقرأ الكتاب الذي جلبته لها.
「هل تعلم أن التنين قد كان في الأصل رفيق أو قديسة؟
إنها قصة قديمة جدًا، نسيها الناس تقريبًا.
كانت الأرواح النقية تولد كقديسة، و يأتي تنبنٌ إلى عالم البشر بصفته رفيق القديسة.」
تنين.
كلمةٌ لم تسمعها منذ سنوات.
أعادت أورتي قراءة الجملة مرة أخرى. و ظهر في ذهنها التنين الذي رأته منذ زمنٍ بعيد.
ورغم أنه من الطبيعي أن تكون الذكرى قد بهتت، إلا أن التنين الذي بقي واضحًا في ذاكرتها كان جميلًا.
مرت يد أورتي برفقٍ فوق الكلمة، واستغرقت في التفكير حتى أوقف أفكارها طرقٌ خفيف.
“ادخل.”
فُتح الباب وأطلت سيا بحذر.
“آنستي، لم أرغب في إزعاجكِ، ولكن أحد تابعي صاحب السمو الأمير الثالث جاء و يطلب بإلحاح أن يُسمح له بلقائكِ ولو لمرة واحدة……”
“قولي له بأن يعود من حيث أتى.”
“آنستي……”
أعادت أورتي تركيز نظرها على الكتاب في دلالةٍ قوية على أنها لا تنوي قول المزيد، فغادر سيا الغرفة مُرغَمة.
تساءلا في نفسه إن كان من اللائق التصرف هكذا مع تابع للأمير الثالث، لكنها انحنت برأسها باحترام.
“أعتذر، لكن الآنسة طلبت أن تعود.”
تفاجأ التابع الذي كان يصغي للحديث الخافت.
“عذرًا؟ سمو الأمير ليس موجودًا. هل يمكنكِ فقط إبلاغ الآنسة أورتي أنني أتيتُ وحدي؟”
“لقد أبلغتها بذلك، لكنها أصرت على أن تعود.”
“أنا فقط أتيتُ لأوصل شيئًا بسيطًا. إنه أمرٌ تافه، لذا لو سمحت لي بلقائها للحظة فقط……”
في تلك اللحظة، فُتح الباب بعنف. فتفاجآ سيا والتابع اللذان كانا يتجادلان بظهور أورتي المفاجئ.
سيا، التي خدمت أورتي لعدة سنوات، قرأ تعبير وجهها بسرعة وانحنت على عجل. أما التابع، فقد انحنى متأخرًا وهو يُحييها.
“الآنسة أورتي، أعتذر لزيارتي المفاجئة. الحقيقة أن سمو الأمير الثالث أرسلني لأُسلِّم لكِ شيئًا……”
“هل كل من في القصر الإمبراطوري هكذا؟”
“عفواً؟”
“أنتم وقحون إلى هذا الحد.”
نظرت أورتي إلى التابع ببطءٍ من الأعلى إلى الأسفل.
“أأنت جاهل؟”
“….…”
رمش التابع بعينيه مذهولًا. ثم انحنى بتلعثم.
“أ..…أعتذر. أرجو أن تسامحيني على وقاحتي، الآنسة أورتي. لكنني لم آتِ أبدًا بنيّة إهانتكِ. سمو الأمير أرسلني ليعتذر عما حدث هذا الصباح، وقد أرسل باقةً من الزهور……”
“ليس الآنسة أورتي، بل عليكَ أن تقول الأميرة ويكيند. فحتى النبلاء من الرتبة الدنيا يجب أن يُظهروا لي الاحترام، وأنتَ لست حتى من النبلاء، أليس كذلك؟”
مهما كان تابعًا لأمير، فلا يحق لعامة الشعب من أمثاله أن يناديها بـ”الآنسة أورتي”.
ظهرت قطرةٌ من العرق البارد و سالت على جبين التابع.
نظرت أورتي إلى باقة الزهور الكبيرة التي كان يحملها، وتمتمت ببرود،
“اعتذار؟ إن كان قد أرسل من لا يعرف أبسط قواعد الأدب لإهانتي وإذلالي، فقد نجح بذلك.”
“لا، أميرة ويكيند! لم يكن هذا القصد إطلاقًا……!”
“لا يحق لكَ التحدث قبل أن أنهي كلامي.”
نظرت أورتي إلى التابع المرتجف بعينيها الحادتين، ثم أشارت بعينيها إلى سيا. فتقدمت سيا وأخذت باقة الزهور من يد التابع بدلاً عنه.
“أبلغ سموه بهذا، لقد وصلني الاعتذار، ولن يكون هناك شيءٌ آخر بيننا بعد الآن.”
“نعم، نعم.”
دخلت أورتي مع سيا إلى الغرفة.
وبعد أن ابتعدت خطوات التابع وراء الباب، أطلق زفرةً طويلة ورفع رأسه.
قاد التابع ساقيه المرتجفتين وهو ينزل الدرج في الردهة.
كان كايسي يتجول بالقرب من الدفيئة. وعندما لاحظ اختفاء باقة الزهور من بين يدي التابع، شعر بالارتياح.
فقد كان يظن أن أورتي سترفض استقبال الباقة بالطبع.
“سمو الأمير، الأميرة ويكيند قد قبلت الباقة……”
“إذاً راىع، فهذا يعني أنها قبلت.”
“لكن……”
رغم أنه لم ينظر إلى أورتي إلا لبضع ثوان، كان تعبير وجهها لا يزال حيًا في ذهنه.
كانت عينا أورتي، وهي تحدق في الباقة، كأنها على وشك تمزيقها إلى قطع.
على الرغم من أنه كان يعلم أن الهدف كان الباقة، إلا أن التابع شعر بالخوف من النظرة القاتلة التي أطلقتها دون أن يدري.
بقي التابع يفتح فمه لفترة طويلة قبل أن ينطق بكل ما قالته أورتي.
“لقد أدركتُ أنني من العامة، وأيضًا لاحظتُ نقصي في الآداب. أشعر بالأسف لأنني قد تسببت في إلحاق الضرر بسمعة سمو الأمير.”
“……من الآن فصاعدًا لن أرسلكَ لها، لا بأبس بذلك.”
“سأدرس الآداب حتى لو كان هذا متأخرًا.”
قال التابع ذلك بحزم، وقد صدم بشكلٍ كبير من هذه الحادثة. وفي تلك اللحظة، شعر كايسي برائحة احتراقٍ ولف رأسه.
وفي نفس الوقت، سقطت بتلةٌ وردية مشتعلة أمام كايسي. وعندما نظر بتفاصيل أكبر بسبب استغرابه من اشتعال بتلة الزهور، أدرك أنها كانت مألوفةً له.
كانت نفس لون الأزهار التي كانت في الباقة التي أُعدّت لأورتي.
‘هل من الممكن……؟’
رفع كايسي رأسه. وفي تلك اللحظة، كانت بتلات الزهور المحترقة تسقط في الهواء.
نظر كايسي إلى المكان الذي بدأ منه سقوطها. فرأى أن أورتي كانت تقف بجانب النافذة المفتوحة، وعينها خالية من التعبير، وهي تمزق بتلات الزهور واحدةً تلو الأخرى وتُشعلها بشمعة، ثم تُسقطها إلى الخارج.
“يا إلهي، ألم تكن هذه هي الباقة التي حضّرها سمو الأمير……؟!”
كانت أورتي، التي كانت تركز بينما ضيّقت حاجبيها، في النهاية تقترب من إشعال شمعةٍ على كامل الباقة.
نظرت أورتي إلى الباقة المشتعلة، ثم دارت رأسها بعيدًا. و عندما التقت عيناها بعيني كايسي، لم يظهر عليها أي تعبيرٍ مفاجئ، بل استمرت في رمي الباقة إلى الخارج بلا تردد.
ثم أغلقت النافذة بإحكامٍ وسحبت الستائر خلفها.
بعد أن اختفت أورتي عن الأنظار، تنهد كايسي فجأةً بعد أن كان قد كتم نفسه.
تحسسّ كايسي وجهه الساخن بيديه.
لم يشعر بمثل هذا من قبل.
كايسي عادةً لا يُظهر ملامح وجهه أو جماله، لكنه في المواقف التي يستدعي فيها الأمر لم يكن يتردد في استخدامه وجهه.
كان يتصرف كما يريد الطرف الآخر، ويسهل عليه كسب القلوب والنوايا الطيبة.
لكن هذه المرة، كان الأمر مختلفًا.
أورتي كانت قد رمت الباقة المحترقةَ أمامه كأنها تتحدى.
كان هذا الشعور، الذي يشعر به الآن، إحساسًا بالخجل؟ بالارتباك؟ أم شيءٌ آخر……؟
“سوها.”
“نعم، سمو الأمير. هل أعود لأحضر باقةً جديدة وأعطيها لها؟ أم أنني يجب أن أعود إلى القصر الإمبراطوري؟”
“الباقة لن تؤثر في الآنسة أورتي.”
“حقًا……هل تنوي البقاء هنا بعد ما رأيتَ ذلك؟”
ردّ كايسي، وهو ينزع بتلةً تلو الأخرى ويتذكر يدي أورتي البيضاء التي كانت تشعل الزهور.
“بالضبط لأنني رأيتُ ذلك، سأبقى.”
كانت الرغبة في امتلاك شيءٍ ما تتسرب لأول مرة إلى أعماقِ قلبه.
__________________________
مجنون رافضتك كل ذا الرفض الواجح وللحين تبيها؟ اول مره ابي ايفون تجي بسرعه تعالي واسحريه فكينا منه
بس تجنن اورتي وهي تحرقها كفو قدامه بعد 😭
Dana