1 - بين ضوء القمر وأجنحة الدم

الفصل الأول: بين ضوء القمر وأجنحة الدم

صوت الرياح تلك الليلة كان مختلفًا. كأن الغابة نفسها تتنفس، تهمس بأسرار دفينة لا يعرفها سوى أولئك الشجعان بما يكفي لدخولها، أو الحمقى الذين لا يدركون خطورتها. آيرا كانت واحدة من الاثنين، أو ربما مزيجًا منهما. وقفت في وسط الظلام، بين أشجار عالية تحجب النجوم، وعيونها العسلية تحدق في القمر المائل إلى الأحمر.

لم يكن القمر كما اعتادت رؤيته. كان يبدو وكأنه ينزف، يرسل شعاعًا أحمر داكنًا يخترق ظلال الغابة. ارتجفت يدها دون وعي، لكنها لم تتراجع. شعرت بشيء أكبر منها يجبرها على التقدم، كأن هناك نداءً لا تستطيع تجاهله.

كان كل شيء في الغابة يوحي بالخطر. أوراق الأشجار الميتة تحت قدميها تصدر صوتًا يشبه الهمس، والهواء المحيط بها كان باردًا بشكل غير طبيعي. فجأة، سمعت صوت جناحين قريبين جدًا. التفتت بسرعة، لترى فراشة حمراء تحوم حولها.

"أمي..." همست لنفسها وهي تتذكر كلمات والدتها التي لم تخرج من عقلها أبدًا:

"لا تثقي أبدًا بالفراشات الحمراء يا آيرا. إنها ليست مجرد مخلوقات. إنها أرواح مضطهدة، تبحث عن انتقام لا ينتهي."

لكن تلك الفراشات لم تكن تخيفها. على العكس، كان هناك شيء ما في حركاتها يدعوها للهدوء، وكأنها تحميها من شيء أكبر. تقدمت أكثر، تتبع خطواتها أصوات خافتة كأن الغابة تراقبها.

بينما كانت تمشي، شعرت بشيء غريب. الهواء أصبح أثقل، والرائحة تغيرت. لم تعد رائحة أوراق الشجر أو الطين الرطب، بل كانت رائحة معدنية كأنها دماء. تساءلت إن كان ما تشعر به حقيقيًا أم مجرد وهم.

ثم رأتها.

كانت هناك صخرة ضخمة في وسط الغابة، أشبه بنصب تذكاري قديم. سطحها مغطى برموز محفورة، لكنها لم تكن رموزًا عادية. كانت متوهجة بلون أحمر نابض، كأنها تشبه نبض قلب حي. شعرت بشيء في داخلها يدفعها للمسها.

"لا تفعلي..." همس صوت خافت في عقلها، لكنها تجاهلته. مدّت يدها، وبمجرد أن لامست الصخرة، اجتاحت رأسها صور غير مفهومة:

امرأة ذات شعر أحمر داكن مثل اللهب، وعيون خضراء لامعة كالأحجار الكريمة. كانت ترتدي تاجًا مصنوعًا من أغصان ملتوية، تقف وسط نيران مشتعلة.

مدينة عظيمة تنهار، صرخات تتعالى من كل مكان، وأطياف غامضة تحوم في السماء.

عينان رماديتان تحدقان بها، نظرة باردة وكأنها تخترق أعماقها.

تراجعت فجأة، محاولةً استيعاب ما رأته. لكنها لم تكن في الغابة بعد الآن. كانت الأرض تحت قدميها مختلفة، أشبه برماد ساخن، والسماء فوقها مغطاة بالدخان الأسود. المباني من حولها كانت مدمرة، وكأن حربًا عظيمة دمرت كل شيء.

"ما هذا المكان؟" همست، صوتها يختنق من الرعب.

لم تكن وحيدة. الفراشات الحمراء التي كانت تحوم حولها ازدادت عددًا بشكل مرعب. كانت تحلق فوق رأسها، وتشكل دوامة حمراء كأنها تحميها من شيء خفي.

شعرت بشيء يتحرك داخلها. نظرت إلى يديها بصدمة. خيوط رفيعة، حمراء كأنها دماء متجمدة، خرجت من أطراف أصابعها، تلتف في الهواء بشكل مخيف. كانت الفراشات وكأنها تحتفي بها بصمت، ثم اجتاح عقلها همس دافئ: "لقد عثرت علينا أخيرًا."

شعرت وكأن شخصًا يحدق بها.

استدارت ببطء، لتجد رجلاً يقف خلفها. كان طويلًا، يرتدي عباءة سوداء تغطي جسده بالكامل، لكن عيناه الرماديتين اللامعتين كانتا تكشفان عن قوته. بدا كأنه يعرفها منذ زمن طويل، وكأن لقاءهما هذا كان مكتوبًا في قدرها.

"من أنت؟" صرخت، محاولةً إخفاء ارتجاف صوتها.

"لست أنا المهم. المهم هو ما بداخلكِ، وما يعنيه."

قبل أن تتمكن من الرد، بدأ الهواء حولها يتغير. من خلف الرجل، بدأت تظهر مخلوقات غريبة. كانت أشكالها غير مستقرة، كأنها ظلال تتحرك بحرية. بعضها كانت لها رؤوس تشبه الذئاب، وأخرى كانت مجرد أشباح متوهجة بعينين فارغتين.

"استعدي، آيرا." قال الرجل بصوت هادئ لكنه مفعم بالتحذير. "هذه ليست البداية، لكنها أيضًا ليست النهاية. ما يحدث الآن هو اختبار لقدرتكِ. ستعيشين... أو تموتين."

شعرت برعب يجتاحها، لكنها لم تكن قادرة على التحرك. أحد المخلوقات اندفع نحوها بسرعة لا تُصدق. أغمضت عينيها، لكن قبل أن يصل إليها، تحركت الخيوط الحمراء من تلقاء نفسها. التفت حول المخلوق بسرعة، وأحاطت به حتى مزقته إلى أشلاء.

شهقت، تحدق في ما حدث للتو. نظرت إلى يديها، ثم إلى الرجل الذي كان يراقبها بنظرة مختلطة بين الرضا والقلق.

"قلت لكِ." قال بصوت منخفض. "ما بداخلكِ ليس مجرد قوة. إنه شيء أكبر مما يمكن أن تتخيليه. لكن السؤال الآن: هل ستستخدمينه أم ستدعينه يدمركِ؟"

قبل أن تجيب، اهتزت الأرض تحت قدميها بعنف. نظرت حولها بذهول، لتجد المدينة المدمرة تنهار أكثر، والمخلوقات تزداد عددًا. كانت محاصرة.

"آيرا!" صرخ الرجل وهو يمد يده نحوها. "اتخذي قراركِ الآن! إما أن تأتي معي، أو تنتهي هنا!"

بينما كانت تفكر، ارتفع صوت غريب، كأنه نداء يأتي من أعماقها. شعرت بدمائها تغلي، وعيناها تلمعان بشكل غير طبيعي. نظرت إلى الرجل، ثم إلى المخلوقات التي تقترب منها.

"ما الذي عليّ فعله؟" همست، لكنها لم تكن تتحدث إليه فقط، بل إلى نفسها أيضًا.

في تلك اللحظة، انفجر الضوء الأحمر من حولها، لينير المكان بالكامل. شعرت بقوة غامرة تتدفق داخلها، كأنها تتلاعب بالخيوط الحمراء المحيطة بها.

ارتفعت الفراشات الحمراء لتشكل درعًا حاميًا حول آيرا، وتحركت الخيوط بشكل متزامن مع إرادتها، تهاجم المخلوقات المحيطة بها بفعالية. كانت تعلم الآن أن هذه القوة هي مفتاح نجاتها، لكن عليها أن تتعلم كيف تسيطر عليها.

ابتسم الرجل الغامض برضا وقال: "أحسنتِ، لكن هذا مجرد بداية الطريق. رحلتكِ لم تنتهِ بعد، وأمامكِ الكثير لتتعلميه."

نظرت آيرا إليه بحزم، وعرفت أنها ستقبل التحدي مهما كان صعبًا. كانت تعلم أن قدرها مرتبط بهذه القوى الغامضة، وأن عليها أن تواجه مستقبلها بشجاعة وإصرار.

"لست وحدي بعد الآن." قالت بصوت مليء بالتصميم.

"أعلم." قال الرجل. "ونحن معكِ في كل خطوة. دعينا نبدأ رحلتنا."

كانت هذه بداية الفصل الجديد في حياة آيرا، حيث بدأت رحلة البحث عن الحقيقة واكتشاف الأسرار القديمة التي كانت تختبئ في الظلال. كانت هناك قوى أكبر تلعب دورها في هذه القصة، ولكن آيرا كانت مستعدة لمواجهة كل الصعاب.

"نهاية الفصل الأول"

2024/12/12 · 37 مشاهدة · 886 كلمة
ℐ𝓇𝒾
نادي الروايات - 2025