الفصل الواحد والعشرون: “الظلال داخل النفس”

كانت الأيام التي تلت المعركة الطويلة في القاعة المظلمة مليئة بالصمت المطبق، كما لو أن العالم بأسره كان ينتظر شيئًا. لين و ريو كانا يسيران عبر الغابات الكثيفة في طريقهما إلى المكان المجهول الذي قد يحتوي على إجابات أكثر. لقد حُملت أرواحهم بتساؤلات، وكان التوازن الذي اكتشفه لين في الحجر المضيء يطارد تفكيره بشكل مستمر.

كانت السماء تميل إلى الاحمرار مع اقتراب الغروب، والهواء البارد يحرك أوراق الأشجار برقة، لكنه لم يكن كافيًا لتخفيف شدة الضغط الذي كان يثقل قلب لين. كان يعلم أنه لا يستطيع الهروب من ظلاله الداخلية.

“يبدو أننا في الطريق الصحيح، أليس كذلك؟” قال ريو وهو يلتفت إلى لين بنظرة هادئة، رغم ما كان يخبئه ذلك الطريق من تحديات.

أجاب لين بنبرة مليئة بالشكوك: “أعتقد ذلك… لكنني أشعر أن شيئًا ما في داخلي… يعيقني. كأنني أواجه ظلالي الخاصة، وأخشى أن لا أتمكن من التحكم فيها.”

وقف ريو وأخذ نفسًا عميقًا، ثم وضع يده على كتف لين بطريقة شقيقة الرفاق. “لن تكون وحدك في هذا، لين. نحن هنا معًا، سنتعلم ونواجه التحديات كما واجهناها سابقًا. التوازن لا يأتي بسهولة، ولكننا نملك القوة اللازمة. القوة التي يمكن أن تصمد في مواجهة الظلام، لكن الأمر يبدأ منك أولًا.”

ابتسم لين ابتسامة صغيرة، لكنه شعر بقلق أكبر في داخله. كان يعرف أن رفيقه على صواب، لكن الظلال التي داخل نفسه كانت أعمق وأشد تعقيدًا مما يمكن أن يدركه أي شخص. ومع ذلك، كان هذا التحدي الذي عليه أن يواجهه: أن يحارب كل ما يختبئ في أعماقه، وكل ما يعوقه عن السيطرة على قوته الداخلية.

عند وصولهما إلى أطراف جبل ضبابي، حيث كان يُقال أن حجر

التوازن قد أتى منه، شعر لين بضغط ثقيل يزداد مع كل خطوة يخطوها. كان هذا المكان هو الممر الأخير نحو كشف الحقائق المخفية عن هذا العالم المظلم. ولم يكن فقط بحاجة إلى فحص العالم المحيط به، بل كان يحتاج لفحص نفسه أيضًا.

“هذه هي النقطة الأخيرة، أليس كذلك؟” قال لين وهو يلتفت إلى ريو.

“نعم.” رد ريو بحذر، وهو ينظر إلى القمة المظلمة التي تنحدر منها الدروب الملتوية. “لقد أخبرتنا الأساطير أن هذه الأراضي هي حيث يبدأ التوازن في الاضطراب… وسنحتاج إلى تجاوز الظلال الموجودة في أعماقنا إذا أردنا المضي قدمًا.”

وتابع الاثنان صعود الجبل، حيث كانت رياح شديدة تزداد مع كل خطوة. كان لين يشعر بتساؤلاته تتراكم في قلبه. لقد غزت ظلاله الداخلية كل جانب من جوانب تفكيره: ماذا لو كان هو من يتسبب في انتشار الظلام؟ ماذا لو كان جزءًا من الكارثة؟ كانت تلك الأسئلة تدور في ذهنه وتؤلمه.

وفي لحظة ما، انبثقت رؤيا داخل عقله، كما لو أن الظلام نفسه قد بدأ يعبر عنه. كانت هذه الرؤيا صورة له وهو يقف في مكان مظلم، وحده في عالم ضبابي. كان الظلام يلتف حوله، وكأن الأرض نفسها تتنفس به.

ثم شعر بشيء غريب، كما لو أن شيئًا يتسلل إلى عقله. كان الصوت الذي سمعه في القاعة القديمة يهمس في قلبه مجددًا: “هل أنت مستعد لمواجهة هذه الظلال؟”

قفز قلب لين في صدره. كان الصوت في رأسه يتحدث إليه بصدق مأساوي: “ما الذي يجعلك تعتقد أنك قادر على التعامل مع هذا التوازن؟ أنت تخشى الظلام الذي بداخلك… وهذا الظلام سيبتلعك إذا لم تتعلم كيف تحكمه.”

تسارعت أنفاس لين وهو يركض نحو حافة الجرف، حيث تبدو القمة على بُعد قليل. “أنا لا أستطيع أن أكون ضعيفًا… لا يمكنني الاستسلام لهذا الخوف. لا يمكنني السماح لظلالي بالتحكم بي.”

ثم، فجأة، اجتاحه شعور غريب. أصبح كل شيء حوله مظلمًا، وكأن السماء اختفت، وتلاشى الضوء. أصبح لين عميقًا في داخل نفسه. كانت الرؤيا التي تراوده قبل قليل تتجسد بشكل واقعي. هو الآن في الظلام، والظلال تحيط به من كل جانب.

“أنت لست قويًا بما فيه الكفاية.” سمع الصوت مرة أخرى، هذه المرة في صوته هو نفسه، وكان الصوت عميقًا، مظلمًا، وكأن الأنين نفسه قد تغلغل في روحه. “أنت فقط بشر… وستظل دائمًا تحمل الظلال بداخلك. لا يمكنك الهروب منها.”

شعر لين أن الظلال تكبر بداخله، وأصبح جسده غير قادر على تحمل هذا الضغط. كان يشعر أن كل طاقة الظلام قد اجتمعت حوله، وأنه قد ينهار في أي لحظة.

ولكن في تلك اللحظة، تذكر كلمات ريو: “لن تكون وحدك في هذا.”

لين أغلق عينيه، وأخذ نفسًا عميقًا. “أنا لست وحدي… أنا لست فقط الظلام. سأتعلم كيف أوازن بين الظلال والنور.”

فتح عينيه فجأة، ووجد نفسه في مكان آخر، مكان يشع بالنور. كان النور يخرج من قلبه، حيث كان التوازن الذي بدأ يكتشفه أخيرًا يتبلور. كانت الظلال التي كانت تملأ قلبه قد بدأت تنسحب، ولكن لم تختفِ بالكامل. كان يعلم أنه لا يستطيع محوها تمامًا، لكن بإمكانه التحكم بها.

أخذ لين خطوة إلى الأمام، حيث كان الطريق إلى القمة يتكشف أمامه. لقد بدأ في فحص ظلاله، ولم يعد يخشى منها. وعندما نظر إلى الأفق، أدرك أنه ليس مجرد حارس للنور، بل هو أيضًا حارس للظلام.

“لن أسمح للظلام بأن يبتلعني، لكنني أيضًا لن أترك النور يطغى على كل شيء.” همس لنفسه وهو يواصل صعوده، عاقدًا العزم على المضي قدمًا في رحلته.

(يتبع…)

2024/11/18 · 10 مشاهدة · 787 كلمة
عباس
نادي الروايات - 2025