18 - الظلال في قلب العالم

الفصل الثامن عشر: “الظلال في قلب العالم”

بينما كان لين وريو يسيران عبر الممر الضيق في أعماق الجبال، كان صدى أصوات خطواتهم ينكسر على جدران الأرض القديمة. كانت كل خطوة تأخذهم أعمق في قلب الظلام، وكان قلب لين ينبض بعنف، محملاً بالمشاعر المتناقضة. كان الجزء الأكبر من عقله ما يزال عالقًا في اللحظة التي دخل فيها إلى عالم الظلال، حيث قابله الكائن القديم الذي سماه “حارس الظلال”. كل ما مر به هناك بدا وكأنه مجرد حلم، أو ربما كان له معنى أعمق لا يستطيع أن يدركه بالكامل بعد.

لكن، رغم هذا كله، كان هناك شعور متزايد في قلبه: هذا الصراع لم يكن فقط حول إيقاف أوريس أو تدمير الظلام. كان هناك شيء أعمق من ذلك بكثير. كان الكائن المظلم الذي قابله قد تحدث عن “التوازن”، وعن شيء لا يعرفه لين تمامًا ولكنه يشعر بأنه يتعلق بمصير العالم.

“لنذهب، لا وقت نضيعه.” قال لين وهو يتنهد بعمق، محاولًا دفع الأفكار المشتتة بعيدًا. لكنه كان يعلم في أعماق نفسه أن الرحلة لم تكن ستنتهي ببساطة. الطريق إلى الجبال الغربية كان قد كشف له عن جزء مظلم من الحقيقة، وكان عليه أن يكمل المسار مهما كانت التحديات.

بينما كانا يتقدمان، أصبح الجو أكثر كثافة. كانت الظلال المحيطة بهم تزداد ظلمة، وكأنها تلتهم كل ضوء وكل حياة. ومع كل خطوة كان لين يشعر بشيء غريب يزداد في قلبه، كأن تلك الظلال تتغلغل داخل جسده. على الرغم من كل شيء، كان هناك شيء عميق في قلبه يقول له أن هذا كان طريقه.

“هل يمكنك الشعور بذلك؟” سأل لين، بينما كانت أعينهم تتجه نحو الأفق المظلم الذي بدا كأنه لا نهاية له. “أشعر كأننا نقترب من شيء… شيء قد يغير كل شيء.”

أجاب ريو وهو يحاول التمركز في الأرض الوعرة: “نعم، الجو ثقيل بشكل غير طبيعي، وأنا أشعر بأننا في المكان الذي كنت أخشى الوصول إليه.”

لكن لين كان قد أصبح أكثر إصرارًا. مهما كان الخطر، كان يعلم أن هذا هو الوقت الذي يجب أن يواجه فيه الظلال ويكتشف الحقيقة.

وأخيرًا، بعد ساعات من السير في العتمة، ظهرت أمامهم بوابة ضخمة نحتتها الرياح في الصخور. كانت بوابة ضخمة تتوسط الجبل، وكانت تتألق بألوان داكنة، وكأنها تحدق بهم بعيون غامضة. على سطحها، كانت هناك نقوش غريبة تشعّ بحروف قديمة وعميقة، كان لين يشعر أنها كانت تروي قصة عن مكان أعمق بكثير من هذا.

“هذا هو المدخل… المدخل إلى المخبأ القديم.” قال ريو، بينما كانت يده تلمس الصخور حول البوابة. “من هنا، سيبدأ كل شيء.”

لكن لين لم يرد أن يضيع الوقت في التفكر. كان قلبه يعتصر بشدة، وكان يعلم أن كل لحظة تأخير قد تعني موتًا محققًا. وبكل حذر، دفع الباب بيديه.

فتح الباب فجأة، وكأن قوة قديمة قد أطلقها، وأضاء من داخله ضوء باهت لكنه كان مليئًا بالظلال المتشابكة. كان ذلك ضوءًا مدهشًا، حيث أضاء المسار المظلم الذي كان أمامهم. كما لو أن الطريق لم يكن فقط طريقًا ماديًا، بل كان أيضًا انعكاسًا للعقل الباطن للين، أو حتى لروحه.

بينما كانا يعبران الباب، دخلوا إلى قاعة واسعة مليئة بأعمدة حجرية ضخمة. كان المكان خاليًا من أي حياة، لكن الجدران كانت مغطاة برسومات معقدة تصف مخلوقات مظلمة قديمة كانت تطارد الناس منذ الأزمنة السحيقة. في عمق القاعة، كان هناك تمثال ضخم لشخصية غريبة كانت تجلس على عرش، محاطة بالعناصر المظلمة التي كانت ترفرف في كل مكان.

“هذا المكان يبدو مألوفًا.” قال لين وهو يقترب من التمثال. “أشعر أنني رأيت هذا من قبل.”

قال ريو وهو يقترب بحذر: “العديد من الأساطير تتحدث عن هذا التمثال. يقال إن من يجلس عليه يمتلك القوة لخلق الظلام أو تدميره. لكن هذا لا يعني أن عليك الاقتراب منه. إنه ليس مجرد تمثال، إنه وسيلة لفتح الأبواب المظلمة.”

“إذن، إذا كنا هنا من أجل ذلك، يجب أن نقترب.” قال لين، وعينيه تتأمل التمثال في رهبة. كان يعي تمامًا أن هذا ليس مجرد تمثال عادي. كان جزءًا من القوة التي كانت تكمن وراء كل ما مر به في هذه الرحلة.

بينما كان لين يقترب أكثر، بدأ التمثال ينبض كما لو كان حيًا. بدأت الظلال المحيطة بالقاعة تتحرك، وتكثف في مركز المكان. وشيئًا فشيئًا، بدأ التمثال في التحول، وعينيه اللامعتين تتوهجان بضوء أحمر قاتم.

“لقد دخلنا في قلب الظلام، الآن يجب أن نكون مستعدين.” قال ريو، بينما كان يراقب الحركة الغريبة حولهم.

لكن لين لم يتراجع. كان يعلم أنه لا مفر من المواجهة. إذا كان حقًا يريد أن يعرف الحقيقة، ويوقف أوريس قبل أن يسيطر على العالم، فلابد أن يواجه هذا المجهول، مهما كانت مخاطره.

وفجأة، من داخل الظلال التي كانت تلتف حول التمثال، خرج ضوء ساطع، وانفجرت الطاقة بشكل هائل، وبدأ المكان يهتز بقوة. كان الظلام يتحول إلى مخلوق ضخم ذا أجنحة مظلمة وأعين نارية، وكان يزأر بصوت رهيب، كأن هذا الكائن كان يعلن عن عودته من الموت. لم يكن هناك أي شك في أنه كان حارس

الظلال نفسه، أو ربما جزء من قوته قد تجسد هنا.

“أنت من أطلقني، وأنا هنا لأكون حاكم هذا العالم!” صرخ الكائن، وهو يمد يده نحو لين.

كانت اللحظة حاسمة. كان لين يعلم أن الاختيار الآن بين الحياة والموت كان بيده. كان عليه أن يفهم الحقيقة وراء الظلام. وكان يعرف أن مواجهة الظلال الأعمق لم تكن مجرد معركة مع كائن مظلم، بل مع نفسه ومع كل ما يحمله من قوى قديمة تزعزع توازن هذا الكون.

“لن أسمح لك بالسيطرة على هذا العالم!” قال لين، وهو يرفع يديه للرد على القوة التي كانت تحاصره.

(يتبع…)

2024/11/14 · 23 مشاهدة · 846 كلمة
عباس
نادي الروايات - 2025