الفصل العاشر: “لغز الظلال العميقة”
وصل لين إلى المعبد الحجري الضخم الذي أشار إليه الرجل الغريب، وقد بدا المكان كأنه يعج بأسرار قديمة لا يفهمها معظم الناس. تقدّم نحو الباب الضخم الذي زُيّن بنقوش غريبة تشبه كائنات غامضة مختبئة داخل الظلام. طرق لين الباب ببطء، فصدر صوت خفيف وهو يُفتح، ليكشف عن رجل عجوز يجلس وسط الغرفة محاطًا بكتب قديمة، يرتدي عباءة رمادية وعيناه لامعتان بنظرة وديعة لكنها نافذة.
رفع العجوز عينيه نحو لين وقال بصوت هادئ وعميق: “أهلًا بك، يا حامل الظلال. يبدو أن رحلتك قد قادتك إلى هنا، حيث تتلاقى النور والظلال. لقد سمعت عنك.”
تفاجأ لين وقال بدهشة: “كيف سمعت عني، ولماذا يشعر الجميع هنا وكأنهم يعرفونني؟”
ابتسم الحكيم إيرياس وردّ قائلًا: “أخبار معركتك مع النذير وصلت إلينا، ونحن هنا في إيساريا لدينا فهم أعمق لقوى الظلال والنور. لكننا نعرف أيضًا أن من يمتلك قوى كالتي لديك يحمل قدرًا ثقيلًا ومسؤولية كبيرة. لهذا السبب جئتَ إلينا، أليس كذلك؟”
أومأ لين برأسه، وقال بصوت هادئ: “أريد أن أفهم هذه القوى التي تسري بداخلي. حتى الآن، أنا أستخدمها دون أن أعرف مصدرها الحقيقي أو معناها. أشعر أن هناك جوانب لا تزال مجهولة عن الظلال التي تحيط بي.”
أشار الحكيم له بالجلوس، ثم قال: “كل من يحمل قوة الظلال لديه ارتباط مع عالم أقدم من هذا، عالم الظلال العميقة. هذا العالم ليس فقط مكانًا، بل هو كيان قديم كان يشهد توازنًا بين النور والظلام منذ الأزل. ولكن مع مرور الزمن، بدأت هذه القوى تتصارع، وظهر من يستغلها للسيطرة.”
سأله لين بقلق: “هل تعني أن الظلال نفسها قد تكون شريرة؟”
هزّ الحكيم رأسه وقال: “ليس تمامًا. الظلال كالنور، هي أداة، وهي جزء من كل شيء. لكنها ترتبط بالمشاعر والعواطف، وأي انحراف عن التوازن يمكن أن يحولها إلى شيء خطير. لذا، ما تحتاجه هو أن تجد التوازن بداخلك، وإلا ستسيطر عليك الظلال.”
جلس لين مع الحكيم لعدة أيام يتعلم من حكمته ويستمع إلى قصص وأساطير عن الظلال، ويكتشف أن تاريخ الظلال والنور هو جزء من تاريخه الشخصي. تعلم من إيرياس تقنيات جديدة للتحكم في قواه، والتواصل مع الظلال بروح من الصفاء والتركيز، ليصبح أكثر قدرة على الاستفادة منها دون أن يطغى عليه الجانب المظلم.
خلال أحد هذه الأيام، أخبره الحكيم بقصة قديمة عن محارب كان يعيش قبل مئات السنين، يُقال إنه كان أول من استخدم الظلال لأهداف سامية، لكنه لم يكن محصنًا ضد الظلام، وسقط في النهاية بعد أن استهلكته قواه.
قال إيرياس بنبرة حزينة: “هذا المحارب كان شجاعًا، لكنه لم يتمكن من السيطرة على قواه، وأدى ذلك إلى دمار كبير. تعلمنا منه أهمية التوازن، وكيف يمكن أن تصبح قوى الظلال قوة مدمرة إذا لم يتم التحكم فيها بحذر.”
شعر لين بثقل الكلمات، وكأن الحكيم يروي قصة تعنيه بشكل خاص. تذكر لحظات انفعاله في المعارك السابقة، وكيف كاد يفقد السيطرة مرات عدة. أدرك أنه يحتاج إلى تعلم الهدوء الداخلي والتحكم بالعواطف لكي لا يصبح أسيرًا لقواه.
في صباح اليوم التالي، وبينما كان لين يتدرب في أحد أروقة المعبد، جاءه الحكيم وقال: “هناك اختبار أخير عليك خوضه قبل أن تغادر إيساريا. في أعماق هذا المعبد يوجد كهف مظلم يُعرف بكهف السراب
كانت كلمات الحكيم ثقيلة على قلب لين، لكنه شعر بالحماس أيضًا. كان يعلم أن هذه ستكون الخطوة النهائية لتطويره ومعرفة المزيد عن نفسه. توجه إلى الكهف وهو يتردد بين الخوف والتصميم.
عند دخوله الكهف، شعر ببرودة شديدة وظلام عميق لم يعهده من قبل، كان الظلام هنا يبدو وكأنه يمتلك حياة خاصة، كأنه يتنفس ويتحرك حوله. أخذ نفسًا عميقًا، وبدأ يسير بخطوات بطيئة، محاولًا ألا يُظهر خوفه.
بعد خطوات قليلة، بدأ الظلام يأخذ أشكالاً غريبة. ظهرت صور من ماضيه، منها لحظات انكسار وضعف، وصور للمعارك التي كاد يفقد فيها حياته. وبدأ يسمع أصواتًا تتهمه بالفشل، بأن هذه القوة ستلتهمه يومًا، وأنه لن يتمكن من السيطرة عليها.
ثم بدأت تظهر أمامه صور لأصدقائه، سورا وريو، وهما محاطان بالظلام بسبب اختياراته. بدأ يسمع صوتًا داخليًا يقول له: “أنت الخطر الحقيقي على من حولك. هذه القوى لن تجلب سوى الألم والدمار.”
حاول لين أن يغلق عينيه، محاولًا تجاهل الصور، لكنه أدرك أنه لن يستطيع الهرب منها. تذكر كلمات الحكيم بأن عليه مواجهة مخاوفه، وأن التوازن يأتي من القبول.
قال بصوت عالٍ: “أعلم أنني لست مثاليًا، وأعلم أنني أحمل في داخلي جوانب من الظلام. لكنني أيضًا أمتلك النور، وأنا لن أسمح لأي منهما بالسيطرة على الآخر.”
بدأ الظلام يتلاشى ببطء، وشعر بأن الصور التي تحيط به تتبدد، وكأن قواه استجابت لثقته بنفسه. ومع زوال الظلام، ظهر أمامه ممر مضاء خفيفًا يقوده إلى خارج الكهف.
خرج لين من الكهف مرهقًا، لكن بروح أقوى من أي وقت مضى. وجد إيرياس بانتظاره، وعيناه تلمعان بفخر. قال الحكيم: “لقد نجحت يا لين. لقد واجهت مخاوفك وأثبت أنك جدير بهذه القوى. الآن، يمكنك المضي قدمًا، وأنت تعلم أنك تملك القوة للسيطرة على الظلال بدلًا من أن تسيطر عليك.”
شعر لين بالراحة والسلام الداخلي، كأنه أخيرًا تخلص من عبء ثقيل. شكر الحكيم بحرارة، وأخذ يستعد للرحيل.
قبل أن يغادر، أهداه إيرياس بلورة سوداء صغيرة، وقال له: “هذه البلورة تحتوي على جزء من الظلال القديمة. ستساعدك في رحلتك، وتذكّرك دائمًا أن الظلال ليست مجرد قوة، بل هي أيضًا جزء من الحياة والتوازن.”
بعد رحيله من إيساريا، شعر لين وكأنه أصبح شخصًا جديدًا. لقد تعلم دروسًا عميقة عن نفسه وعن العالم من حوله. وبينما كان يسير بعيدًا نحو آفاق جديدة، شعر بأن رحلته لم تنتهِ بعد، بل بدأت لتوها، وأنه لا يزال هناك الكثير لاكتشافه في هذا العالم الغامض، سواء في النور أو في الظلال.
(يتبع…)