استيقظت ريليانا ماكميلان من نومها ، وتوجهت فور ذلك نحو النافذة كعادتها لتفتحها.
جاعلةً أشعة الشمس تلاطف جفنيها وتمسدهما قليلًا.
حيث كان نهر شام كين مطلًّا على القصر ، وعلى امتداد النهر اصطفت قصور النبلاء لتُجمِّله في أعين الناظرين ، كان منظرًا خلابًا يستحق تسعيره لأعدادٍ خيالية من الأموال.
والدها ، البارون جوندين ماكميلان قد دفع مبلغًا طائلًا الابتياع أرقى وأجمل قصر في الحي، وهاهم الآن يُعاملون كأجود وأثمن وأنقى الدرر.
جلست ريليانا على مقعدها الخشبي متكئةً على شرفة نافذتها متأملةً نهر شام كين.
سوَّر نهر شام كين عاصمة المملكة على محيطًا لها كشكل خاتمٍ مانعًا لجفافها،حتى غدا هذا النهر مصدر فخرٍ للعاصمة إذ كانت تلقب بمدينة المياه بسببه.
هذا النهر بالذات يعتبر مغناطيسًا للسياح حيث الآلاف والآلاف يقصدون زيارته في اليوم الواحد،فالآن وفي هذه اللحظة ها هنا رسام يحمل خشبة الرسم بيده اليسرى ويرسم بيده اليمنى لوحةً لزوجين يقفان قرب ضفة النهر.
رفعت ريليانا رأسها للأعلى ثم تنهدت تنهيدة، فقد مر شهران بالفعل،و قد أدركت حالها مجددًا.
ريليانا: 'هذا المكان ليس بدياري'.
فالنهر الذي سوَّر عاصمة عالمها يدعى بنهر هان، وكانت ديارها بعيدةً أشد البعد عن نهر هان حيث أنه بعيد عن مد بصرها ، كما لو أن بينها وبينه مسافة السنين الضوئية.
توجهت ريليانا ماكميلان……بل للتصحيح بارك أونها، نحو سريرها ذي حجم مرتبة الملك ملقيةً بجسدها عليه صارخةً.
ريليانا: "رباه،لماذا—!".
لأنها الآن، قد دخلت عالم رواية.
***
توفيت في عام ٢٠١٥ اليوم الثامن عشر من شهر فبراير.
حدث هذا جراء دفع أحدهم لها من على الشرفة، لكنها بحد ذاتها تجهل السبب الذي دفعه لقتلها.
انتهت فترة اختبارات القبول عند حلول الشتاء، سُجِّلت بقائمةِ الانتظار بعد تقدُّمها لجميع الجامعات بذلك، ثمَّ مكثت في ركنٍ من غرفة الدراسة تنتظر إشعارًا يعلمها ببشارة القبول.
لم تجد محفزًا يحثها على الدراسة فذهبت خارجًا عند شرفة غرفة الدراسة تحدق في السماء المرصعة بالنجوم وتتأسى على حياتها المضنية هذه، ما لبثت حتى اقترب منها غريبٌ وبادر بمحادثتها.
…:"لما،تـشـ— حـ—."
ظلت بارك أونها تتبادل أطراف الحديث مع هذا الغريب على قرابة ثلاث دقائق، ولكنها الآن تعجز عن تذكر أي شيء عنه سوى سماع الراديو مشوش الصوت.
رجحت أن سبب ذلك لم يكن جراء صدمة دخولها لعالم الرواية،وإنما مجهول السبب.
حاولت جاهدةً أن تتذكر أي معلومة عنه فلربما كان خيطًا يدلها لفهم وضعها،ولكن كل معلومة عنه أبت أن تمر على ذكراها، بما في ذلك صوته، ما قاله لها، أو حتى ملامح وجهه...لاشيء، لم تستطع تذكر شيء كما لو أن ذكرياتها عنه قد ظللت دون سابق إنذار.
كل ما أمكنها تذكره حينئذ كان شعوريِّ الريبة والفضول اللذان انتاباها، ومن ثم سارت محادثتهما ولاقت نفسها قد تسلت بالتكلم معه.
وفي أثناء حديثهما رن هاتفها الذي كانت تحمله في كف يدها، وكانت مكالمة تشعرها أنها قد قُبلت في الجامعة، كانت سعادتها عارمة إذ أنها صدحت بصوتها خبر قبولها وفي اللحظة التي أدارت بها ظهرها لتفتح هاتفها وترد على الاتصال يدٌ دفعتها وانهت كل شيء.
…: "يال قصر حياتك."
كانت جملة تلقتها من إحدى العرافات، حين كانت تبلغ تسع سنواتٍ من عمرها، أخذتها أمها برفقتها إلى مستودع دكانها، وآنذاك، التقتا بعرافة تقرأ الطالع وتلقي اللعنات ثم أشارت العرافة على أونها، وقالت تلك الجملة التي رسخت داخل عقلها كالشوكة التي لا تتزعزع، رفعت أونها رأسها للسماء.
ريليانا: 'في نهاية المطاف، ما كانت حياتي إلا قصيرة الأمد.'
وحينها انبعث ضوء اغشى عليها رؤيتها وغطى جسدها،وفي لحظة فتحها لعينيها،أصبحت بارك أونها ريليانا ماكميلان.
***
ڤينيا: "آنستي~ أحضرت لكِ غسول استحمامك~."
كانت تلك خادمتها ڤينيا وقد سمعت صوت صراخ ريليانا بعد طرقها لباب غرفتها.
فقد استمرت ريليانا بالصراخ في الصباح الباكر على قرابة شهرين متواصلين ولكن ڤينيا خادمةٌ متمرسة، فاكتفت بالابتسام وتمرير الإيناء كأن شيئًا لم يكن.
بينما كانت ريليانا تنهي غسل وجهها بالماء، كانت ڤينيا واقفةً وراءها تصفف شعرها بهدوء وروية، حدقت ريليانا في المرآة ريثما كانت تشعر بالنسيج الزغبي الذي لامس وجهها وهي تمسحه وتجففه.
إنها امرأة ذات شعر بني فاتح ومموج طوله يصل لخصرها، وعينان خضراوتان فاتحتان جليتان، وخدان متوردان وذقنٌ ناعمُ، كانت ملامحًا وضاحةً تجلب الانتباه حتى ولو أنها في عاصمة المملكة.
ريليانا: 'مهما تأملته، يظل غريبًا بالنسبة إلي.'
محياها الذي اعتادت عليه طوال العشرين سنةً من حياتها قد تغير،لهذا فهي عاجزةٌ عن التأقلم معه رغم مرور شهرين من ذلك.
لكن كون الأمر أكثر غرابةً مليون مرةً إن كانت تتجول في مكانٍ كهذا بمحياها الأصلي لحقيقة.
إضافةً إلى هذا فريليانا ماكميلان امرأة حسناء.
ڤينيا: "إن فطورك جاهز يا آنستي."
التفتت إليها وأومأت برأسها مستمعةً لما قالته ڤينيا.
ريليانا: "حسنٌ."
نزلت ريليانا من السلالم للطابق الأرضي متوجهةً نحو غرفة الطعام، وفي طريقها عبر البهو ترى والدها جوندين ماكميلان وقد طبَّق جريدته التي كانت بين يديه وقام يحييها ويصبِّح عليها في نهارها.
جوندين: "ريلي، أنمتِ جيدًا يا بنتي؟"
ريليانا: "أبي-."
اقترب جوندين منها وأحاط بذراعه كتفيها ليقربها إلى حضنه،ثم قبَّل خدها ورافقها إلى غرفة الطعام.
روزميري: "أختي!"
قفزت الأخت الصغرى لريليانا من على الكرسي الذي كانت جالسةً عليه عند المائدة ممسكةً شوكة طعامها، و هرعت روزميري ركضًا لتعانق ريليانا لكنها تصل إلى ساقها فحسب، بادلت ريليانا عناق روزميري، ثم اتجهت كلتاهما نحو الطاولة.
قالت أمها كَّيْتي واضعةً يدها على خصرها بنبرةٍ ناهرة لروزميري:
كيتي: "روز،لقد سبق أن نهرتكِ عن الركض ذهابًا وإيابًا حاملةً الشوكة بيدك! للتتحلي بالآداب!"
ثم أردفت قائلةً:
كيتي:"واللوم يقع عليكِ أيضًا يا ريلي،فقد شددت عليكِ أن توقفي مبادلتك لعناقها."
قال جوندين بينما يسحب الكرسي ليُجلسها على المائدة:
جوندين: "هيا هيا، دعيهن يجلسن على مائدة الافطار من فضلك،سيدة المنزل."
ردت كَّيْتي:"كم أنت رقيق الطبع معهن"
وقد جعلتها نبرته المرحة تخمد غضبها وتبتسم.
أخذت رايليانا الشوكة من روزميري التي أخبرتها بأنها قد حلمت بنفسها تحلق في السماء ومن ثم جلست كلتاهما على المائدة.
عائلة مُحبة، كان ذلك هو السبب الرئيسي لإتقان أونها ذات الأصل الكوري تقمص دور ريليانا ماكميلان بسرعة البرق، على الرغم من أنها لم تمتلك أية سوابق.
شهران،فترة وجيزة لتتقبل كونهم عائلتها الحقيقية الآن،وفترة كفيلة بأن تعتبرهم غاليين وعزيزين عليها.
فقد اعتنوا وأطعموا ابنتهم التي ظلت تسأل عن كل صغيرة وكبيرة في ذات صباح،حتى أنها طلبت منهم أن يغيروا أماكن الأثاث في سبيل راحتها، فأذعنوا لطلبها برحابة صدر.
وثمرة ذلك، كانت أن شعورها بالشوق حرقة قلبها على عالمها السابق ما عاد يلامسها،رافقه الخيفة والريبة من عالمها الحالي، كلاهما قد تبخرا.
استرسل جون حديثه قائلًا:"كما حدثتك سابقًا،العقد الذي أبرمته هذه المرة—."
فقاطعته كَّيْتي:"جون،فالتكفَّ عن الحديث بشأن عملك على مائدة الطعام."
ثم أردفت سائلة:"ألا توافقينني الرأي،ريلي؟"
سؤال كَّيْتي جعل ريليانا توقف مضغها للخس الذي كان بفاهها حيث كانت تأكل سلطة في صحن وشوكة وسكين فاخر.
تعد ريليانا ماكميلان الابنة الكبرى لعائلة البارون ماكميلان، نال رئيس الأسرة ألا وهو جوندين ماكميلان، لقب البارون إثر مشروع التنقيب عن النفط الذي لاقى نجاحًا باهرًا، وهذا سبب تلقيب آل ماكميلان بالعائلة حديثة الثراء حين صعدت مرتبتهم لمنزلة البارون، حسنٌ، ما الفرق بين قديمة ثراء وحديثة ثراء،المال لا يزال مالًا، وإن امتلكته فستتمكن من فعل كل شيء في هذا العالم، فلم يكن ذلك ما يشغل ذهنها.
بل عودتها من تجربةٍ لمذاق الموت إلى حياة تفيض بالمالٍ والعزٍّ، وعائلة محبة مما جعلها شاكرة وممتنة.
كانت أونها -التي غدت تدعى بريلي- لتطمئن وتسعد بما أن حياتها الجديدة جعلتها صاحبة ملعقةٍ ذهبية باليد، كانت كل أمورها ستسير على خير ما يرام بوجود كل تلك المزايا،لو أنَّ دور ريليانا ماكميلان كان مثله كمثل الشخص العادي...…لكانت أقرت بحياتها وشرعت بعيش حياتها بسعادة أبدية منذ زمنٍ بعيد.
ولكن شاءت الآلهة أن تضعها في موقف لا تحسد عليه وتغادرها.
ترجمة: إيمو @em.ema1814
دعم معنوي: كيري @kiri.chan.12