عندما سمع البابا والكاردينال الأول بخبر استيقاظ أورتي، جاءا لزيارتها.
أمسك البابا بيد أورتي ليتفقد حالتها الجسدية، تمامًا كما فعل إينوك من قبل. ولكنه استغرق وقتًا أطول بقليل هذه المرة، قبل أن يسحب يده وملامح وجهٍ توحي بأنه بذل جهدًا كبيرًا.
“الضرر الداخلي قد تعافى كثيرًا.”
“لقد فوجئتما كثيراً، أليس كذلك؟ أنا آسفة.”
“لا داعي للاعتذار. سلامتكِ هي الأهم.”
قال البابا ذلك مبتسمًا. وتحت نظرته الدافئة، خفضت أورتي عينيها قليلًا.
‘ترى، ألا يعلم؟’
ظنت أنه سيفهم على الفور سبب سقوطها، لكنه لم يذكر شيئًا.
لم تكن واثقةً إن كان يتجاهل الأمر عن قصد، أم أنه لا يعلم فعلًا، لكنها لم تهتم كثيرًا. فقد خرجت من ذلك الموقف على أية حال.
“وصلتنا بالأمس رسالةٌ من الدوق ويكيند، يسأل متى سيكون من المناسب أن تعودي يا آنسة أورتي……”
عندما أنهى البابا حديثه دون إكماله، سألته أورتي فوراً،
“برأي قداستك، كم من الوقت ينبغي لي البقاء هنا؟ هل يكفي أسبوع؟”
“نعم، يبدو أن عليكِ البقاء على الأقل لأسبوع. سأتواصل أنا مع الدوق ويكيند، لذا ركزي فقط على التعافي.”
فهم البابا بسرعة ما كانت أورتي ترمي إليه. فابتسمت أورتي ابتسامةً خفيفة تحمل في طياتها الامتنان.
“شكرًا جزيلًا.”
وبعد مغادرتهم، شعرت أورتي بالارتياح لأنها كسبت أسبوعًا على الأقل.
'لماذا لم يسألني؟'
كان ذلك ما أثار استغرابها.
قبل عدة سنوات، كان البابا قد سأل لأول مرةٍ عن حياة أورتي في قصر الدوق ويكيند.
لم يسأل قبل ذلك، لأن أورتي كانت تبتسم حينها ابتسامةً مشرقة وتتحدث بكلماتٍ جميلة تُرضي السمع.
كانت تقول ما يُراد سماعه، وهي تخفي الحقيقة خلف عينيها.
'منذ متى عرف قداسته بالحقيقة؟'
لكن البابا كان يعلم بالفعل كيف كانت تُعامل أورتي في قصر الدوق ويكيند.
“هل يعاملكِ الدوق ويكيند أو أبناؤه بلطف؟”
عندما سألها البابا بذلك الشكل قبل أربع سنوات، بدأت أورتي تتيقن بأنه على درايةٍ على الأقل بجزء من الحقيقة.
'……فهل يعلم أيضًا أنني مزيفة؟'
أصابتها قشعريرةٌ عند تلك الفكرة، فمررت يدها على ساعدها ثم قبضت عليه بشدة.
فالأشخاص الذين كانوا باردين منذ البداية، لم يكونوا مخيفين بقدر ما كان مخيفًا أن يتحول أولئك الذين كانوا لطفاء إلى أشخاصٍ قساة.
ورغم أن أورتي كانت تحب أولئك الباردين أكثر……إلا أن هذا لا يعني أنها لم تكن تحمل أي مشاعر تجاه من كانوا لطيفين معها من قبل.
على عكس حياتها السابقة، بدأت أورتي تتعلق بالمعبد أكثر. وإن كانت تلك المودة ليست مودةً طبيعية، فذلك بحد ذاته كان مشكلة.
فالمعبد هو الكيان الوحيد القادر على أن يشكّل درعًا يحميها من الدوق ويكيند. و كانت أورتي تنوي استغلال كل ما يمكن استغلاله حتى ظهور إيفون واختفائها هي.
كما فعلت هذه المرة.
وبالطبع، عندما تظهر إيفون، فإن المعبد الذي كان يقف إلى جانب أورتي، سيبدأ في مهاجمتها.
“….…”
تخيلت أورتي كيف سيتخلى عنها المعبد، وانكمشت تحت الغطاء. و أغمضت عينيها متعمدةً كي لا تفكر في شيء، لكن كما لو أن عقلها كان ينتظر ذلك، ظهر شخصٌ آخر في ذهنها.
“أنا إينوك. لقد سمعت الكثير عنكِ من قداسته ومن يوهان، وكنتُ أرغب بشدةٍ بلقائكِ.”
إينوك. شخصٌ لم يظهر من قبل.
كان إينوك شخصًا غامضًا للغاية. و كان من الواضح أنه يخفي الكثير، لكن لطفه ووداعته تجاهها لم يكونا مصطنعين أبدًا.
وحين خطرت صورة إينوك في بالها، شعرت أورتي بصداعٍ ينبض في رأسها. فضغطت على صدغيها وأغمضت عينيها ثم فتحتهما من جديد.
ثم راودها شعورٌ بأنها لا يجب أن تبقى ساكنة، فنادت على ماني.
“ماني، لنذهب إلى المكتبة.”
“نعم، آنسة أورتي.”
لم يكن هناك ما يفرغ الذهن مثل القراءة. ولأنها كانت في المعبد، كان هناك الكثير من الكتب العميقة عن القديسة الأولى، لذا سارعت أورتي في خطواتها نحو المكتبة.
كانت هذه أول مرة تذهب فيها إليها منذ أربع سنوات، منذ أن شاهدت التنين في حديقة المعبد وبدأت تبحث في الكتب.
نظرت أورتي إلى المكتبة التي كانت تمامًا كما حفظتها في ذاكرتها، وتقدمت بخطى هادئة.
حاول المسؤول عن المكتبة أن يعرض عليها المساعدة، لكنها رفضت وأصرت على التجول وحدها.
عندما زارت أورتي المكتبة لأول مرة، كانت تبحث فقط عن كتبٍ تتعلق بالتنانين، ولم تتجول في باقي الأرجاء. أما الآن، فقد أخذت تشتم رائحة الكتب بهدوء وتتفحص المكان من حولها بتمعن.
كانت المكتبة أكبر وأضخم مما كانت تتذكره. ولأن الكتب التي تحتويها كانت مختلفةً تمامًا عن تلك الموجودة في مكتبة الدوق ويكيند، بدأت أورتي تقرأ العناوين بينما تتقدم شيئًا فشيئًا نحو الداخل.
ثم توقفت في أحد الأماكن، ووقفت على أطراف أصابعها محاولةً الوصول إلى كتابٍ بلا عنوان.
لكن أطراف أصابعها بالكاد لمسته، فشدّت على قدميها أكثر محاولةً الوصول إليه.
“سأخرجهُ أنا.”
في تلك اللحظة، سُمع خلفها مباشرةً صوت، وغطت يدٌ كبيرة يد أورتي.
تفاجأت أورتي وسحبت يدها، وبعدها فقط أخرجت تلك اليد الكبيرة الكتاب من الرف.
وحين أدارت رأسها لترى من هو، لمحت شعرًا ناصع البياض.
“آنسة أورتي؟”
عندما ناداها، استعادت أورتي تركيزها فجأة، وأدركت أن إينوك كان يمدّ لها الكتاب.
“آه، شكرًا لك.”
أخذت أورتي الكتاب منه بهدوء.
لم تكن تتوقع أن تلتقي به مجددًا بعد لقائهما السابق، لذا نظرت حولها بتوتر خفيف.
تراجع إينوك خطوةً إلى الخلف وسأل وهو ينظر إلى الكتاب الذي كانت أورتي تحمله بين ذراعيها،
“أي نوع من الكتب جئتِ تبحثين عنه؟ رأيتكِ تتجولين منذ قليل.”
“لا أبحث عن كتابٍ محدد، فقط أردت قراءةَ شيء يفرّغ رأسي من التفكير……”
“كتابٌ يفرّغ الرأس من التفكير، همم……”
ردد إينوك كلماتها بهمس، ثم التفت نحوها.
“هل وجدتِ كتابًا كهذا؟”
“ليس بعد.”
“إذاً، ما رأيك أن تتحدثي معي بدلًا من ذلك؟”
فوجئت أورتي قليلًا بالاقتراح واتسعت عيناها.
“معكَ، أنت؟”
“نعم. لقد قرأت معظم الكتب الموجودة في هذه المكتبة.”
نظرت أورتي لا إراديًا حولها نحو رفوف المكتبة. كانت المكتبة ضخمةً لدرجة أن قراءة كتبها جميعًا ستستغرق حياةً كاملة، وربما لن تكفي.
الغريب أن أورتي لم تشعر أن كلام إينوك كان كذبًا، ومع ذلك، لم يكن ذلك سببًا كافيًا لتبدأ الحديث معه.
“إن أردتِ، يمكنكِ سؤالي عمّا تشائين.”
بدا وكأنه شعر بترددها. فنظرت أورتي إلى إينوك بتردد.
لم يكن ضوء الشمس يدخل جيدًا إلى مكتبة المعبد، لكن لأنهما كانا بالقرب من النافذة، أضاء الضوء مكان وقوفهما فقط.
وبما أن أورتي كانت تقف ووراءها الشمس، فقد عبس وجهها قليلًا من شدة الضوء. فما كان من إينوك إلا أن رفع يده ليحجب ضوء الشمس عن وجهها، ودخل داخل الظل الذي صنعته أورتي.
وعندها فقط استطاعت أن ترى وجهه بوضوح. و حتى داخل الظل، كان لابتسامته وقعٌ خاص يجذب الأنظار.
ابتلعت أورتي ريقها دون أن تشعر.
لسببٍ ما، استطاعت أورتي أن ترى عيني إينوك بوضوحٍ غير معتاد. كأنها مياهٌ صافية قد تجمدت بالكامل.
كانت عيناه الزرقاوان شفافتين وغامضتين، وتحملان في طياتهما مشاعر قوية لا تليق بذلك الصفاء. وأدركت أورتي أن تلك المشاعر كانت موجّهةً نحوها.
“……وما هو المقابل؟”
قالت أورتي ذلك بصوتٍ بالكاد خرج من شفتيها، فابتسم إينوك.
“إن تحدثتِ معي، فهذا وحده مقابلٌ كافٍ. لكن إن شعرتِ بعدم الارتياح لعدم وجود مقابل……فلتمنحيني أمنيةً واحدة فقط.”
“لن أستطيع تحقيق أمنيةٍ صعبة.”
قالت ذلك بجدية، لكن إينوك انفجر ضاحكًا بصوتٍ مسموع.
انعطفت عيناه بلطف، وكشف عن أسنانه البيضاء المتراصة بابتسامةٍ مشرقة.
“لا تقلقي.”
“……إذاً، سأطرح سؤالي.”
تحدثت أورتي، فتهلل وجه إينوك فرحًا.
“أعرف مكانًا جيدًا، هل يمكننا الذهاب إليه؟”
“نعم.”
بدآ أورتي وإينوك في التحرك معًا. و مانِي، التي كانت تنتظر أمام المكتبة، لاحظت أن إينوك كان يرافق أورتي، ففهمت الموقف ولم تتبعهم، بل توجهت إلى غرفتها.
لم يتبادل الاثنان أي حديثٍ حتى وصلا إلى المكان الذي حدده إينوك. ومع ذلك، لم تشعر أورتي بأي حرجٍ أو انزعاج من الصمت. و كان كل ما يدور في ذهنها هو صورة إينوك وهو يغطي الشمس التي كانت تنعكس على وجهها.
ذلك الشعور عندما يقترب شخصٌ من الجهة المقابلة تجاهك……كان شعورًا غريبًا، لا يمكن وصفه بالكلمات.
غارقةً في أفكارها، لم تدرك أورتي إلا متأخرة أن إينوك كان يراقبها. وعندما تلاقت عيونهما، توقف إينوك عن السير.
“هذا هو المكان.”
عندئذ فقط اكتشفت أورتي أنها وصلت إلى الحديقة.
“هنا……”
فوجئت أورتي قليلاً.
و لم يكن من المستغرب أن تتفاجأ. فهنا حين قابلت أورتي ذلك التنين.
_________________________
يعطيس تلميحات يعني هاه تراني التنين
يوم ضحك✨✨يماه وناسه
ابيها تقعد في المهبد وقت طويل حلوه مونتاتهم
Dana