الفصل الرابع والعشرون: “في قلب الهاوية”

كان لين يقف هناك، في قلب هذا العالم الغريب الذي بدا وكأنه يضغط عليه من كل الاتجاهات. كانت كل خطوة يخطوها في هذا المكان تؤدي إلى شيء غير مألوف، كان الزمن يبدو وكأنه يمر بشكل مختلف، وكأن لحظات الحياة هناك تطول وتختفي في نفس الوقت. بينما كان يواجه الكائن الظلامي، كان الصمت يحيط بهم بشكل غير مريح، لكنه كان مليئًا بالمعاني العميقة التي لم يكن لين قادرًا على فك شفرتها بعد.

“عالمك ليس كما تراه.” قال الكائن مجددًا بصوتٍ عميق، وكأن هذه الكلمات كانت تطوف في ذهن لين، وتثقل عقله بكل ما هو غير معقول.

لم يكن لين في حاجة للكلمات أكثر من هذا ليشعر بأنه قد دخل في عالم آخر، عالم قد تكون قوانينه مختلفة تمامًا عن العالم الذي جاء منه. كان هناك شيء ما في الجو يجعل قلبه يخفق بشدة، كما لو كان يحاول استيعاب هذه الحقيقة الجديدة، وهي أن كل ما عرفه، كل ما اعتقد أنه كان حقيقيًا، قد لا يكون سوى جزء من شيء أكبر بكثير.

“من أنت؟” سأل لين بصوت مرتفع، محاولًا أن يجد في نفسه القوة للاستمرار في هذه المواجهة. كان يعلم أن هذه اللحظة كانت اختبارًا حقيقيًا لقدرته على فهم ما يجري. وكان يعلم أيضًا أنه إذا لم يفهم هذا المكان الآن، فإن المغامرة التي بدأها ستكون دون معنى.

الشيء الذي ظهر أمامه، الكائن الغامض، الذي كان شكله يتغير في كل لحظة، وكأنه كان يتكيف مع البيئة حوله، أجاب في لهجة غريبة. “أنا الحارس، وأنا جزء من هذا العالم المظلم. في البداية، كنت مجرد فكرة، مجرد رمز للخوف، لكنني الآن أكثر من ذلك. وأنا هنا لأنك بحاجة لمعرفة الحقيقة.”

“الحقيقة؟” لين شعر بشيء غريب في قلبه، وكأن هذا الكائن يتحدث عن شيء يربط بين الماضي والحاضر، شيئًا كان مغلقًا في أعماق عقله. “أي نوع من الحقيقة تتحدث عنها؟”

ضحك الكائن بصوت منخفض وكأن الصوت يعبر عبر الزمان والمكان في آن واحد. “إنها الحقيقة التي لا تستطيع الهروب منها. الحاكم الذي يملك الظلال في قلبه هو من يستطيع فتح الأبواب التي أغلقها الماضي. لكن الحقيقة ستكون مدمرة، فهي لا تتماشى مع ما ترغب في تصديقه.”

كان لين يراقب الكائن عن كثب، وكان يحاول أن يفهم المعنى الذي يخفونه وراء كلماتهم. ظل الكائن يطفو في الهواء، وعيناه التي كانت تظهر للحظة ثم تختفي وكأنها تهتز تحت ضوء خافت، جعلت من الصعب على لين تحديد ماهية هذا الكائن الحقيقي.

“هل هذا المكان هو عالم آخر؟” سأل لين، وهو يحاول أن يربط ما حوله بالحقيقة التي كشفها الكائن. كان يشعر وكأن هذا الفضاء كان غير مادي، وكأن ما يراه ليس أكثر من صورة، أو ذكرى، أو حلم طويل.

“نعم، هو عالم آخر، لكنه في نفس الوقت ليس منفصلًا عن عالمك. هو هنا، في كل مكان، ولكنك لا تستطيع رؤيته كما هو إلا إذا تجاوزت الحدود.” قال الكائن، مستمرًا في تحركه الغريب حول لين. “عالمك وأنت، أنتم جميعًا متصلون بهذا البعد، ولكنكم لا تدركون ذلك بعد.”

كانت الكلمات التي قالها الكائن تلتف حول عقل لين مثل خيوط من ضباب كثيف، وكان يمر الوقت وكأن لين يركض في دائرة لا تنتهي. كان قلبه ينبض بسرعة أكبر، لكنه شعر بشيء آخر أيضًا، شيء أعمق في نفسه. كان يدرك أن هذا المكان، على الرغم من غرابته، ليس مكانًا خارجيًا فقط. إنه كان جزءًا من داخله، شيء يعكس أعماقه، يخاطب جوانب من شخصيته لم يلتق بها من قبل.

“وماذا عن تلك البوابة؟” قال لين وهو يلفت انتباهه إلى البوابة الضبابية التي كانت تغلق خلفه. “هل هي الطريق للخروج من هذا العالم؟”

نظر الكائن إلى البوابة، ثم عاد بنظره إلى لين، “الطريق لا يكمن في البوابة، بل في فهمك لما خلفها. الباب لن يفتح إلا عندما تكون جاهزًا لرؤية الحقيقة عن نفسك. ومن هنا تبدأ رحلتك الحقيقية.”

كان لين ينظر بتركيز إلى الكائن، وكل كلمة يقولها كانت تضاف إلى الفهم الذي بدأ يتشكل في ذهنه. كان هناك شيء عميق في كلمات الكائن، شيء كان يشير إلى أن القوة التي يمتلكها لين ليست مجرد قوة خارجية، بل هي جزء من هويته، قوة من داخله كانت تحتاج إلى الوعي بها، والتوازن معها.

“هل تعني أنني يجب أن أواجه ظلالي تمامًا؟” سأل لين، وقد أدرك الآن أن القتال الذي خاضه في السابق كان مجرد البداية. “هل يجب أن أقبل كل شيء في نفسي؟”

أومأ الكائن برأسه، وكأن ذلك كان الجزء الأهم من اختبار لين. “نعم. إذا كنت ترغب في العبور من هذا العالم إلى ما هو أبعد منه، يجب أن تواجه كل جانب في نفسك. القوة الحقيقية لا تكمن في الهروب من ظلالك، بل في احتضانها.”

لم يكن لين يستطيع أن يلتقط كل ما قيل دفعة واحدة، ولكن شيئًا ما بدا له أنه بدأ يفهم. لم يكن الظلام الذي يواجهه عدوه في الحقيقة، بل كان جزءًا منه، كان ذلك العدو الذي يسعى دائمًا للظهور في صور مختلفة في حياته. كانت الظلال التي كان يحاول الهروب منها طوال حياته هي في الحقيقة مصدر قوته، ومعرفة نفسه الحقيقية.

“إذا كانت الحقيقة في الظلام، فكيف يمكنني استخدامها؟” قال لين أخيرًا، وهو يشعر بشيء من التردد في قلبه. كان يعلم أن الطريق لن يكون سهلاً، وأن قبول هذا الظلام كان سيتطلب منه التضحيات.

“لأنك أصبحت الآن الحاكم الذي يمكنه التوازن بين النور والظلام.” أجاب الكائن، وأشار إلى البوابة التي كانت تزداد وضوحًا مع مرور اللحظات. “ولكن تذكر، كل طريق له ثمن، والقرار يعود إليك.”

كان لين ينظر إلى البوابة التي تقترب منه، والشعور بالاستعداد للتقدم كان يزداد داخله. في اللحظة التي عبر فيها، شعر بشيء عميق يتغير في نفسه. لم يكن قد أصبح في النهاية البطل الذي كان يعتقد أنه سيكون، بل كان قد أصبح شخصًا جديدًا، شخصًا يفهم الآن أنه لا يمكن أن يتجنب الظلام أو يهرب منه، بل يجب أن يواجهه.

بينما كان يخطو نحو البوابة، كان يعلم أن هذه الرحلة لن تكون فقط لفتح الأبواب الخارجية، بل لفتح الأبواب التي كانت مغلقة في قلبه لسنوات.

(يتبع…)

2024/11/24 · 12 مشاهدة · 925 كلمة
عباس
نادي الروايات - 2025