بعد يوم طويل، تلونت السماء بدرجات من لون أحمر والبرتقالي جميل، بينما الشمس تنزل من خلف الجبال معلنتا نهاية اليوم...
لامس النسيم الرطب والبارد وجه فتي، الذي كان مليئا بالجروح والخدوش ودماء تيبست فوق جروحه...
كان ريو يتقدم عائدا نحو الكوخ بعد ان تقاتل مع كل مخلوق و وحش وجده في طريقه...
كانت معاركه سهلة بشكل غريب وجروحه سطحية تلك كانت خير دليل...
طوال يومه وأتناء جميع نزالاته شعر بشعور غريب، لم يبد عليه تعب، وجسده كان صلبا وقويا اكثر بكثير مما كان يعتقده...
بالنظر لحالته ومجريات كل قتال خاضه اليوم، بدأ ريو يفكر انه ربما كان محاربا موهوبا قبل فقدانه ذكرياته، لكن دالك جعله يرغب في معرفة سبب ماحدث له...
تقدم وهو يفكر بينما ظلام بدأ يخيم شيئا فشيئا، وسماء بدات تتزين بالنجوم مضيئة وقمرها الذي كانت بشكل كرة فضية جميلة إنتصف في سماء...
نسيم ليل بدأ يهب وهو يلعب بأوراق اشجار وأعشاب طويلة، عازفا سينفونية هادأة اعطت للمكان سكينة غامرة ورونقا جميلا...
"إنه حقا منظر جميل..."
خرجت تلك كلمات من فمه دون ان يعي بينما عيناه أضأتى بالحياة من دالك المنظر الذي بدي كلوحة جميلة لفنان عبقري...
إنغمس ريو في دالك منظر لعدة لحظات متناسيا كل شيئ...
شعر بسلام ذاخلي، وكأنه حصل علي مهدء قوي لإيقاف زوبعة افكاره وهمومه...
"النجوم تسبح في سماء والقمر ينشر ضوءه على ارض تحته، ونسيم ليل يلعب بشعرك بطريقة إيقاعية، إنها تبدو كلوحة جميلة اليس كذالك... "
من خلف ريو بصوت جميل وعميق قالت شينهي وهي تقترب منه...
"هممم، إنها كدالك حقا، لوحة فنية تبرز جمالية الكون نفسه..."
إبتسمت شينهي من رده عميق...
"يبدو انك مررت بيوم طويل، كيف تشعر... "
سلطت شينهي ضوء على تمرينه الصغير وجسده الذي كانت تعلوه إصابات...
رفع ريو يده وغير نظره نحوها بعيون عميقة كسماء ليل...
"أشعر بالغرابة، البارحة فقط، كاد ان يقتلني دالك الطائر، لكن اليوم لم اواجه أي مشكلة، اليس هادا غريبا..."
كلمات ريو أخرجت شعوره ونظرت عيونه القلقة وحائرة أظهرت دالك الشعور الغريب داخله...
"إنه أمر طبيعي جدا ، في حقيقة كنت اتوقع ان تعود دون خدش واحد..."
كلماتها هادأة عمقت تساؤلاته، كان على وشك قول شيئ ما لكنها أوقفته...
"ريو هل تعلم لم ختمت مانا لذيك...؟!"
هز الاخير رأسه بالنفي، مع ذكرياته مفقودة، لم يكن يعلم شيئا عن نفسه...
رفعت شينهي يدها وهي تتوهج بلون أخضر قوي...
"قوتك هائلة أيها الصغير..." أدارت وجهها نحو غابة وقالت بهدوء" لو انك إستعملت كامل قوتك دون قصد او بالخطأ، ربما كنت ستمحو هاده غابة..."
إتسعت عيناه بالصدمة، وإرتجفت قدماه من هول الخبر، حتي لو كان محاربا عبقريا...
لكن ان يمحو الغابة بأكملها كان شيئا حتي في خياله مستحيل، بل ضرب من جنون...
قبل ان تبدأ اي أفكار تضرب داخل رأسه إستدارت وجعلت نظره يركز عليها...
"لكن قوتك تلك ليست نعمة في وقت الحالي، مع قوتك هائلة جسدك الصغير غير قوي كفاية الإحتمالها، كنت ستقتل نفسك قبل قتل أعدائك..."
كانت نبرتها واضحة مما جعل كلماتها تحفر بشكل خطير داخل دماغه...
"في الوقت الحالي سأدرب جسدك الصغير، وبعدها ربما ستكون أعظم محارب في تاريخ..."
كانت كلمات شينهي شيئ لم يخطر على ذهنه أبدا، جعلت قلبه ينبض بقوة، وحتي من يده وقدميه بدأت ترتجف من وقعها عليه...
"أعظم محارب في تاريخ..."
اعاد ريو كلمات بدهشة واضحة...
"حسنا دعنا نذهب، تدريبك الحقيقي سيبدأ من الآن..."
بدأ الإتنان العودة نحو كوخ بخطوات تقيلة، في طريق لم يسمع ريو أي صوت وكأن الغابة بأكملها كانت خائفة...
خائفة من إصدار اي صوت...
خائفة من قيام بأي حركة...
لكن مما هي خائفة، كان دالك شيئ سيكتشف لاحقا، سيغير كل شيئ...
بعد عودتهما للكوخ، أخرجت شينهي سيفها وبقطرات من ندى التي أخرجتها نباتاته، شفيت إصابات ريو...
"تقدم لمنتصف الحلبة..." قالت بنبرة هاداة
بخطوات ماتزال متردد وقف في منتصف الحلبة، وهو ينظر لمعلمته...
توهج سيفها بلون أخضر وهو يبعت بقوة هائلة، بدأت بعض النباتات تخرج من ارض وهي تلتف حول بعضها...
وفي غضون تواني وقف محاربان مصنوعان من نباتات أمام شينهي...
كانت حضورهما قوي، وطاقتهما لم تكن بشيئ الذي توقعه ريو...
"خصماك جاهزان، حاول الوقوف قدر إمكان..."
مع تلك كلمات وقف محاربان امامه، وبدون سابق إنذار، كانت هناك لكمة مغروسة في معدته، جعلت لعابه يتطاير...
وقبل ان يرفع رأسه كانت هناك لكمة أخري في وجهه، جعلته يتدحرج عدة مرات...
ساند نفسه بسرعة ووقف متخدا وضعية قتالية...
رغم شكلهما الأخضر الجميل، لكمتهما مؤلمة جدا...
بخطوات سريعة تقدم محاربان وهما يوجهان وابلا من لكمات...
كانت سريعة وقوية، حاول بكل قوته تصد لها، لكن من دون فائدة...
في صدره رقبته ظهره، فخده، أظلاعه، كان كل مكان من جسده مصابا بقوة، من وقع هجماتهما...
لكن رغم دالك إستمر في الوقوف...
راقبت شينهي من جانب، لكن خيمت عليها كأبة غريبة، وتردد ...
وكأنها تنظر لشيئ قادم ولا تريد مقابلته...
مع دالك تدريب جهنمي، إستمر ريو في كونه كيس ملاكمة للمحاربان لأكثر من خمسة أيام...
لم يحصل على أي راحة، وكل شيئ تحول لتدريب ارهقه جسديا ونفسيا بشدة...
وكان كل دالك لكي لاتجعله شينهي يلاحظ مشاعر كأبة والحزن التي إعترتها...
...
في اليوم سادس تلقي ريو مجددا عدد كبيرا من ضربات حطمت جسده مجددا...
"حسنا هاد يكفي لهاده الليلة، يمكنك ان ترتاح ريو..."
جاء صوت شينهي هادء بنبرة مرحة...
بلطف عالجته وأخفت المحارباها...
"يبدو انك تستمتعين برأيتي أتعرض لضرب..."
قال ريو بنبرة ساخرة وهو يتحسس جسده...
إبتسمت له، وبنفس نبرته قالت... "بالطبع انا كدالك، لكن لا تقلق انت تتحسن بشكل مخيف، متعتي ستختفي قريبا... "
إلتفتت نحو غابة وبدات تقدم بخطوات تقيلة...
"حسنا هاد يكفي، فل تسترح أنا لذي شيئ لإهتمام به... "
"هل تحتاجين للمساعدة شينهي... "
إبتسمت الأخيرة بشكل مرح وهي تسمع عرضه...
"لا عليك ريو، يمكنك مساعدتي بالحصول على بعض الراحة، وإستعداد للغد... "
هز ريو رأسه و بالنظر لتعبه إمتثل لها بدون نقاش، وبسبب براعة تمثيلها لم يلحظ ريو عليها أي تغيير...
.....
تقدمت شينهي عبر غابة التي كانت ساكنة بشكل غريب...
لم يعد هناك أي صوت وكأنها فارغة.. لم يكن هناك سوي صوت الرياح التي تلعب بأشجار..
وكانها تعزف لحن عميق لغابة أشباح مهجورة وفارغة...
"انتم خائفون أيها الصغار، انتم مرتعبون، تخشون ظهوره، كذالك أنا، لكن لا تقلقو، سأتولي الأمر، فأنا أحد مسؤولين... " قالت بهدوء وكأنها تمد الغابة ومن بها بالشجاعة...
تزامنا مع كلامها تلبدت السماء بالغيوم وقطرة بعد قطرة..
بدأ المطر يهطل بغزارة، ليبدأ الهواء الرطب ممزوج مع رائحة الأرض يلامس بشرتها البيضاء النقية...
ومع صوت مطر، تقدمت وهي تقف قرب جرف عملاق، وهي تحدق في الفراغ، الذي قادها لأفكار تتصارع داخل عقلها...
كانت علامات الإكتئاب والحزن تأخد ملامح وجهها، ومن خلفها من ظلام بدون صوت تقدم مخلوق صغير...
غامر بترك وكره الأمن وبدأ يحتك بقدمها، وهو يحاول مدها بدفئه وقليل من الشجاعة...
إنحنت على ركبتها، وبلطف عانقته، بينما تحسست فروه دافئ وهي تستجمع نفسها...
"لقد أصبحت مثيرة لشفقة حقا، لو رأتني أختي الصغيرة لضحكت علي..." سخرت من نفسها محاولة إستعادة هدوئها...
وبهدوء تركت الكائن الصغير يدهب...
"شكرا لك أنا بخير الأن..."
وبشموخ وقفت وهي تنتظر...
تنتظر الشخص الذي جعل الغابة بأكملها خائفة، وجعلها في تلك الحالة النفسية المزرية...
.....
....
في فضاء مظلم وكأنه بحر أسود بلا نهاية، وقف جسد شخص وهو يتوهج بضوء أبيض نقي وكانه خيط مضيئ وسط دالك ظلام...
بحركة من يده توهج المكان وتحول الظلام دامس لضوء أبيض يعمي الأبصار...
فتح ريو عيناه بشكل غريب وهالته تغيرت ...
تحول شعره من لون الأسود كالفحم لشعر ابيض حريري، وعيناه سوداء كسماء ليل، لعيون بيضاء باهتة و ميتة وكأنها لمحارب عاش كل حياته داخل ساحات معارك...
"الحياة عبارة عن معركة، عليك فعل أي شيئ للبقاء حيا داخلها..." قال بنبرة هادأة
وبخطوات ثقيلة غادر الكوخ وهو يلقي نظرة على غابة ...
بمجرد تلامس الأمطار مع جسده، توهج جسم أبيض غريب ظهر قربه...
من دالك التوهج خرج شبح فتاة أبيض بعيون زرقاء عميقة وشعر أبيض حريري طويل...
لفت الفتاة الشبح يديها حول رقبة أرثر وهي تبتسم بسعادة...
" أرثر.... نحن سنبقي معا الأبد... "
قالت فتاة بصوة عذب جميل، وتزامن معه أخرج ارثر سيف...
سيف أبيض بحافة شديدة سواد وسلسلة صغيرة مكسورة مربوطة بمقبضه بإحكام...
توهج السيف مما أرسل موجات هائلة من طاقة عبر كل أنحاء الغابة...
توقف المطر عدة تواني وكأن السماء شعرة بقوة وخطورة الفتي...
"إلينا... دعينا ندهب، لنحسم الأمر نهائيا... "
بخطوات خفيفة تقدم أرثر نحو مكان شينهي، وإلينا تعانقه بإحكام وكأنها تخشي أن يبتعد عنها...
كان هواء بارد ممزوج برائحة الأرض يلامس وجه أرثر وهو يتقدم بعيون ميتة وهالة طاحنة...
لم يستغرقه الأمر سوي خمس دقائق...
لوح بسيف نحوها وقال بنبرة عميقة... " قطرات المطر تتساقط، ورياح باردة تهب لتتري هاده الأرض بالخيرات، لكن قطرات المطر هاده تتساقط لتختلط مع مشاعرك، وتحزن مع حزنك... "
إستدارت شينهي بهدوء وإبتسامة ضعيفة على وجهها تخفي كل حزنها العميق...
وبنبرة هادأة قالت... "السماء تشعر بما يشعر به المتواجدون تحتها، فهي تحزن معنا وتفرح معنا، وتلهمنا لتقدم، مايوجد خلف الشتاء قاسي هو جو بديع دافئ وقوس قزح جميل يزين سماء... "
لم ينزل أرثر سيفه وعيناها كانت تحدق بها بعمق، وكأنهما بحر لا قاع له...
"أيتها الملكة، لاطالما كان قوي يأكل ضعيف، الأقوياء يعيشون ليرو الغد، بينما ضعفاء يموتون بسبب قسوة العالم، لكن مالي أراكي مدمرة هاكدا رغم كل القوة التي لذيك..."
وضعت شينهي يدها على قلبها الذي كان ينبض بضعف، ورسمت تعبيرا غير مفهوم...
"جحيم الضعف، وجحيم القوة، لطالما إعتقدت أن القوة هي الحل، لكن مع كل مرة أصبح أقوي كنت أحسد ضعفاء على ضعفهم... "
أخدت شينهي نفسا عميقا، بينما عقد ارثر حاجبه منتظر منها إكمال كلامها...
"الضعف لم يكن يوما سيئا، الحصول على أصدقاء، إحتشاد معا، والموت معا، كان ليكون جميلا، لكن في حين القوة تأتي مع المسؤولية، والتي سببت كل متاعبنا ومشكلاتنا.... أنا كرهت القوة من أعماق قلبي... "
كان صوتها ضعيفا ومنخفضا، لكن أرثر سمعه بوضوح...
"أرثر أنت.... أنت لذيك كل حق في كرهنا، أنت لذيك الحق في إنتقام منا او تدميرنا..."
تقدمت شينهي عدة خطوات...
"أرثر أنا أمامك، فل تأخد حقك، لقد خسرت كل شيئ بسببنا، يمكنك أخد حياتي كإعتذار، رغم أنه لن يساوي شيئ... "
نظر ارثر لها بوجه خال من مشاعر وهو يفكر في كل شيئ...
"القوة تأتي مع المسؤولية، أي مسؤولية بالظبط، لقد مات عدد لايحصي بسبب قراركم، وكل دالك للحفاض على توازن..." عض ارثر شفته بينما إرتجفت عيناه... "أي توازن لعين ذاك، بقوتك وقوة الملك الاول، كنتم قادرين على إبادتهم وإنقاد جميع العوالم وتجنب عدد لا يحصي من كوارث... "
إختل تعبير ارثر وبدأ الغضب يضهر عليه، في حين حافضت الشبح إلينا متمسكت به على إبتسامتها..
"لقد مات الكثير أمام عيني، أصدقائي و إخوتي، حتي أبي إغريس وصلت لمرحلة لا شيئ يفصله فيها عن الجنون..."
ظهرت هالة أرثر وهي تطغي على مكان، إرتجفت الأرض من تحته وتوقف المطر، كانت الأرض وسماء خائفتين منه...
من غضبه وهيجانه....
وفي لحظة غضبه الذي زلزل كل شيئ جاءت هي...
بحنان ولطف عانقته إلينا ...
"لابأس أرثر... أنت وأنا بخير ليس هناك أي دماء، ليس هناك أي صرخات ألم، ليس هناك أي موتا، كل شيئ بخير أرثر..."
همست في أذنه بصوت حلو وعذب جعله يهدأ وهالته تقلصت...
مع هدوئه عادت إلينا خلف ظهره وهي تتشبت بعنقه ببتسامتها الجميلة ...
أمسك ارثر سيفه ووجه حافته نحو صدره...
"أيتها الملكة، إهزمني في قتال، إذا فزت، سأقتل هاده الروح مسمات بيل، وإذا خسرت، سأستمع لمخططك لمستقبل هاد العالم لا، بل كل العوالم..."
توهج سيف شينهي بلون أخضر ونباتات بدأت تزمجر بقوة، وهي تحاول حماية ملكتها...
بتردد أمسكت سيفها... "هل ستقتله حقا أرثر...؟!"
تقدم الأخير خطوة الأمام وهالته تنتشر في هواء...
"ليس هو فقط، سأقتلك انت أيضا، وبعدها سأذهب لأبيدهم جميعا..."
كانت تلك كلمات كخنجر مزق أحشاءها...
"أنا أسفة أرثر لن أسمح لك بقتله، فهو كل ماتبق لي... "
"إذن عليك حمايته... "
بتلك كلمات تصادمت هالة شينهي الخضراء، مع هالة أرثر البيضاء، لتعلن عن واحدة من أخطر المعارك على إطلاق...