الفصل الثالث والعشرون: “بوابة الأمل”

كانت السماء تتنفس بألوان جديدة، حيث تحول الظلام إلى نورٍ، وكان لين يقف على حافة الجبل، محاطًا بهدوء عميق، يشعر بنوع من التحرر لأول مرة في حياته. لم يكن قد اعتقد أبدًا أن هذا اليوم سيأتي. كان يشعر وكأن كل شيء قد تغير إلى الأبد: الظلال التي كانت تقيده أصبحت الآن جزءًا من قوته، وعينيه كانتا تلمعان بلمعان الأمل الذي كان يفتقده لسنوات.

بعد المعركة مع كائنات الظلام، شعر لين بالسلام الداخلي، لكنه كان يعلم أن هذه اللحظة لم تكن سوى بداية الطريق. المعركة الحقيقية لم تنتهِ بعد، فما زال هناك الكثير من الألغاز التي تنتظر من يكشفها. وعلى الرغم من تراجع الظلام من حوله، إلا أن هناك شيئًا كان يلوح في الأفق: تهديدٌ أكبر، شيء عميق في عالمهم يحاول التلاعب بهذا التوازن الهش.

“لقد فعلت ما كان يجب عليك فعله، لين,” جاء صوت ريو من خلفه. وعندما التفت لين ليرى صديقه، كان ريو يقف على بعد خطوات قليلة، لكن هناك شيئًا جديدًا في عينيه. كان يبدو وكأنه قد اكتشف شيئًا أعمق عن العالم الذي كانوا يعيشون فيه.

“ماذا تعني؟” سأل لين وهو يشعر بتوتر في قلبه.

“لن تكون الظلال الوحيدة التي ستواجهها.” قال ريو بلغة هادئة، “لقد كانت هذه المعركة مجرد بداية. لكننا على حافة اكتشاف شيء أكبر بكثير.”

أشار ريو إلى الأفق، حيث كانت القمة الجبلية أمامهم، وتحتها وادي مظلم يمتد بلا نهاية. في الأفق، كانت هناك بوابة ضبابية ضخمة تظهر ببطء، كما لو أن الزمن ذاته كان يتحرك ببطء عند هذه النقطة. “هناك بوابة قديمة، قد لا تكون مجرد مكان، بل مدخل إلى عالمٍ آخر. كان أسلافنا يشيرون إليها كبوابة الأمل.”

أخذ لين نفسًا عميقًا وهو يراقب البوابة المظلمة التي كانت تتشكل أمامهما. كان يعلم أن هذه اللحظة، التي كان يراها كعلامة فارقة، لم تكن مجرد تصادف. كانت بوابة تفتح أمامه لتكشف له أسرارًا قديمة، وقوة لا يمكن تصورها.

“هل أنت مستعد؟” سأل ريو بصوتٍ هادئ، لكن مع لمعانٍ من القلق في عينيه.

“أعتقد أنه لا يوجد من خيار آخر.” أجاب لين وهو يبتسم ابتسامة صغيرة، محاولًا إخفاء التوتر الذي كان يشعر به. كان يعلم أن الوقت قد حان لاتخاذ الخطوة التالية في رحلته، وأنه لا يمكنه العودة إلى الوراء الآن.

اتجه لين و ريو نحو البوابة. ومع كل خطوة، كان الهواء يصبح أكثر كثافة، وكأن شيئًا غير طبيعي كان يحيط بهم. وفي اللحظة التي اقتربا فيها من البوابة، تغير الصوت المحيط بهما. أصبح كل شيء ساكنًا، وكأن العالم نفسه كان يترقب ما سيحدث بعد لحظات.

دخل لين أولًا، وقبل أن يتبعه ريو، وقف لوهلة في ظل الضوء المبهر الذي ينبعث من البوابة. داخل قلبه، شعر بشيءٍ غريب، كما لو كان يواجه نفسه مرة أخرى، ولكن في شكل جديد. كان الضوء الذي يخرج من البوابة لا يشبه أي ضوء رأه من قبل. لم يكن ناعمًا، بل كان لامعًا ومتعدد الألوان، كما لو كان يحمل في طياته مزيجًا من كل ما هو حي في هذا العالم.

وبينما كان لين يقف عند مدخل البوابة، بدأ يسمع أصواتًا غريبة تدور في ذهنه. كانت الكلمات غير واضحة، تتداخل مع بعضها البعض، لكنها كانت تحمل رسالة ما.

“كل شيء يبدأ هنا، لين…” قال الصوت، وكانه يأتي من داخل أعماق قلبه. “لتدرك الحقيقة، عليك أن تعبر هذا العالم. لتعرف أسرار الماضي، يجب أن تكون مستعدًا للتضحية بكل شيء.”

“ماذا يعني هذا؟” همس لين لنفسه، وهو يخطو عبر البوابة بحذر.

فور دخوله، شعر بشيء غريب يلتف حوله. كان هناك شعاع من الضوء يحيط به، ومع ذلك كانت الأرض التي تحت قدميه تبدو غريبة، كأنها ليست جزءًا من هذا العالم. كانت السماء مغطاة بسحب كثيفة، والهواء كان محملًا بشيء غير قابل للتفسير. بدا المكان وكأنه غير حقيقي، أو ربما كان حقيقيًا بشكل غريب جدًا.

بينما بدأ لين يتجول في هذا المكان الغريب، بدأ يشعر بشيءٍ مميز. كان هذا المكان ليس فقط مكانًا ماديًا، بل كان أيضًا عكسًا لواقعه الداخلي. كان كل خطوة يخطوها تأخذه أعمق إلى أعماق نفسه، كما لو كان يواجه ماضيه، وخياراته، وكل ما اختبأ في قلبه من أسرار.

ثم، فجأة، ظهر أمامه كائن ضخم، شبيه بشبح، يطفو في الهواء. كان هذا الكائن مظلمًا، ولكنه كان مختلفًا عن الكائنات الظلامية التي واجهها من قبل. كان وجهه مغطى بالضباب، وعيناه كانت تحملان تعبيرًا غريبًا من الحزن والخوف، كما لو أنه كان يتألم.

“أنت…” قال الكائن بصوتٍ منخفض، غير واضح، لكنه كان يحمل الكثير من القوة. “أنت الشخص الذي كان مُختارًا منذ البداية. لكنك ستواجه الحقيقة المؤلمة عن هذا العالم الآن. لا مفر من ذلك.”

كان لين يقف ثابتًا، وهو يحاول فهم كلمات الكائن. كان هناك شيء غير طبيعي في هذه الكائنات، شيء قد لا يكون ماديًا، بل هو جزء من شيء أعمق وأكبر. كان يشعر أن هناك حقيقة خفية عن هذا العالم، تلك الحقيقة التي كان عليه أن يكشفها، مهما كانت التكلفة.

“ماذا تعني بالحقيقة المؤلمة؟” سأل لين، وهو يرفع رأسه.

أجاب الكائن بصوت عميق وغامض، “الحقيقة التي ستعلمك ما الذي يهدد هذا العالم. الحقيقة التي ستجعلك تختار بين ما تود أن تكون، وما يجب أن تكون. عالمك هذا ليس كما تراه.”

ومع هذه الكلمات، بدأ المكان يهتز من حولهم، وكان الشعاع الذي كان يحيط بـ لين يتلاشى، وكأن البوابة كانت تغلق خلفه.

2024/11/23 · 11 مشاهدة · 814 كلمة
عباس
نادي الروايات - 2025