استغفروا الله حبايبي 💜

لم يزرني الإمبراطور قطّ

منذ ولادتي، لم يرني ولا مرة واحدة.

هذا القصر، المعروف بـ"قصر الياقوت"، كان منفصلًا عن باقي أجنحة القصر الإمبراطوري.

كان يُستخدم سابقًا لإيواء النساء اللواتي استُخدمن ثم تُركن،

أو اللواتي سقطن في غضب الإمبراطور.

لم يكن مكانًا مشرقًا أو محبوبًا... بل كان أقرب إلى منفى.

لا أحد من أفراد العائلة المالكة يجرؤ على الاقتراب منه.

أما الخادمات، فهنّ بالكاد يقمن بعملهن هنا، وغالبًا ما ينظرن إليّ بإهمال أو ازدراء.

"لا عجب أن جلالته لا يزورها."

"أظن أن الإمبراطور لا يعترف حتى بأنها ابنته الحقيقية."

"لقد سمعنا أن والدتها كانت راقصة، أليس كذلك؟"

كانت هذه هي الأحاديث التي أسمعها كلما دخلت خادمات جديدات.

لم أكن أتفاجأ.

ففي الرواية، كانت أثناسيا طفلة غير معترف بها، بلا سند، بلا مستقبل.

---

والدتي، "ديانا"، كانت راقصة مشهورة.

دُعيت ذات مرة إلى القصر الإمبراطوري لأداء عرض، وهناك التقت بالإمبراطور.

وقع في غرامها... أو بالأحرى، في رغبة عابرة نحوها.

لكن سرعان ما تلاشت تلك الرغبة،

ورماها كما يرمي أي شيء مكسور.

لم تعش طويلًا بعد ولادتي.

ماتت وحيدة، دون أن يلتفت إليها أحد.

وأنا... تُركت هنا.

طفلة وحيدة، غير مرغوب بها، من أمّ منبوذة، وأبٍ لا يعترف بي.

---

الوحيدة التي كانت تهتم بي فعلًا، هي "ليلي".

كانت تناديني "أميرتي الصغيرة"، وتبتسم لي كل يوم.

كانت تغيّر لي ملابسي، تطعمني بنفسها، وتحكي لي القصص.

لم يكن مسموحًا لها أن تخرجني من القصر كثيرًا،

لكنها كانت تجلب لي الزهور، وتزيّن غرفتي ببعض اللمسات الصغيرة.

ورغم أنني كنت في جسد طفلة، فإن قلبي كان يقدّرها أكثر من أي شيء.

---

ومع مرور الوقت، بدأت أتذكّر تفاصيل الرواية بوضوح أكبر.

كيف أن أثناسيا حاولت لسنوات أن تقترب من والدها،

لكنّه كان يرفضها باستمرار، بل بالكاد ينظر إليها.

كيف أنها نشأت خائفة، متألمة، ضعيفة.

ثم... في عيد ميلادها الثامن عشر،

حين كانت تأمل أن يقول لها "عيد ميلاد سعيد"،

رفع سيفه وقتلها بدم بارد.

ببساطة.

لم يكن هناك سبب واضح.

فقط... لأنها كانت موجودة.

---

(إذًا... هذه هي حياتي؟)

(هل كُتبت لي النهاية ذاتها؟)

كنت أشعر بالبرد.

بردٌ عميق، يتسلل من قلبي، لا من الجو.

---

في أحد الأيام، سمعت ليلي تبكي خفية.

"لا أعرف ماذا أفعل... هذه الطفلة لم ترتكب أي خطأ..."

كانت تظن أنني نائمة.

لكني كنت أستمع، وشعرت بشيءٍ يشبه الألم الحقيقي.

---

(هل أملك فرصة لتغيير قدري؟)

(هل يمكنني النجاة؟)

(ما الذي كان عليّ فعله من البداية؟)

(هل كان عليّ أن أعيش مثل “أثناسيا” الحقيقية؟)

(أن أبتسم مثلها، أن أتصرف ببراءة، وأن لا أتحدث كثيرًا؟)

(أن أكون ضعيفة، هادئة، محبوبة؟)

(هل كان ذلك سينقذني من مصيري؟)

لكن الحقيقة كانت مختلفة.

كنت أعيش، ببساطة...

كأنني سجينة في جسد طفلة.

لم أكن أعرف إن كنت حقًا “أثناسيا” الجديدة، أم أنني كنت "جيهي" فقط، بروحها القديمة.

وكلما مرّ الوقت، زادت حيرتي.

---

كانت ليلي تُعاملني كأنني كنز.

تهتم بي وتدلّلني، رغم أن الجميع حولنا كانوا يرفضون مجرد النظر إليّ.

لكن ذلك لم يكن كافيًا.

الرفض لم يكن من الخادمات فقط،

بل من العالم كله.

من القصر الذي كنت أعيش فيه، من الحراس الذين يتجاهلونني،

من الإمبراطور الذي لم يظهر أمامي يومًا.

---

في إحدى الليالي، حين كانت ليلي تُغنّي لي أغنية نوم، سألتها بصوت خافت:

"هل أنا... موجودة؟"

ارتجفت يدها.

نظرت إليّ بدهشة، لكن لم تقل شيئًا.

---

(أنا أعرف الجواب يا ليلي.)

(أنا موجودة فقط لأنني كُتبت كشخصية في رواية.)

(وحين تنتهي الرواية... سأُمحى.)

---

كنت أقرأ الكتب الموجودة في قصر الياقوت، رغم صغر سني.

كنت أتدرّب على الحديث أمام المرآة، وأراقب وجهي الطفولي الذي لا يزال يتشكل.

لم يكن هناك من يُعلّمني،

لكنني كنت أتعلم وحدي.

ببطء... أصبحت أُتقن لغتهم،

وأحفظ وجوه من حولي،

وأعرف نظام القصر، وأسماء الحراس والخدم.

لم أكن أريد أن أكون أثناسيا التي تُقتل بسهولة.

كنت أريد... أن أعيش.

---

(إنني الآن أملك المعرفة... وأملك الوعي.)

(ولا بد أن أستخدمهما لأغيّر مصيري.)

---

لكنني كنت صغيرة.

ضعيفة.

حتى لو علمت النهاية،

فما الذي يمكنني فعله في هذا الجسد الطفولي؟

---

إذن، لم يكن أمامي سوى خيار واحد:

أن أُخفي ذكائي.

أن أتصرف كطفلة بريئة لا تعرف شيئًا.

أن أُظهر الضعف، البراءة، البرود.

كنت أجيد التمث

يل – أو تعلّمت أن أتقنه.

لأنني كنت ألعب دورًا مصيريًا.

دور فتاة... تريد أن تنجو من والدها.

---

2025/07/20 · 14 مشاهدة · 669 كلمة
نادي الروايات - 2025