الفصل الرابع عشر: “البحث عن الأمل”
مرت الأيام ببطء بعد المعركة مع أوريس، لكن رغم النصر الذي حققه لين في مواجهة تلك القوة الظلامية، كانت هناك العديد من الأسئلة التي ما زالت تدور في ذهنه. كانت الكلمات الأخيرة لـ أوريس تتردد في عقله: “الظلام أعمق مما تعتقد.” تلك الكلمات كانت تؤرقه، وكأنها تحمل تهديدًا خفيًا. كان يعلم أن الظلام لم يُهزم بعد، وأنه كان هناك شيء أكبر وأعمق ينتظر أن يخرج إلى النور.
في إحدى الليالي، بينما كان لين جالسًا على سطح أحد المباني في المدينة يراقب السماء، شعر بشيء غريب. كانت الرياح تهب بشدة، وكأنها تحمل رسائل مجهولة. كان يشعر بشيء بعيد جدًا عن متناوله، طاقة خفية تسري في الهواء، لكنه لم يكن قادرًا على تحديد مصدرها. كان عقله مشغولًا بكلمات أوريس، وتساءل عن معنى “الظلام الأعمق”. ماذا يعني ذلك؟ هل كانت تلك مجرد كلمات تهديد؟ أم أن هناك قوة أكبر من تلك التي واجهها للتو؟
بينما كان غارقًا في تفكيره، شعر بيد على كتفه. التفت بسرعة ليجد ريو يقف بجانبه، وهو ينظر إليه بقلق. “أنت تفكر في شيء مهم، أليس كذلك؟”
أجاب لين وهو يحاول إخفاء قلقه: “نعم، أشعر أن هناك شيئًا أكبر ينتظرنا. أوريس لم يكن سوى البداية.”
أومأ ريو برأسه وقال: “أنت على حق. الظلام الذي نشعر به ليس مجرد خطر عابر. نحن نواجه شيئًا قديمًا جدًا، شيئًا يتجاوز مجرد قوى الظلام التي نراها في العادة. لكننا لا نعرف كل شيء بعد.”
كان لين يعلم أن ريو محق. لكن رغم ذلك، كان يشعر بشيء لا يمكن تفسيره. كان يشعر أن هناك جزءًا من الحقيقة كان قد فاته، شيء لم يكن قد اكتشفه بعد.
وفي تلك اللحظة، شعر بشيء آخر. شيء لم يكن يمكنه تجاهله. كانت هناك طاقة في الهواء، طاقة ليست ظلامًا ولا نورًا. كانت مجرد طاقة، ناعمة، غير مرئية، لكنها كانت موجودة، تنتشر في كل شيء.
قال لين بصوت خافت: “هل تشعر بذلك؟”
“نعم،” رد ريو وهو يضيق عينيه. “هناك شيء غريب في الهواء. وكأننا نعيش في لحظة فارقة.”
وقتها، بدأ لين يربط بين تلك الطاقة وبين كلمات أوريس. ربما كان الظلام الأعمق ليس مجرد ظلام مادي، بل طاقة قديمة، قد تكون جزءًا من التوازن الكوني نفسه. هل كانت هذه الطاقة هي ما كان يحاول أوريس التلاعب بها؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف يمكنهم فهم تلك الطاقة والتحكم فيها؟
كان لين يعلم أنه لم يكن قادرًا على الإجابة على هذه الأسئلة بمفرده. كان بحاجة إلى معرفة المزيد، وكان بحاجة إلى حلفاء أقوياء، أولئك الذين يمتلكون معرفة قديمة يمكنها أن تساعدهم في فهم تلك القوى المظلمة.
قال لين أخيرًا، وهو يرفع رأسه نحو السماء المظلمة: “يجب أن نبحث عن المزيد من المعرفة. ربما هناك شخص ما يمكنه مساعدتنا. شخص يعرف عن هذه الطاقات المظلمة، من يمكنه إخبارنا بما يحدث.”
ريو نظر إلى لين وقال بصوت هادئ: “أعرف من قد يساعدنا. هناك مكان بعيد عن المدينة، في الجبال الشرقية. إنه معبد قديم، حيث كان يدرس هناك الحكماء القدماء. يمكنهم مساعدتنا في معرفة المزيد عن هذه الطاقات، ويمكننا العثور على أجوبة هناك.”
وافق لين على الفور. كانت الرحلة إلى المعبد في الجبال الشرقية صعبة، لكنها كانت ضرورة لفهم التهديد الذي يواجههم. قرروا التحرك في صباح اليوم التالي.
وصل لين وريو إلى أطراف المدينة في وقت مبكر من اليوم التالي. كانت السماء تغطيها الغيوم، وكأنها تشير إلى المخاطر التي تنتظرهم في الطريق. استعدا للرحلة عبر الأراضي الوعرة التي كانت تفصل المدينة عن الجبال الشرقية. كانت الرحلة طويلة، لكن لين كان يشعر بأن هذه هي الخطوة الوحيدة التي يمكن أن تقودهم إلى الحل.
بينما كانوا يسيرون عبر الطريق الوعرة، كان لين غارقًا في أفكاره، يفكر في مصير المدينة التي بدأ يعشقها. كانت فكرة الظلام يبتلع كل شيء، بما في ذلك الضوء، تزعجه بشدة. كان يعلم أنه لا يمكنه السماح لذلك أن يحدث.
وأثناء سيرهم، وصلوا إلى نقطة كانت فيها الجبال تلامس السماء، وكان الطريق يتعرج نحو القمة حيث يقع المعبد. كانت الأشجار المحيطة بالمكان تتمايل في الرياح الباردة، وكأنها تحاول إبعادهم عن المعبد الذي كان يخبئ أسرارًا قديمة.
“نحن قريبون الآن.” قال ريو وهو يشير إلى المعبد البعيد. “لكن تذكر، ليس كل شيء هنا سيكون ودودًا. هذا المعبد مليء بالأسرار. قد لا تجد كل شيء كما توقعت.”
ابتسم لين وقال: “لكننا بحاجة للإجابة على أسئلتنا. والآن بعد أن وصلنا إلى هنا، لن نتراجع.”
بينما كان لين وريو يتقدمان نحو المعبد، كانت الرياح تعصف بهم، وكأنها تحاول منعهم من دخول هذا المكان الغامض. ومع اقترابهم من بوابة المعبد الكبيرة، شعر لين بشيء غريب في الهواء، كما لو أن المعبد نفسه كان يراقبهم.
دخلوا المعبد بحذر، وكانت أضواء خافتة تنير الممرات الطويلة. كان المكان مليئًا بالغرف القديمة والجدران المغطاة بالرموز والنقوش التي تروي قصصًا عن الزمان البعيد. وفي أعماق المعبد، كانوا يعرفون أن سر الظلام الأعمق يمكن أن يكمن في تلك الكتب القديمة، التي ربما تحتوي على الإجابات التي كانوا يبحثون عنها.
مع كل خطوة يخطونها داخل المعبد، كان لين يشعر أن شيئًا كبيرًا جدًا في الطريق. لم يكن يعلم ما الذي ينتظره في الداخل، لكنه كان يعرف شيء واحد: لا مفر من مواجهة الظلام، ولا يمكنهم الهروب من مصيرهم. الآن، كان عليهم أن يكتشفوا الحقيقة، مهما كانت.
(يتبع…)