الفصل الثاني عشر: “نذر الظلام”

وصل لين وريو إلى أطراف المدينة مع بزوغ فجر اليوم التالي، والشوارع لا تزال خالية من أي حركة. كان جو المدينة غريبًا، مع أجواء ثقيلة وكأنها تملأها روح من القلق والخوف. في السماء، كانت الغيوم الداكنة تتحرك بسرعة، كما لو كانت هناك قوة غير مرئية تدفعها.

كانت مدينة النور قد تغيرت كثيرًا منذ مغادرة لين، فقد بدا أن الظلال قد بدأت تسيطر على الأماكن التي كانت يومًا مليئة بالحياة. بين زقاقاتها الضيقة ومبانيها القديمة، كانت الأنوار تتذبذب، وفي بعض الأماكن كان الظلام أكثر كثافة من المعتاد. شعر لين بذلك على الفور، كانت تلك ليست المدينة التي تركها.

سار مع ريو عبر الشوارع الهادئة حتى وصلا إلى الميدان الرئيسي حيث تجمعت الحشود. كان المكان ممتلئًا بالناس، ولكنهم بدوا متوترين، ونظراتهم مليئة بالقلق. كان هناك حديث يدور بين الناس عن اختفاء بعض الأشخاص من المدينة، وزيادة مظاهر الظلام في الآونة الأخيرة.

استوقفهم أحد الحراس عندما اقتربوا من الساحة. كان الحارس يبدو متعبًا جدًا، وجهه شاحب وعيناه مليئة بالقلق. “أنتم… هل أنتم من الخارج؟” قال بصوت خافت.

أجاب لين بثقة: “نعم، نحن هنا من أجل مساعدة المدينة. ما الذي يحدث هنا؟”

أجاب الحارس، وقد بدا وكأن الهمّ ثقيل عليه: “الظلام… أصبح أقوى. هناك شيء ما يحدث في القلعة

القديمة. من يحاول الاقتراب منها يختفي، وكأنها تبتلعهم. الناس بدأوا يختفون بشكل غريب. لا نعرف ماذا نفعل.”

تبادل لين وريو نظرات جادة. كان الظلام يزداد قوة في كل مكان، وكان لابد من معرفة مصدر هذا الشر. لين شعر في أعماق قلبه أن القلعة

القديمة التي ذكرها الحارس كانت مركزًا للأحداث التي تجري في المدينة. كانت هناك قوة مظلمة تحاول العودة، والآن كان عليه أن يواجهها.

أثناء سيرهم نحو القلعة، كان الجو يصبح أكثر غموضًا. كانت الأشجار المحيطة بالقلعة تميل بشكل غريب، كما لو أنها تحجب الضوء عمدًا. بدا المكان كأنه مكان محرم، حيث يلتقي التاريخ مع الخوف. بينما اقتربوا، بدأ لين يشعر بأصداء الظلال التي تحيط بالقلعة، وكأنها تشعر بوجوده. كان يعتقد أنه أصبح أقوى من قبل، لكن هذه المرة كان هناك شيء أعمق وأكثر مرونة في الظلال التي تحيط به.

قال ريو بتردد: “هذه القلعة… لا شيء جيد يمكن أن ينتظرنا داخلها. يجب أن نكون مستعدين لما سنواجهه.”

أجاب لين بعزم: “نحن لن نتراجع الآن. إذا كان هناك شيء يهدد المدينة، يجب أن نوقفه هنا. سأواجهه، مهما كان.”

بينما دخلا البوابة المتهدمة للقلعة، بدأ الظلام يزداد كثافة حتى أصبح المكان ضبابيًا. وكان هناك صوت خافت يهمس في أذنهما، كأن هناك شيئًا يراقب كل خطوة.

وبينما كانوا يسيرون عبر الأروقة المهجورة، توقف لين فجأة. شعر بشيء غريب في الهواء. كانت هناك طاقة مظلمة تتدفق عبر الجدران، تتسرب إلى أعماق نفسه. همس: “إنها هنا. هذا المكان، هذا الظلام… إنه حي.”

في تلك اللحظة، انطلقت من الظلال التي كانت تحيط بهم كائنات ضخمة من الظلام، أشكال غير واضحة تحوم حولهم. لكن كان لدى لين فكرة واضحة في ذهنه الآن. استخدم قواه المتجددة، وأطلق طاقة الظلال باتجاه الكائنات، محاولًا دفعها بعيدًا عنه. ولكن، على الرغم من قوته المتزايدة، لم تكن الظلال التي تواجهه سهلة الهزيمة. بدأت تتحول إلى أشكال غريبة أكثر عنفًا، وكأنها كانت تنمو وتتكاثر مع كل ضربة يتلقونها.

صرخ ريو: “لن ننجو إن بقينا هنا! يجب أن نخرج الآن!”

لكن لين لم يكن مستعدًا للتراجع. فجأة، وفي وسط العاصفة الظليّة، شعر بشيء آخر، قوة أكبر، أعمق، كما لو أن الظلال كانت تنتظر شيئًا ما منه.

“أنتَ… لا يمكنك الهروب من هذا المكان”، قال صوت غريب، نابع من الظلال نفسها. “لقد أتيتَ إلى مكاني، وأنت الآن جزء منه.”

شعر لين وكأن الظلال تلتف حوله، تحاول غزوه من الداخل. كان يعلم أن هذا ليس مجرد قتال جسدي. كان عليه أن يحارب شيئًا أعمق: طاقة قديمة، قوة ظلامية كانت تستهلك كل من يقترب منها. حاول أن يركز على ما تعلمه من إيرياس، مستحضرًا التوازن بين النور والظلال. كانت المعركة أكثر من مجرد قتال جسدي، كانت معركة روحية.

رفع يديه، وحاول إرسال طاقة ظلالية تجمع بين الضوء والظلام، محاولة تدمير تلك الكائنات التي تطوقه. وفي اللحظة التي أطلق فيها القوة، تراجع الظلام فجأة، كما لو أن شيئًا ما قد صدمه. وقف لين بثبات، وهو يلتقط أنفاسه، بينما بدأ الظلام يذوب تدريجيًا، ويكشف عن شكل جديد.

من بين الظلال التي تراجعت، ظهرت شخصية عالية ونحيلة، تُظلم ملامحها. كانت ترتدي معطفًا طويلًا أسود، وعينها تلمعان بالشر. ابتسمت تلك الشخصية الشريرة، وقالت بنبرة مليئة بالتهديد: “أنت الآن في مكاني، يا لين. كنت أعلم أن يومًا ما ستصل، لكنك لا تستطيع هزيمتي. الظلام قد عاد.”

قال لين وهو يثبّت نظرته في عيني تلك الشخصية: “من أنت؟”

“أنا أوريس،” ردت الشخصية بنظرة ساخرة. “أنا من خلق الظلال الأولى، وأنا من سيعيد الظلام إلى العالم.”

لم يكن لين يصدق ما يسمعه. أوريس، إذا كان حقًا هو من ابتكر الظلال، فإنه لا يواجه مجرد كائن مظلم، بل قوة قديمة عظيمة، قوة قد تجلب نهاية العالم إذا لم يتم إيقافها.

قال لين بتصميم: “لن أسمح لك بهذا. الظلال لا تسيطر عليّ.”

اندلعت المعركة مرة أخرى في أروقة القلعة المظلمة، ولكن هذه المرة كانت المعركة على مستوى آخر. كان لين يواجه شخصًا يمتلك السيطرة على الظلال في أعمق أشكالها، شخصًا عازمًا على القضاء على النور وإعادة الظلام ليغلف العالم. في قلب تلك المعركة المظلمة، كان لين يدرك تمامًا أنه لن يستطيع هزيمة أوريس بالقوة وحدها. كان عليه أن يثبت أنه يمكنه التوازن بين النور والظلام، وأن هذه هي الطريقة الوحيدة لهزيمة العدو.

(يتبع…)

2024/11/10 · 13 مشاهدة · 849 كلمة
عباس
نادي الروايات - 2025