الفصل العشرون: “حجر التوازن”

بعد المعركة العنيفة التي خاضها لين وريو ضد الكائن المظلم، كان كل شيء هادئًا، ولكن في ذلك الهدوء كان يكمن تهديد أكبر. كانت القاعة التي دارت فيها المعركة لا تزال تعج بالظلال المنبعثة من الأرض، وكان الهواء ثقيلًا بشكل غير طبيعي، وكأن شيئًا ما كان يضغط على صدر لين.

“لقد هزمنا الكائن… ولكن شيئًا ما لا يزال خطيرًا.” قال لين بصوت ضعيف، بينما كان يضع يده على قلبه، شعور غريب كان يراوده منذ اللحظة التي انتهت فيها المعركة.

أجاب ريو بنبرة مشابهة من التوتر: “أعلم، الجو هنا مشحون بطاقة قديمة، كأن المكان لم يتحرر من الظلام بعد.”

بينما كان لين يستعيد أنفاسه، شعر بشيء غريب يناديه من أعماق القاعة، كان هناك شعاع ضوء يتسلل عبر فتحة صغيرة في الجدار، يضيء على حجر قديم في الزاوية البعيدة من المكان. كان حجرًا ضخمًا، ولكن شكله غريب، وهو يشع بتوهج ضعيف، وكأن القوة التي ينبعث منها تشع في الأعماق.

“هل ترى ذلك؟” سأل لين وهو يشير إلى الحجر.

نظر ريو في الاتجاه الذي أشار إليه لين، ورآى الحجر المضيء. كان شيء ما في هذا الحجر يبدو غير طبيعي. “نعم… هذا ليس مجرد حجر عادي. يبدو وكأنه ينبض بطاقة.”

توجه الاثنان نحو الحجر بحذر، وكل خطوة كانت تعني أن الجو من حولهم يزداد ثقلًا. كانت الظلال تتراقص حولهم وكأنها تراقبهم في صمت. وعندما اقتربا، شعر لين بشيء غريب: كانت الطاقة التي ينبعث منها هذا الحجر تتناغم مع طاقته الداخلية، كأنها كانت تتفاعل معه.

وقف لين أمام الحجر، ثم وضع يده عليه. في لحظة، شعر بشحنة هائلة تتدفق عبر جسده. كان الضوء الذي ينبعث من الحجر يصبح أقوى وأقوى، حتى أن الغرفة بأكملها امتلأت بنور ساطع.

“ماذا يحدث؟!” صرخ ريو، وهو يبتعد خطوة إلى الوراء، محاولًا حماية نفسه من النور المتزايد. “لين! توقف! هذا ليس طبيعيًا!”

لكن لين لم يستطع أن يوقف نفسه. كان هناك شيء عميق في داخله يدفعه للاستمرار، كأن هذا الحجر كان هو المفاتيح التي كان يبحث عنها طوال هذه الرحلة. كان يشعر أن هذا هو الجزء المفقود من توازنه، وأنه بحاجة إلى هذا الحجر لتحقيق الهدف الأكبر.

وفجأة، سمع صوتًا قديمًا ينبعث من الحجر، وكان الصوت يشبه همسات الرياح، لكنه كان محملاً بالحكمة والمعرفة القديمة.

“أيها الحارس… أنت من أسست هذا التوازن… لكنك أيضًا من ستهدمه إن لم تكتشف الحقيقة.” جاء الصوت بهدوء، ثم تلاه صمت ثقيل.

لين تراجع عن الحجر قليلاً وهو يحاول فهم ما سمعه. “من يتحدث؟ ماذا يعني هذا؟”

“هذا الحجر هو حجر التوازن.” أجاب ريو، وهو ينظر بترقب إلى الحجر المضيء. “ويبدو أن هذا الحجر هو أساس القوى التي تتحكم في الظلال والنور في هذا العالم. ولكن إذا كان ما سمعناه صحيحًا، فإن توازنك قد يكون مهددًا.”

“كيف؟” سأل لين، وهو يغمض عينيه في محاولة للتركيز.

“التوازن بين الظلام والنور ليس شيئًا ثابتًا، بل هو هش، متغير، ويعتمد على قدرة الأفراد على الحفاظ عليه. إذا تلاشى التوازن، سيغمر الظلام هذا العالم تمامًا، ولن يكون هناك عودة إلى الوراء.” أضاف ريو، وهو يبتعد قليلاً عن الحجر.

كان لين يحاول فهم هذا التحذير. كان يعلم أن القوى التي يواجهها كانت تتجاوز قدراته الحالية. لكن كان هناك شعور قوي في قلبه بأن هذا الحجر قد يحمل الإجابة التي يحتاج إليها. “إذا كان هذا حجر التوازن، فما الذي يجب عليَّ فعله؟”

فجأة، تردد الصوت مرة أخرى، لكن هذه المرة كان أكثر وضوحًا، كما لو أن الحجر نفسه كان يتحدث إليه: “الظلال التي تواجهها ليست إلا جزءًا من الظلام الأكبر الذي يهدد هذا العالم. ولكن القوة الحقيقية تكمن في داخل روحك، أيها الحارس. إذا كنت ترغب في منع الظلام من الانهيار فوق هذا العالم، يجب أن تتعلم كيف توازن بين كل شيء، بما في ذلك الظلال داخل قلبك.”

هز لين رأسه، وكأن الكلمات كانت تهزه إلى أعماق روحه. “التوازن داخل قلبي؟ ماذا يعني ذلك؟”

كان الصوت يرد في أعماق نفسه: “القوى التي بداخلك ليست خارقة فحسب، بل إنها تعكس أعماق شخصيتك. الخوف، الأمل، الشك، والثقة، كلها تساهم في هذا التوازن. إذا فهمت هذه القوى وتعلمت كيف تتحكم فيها، فستتمكن من تحقيق توازن حقيقي.”

بينما كانت كلمات الحجر تتردد في ذهنه، شعر لين بثقل جديد. لقد شعر أن رحلته لم تنتهِ بعد. كان يعلم أنه كان أمام خيار حاسم: إما أن يتعلم كيف يوازن بين كل قوى الظلام والنور في نفسه، أو أن يدفع هذا العالم ثمنًا باهظًا من جراء طيشه.

“أعتقد أنني فهمت.” قال لين، وهو يرفع يده عن الحجر بحذر. “إذا كنت سأحارب الظلام، يجب أن أبدأ بحربي الداخلية.”

رد ريو، وهو يبتسم بتفهم: “أنت على الطريق الصحيح، لين. ولكن تذكر أن الرحلة لم تنتهِ بعد، وكما قال الحجر، التوازن ليس سهلاً. ستواجه تحديات أكبر.”

في تلك اللحظة، شعر لين بشيء قوي يغير طاقته. كان الحجر قد أصبح جزءًا من قلبه، وأصبح لديه الآن القوة والوعي اللازمين لإكمال رحلته. ولكنه كان يعلم أن الظلال التي اكتشفها في نفسه كانت تهدد بتدميره إذا لم يتعلم كيف يوازنها.

“لن نتراجع.” قال لين بصوت حازم، عاقدًا العزم على المضي قدمًا. “الظلام في داخلي لن يسيطر علي. سأتعلم كيف أواجهه، وسأحقق التوازن.”

بينما كان لين وريو يغادران القاعة، كان لين يشعر بشيء جديد ينبض في داخله. كان التوازن الذي تحدث عنه الحجر قد بدأ يظهر في حياته. لكن رحلته كانت قد دخلت مرحلة جديدة، مرحلة سيتعين عليه فيها مواجهة الظلام داخل نفسه، والظلام الذي يهدد العالم.

(يتبع…)

2024/11/16 · 13 مشاهدة · 836 كلمة
عباس
نادي الروايات - 2025