الفصل الحادي عشر: “عودة الظلال”

مرت عدة أشهر على مغادرة لين لمدينة إيساريا، ولكن رغم السلام الذي شعر به في داخله بعد تجربته في الكهف، لم يكن قادراً على التخلص من شعور غامض بالقلق الذي يرافقه كلما فكر في المستقبل. كان يعرف أن الظلال التي سيطر عليها لم تختفِ بالكامل، بل هي جزء من كيانه، وأنها قد تظهر مرة أخرى في أسوأ الأوقات.

وفي أحد الأيام، بينما كان يسير عبر إحدى الغابات الكثيفة، شعر بشيء غريب. كان الظلام في المكان أكثر كثافة مما يجب، وكأن الأشجار نفسها كانت تتنفس ببطء. انبعثت منه قشعريرة جعلته يتوقف للحظة، ويُحاول فهم ما يحدث. كان يعلم أن هذا ليس مجرد شعور عابر. كان هناك شيء ما في هذا المكان، شيء لا يستطيع تفسيره.

أصبح المكان أكثر غموضًا، وعتمة الأشجار كانت تتسارع حوله، وكأنها تبتلع النور شيئًا فشيئًا. فجأة، شعر بوجوده، شيء هائل في حجم الظلال، يقترب منه من كل الاتجاهات. كانت الظلال تتحرك، وكأنها تتفاعل مع خياله، تستجيب لأعمق مخاوفه، وتغذّيها. شعر وكأن المكان بأسره يعكس جانبًا مظلمًا من نفسه، شيء لا يمكنه الهروب منه.

عندما حاول لين تحريك يديه، شعر بشيء ثقيل يثقل حركته، كما لو أن الظلال أصبحت سلاسل تلتف حوله. وفي لحظة واحدة، ظهر أمامه كائن ضخم مصنوع من الظلال، عينيه تلمعان بلمعة خفية من الشر. كان يبدو وكأنه تجسيد لما كان قد عايشه في الماضي، أهوال معركة النذير، مخاوفه من فقدان السيطرة على نفسه، والشعور بالوحدة في مواجهة أعداءه.

قال الكائن بصوتٍ عميق، كالصوت الذي يهمس في أذنه: “لقد كنت دائمًا تعرف أن الظلال لا تختفي. أنت مجرد أداة في لعبة أكبر. لكنك الآن، ستكون هو، الظل الذي يُسيطر عليه.”

رفعت لين يديه في محاولة للسيطرة على الظلال من حوله، مستذكرًا كل ما تعلمه من إيرياس. حاول بتركيز أن يوجه الطاقة الداخلية نحو طرد الظلال، لكنه كان يواجه مقاومة عنيفة من الكائن الذي بدأ في الاقتراب منه، محاولًا ابتلاعه في الظلام.

ولكن لين شعر بشيء داخل قلبه، شعوراً مختلفاً عن أي وقت مضى. أدرك أن هذه الظلال لا تُمثل عدوه، بل جزءًا منه. لذلك، بدلًا من محاولته الهروب أو مقاومتها بشدة، قرر قبولها والتواصل معها بطريقة جديدة. أغمض عينيه، وأخذ نفسًا عميقًا، ثم همس: “أنت جزء مني. لا يمكنني الهروب منك. لكنني أتحكم بك، وليس العكس.”

فجأة، بدأت الظلال تتراجع، وكأنها استجابت لكلماته، بدأت تتناثر حوله، دون أن تؤذيه، بل وكأنها أصبحت أكثر سلاسة، جزءًا من طاقته الشخصية، لا كتهديد.

ظهرت ابتسامة صغيرة على وجهه، بينما كان الكائن الظلي يتلاشى تدريجيًا في الهواء. لكن قبل أن يختفي تمامًا، قال الكائن بصوتٍ خافت: “هذا لم يكن سوى البداية. هناك من يتربص بك في الظلام.”

لم يكن لين بحاجة إلى تفسير أكثر. شعر في أعماقه أن هناك شيئًا أكبر يخطط له، قوة خفية تتحكم في مجريات الأحداث. وما حدث الآن لم يكن سوى بداية معركة جديدة. لكن لين كان مستعدًا أكثر من أي وقت مضى. لم يعد ذلك الفتى الضائع الذي كان يتخبط بين الظلام والنور، بل أصبح شخصًا يحمل توازنًا داخليًا قادرًا على التحكم في مصيره.

واصل لين طريقه عبر الغابة، وعيناه مليئتان بالعزيمة. عرف أن الظلال لن تتركه في سلام، وأنه سيواجه تهديدات جديدة في المستقبل. لكن، في المقابل، شعر أنه أصبح أقوى. لم يعد يشعر بالخوف من الظلال، بل أصبح يتعامل معها كأداة حيوية تمكّنه من تحقيق أهدافه.

وبينما كان يسير، ظهر أمامه شخص غير متوقع. كان ريو، الذي جاء من بعيد ليبحث عنه. بدا عليه التعب، لكن عينيه كانتا تحملان نظرة قلق كبيرة.

“كنت أعرف أنك هنا، لين”، قال ريو بصوتٍ هادئ، ولكنه مليء بالجدية. “لقد مر وقت طويل. هناك شيء كبير يحدث، شيء أكثر خطورة مما تخيلنا. نحن بحاجة إليك. كلنا بحاجة إليك.”

وقف لين أمامه، وكأنه يقرأ ما وراء الكلمات. “هل حدث شيء؟”

قال ريو بإجهاد: “نعم. هناك تحركات غريبة من جهة الغزاة الذين ظهروا قبل فترة. وقوة مظلمة بدأت تنمو في الظلال، نحن نحتاج إلى تحالفات جديدة. سورا لا تزال في المدينة، لكنها تخشى أن الأمور تتصاعد بشكل أسرع مما نتوقع.”

أخذ لين نفسًا عميقًا، وقال بثقة: “لننتقل إلى المدينة إذًا. أنا مستعد.”

بينما كان لين وريو يتجهان إلى المدينة، شعر لين أن الطريق أمامه ما يزال طويلًا، وأن الظلال التي رافقته طوال رحلته لم تكن سوى بداية لمغامرة أكبر، مغامرة سيتعين عليه خوضها إلى جانب أصدقائه.

في تلك اللحظة، أدرك لين أنه لم يعد وحده في مواجهة الظلام. كان لديه أصدقاء بجانبه، وأصبح أكثر وعيًا بحقيقة قوته. لكنه أيضًا كان يعلم أن المعركة القادمة ستكون أخطر من أي وقت مضى. فالمستقبل يحمل في طياته تحديات جديدة، قوى غامضة، وأسرار مظلمة يجب كشفها.

(يتبع…)

2024/11/10 · 17 مشاهدة · 719 كلمة
عباس
نادي الروايات - 2025