3 - خاتمة: الليلة الأولى (3)

▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬

اللَّهُم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَن أَشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ

ترجمة: Arisu san

▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬

"اعذريني... أرجوكِ، كانت زلّة لسان. ولكن، قولي لي بربّكِ، كيف يُطلب من رجل، في مثل هذه اللحظة، ألّا يشعر بشيء من الرغبة؟"

"رغبةٌ في أن يُعجب به أحدٌ، أليس كذلك؟"

"نعم... نعم، بالضبط. ولكن، أرجوكِ، كوني رؤوفة! تفهّمي ما أنا عليه... شابٌّ في السادسة والعشرين من عمره، لم يعرف أحدًا قط، لم يخض غمار الحياة بين الناس. فكيف لي أن أُحسن الكلام، أو أتقن اللباقة، أو أقول الشيءَ في موضعه؟ لعلّكِ تفهمينني أكثر إذا فتحتُ لك قلبي... إنّ قلبي لا يُجيد الكتمان إذا نبض بالكلام! صدّقيني، لم أعرف امرأةً يومًا، لا صداقة ولا علاقة، لا شيء سوى الوحدة... وأقضي الأيام أحلم، بل أتوهّم، أنني سأصادف يومًا من تُضيء عالمي... آه، لو تعلمين كم مرّة أحببتُ خيالًا لا شخصًا!"

"أحببتَ؟ مَن تكون؟"

"لا أحد... أحببتُ صورةً رسمها الخيال، طيفًا عابرًا، حلمًا يزورني في المنام. كنتُ أخترع الحكايات لنفسي، أرويها بصمت... آه، لو تعرفين كم أنا غريب عن العالم! نعم، التقيت بامرأتين أو ثلاث، لكن من هن؟ لا أكثر من صاحبات بيوت... بل، اسمحي لي أن أضحك، فقد خطرت ببالي مرارًا فكرة أن أكلم امرأة نبيلة التقيها وحدها في الطريق. أُحدّثها بخجل، أترجّاها ألّا تنفر، أن تُنصت لكلماتي التي تنزف من قلبي، وأشرح لها أنني غارق في الوحدة، بلا سبيل إلى تعرّفٍ أو مرافقة. لا أطلب منها سوى كلمتين، فيهما شيء من الرحمة، من التعاطف، حتى لو لم نلتقِ بعدها أبدًا... لكنكِ تضحكين الآن، ولهذا رويتُ لك هذه الحماقات."

"لا تغضب... إنني أضحك لأنك تُعادي نفسك! ولو أنك حاولتَ فعلًا، حتى في الطريق، لنجحت... فكلّما كان اللقاء أبسط، كان أصدق. ما من امرأةٍ طيبةٍ، إلّا إن كانت بليدة الإحساس أو سيئة المزاج، سترفض هذا الرجاء البريء المتوسّل. ولكن... ربّما ظنّت بك الجنون! أنا فقط، أتكلّم عن نفسي... فأنا أعرف الناس."

"شكرًا لكِ!" صرختُ بفرحٍ خالص. "لا تعلمين كم أسديتِ إليّ من معروف!"

"يسعدني ذلك! لكن، أخبرني... ما الذي جعلك تظنّ بي خيرًا؟ كيف علمتَ أنني امرأة تستحقّ منك هذا الإلتفات، وهذه الثقة؟ لمَ لم تظنّ بي ظنًّا آخر؟"

"ما الذي دفعني؟... كنتِ وحدكِ، وذلك الرجل كان غليظًا، والليل قد غمر المدينة بسكينته. أما كان لزامًا عليّ أن أتدخّل؟"

"لا، لا... أعني قبل ذلك، حين رأيتني من بعيد. في الجانب الآخر من الطريق."

"في الحقيقة... لا أعرف بمَ أجيبكِ. بل أنا خائف من الجواب. أتدرين؟ كنتُ سعيدًا هذا اليوم، خرجتُ إلى الريف أغنّي... كأنما أحيا يومًا لا يشبه أيامي. ثم رأيتكِ... وظننتُ — سامحيني — أنكِ تبكين، فلم أحتمل. صَوتكِ آذاني... يا إلهي، أليس من حقي أن أشعر بكِ؟ أليس هذا تعاطفًا صادقًا؟ نعم، قلتُ تعاطفًا... لكن، أليس يحقّ لي أن أنجذب إليكِ بدافع لا أعرف له سببًا؟"

"كفى، لا تقل شيئًا آخر." قالت وهي تطأطئ رأسها، وتضغط على يدي برفق. "اللوم عليّ إذ أثرتُ هذا الأمر... لكنني سعيدة لأنني لم أخطئ فيك. ها قد وصلنا... من هنا أنعطف، خُطوتان وتكون عند بابي. وداعًا... شكرًا لك!"

"أيعقل؟! أحقًا لن نلتقي مجددًا؟!"

ضحكت وقالت: "ألم تطلب في البداية كلمتين فقط؟ وها أنت الآن... حسنًا، لا أقول شيئًا... لعلّنا نلتقي."

"سآتي إلى هنا غدًا! سامحيني، أطلب أكثر مما وعدتُ..."

قالت مداعبة: "أنتَ على عجلة... تُلحّ."

قلتُ بحرارة: "اسمعيني... أنا لا أستطيع إلّا أن أعود غدًا. حياتي الواقعية ضئيلة، ولحظات كهذه عندي كالكنز. سأظلّ أُعيدها في ذهني طيلة الليل، وطيلة أسبوع، بل عام. سأعود إلى هذا الموضع، في هذه الساعة، وسأكون سعيدًا فقط لأنني أتذكّر اليوم. لقد أحببتُ هذه الزاوية من المدينة... عندي مكانان أو ثلاثة مثلها في بطرسبورغ، أبكي فيها الذكرى... كما بكيتِ أنتِ. لعلّكِ بكيتِ قبل دقائق لأمرٍ شبيه... سامحيني، لقد تجاوزت، لكن ربما عشتِ هنا لحظةً سعيدة ذات يوم..."

قالت: "جيد. ربما أعود أنا أيضًا غدًا، في العاشرة. لا أستطيع أن أمنعك. ولكن، لا تظنّ أنّي أضرب لك موعدًا. أنا فقط مضطرة للحضور لغرضٍ يخصني. لا بأس إن التقينا، فاليوم وقع ما وقع، وقد يقع مثله غدًا. في الحقيقة، أرغب فقط في رؤيتك، لأقول لك كلمتين... فقط، أرجوك، لا تظنّ بي ظنًّا سيئًا! لم أكن لأفعل هذا لولا... دعه سرّي! لكن، هناك شرط."

"شرط؟ قولي ما تشائين! أنا مستعد لكل شيء، أعدكِ أن أكون مؤدّبًا، مطيعًا، مُحترمًا... أنتِ تعرفينني!"

ضحكت وقالت: "ولهذا السبب أطلب أن تأتي غدًا. لأنني أعرفك. ولكن، هناك شرط: لا تقع في حبّي! هذا مستحيل، أرجوك! أنا مستعدة للصداقة، خذ يدي، ولكن لا تمنحني قلبك!"

قبضتُ على يدها وقلت بحرارة: "أقسم بذلك!"

قاطعتني برقة: "شش! لا تُقسم! أعرف كم أنت سريع الاشتعال. لا تظنّ بي السوء لقولي هذا... لو تعلم، لا أحد لديّ أُحادثه، لا صديق ولا سند. بالطبع لا يبحث الإنسان عن صديق في الشارع، لكنك استثناء. أعرفك وكأنك معي منذ عشرين عامًا. لن تخدعني، أليس كذلك؟"

قلتُ: "سترين... المشكلة أنني لا أعلم كيف سأقضي الأربع والعشرين ساعة القادمة!"

قالت: "نم بهدوء، تصبح على خير. وتذكّر أنني منحتك ثقتي. أتدري؟ حين قلت قبل قليل: (أليس من الجور أن نُحاسب حتى على الشعور الأخوي؟)، قلتها بطريقةٍ جميلة جدًا... لدرجة شعرتُ فيها للحظة أنني قد أُخبرك بسرّي!"

قلتُ بشوق: "أخبريني! عن ماذا؟"

قالت باسمة: "انتظر للغد... ليكن الأمر سرًّا مؤقتًا، فهذا أجمل! سيمنح اللقاء طيفًا من الرومانسية... ربما أُصارحك غدًا، وربما لا. سأدع الحديث يمضي قليلًا، لنتعارف أكثر."

قلتُ: "آه، نعم! وسأُخبركِ أنا أيضًا بكل شيء عني! لكن، يا إلهي، ماذا جرى لي؟! كأنني في حلم! قولي لي، ألستِ سعيدة لأنك لم تغضبي منّي في البدء؟! في دقيقتين فقط جعلتِني سعيدًا إلى الأبد! نعم، إلى الأبد! من يدري... لعلّكِ صالحتني مع نفسي، وأزلتِ عنّي الشكّ! لعلّ هذه اللحظة لا تتكرّر في حياتي... غدًا، سأقول لك كل شيء!"

قالت مبتسمة: "موافقـة. تبدأ أنت..."

قلت: "اتفقنا!"

قالت: "إلى الغد، إذن!"

قلت: "إلى الغد!"

وافترقنا...

قضيت الليل أذرع الشوارع، عاجزًا عن العودة إلى

بيتي... كنتُ سعيدًا على نحوٍ لم أعرفه من قبل.

غدًا...

▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬

2025/07/10 · 8 مشاهدة · 930 كلمة
Arisu san
نادي الروايات - 2025