الفصل السابع عشر: “العودة إلى الظلال”

كانت الدائرة المظلمة التي ظهرت أمام لين وريو تتسع بسرعة. كانت الظلال تتشكل داخلها وكأنها كائن حي، تنبض بالحياة وتتحرك بشكل متسارع. كلما ازداد الظلام حولهم، شعر لين أن شيئًا عظيمًا كان يوشك على الاستيقاظ من سباته العميق. كان الصوت الذي ينبعث من داخل الدائرة يشبه أنين كائن قديم، مختلطًا بصوت همسات غريبة تحمل رسائل غير مفهومة.

“يجب أن نوقف هذا قبل أن يخرج!” قال ريو بصوت مرتجف، بينما كانت يده تتجه إلى عنق سيفه، وكان يدرس المكان بحذر. “إذا استمر هذا، سنواجه شيئًا أعتى مما يمكننا تخيله.”

لكن لين كان عينيه مغمضتين، كما لو كان يحاول التفاعل مع تلك الطاقة التي كانت تتدفق من الدائرة المظلمة. كان يشعر بشيء غريب داخل صدره، شيء غير قابل للشرح، طاقة قديمة ومظلمة تدعوه للغوص في هذا المجهول. كانت الدائرة المظلمة لا تزال تتسع، وكلما اقتربت منها، كان الصوت يزداد قوة، وكأنها تعبر عن قوى غير مرئية.

“يبدو أن هناك شيئًا يتصل بي… كما لو أنني أفهم هذا الظلام بطريقة ما.” همس لين.

ريو نظر إليه في دهشة وقال بحذر: “لا تتبع تلك الهمسات، لين… هذا هو الظلام الأعمق الذي نتحدث عنه. إنه ليس مجرد شيء مادي، إنه طاقة قديمة تسعى للسيطرة على كل شيء. إذا سمحت له بالسيطرة عليك، فلن يكون هناك عودة.”

لكن في تلك اللحظة، كان لين قد أدرك أن هناك شيئًا كان قد تعلمه طوال رحلته – أن الظلام ليس دائمًا شيء يجب محاربته. بل هو قوة متأصلة في هذا الكون، توازن بين النور والظلام، بين الحياة والموت. لكن ما حدث الآن كان أكثر تعقيدًا. ما كان يواجهه الآن كان ليس مجرد ظلام، بل كان طاقة قديمة مليئة بالأسرار المفقودة التي كانت تساوي الوجود نفسه.

“أحتاج إلى معرفة المزيد.” قال لين بصوت خافت، ثم خطوة أخرى إلى داخل الدائرة المظلمة، متحديًا الهمسات التي كانت تردد في ذهنه.

لكن لحظة دخول لين الدائرة المظلمة، حدث شيء غير متوقع. اندفعت طاقة مظلمة قوية نحو جسده، وكأنها تحاول ابتلاعه. شعر وكأن العالم ينهار من حوله، وكل شيء حوله بدأ يتحول إلى صمت مطبق. ثم، في لحظة، أدرك أنه قد دخل في مكان مختلف تمامًا. مكان ليس من هذا العالم، بل عالم آخر، مليء بالعتمة والضباب الكثيف.

كان لين واقفًا في وسط ذلك المكان المظلم، حيث لا يوجد سوى الظلال والأصوات البعيدة التي تهمس له. بدا وكأن الزمن قد توقف، وذهب إلى مكان عميق في عقله، حيث سمع صوته الداخلي يقول له: “إنك على شفا اكتشاف شيء خطير، شيء قد يغير كل شيء.”

وعندما حاول التحرك، رأى أمامه كائنًا مظلمًا يقف في الزمان والمكان، شبهًا بظل متماوج. لم يكن يشبه أي كائن رآه في حياته، بل كان كائنًا قديمًا جدًا، كأنَّه ظل لزمان بعيد. كانت عيناه تتوهج بلون أحمر قاتم، وكان يعبر عن نفسه بصوت داخلي عميق.

“أنت من أطلقني من عزلتي…” قال الصوت، كما لو كان يعرفه جيدًا. “كنت أنت، يا لين، من فتح البوابة.”

صُدم لين وأجاب بصوت خافت، “من أنت؟ ماذا يحدث هنا؟”

ابتسم الكائن الظلامي ابتسامة خفيفة وقال: “أنا… الذي أُطلق عليه “حارس الظلال”، وأنا الذي حافظت على هذا العالم من الظلام الأعمق منذ الأزل. أنت، يا لين، تحمل مفتاح الحقيقة، لكنك الآن تخاطر بفتح أبواب لا يمكن إغلاقها.”

بينما كان لين يستمع للكائن، شعر بشيء آخر في قلبه، كما لو كان يتحكم في الطاقة المظلمة حوله، وكان قادراً على تمييز توازن غير مرئي كان يربط بينه وبين هذا الكائن.

“ولكني لا أريد أن أكون جزءًا من الظلام.” قال لين، متمسكًا بتفكيره المنطقي رغم الشعور الغامض الذي بدا يزحف في أعماقه. “أنا فقط أريد أن أفهم كيف يمكنني إيقاف هذا الخطر.”

أجاب حارس الظلال بصوت هادئ، كأن كلماته تخرج من عمق الوجود ذاته: “الظلام ليس عدوك الوحيد، ولا هو الشر المطلق. إذا أردت أن توقفه، يجب أن تفهمه أولًا، يجب أن تقبل به كجزء من توازنك الداخلي.”

ولكن قبل أن يتمكن لين من الرد، شعر فجأة بطاقة هائلة تشده إلى الوراء، وكأنها قوة خارجية غير مرئية تجذب جسده إلى عالمه الخاص. وعندما فتح عينيه، وجد نفسه عائدًا إلى المكان الذي بدأ فيه، داخل الممر الضيق، مع ريو الذي كان ينظر إليه في قلق.

“ماذا حدث؟” سأل ريو بسرعة وهو يقترب منه. “هل كنت في الداخل؟”

لم يستطع لين أن يجيب على الفور. كان عقله مشوشًا، مليئًا بالصور والمشاعر التي لا يستطيع تفسيرها. كانت الكلمات التي قالها حارس

الظلال تتردد في ذهنه، وقد فهم الآن أنه كان على وشك اكتشاف شيء أكبر بكثير مما كان يتوقعه.

“لقد كنت… في مكان آخر.” قال لين أخيرًا، وهو يحدق في ريو.

لكن ريو كان يراقب بقلق شديد. “لن نتمكن من إيقاف هذا الظلام إذا لم نفهمه بالكامل. كلما اقتربنا أكثر، أصبحت المخاطر أكبر.”

وقف لين مستعدًا للمضي قدمًا في رحلته، وكان يعلم الآن أن رحلته لم تكن فقط من أجل إيقاف تهديد الظلام، بل لفهم التوازن بين النور والظلام الذي يحدد مصير العالم.

“سنكمل الرحلة، ريو.” قال لين بعزم. “وسنكتشف الحقيقة مهما كانت.”

(يتبع…)

2024/11/13 · 16 مشاهدة · 777 كلمة
عباس
نادي الروايات - 2025