بذلت أورتي جهدًا كبيرًا للعثور على ذلك المكان بعد لقائها بالتنين.
في الأساس، كان ذهابها اليومي إلى الحديقة آنذاك دون انقطاع من أجل الوصول إلى هذا المكان.
لكن في النهاية، لم تستطع أورتي العثور على المكان الذي التقت فيه بالتنين، فاكتفت بحفظه في ذاكرتها وتخلت عن الأمر.
'لم أكن أعلم أنني سأجده مجددًا هكذا.'
رمشت أورتي بعينيها بذهول وهي تحدّق في السهل.
لم يكن سهلًا عاديًا، بل كان يحتوي على بحيرةً صغيرة وشجرة كبيرة، وكأنه يقع في قلب الغابة تمامًا.
“هل زرتِ هذا المكان من قبل؟”
استدار إينوك برأسه بينما كان يسبق أورتي بعدة خطوات.
تلاقت أعين أورتي مع إينوك، ثم نظر مجددًا نحو السهل قبل أن يلتفت إليه مرة أخرى.
“……نعم. مرةً واحدة فقط.”
كان من الصعب رؤية وجه إينوك بوضوح لأنه كان يدير وجهه بعيدًا قليلًا عن الشمس.
“متى كان ذلك؟”
“قبل أربع سنوات.”
“……هكذا إذاً.”
عاد صوته بعد لحظةً متأخرة، وكان يفتقر إلى بعض الحيوية دون سبب واضح.
اقتربت أورتي منه وهي تشعر بالحيرة محاولةً التحقق من ملامحه، لكن وجهه لم يُظهر أي شيء غير معتاد.
“هل تعرفين ما هي شجرة العالم الخاصة بالمعبد؟”
عندما أمالت أورتي رأسه، أشار إينوك إلى شجرةٍ كانت واقفة هناك بثبات. و لم تكن سوى شجرةٍ عادية أكبر قليلًا من الأشجار المحيطة بها.
“تلك هي شجرة العالم الخاصة بالمعبد؟”
“نعم. تبدو عاديةً أكثر مما توقعتِ، أليس كذلك؟”
أومأت أورتي برأسها.
“كنت أعتقد أنها ستكون مميزةً ويمكن التعرف عليها بمجرد النظر إليها.”
'كنت أظن أنها ستكون ضخمةً وجميلة.'
اقترب أورتي من الشجرة وكأنها مسحور، ووضعت يدها بحذر على جذع شجرة العالم.
كان سطح الشجرة خشنًا بعض الشيء، لكنه لامعٌ في الوقت ذاته.
وعندما بدأ ضوء خافت يخرج من موضع تلامس يدها مع الجذع، اتسعت عينا أورتي دهشة.
كانت طاقةً مقدسة.
“دعينل نتحدث هنا.”
نظر إينوك إلى أورتي ثم جلس بهدوءٍ تحت الشجرة دون تردد.
نظرت أورتي إلى طرف ثوبه الأبيض الذي لامس التراب، ثم جلست بجانبه.
كانت المسافة بينهما بحيث لا يمكن لمس أحدهما الآخر إلا إذا مد ذراعه بالكامل، لا قريبة ولا بعيدة، بل معتدلة.
ولم يتحدث أي منهما بشيء.
ظلّ الصمت بينهما لفترة طويلة، حتى كسره سؤال أورتي.
“منذ متى وأنتَ تعيش هنا؟”
على عكس ما قاله كلٌ من ماني ويوهان، كانت أورتي تشعر في قرارة نفسها أن إينوك يعيش في المعبد منذ وقتٍ طويل.
فقد قرأ كل الكتب الموجودة في المكتبة، واعتنى بالحديقة لعدة سنوات، وكان ذلك دليلاً كبيرًا.
“كنت أعيش هنا منذ زمنٍ بعيد، منذ ما قبل ولادتك يا آنسة أورتي.”
عند سماعها تلك الكلمات، التفتت أورتي ونظرت إلى إينوك.
كان يبدو في عمرٍ تجاوز سن الرشد بقليل، وعلى الأقل أكبر من أورتي، لذا كان من الواضح أن ما قاله صحيح.
“هل تعرف شيئًا عن التنانين؟”
"……."
رغم أنها طرحت السؤال التالي، لم يأتِ الجواب على الفور كما في السابق، فشعرا أورتي بالحيرة والتفت مجددًا نحو إينوك. ولم تعلم متى بالضبط، لكن إينوك كان يحدّق بها.
قرأ أورتي في عينيه دهشةً صامتة.
“الكاردينال إينوك؟”
“……آه، هل انتهت أسئلتكِ عني؟”
راودها شعورٌ بأن ذلك السؤال لم يكن نابعًا من قلبه، لكن أورتي حرّكت شفتيها وأدارت وجهها بعيدًا.
“……منذ صغري كنت مهتمًا بالتنانين.”
“التنين هو الكائن الذي وجِقبل البشر، ولهذا السبب كان يرافق القديسة الأولى. ومنذ ذلك الحين، كان هناك أيضًا تنانين مرافقه أخرى للقديسات.”
كانت أورتي تعرف هذه المعلومة من كتابٍ قرأته بالصدفة. وحين لم تُظهر أورتي أي رد فعل، رمش إينوك بعينيه.
“كنتِ تعرفين ذلك؟”
“نعم، قرأت عنه في أحد الكتب.”
“غريب……إذًا، هل تعرفين ما حدث لرفيق أول قديسة؟”
“لا.”
شعرت أورتي بأن قصةً تجهلها توشك أن تبدأ، فنظرت إلى إينوك بعينين مليئتين بالفضول.
“يقال إن رفيق القديسة الأولى اختفى منذ زمنٍ بعيد، لأنه انتهك محرمًا لا يجوز المساس به.”
“أي محرم؟”
تلألأت عينا إينوك بخفوتٍ حتى وسط الظل، كما لو أنهما تبعثان ضوءًا من تلقاء نفسيهما.
“هل ترغبين في معرفته؟”
سألها فجأةً مقاطعًا حديثه، فهزت أورتي رأسها.
“أجل، أريد أن أعرف.”
“إذاً، هل يمكنكِ أن تأتي إلى هذا المكان معي مجددًا غدًا؟”
في اللحظة التي سمعت فيها أورتي هذا السؤال، شعرت وكأنها استيقظت من حلمٍ لتنهض فجأة في واقع قاسٍ.
بدأ قلبها ينبض بسرعة. و نظرت إلى إينوك وابتلعت ريقها بصعوبة.
كان إينوك أغرب شخصٍ قابلته في حياتها. عندما تتحدث إليه أو تلتقي بعينيه، كانت تنسى كل شيء وترغب فقط في اتباعه.
أدركت أورتي أن هذا ما يُسمى بـ”الانجراف وراء شخص”. و لسببٍ ما، أرادت التحدث مع إينوك أكثر والبقاء معه لفترةٍ أطول.
كانت مشاعراً لم تشعر بها من قبل.
لم تكن كتلك التي شعرت بها تجاه عائلتها، أو كايسي و جوناس. كانت متأكدةً أن الإحساس الذي تختبره الآن مختلفٌ تمامًا.
بدأت فكرةٌ تسيطر على عقلها، إن بقيت معه أكثر، قد يصبح الأمر خطيرًا.
“……أعتذر، الكاردينال إينوك. لا أظن أنني أستطيع ذلك.”
نهض أورتي من مكانها.
“إذا التقينا لاحقًا، فسأعطيك المقابل. لكن لا أظن أن الوقت الآن مناسب. سأذهب أولًا.”
انحنت أورتي برأسها ثم استدارت دون أن تنتظر ردًا.
بدأت خطواتها تسرع تدريجيًا، حتى شعرت بأن أنفاسها قد بلغت حنجرتها. وفي لحظةٍ ما، وجدت نفسها تركض بسرعة دون أن تدرك ذلك.
ومع ذلك، لم اتوقف أورتي. كانت تشعر وكأن وحشًا غير مرئي يطاردها عن قرب.
'لن أفعل شيئًا.'
كانت أورتي قد قررت أنها لن تُقدم على أي شيء. و لم يكن لقاء إينوك أو الحديث معه جزءًا من خطتها.
إينوك كان مجرد شخصٍ ظهر فجأة، لا علاقة لها به على الإطلاق. و كانت شعر بشدة بأنه لا يجب أن تربط نفسها به أكثر من ذلك.
وفي اللحظة التي خرجت فيها من الحديقة، بينما كان صدى أنفاسها المتسارعة و يتردد في أذنيها……
“…..!”
ارتعدت أورتي فجأة عندما أمسكها أحدهم من ذراعه، فاستدارت مذعورة.
كان وجهًا مألوفًا رغم مرور وقتٍ طويل، إنه جوناس.
“ما أمركِ؟”
تحدث يونس وهو يحدّق في أورتي التي كانت تلهث بشدة، وعقد حاجبيه.
“لماذا أنتِ في المعبد في هذا الوقت تحديدًا؟”
“……لديّ ظرفٌ ما، لذا أُجبرت على البقاء في المعبد لبعض الوقت.”
“لكن لماذا، ولماذا الآن بالذات……!”
صرخ جوناس فجأة، لكنه ما إن رأى ملامح أورتي المتفاجئة حتى عض على شفتيه بصمت. ثم خفف قبضته عن ذراع أورتي وأغمض عينيه للحظةٍ قبل أن يفتحهما.
حين رأت أورتي وجهه الذي كان يغلي بالغضب، أدركت أن هناك شيئًا غير طبيعي.
“من الأفضل ألا تظهري أمامي في الوقت القريب.”
قالها جوناس ذلك، الذي ظهر فجأة، ثم اختفى بنفس الطريقة.
وبينما كانت لا تزال تلتقط أنفاسها، ظلت أورتي تحدق في الاتجاه الذي اختفى فيه جوناس.
رغم أن غضب جوناس بدا غير مبرر، إلا أن هناك أمرًا إيجابيًا واحدًا فيه، فقد ساعدها على تهدئة مشاعرها المعقدة تجاه إينوك.
ما جعل أورتي غير قادرةٍ على نسيان جوناس لم يكن غضبه. بل لأنها رأت تعبيرًا مألوفًا على وجهه.
قطّبت أورتي حاجبيها ثم حوّلت نظرها إلى الاتجاه الذي ظهر منه جوناس.
“مهد المعبد……”
ثم عضت شفتيها بهدوء.
***
كانت أورتي قلقةً من أن يأتي إينوك للبحث عنها. لكن على عكس مخاوفها، لم يأتِ إينوك.
وبعد أن قضت ثلاثة أيامٍ في غرفتها، بدأت تشعر بالارتياح، فوافقت أخيرًا على طلب البابا الذي كانت قد رفضته بحجة أنها مريض.
“الآنسة أورتي.”
“مرحباً، قداستك.”
انحنت أورتي قليلًا عند مدخل غرفة المعبد عندما رأت البابا يقترب.
“هل أنتِ بخيرٍ الآن؟”
“نعم، أعتذر……شعرت بإرهاقٍ مفاجئ خلال الأيام الماضية……”
“لا بأس. ما دمتِ قد تعافيت، فهذا يكفي.”
وأثناء حديثها، شعرت أورتي بالارتياح حين لم ترَ إينوك خلف البابا، ودخلت غرفة المعبد مطمئنة.
لكن ذلك الاطمئنان لم يدم طويلًا.
“الكاردينال إينوك؟”
قال البابا ذلك بدهشة عندما رأى إينوك داخل غرفة المعبد.
رغم أن صوته كان منخفضًا، إلا أن الغرفة كانت ساكنةً تمامًا، فانفتحت جفون إينوك المغلقة ببطء، وظهرت عيناه اللتان كانتا تشعّان بضوءٍ خافت.
___________________________
يابنت الحلال لاتطقين احسن لس
هي مب متعوده على ذا المشاعر فصارت خايفه بس شوي شوي لايصير سوء فهم تكفين 😭
صوتي الداخلي يوم جا جوناس: لا أهلا ولا سهلا ولا لي أن أرحب بك
Dana