59 - الخيار الذي كلف كل شيئ

على أطراف الغابة تتقدم فتاة بشعر أزرق متدفق وعيون خضراء متلألأة بسرعة ورياح تلعب بشعرها وتداعب خديها، وفي يدها تحمل رجلا بشعر أسفر يتمايل مع الرياح

لم تكن تلك فتاة سوي ساليون التي بفضل سرعتها كبيرة تمكنت من الوصول إلي أطراف الغابة بسرعة، رغم أنها تحمل بال في يدها

بدأت عيونها تتوهج ووجهها يتجهم قليلا مع علامات من قلق ترتسم عليها. كأنها خائفة من وقوع كارثة كبيرة في دالك مكان..

"معلمتي، يمكنكي إفلاتي لآن... " رفع بال نظره نحو ساليون وتكلم بنبرة هادأة لكن ببعص السخرية نظرا لموقف الذي هو فيه

أنزلت ساليون نظرها نحوه

"أرا... لقد إستفقت أخيرا" أجابته بنبرة مبتهجة وبتسامة جميلة على وجهها

أعادت ساليون نظر أمامها وهي تتفادا أشجار العملاقة في طريقها، لكن رغم دالك لم تفلت بال من يدها...

تغيرت بتسامة ساليون جميلة وضهرت الجدية على وجهها مجددا... وإستعداداها واضح لأي خطر قد يحصل

"أخبرنيي كم سمعت من حديثنا سابقا...؟!" سألت ساليون بنبرة جدية

فكر بال في أمر قليلا وهو يري مدي جديتها

"هل يمكنكي إفلاتي أولا..؟!، أستطيع مسايرتكي في طريق... "

أنزلته على أرض وبدأت التقدم مجددا بسرعة لابأس بها، لكن نظرات ساليون جعلت بال يفكر في سؤالها مجددا... بفضل قوتها كبيرة لم يسألها كيف علمت أنه كان واعيا، لكنه بدأ يفكر كيف يجيب على سؤالها

"ليس كثير، بعض أشياء عن الناي دهبي خطير، وعن خطأ إرتكبتهي معلمتي جعلكي تطردين من العالم المقدس أو مهما كان إسمه... دالك هو ما سمعته.. "

نظر بال نحوها بتعبير حائر تم أعاد النظر مجددا لطريق.. وكأنه يرغب في معرفة مزيد

"هل أنت شعر بالفضول لمعرفة ما حدث...؟!"

إكتشفت ساليون رغبته بسرعة، وأدركت أنه يشعر ببعض الفضول

"أنا لن أضغط عليكي لإخباري، لكن أشعر بالفضول لمعرفة الخطأ الذي إرتكبته معلمتي وجعلكي تعانين، ليس من سهل لكائن أسطوري مثلك أن يرتكب أخطاء كبيرة.. "

إبتسمت ساليون وتوقفت عن التقدم قرب إحدي أشجار ورفعت نظرها نحو السماء في تعبير من حنين على وجهها

"بحسب كلامك نحن نبدو للبشر متلك، كائنات أسطورية لا تقترف أخطاء مكلفة، لكن حقيقة أمر عكس دالك تماما... عالمنا في أعلا في حالة من فوضي وضياع لم يعد من سهل إيجاد السلام أبدا.... "

ضهر تعبير من حزن على وجهها، لكنها أعادت إبتسامتها بسرعة

"مادا تقصدين بدالك...؟!" سأل بال بعد أن رأي تعبيرها حزين، وإبتسـامتها متكلفة

"أخبرني تلميذي عزيز...؟!، في ساحة معركة خطيرة جدا، هل كنت لتختار إنهاء مهمتك التي هي في أقصي أولويات لك و لفصيلتك كلها، أو إنقاذ إخوتك و أخواتك الذين نشأت معهم مند نعومة أدافرك..؟!"

سألت وتعبيرها يوحي بالحرقة و الحزن كبير يملأ قلبها وعيناها

نظر بال لها ثم رفع نظره نحو السماء بتعبير حائر

" في حقيقة لا أعلم، حتي لو وضعت في دالك الموقف لم أكن لأعرف كيف أتصرف... هل مررتي بدالك معلمتي...؟!"

وضعت ساليون يدها فوق صدرها قبل أن تجيب

"أجل لقد وضعت في دالك الموقف، وقد أخطأت خطأ فادحا جدا كلفني كل شيئ .. ." ببتسامة متكلفة أجابت

برأيته لتعابيرها ونبرتها حزينة، شعر بال برغبة كبيرة لمعرفة ما حدث لها هناك، وما كانت تأثيره عليها لتصل لتلك حالة ...؟!

"إذا كان تذكر أمر يؤلمكي معلمتي فيمكننا توقف هنا... لكن أنا حقا أرغب في معرفة ما حصل معك، ربما يمكنني مساعدة... "

إبتسامة ساليون بتكلف وهي تسمع كلامه الذي كان جادا

"هيهي، إنها ليست قصة مشوقة أو خارقة كما تعتقد، إنها مجرد قصة عن فشلي دريع... "

لم يجبها بال وأضهر تعبيرا حازما على وجهه يوحي برغبته في معرفة...

بطبيعة شخصيته لم يكن بال من النوع الذي يهتم بمشاعر أو حتي إستماع لمشاكل أخرين، لكن هاده الجنية حركة شيئا داخله بمخاطرتها بحياتها من أجل إنقاده

في تلك لحظة شعر وكأن شيئا ما جذبه نحوها، وهو لآن يريد معرفة دالك الشيئ من خلال إستماع لها، أو ربما حتي تقديم المساعدة لها

جلست ساليون وضهرها مسند لجدع شجرة و أشارت نحو بال لجلوس أيضا بجانبها

"حسنا أعتقد أنه ليست هناك مشكلة في أن تعرف..."

أخدت ساليون شهيقا طويلا وبدأت في ترتيب أحداث في رأسها

"لقد كان أمر قبل ألف سنة تقريبا أو ربما أقل قليلا، عندما إخترعت ملكة أعداء نايا دهبيا بطريقة عجيبة قادرا على جعل تنانين تدخل في حالة من ألم شديد بمجرد سماع صوته، كان أمر مفاجأ و أيضا مكلفا جدا ... برغم كل محاولاتنا لم نتمكن من معرفة سر دالك الناي، أو كيف يأثر على تنانين بتلك طريقة...، ومع إفتقارنا للمعلومات، وضعف أقوي جنود أمام الناي، بدأت كفة الحرب تنقلب ضدنا، وجيوشنا بدأت تتكب خسائر فادحة جدا، أدرك الجميع أن إستمرار الوضع بتلك طريقة سيجعلنا نخسر الحرب ويتم إبادتنا جميعا... "

توقفت ساليون و أخدت شهيقا طويلا، بينما بال يركز معها بنتباه شديد، وعيناه لا تفارقها

"في دالك اليوم تم أمري من قبل الملكة تنانين بمهمة فائقة أولوية، والتي كانت ستحدد مستقبل كثير من أمور و منها مصيري أنا، وإخوتي، الفشل ليس من ضمن إحتمالات... "

"مهمة هل هي أخد دالك الناي...؟!" سأل بال مقاطعا كلامها

"هاهاها، لو كنا نستطيع أخده لكنا فعلنا، لا أحد من تنانين كان قويا كفاية ليصل لشخص الذي ينفخ الناي، وبطبع كانت الجنيات وأيضا الجان، إخوتي وأخواتي، يقومون بأخد طليعة في ساحة معركة، لكن فرق في قوة كان ضدنا...، لقد كنا في حرب ضد تاني أقوي جنس، وجنيات ليسو في ترتيب حتي... "

*ساليون عليكي أسره بأي طريقة كانت، أرواح كثير معلقة على كتفك عليك نجاح مهما كلف أمر...*

*بأمر الملكة..، سأنجز المهمة مهما كان التمن...*

تنهدت ساليون بعمق وهي تستحضر ذكرياتها عن داك اليوم.

"المهمة كان أن أقوم بالقبض على شخص معين في معركة التي سنخوضها.. ."

نظر بال نحوها وتعابير إستفهام علي وجهه

"شخص..؟!، فيما سيفيدكم دالك...؟!"

"دالك شخص، قد إكتشفنا أنه يعلم معلومات مهمة حول ناي، بحكم أن من مستحيل تقريبا أسر قائدهم، كان قبض عليه هو خيارنا الوحيد لقب طاولة عليهم، وقد تم إيكال تلك مهمة لي لأني كنت أقوي شخص بين جنيات في تلك مجموعة، وقد عملت تحت قيادة القائد هاكان من أجل نجاح أمر... "

تجهم وجه بال عند سماع إسمه برغم أن هاكان كائن مخيف جدا، لم يعتقد أنه يحتل متل تلك الرتبة مرتفعة حتي بين جنسه...

"إذن مادا حدث...؟!"

رفعت ساليون نظرها نحو السماء ببتسامة متكلفة

"وصلتنا معلومات عن موقعهم و عن عددهم ولحسن حظنا كان هناك شخص واحد فقط من رتب العليا، بعدها بيومين إنطلقنا إلي موقعهم، كان فرقتنا مكونة كلها من إخوتي وأخواتي فقط، وأيضا القائد هاكان... "

*حسنا جميعا سأتولي أمر قائدهم، فل تنجزو مهمتكم جميعا، الفشل غير مسموح به..*

*بأمر قائد..*

"مع حلول ضلام، قمنا بشن هجوم عليهم، تشابك قائد هاكان مع قائدهم، في قتال خطير جدا حتي أنا لم أتمكن من وقوف قربهما، في دالك الوقت توجهت مباشرة نحو شخص معين ، بينما إخوتي و أخواتي يقومون بتغطية علي، لم تكن هناك أي مقدمات، تقاتل معه لمدة سبعة أيام بلياليها، رغم تعرضي لمجموعة كبيرة من جروح الخطيرة، تمكنت من هزيمته بصعوبة كبيرة في نهاية، كلفني أمر دراعي أيمن وعيني أيضا...لكن مع دالك أبقيته على قيد الحياة، فمهمتي كانت قبض عليه ومغادرة مكان دون فعل أي شيئ أخر... لكن... "

"لكن حدث شيي غير متوقع صحيح...؟!" سأل بال وهو ينظر نحو عيناها التي عكست مدي خيبتها وحزنها

"صحيح، في لحظة مغادرتي، أدركت أننا حصلنا على معلومات خاطئة ، وجدت قوات دعم قادمة لمساعدتهم، وقد كان عددهم كبيرا جدا، نظرت لحالة إخوتي، وأدركت أنهم لن يستطيعو مواصلة قتال أكثر، و أن تلك ستكون نهايتهم لو قررو قتال أكثر، ودالك الشيئ الذي لم أرد حصوله أبدا ... "

أدرك بال حجم الضغط الذي كانت فيه بتلك لحظة، وأحس بصعوبة الموقف

"إذن معلمتي لقد قمتي بإختيار إنقاذ إخوتك على إتمام المهمة صحيح..؟!"

نظرت ساليون نحوه مع إبتسامة صغيرة على وجهها

"ليس تماما، وسط زوبعة أفكار داخل رأسي، وعدم تمكني من إختيار، وجدت أن حل الوحيد هو تنشيط أقوي هجوم لذي، وليكن في علم هو هجوم قادر على محو هاد جبل بأقل من تانية....." أكدت ساليون بفخر

إبتسام بال بسخرية من كلامها الذي يبدو له كضرب من جنون الذي من مستحيل أن يتحقق

*إلي الجميع فل تتراجعو لآن...*

*لكن أختي المهمة..*

*هاد أمر فل يتراجع الجميع لآن، أنا سأتولي أمر*

بدت عينا ساليون كأنها تفكر بعمق في تلك لحظة

"في لحظة جعلت جميع إخوتي يتراجعون، وقمت بتنشيط أقوي هجوم لذي، حدث دمار كبير جدا في مكان، وأنا كنت شبه متأكدة أني قتلت نصفهم، ونصف أخر سيكون مصابا بجروح، وسيصعب عليهم لحاق بإخوتي.. قبل حتي أن أعود لجلب دالك شخص، وجدت أنه قد قتل بالفعل... سقطت على ركبتي وأنا أبسق دماء من فمي وجراحي تنزف بشدة، لا أعلم كيف حدث دالك حتي، لكني متأكدة أن هجومي لم يلمسه أو أي هجوم أخر ، وقفت بصعوبة وانا أبسق الدم، تقدمت ووضعت يدي فوق قلبه، هناك إكتشفت أني قد إرتكبت خطأ فادحا...، وأني قد تسرعت في تصرف كثيرا"

"لكن، إخوتك قد تمكنو من خروج أحياء، صحيح..؟!"

إبتسمت ساليون إبتسامة تخفي كثير من ألم خلفها.. وعيناها ترتجف بشدة

"لقد كنت حمقاء، هجومي لم يقم سوي بتأخيرهم قليلا، لقد تم دبح نصفهم أمامي، بطريقة بشعة جدا وبدم بارد، لقد كانو مصابين بشدة ولم يتمكنو من هرب، وقد تم إقتلاع يداي وقدماي، وأسري كرهينة لذيهم...، لولا قائد هاكان الذي أنقدي بصعوبة لكنت ميتة لآن...، في تلك لحظة قد تمنيت الموت بالفعل، فشلت في إنجاز مهمتي و فوق دالك فشلت في حماية إخوتي، لقد كان أمر مؤلما حقا"

أمسك بال صدره وهو يشعر بشعور غريب نحو الجنية أمامه، وكأن قلبه تحرك على وقع قصتها..، لم يعرف بال ماهو دالك الشعور، لكنه يعلم جيدا شعور أن يتم دبح أحبائك أمامك ومدي ألمه

"إذن مادا حدث بعدها...؟!"

"حصل قائد هاكان على جرح خطير جدا في صدره وهو ينقدني، وقد تمكن نصف إخوتي من تراجع قبل أن يصل أعداء لهم.... بعد عودتنا تم لومي على كل شيئ، فشل في مهمة، وأيضا موت إخوتي، وقد كاد أن يتم حكم علي بإعدام لأني تجاهلت أوامر الملكة تنانين، وتصرفت بتهور معرضتا حياة قائدي للخطر ..؟!"

ضهر تعبير من غضب على وجه بال من كلامها، وإنفع قليلا

"أليس دالك مبالغا فيه...؟!، يحكم عليكي بإعدام لإختياركي إنقاذ إخوتك... " قال بال بنفعال شديد

وضعت ساليون يدها على رأسه ببتسامة وهي تراه منفعلا من أجلها

"أنت تقول دالك لأنك لم ترى مدى فضاعة دالك الناي، خسارة بعض أشخاص لا تساوي شيئا أمام إنقاد فصيلتنا كلها..، بسبب فشلي دالك اليوم في أسر دالك الشخص، قد خسرنا واحدا من أقوي محاربين في عالم مقدس..، وهو أخ معلمي أكبر، ملك الرياح السابق، الشخص الذي أنقدنا سابقا هو معلمي وأخ صغير لشخص الذي لقب بالبطل... "

جلس بال مجددا وهو ينتظرها لتكمل كلامها

"إذا كنت تسأل لم لقب بالبطل، دالك لآنه تنين الوحيد الذي تمكن من مقاومة ألم و تمكن من أخد الناي من أعداء بطريقة إنتحارية، لقد تسبب دالك في إنفجار جوهره و بعدها قلبه، وفي نهاية إنفجر دماغه، وقد مات بطريقة بشعة جدا، لكن بالنسبة لنا لقد كان البطل....، وقد تم إلقاء لوم علي أيضا في موته، برغم من أنه كان كأخي كبير أيضا، وقد كان شخصا أحببته كثيرا ... "

*أليست صغيرة ساليون تلك..؟!، أنتي تزدادين جمالا في كل مرة أراك فيها..*

* هاهاها، بطبع أنا كدالك، بينما أنت تصبح عجوزا يوما بعد يوم..*

*ساليون إسمعيني، لايهم ما يقولونه أبدا، لقد إخترتي خيار صحيح، لو كنت مكانكي لفعلت أمر نفسه أيضا، لاتلومي نفسك أكثر، أخوكي كبير هنا سيتكفل بأمر...*

*شكرا لك أخي، حقا شكرا لك *

*فل تفرحي أيتها فاشلة، لقد مات ملك الرياح بسبب فشلك *

*أنتي من تسبب في موته، مجرد جنية فاشلة *

"أتعلم..؟!، لم أري ما فعلته في دالك اليوم خطأ أبدا حتي مات أخي كبير بتلك طريقة، لقد لمت نفسي، وبكيت بحرقة كثيرا جدا، لقد فضلت أن أموت أنا على أن يموت هو... "

مع كل تلك ذكريات في رأسها ضهرت قطرات من دموع في عيناها، وبدأت تنزل على أرض دون أن تلحظ أمر

شعر بال في تلك لحظة بألم كبير في صدره على وقع تلك كلمات، برغم من أنه كان يقتل من يعارضه دون شفقة، ولم يضهر أي مشاعر مطلقا

إلا أن قصة جنية قربه جعلت حريقا يشتعل في قلبه، وفتحت له باب لمشاعر هو بنفسه قد نسى أنها كانت متواجدة داخله

"ااه..؟!"

برغم من أنه لايعرف لما يشعر بتلك حرقة، أو حتي كيف يواسي ساليون التي كانت تتألم لألف سنة وحدها، فعل أو شيئ خطر في باله، والذي إعتقد أنه قادر على تهدأتها

"أنتي لم تخطئي أبدا معلمتي، أنتي إخترتي خيار صحيح، لاشك في دالك أبدا.. ." قال بال بينما مد يداه حولها ووضع رأسها على صدره، وهو يعانقها بتعبير حزين على وجهه

أضاءت عينا ساليون، وبدأت قطرات دموع في نزول أكثر من عيناه، وسقطت وسط موجة من بكاء التي لم تتمكن من كبحها

جعل دالك مشهد بال يتذكر كثير من أمور، وقد جعلت ساليون كثير من مشاعر تتحرك مجددا داخله... والتي كان قد دفنها عميقا من أجل تحقيق هدفه...

(إذن فهكدا كان أمر إذن، أنا أتذكر لآن كل شيئ...)

2023/07/08 · 234 مشاهدة · 2014 كلمة
give up
نادي الروايات - 2025