“لكن، ماني، لدي شيء أود أن أسألكِ عنه.”
“تفضلي واسألِ ما تشاء.”
“هل تعرفين شيئًا عن الكاردينال إينوك؟”
قامت ماني بشرح موجزٍ عنه.
قالت أن الكاردينال إينوك هو حقًا من اختاره البابا. فقد وجد البابا سجلاً في المعبد وذهب بمفرده إلى مكانٍ ما، وهناك التقى بإينوك.
في البداية، لم يكن يستطيع أن يدرك قوته، لكن عندما شعر بقوة النور الهائلة المنبعثة من إينوك عندما اقترب، عيّنه في منصب الكاردينال فوراً.
“في غضون بضعة أشهرٍ فقط؟”
“نعم. حتى نحن شعرنا ببعض الارتباك، لكن الكاردينال إينوك حقًا شخصٌ مذهل. أنا واثقة أن الآنسة أورتي إذا قابلته، فستكون بينكما علاقةٌ جيدة.”
تذكّت أورتي اليد التي كانت تحتضن يدها. كانت يدًا دافئة، لطيفة، وناعمة.
عندما شعرت بوخزٍ خفيف في ظاهر يدها، حكّت أورتي المكان بأظافرها قليلاً.
أنهت استحمامها بسرعة، ثم تناولت وجبةً خفيفة وتوجهت إلى الحديقة.
كانت الحديقة كما هي دائمًا، تتسلل إليها أشعة الشمس الدافئةِ وتهب فيها نسائمٌ ناعمة.
أخذت أورتي نفسًا عميقًا ثم أطلقته ببطء. ثم أغمضت عينيها ببطء ثم فتحهما، فتوقفت فجأة.
“……أيلٌ أبيض؟”
أيلاً أبيض. كان هو نفسه الأيل الأبيض الذي رأته آخر مرة قبل أربع سنوات، وكانت أورتي متأكدةً من ذلك.
شعرت بقلبها ينبض بشدة عندما لمحت الندبة الخفيفة المتبقية على عنقه.
حاولت أورتي أن يجتخطو خطوةً حذرة للأمام، لكن الأيل الأبيض بدأ بالجري فجأة. و دون تفكير، اندفعت أورتي خلفه وبدأت بالركض تدريجيًا.
“انتظر……!”
كان الأيل الأبيض يبتعد باستمرارٍ عن مجال الرؤية بطريقةٍ مثيرة للقلق.
أورتي التي كانت تجري وسط الأعشاب وصلت إلى سهلٍ واسع فتوقفت عن الجري. لم تركض بهذا الشكل منذ وقتٍ طويل، لذا كان تنفسها متقطعًا بشدة.
التقطت أنفاسها، ثم بدأت تنظر حولها باحثةً عن الأيل الأبيض.
شييش-
عند سماعها الصوت المنخفض، التفتت أورتي برأسها. و كان الأيل الأبيض يداعب رأسه براحة يد أحدهم.
أول ما لفت نظرها كان الشعر الفضي المنسدل ناصع البياض. تحت أشعة الشمس، كان الشعر الفضي يلمع ببريقٍ مشرق كما لو أنه يحتضن الضوء.
الحاجبان المرتبان رسما قوسًا لطيفًا، والعينان التي كان يمكن أن تبدو حادةً خفّت حدّتهما بابتسامةٍ ناعمة.
كان جسر الأنف مرسومًا بانسيابية، وزوايا الشفاه المرتفعة قليلًا منحت انطباعًا وديًا.
كانت تلك هي اللحظة التي التقت فيها عيناهما. و عندما التقت بنظرات تلك العيون الزرقاء الباردة، شهقت أورتي.
لم يكن أمامها خيارٌ سوى أن تفعل ذلك. فمن تلك البرودة، تدفقت دفعةْ دافئة أحاطت بأورتي بالكامل.
تصلب جسدها من ذلك الدفء القوي الذي لم تشعر بمثله من قبل في حياتها.
لم يكن دفئاً نابعاً من لُطفٍ بسيط. بل كان أعمق من ذلك، وأكثر تعقيدًا.
“الآنسة أورتي.”
“……أنتَ الكاردينال إينوك، أليس كذلك؟”
أدركت أورتي أن الصوت الذي ناداها به مألوفٌ لديها، فتمكنت فورًا من تخمين هويته.
“هل أنتِ بخيرٍ الآن؟”
“نعم. سمعت أن من أحضرني إلى المعبد كان الكاردينال. شكرًا لك.”
“هل لي بيدكِ للحظة؟”
حدّقت أورتي براحة اليد الممدودة أمامها. ثم أدركت أن إينوك يقترب منها. وحين وضعت يدها فوق راحة يده، تأكدت تمامًا من ذلك.
كانت اليد كبيرة ودافئة، لكنها لم تكن مجرد يدٍ ناعمة. لم تكن ممتلئةً بالندوب أو القساوة، لكنها كانت صلبةً وناعمة في آنٍ واحد.
“همم.”
أغمض إينوك عينيه و فتحهما. ثم ابتسم.
“لقد تحسنت حالتكِ الجسدية كثيرًا.”
“أتدرك ذلك فقط من خلال الإمساك باليد؟”
“بفضل القوة التي امتلكها.”
طَرق-
شعرت أورتي بشيءٍ يضرب يدها بخفة، فخفضت رأسها. و كان الأيل الأبيض يضرب يد أورتي برأسه.
“يبدو أن الأيل يحبكِ يا آنسة أورتي.”
“آه.”
عندها فقط أدركت أورتي وجود الأيل الأبيض. فمرّرت يدها بحذر على رأسه.
الأيل الذي كان يهرب كلما التقيا، أسند رأسه بهدوءِ إلى يد أورتي هذه المرة.
و عندما احتكّ الفراء الناعم بكفها، ضغطت أورتي قليلًا بيدها وهي تلمسه. ثم تذكرت المشهد الذي بدا فيه إينوك والأيل الأبيض مقربين من بعضهما.
“هل هذا الأيل الأبيض حيوانٌ ترعاه؟ لأنه يشبه الأيل الأبيض الذي رأيته من قبل.”
“من الصعب شرح الأمر، لكن نعم، هو يرافقني. أنت أنقذتِ هذا الصغير يا آنسة أورتي.”
اتسعت عينا أورتي بدهشة.
“كيف علمتَ بذلك؟”
فقد كانت تلك الحادثة قبل أربع سنوات، وكان من المفترض أن إينوك لا يعرف عنها شيئًا.
“لقد أخبرني.”
“الأيل الأبيض؟”
“نعم.”
نظرت أورتي إلى الأيل الأبيض.
كان الغزال ينظر إليها بعينيه الكبيرتين المستديرتين وهو يرمش برقة. وعندما مسحت أورتي على وجهه، أغمض الأيل عينيه بهدوء وكأنه يتذوق لمسة الحنان تلك.
عندها ارتسمت ابتسامةٌ على وجه أورتي دون أن تشعر.
كان إينوك يتأمل تلك الابتسامة الخفيفة التي ظهرت على شفتي أورتي.
أورتي، التي لم تلحظ نظرات إينوك، تفقدت منطقة عنق الأيل الأبيض.
كانت الندبة الباهتة لا تزال هناك. وبما أن تلك الإصابة ظلت عالقةً في ذهنها، لم تستطع إلا أن تسأل عنها.
“هل أنتَ من عالج هذه الإصابة، سيدي الكاردينال؟”
“لا، لم أكن أنا من عالجها.”
أخرج إينوك ثمرةً صغيرة من جيبه ومدّها. فاقترب الغزال الأيل منها وهو يشمّها، ثم التهمها بسرعة.
“حين التقيتُ به مرة أخرى، كان الجرح قد شُفي بالفعل.”
من الذي عالجه إذًا؟
شعرت أورتي بالدهشة، لكنها ظنت أن أحد الكهنة العابرين ربما قام بذلك، فتجاهلت الأمر ببساطة.
“والآن بعد أن فكرت في الأمر، لم أقم بتحيتكِ رسميًا بعد.”
عند كلمات إينوك، نظرت إليه أورتي. ثم انحنى إينوك قليلًا وهو يحييها
“أنا إينوك. سمعت الكثير عنكِ من قداسة البابا ومن يوهان، وكنت أتمنى لقاءكِ بشدة.”
عند التفكير بالأمر، أدركت أورتي أن إينوك كان شخصًا ظهر فجأة، بخلاف حياتها السابقة. وبسبب الحديث الطبيعي بينهما، تذكّرت هذه الحقيقة المهمة متأخرًا.
انحنت أورتي بدورها تجاه إينوك.
“أنا أورتي. وأنا أيضًا رغبتُ بلقائكَ.”
وعندما رفعت رأسها، لم تستطع النظر مباشرةً إلى الابتسامة التي ارتسمت على شفتي إينوك.
لم تعرف لماذا.
أدارت نظرها بعيدًا بشكلٍ مرتبك، فسألها إينوك،
“هل تحبين حديقة المعبد؟”
“آه، نعم. أحبها.”
“هذا يبعث على الارتياح.”
“ما الذي تقصده؟”
“كون الحديقة التي اعتنيتُ بها بكل جهدي قد نالت إعجابكِ، يا آنسة أورتي.”
اتسعت عينا أورتي بدهشة عند سماعها لذلك.
“هل تقصد أنكَ أنتَ من اعتنيت بالحديقة بنفسك؟”
“نعم، مضى على ذلك عدة سنوات. أردت أن أشرح لكِ الأمر ببساطة، هل تسمحين لي؟”
وعندما تقدّم إينوك إلى الأمام، تبعته أورتي وهي تراقبه من طرف عينها.
'لماذا يعتني إينوك بالحديقة؟'
كان من الغريب أن يقوم شخصٌ غير العاملين في الحديقة بهذا العمل، لكن إينوك كان يتحدث وكأنه مكث في المعبد لعدة سنوات.
من المؤكد أن ماني قالت قبل عدة أشهر إن إينوك قد وصل، مما جعل أورتي تشعر أن هناك سببًا يخفيه إينوك، ربما يكون له وضعٌ معين.
كانت فكرة أنه شخصٌ غامض تلوح في ذهن أورتي حينها.
“هذه الزهور زرعتها بنفسي.”
تفاجأت أورتي وهي تنظر إلى الزهور المنتشرة أمامها.
“في الواقع، أنا أحب زهور البرية أكثر من الزهور الكبيرة والملونة، لذا معظم الزهور هنا لا أعرف حتى اسمها.”
تابع إينوك حديثه، وكأنه يشعر ببعض الإحراج. و جلس إينوك القرفصاء ومرر يده برفق على بتلة زهرةٍ برية بحجم ظفر اليد.
رغم جسده الضخم، كان يبدو بعيدًا عن طبيعته، ما جعل أورتي تبتسم من غير أن تشعر.
“يبدو أن لديكَ موهبةً في الزراعة. الزهور جميلةٌ حقًا.”
“هل أعجبتكِ؟”
“نعم.”
“إذاً، لتأخذِ هذا المكان، آنسة أورتي.”
“ماذا؟”
نهض إينوك من مكانه.
“أنا أزور هذا المكان مرةً كل يومين فقط لأعطي الزهور الماء. لقد رعيتها من أجل شخصٍ ما، وأعتقد أن هذا الشخص هو أنتِ، يا آنسة أورتي.”
“أوه، ولكن هذا مكانٌ رعيته أنت لفترةٍ طويلة……”
“لا داعي للمجيء بشكلٍ متكرر. فقط في بعض الأحيان، عندما يخطر في بالكِ، يكفي أن تمر بنظركِ عليه لمرة واحدة.”
تلاقت أنظارهم. فابتلعت أورتي ريقها.
كانت عيون إينوك تحمل مشاعر لا يمكن وصفها. لم تكن المشاعر عاصفة، لكنها كانت قويةً بما يكفي لتحدث تأثيرًا عميقًا.
كان نظرته غريبةً بالنسبة لأورتي، فسرعان ما أبعدت نظرها عنه.
كان الدفء في عينيه غريبًا جدًا، لدرجة أنها شعرت بأنها دافئة بشكلٍ غير مريح.
“شكراً……جسدي ليس على ما يرام، لذلك سأعود الآن.”
كان ما تستطيع أورتي فعله الآن هو الهروب بعيدًا عن الدفء.
________________________
ياعمري بنيتي ماتعودت على ذا المشاعر 😭
اينوك مب بس غابه خضرا ذاه بساتين 😔✨
الفصل حلووو تدرون ليه؟ مافيه لا خشة ولا طاري الدوق وعياله✨
Dana